الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقُلْنَا إذَا
كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا
أَوْجَبَ جَهَالَةً فِي الْأَوَّلِ بِحُكْمِهِ إذَا اُعْتُبِرَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَسَقَطَ فِي نَفْسِهِ بِصِيغَتِهِ إذَا اُعْتُبِرَ بِالنَّاسِخِ وَحُكْمُهُ قَائِمٌ بِصِيغَتِهِ فَصَارَ الدَّلِيلُ مُشْتَبِهًا فَلَمْ نُبْطِلْهُ بِالشَّكِّ
ــ
[كشف الأسرار]
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِهِمَا كَالْفَمِ لَمَّا أَخَذَ حَظًّا مِنْ الظَّاهِرِ وَحَظًّا مِنْ الْبَاطِنِ اُعْتُبِرَ بِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَيْءِ عَلَى مَا عُرِفَ وَكَصَدَقَةِ الْفِطْرِ لَمَّا كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَالْمُؤْنَةِ اُعْتُبِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يُكْتَفَ بِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا الْكَفَّارَةُ فَكَذَلِكَ هَهُنَا يُعْتَبَرُ دَلِيلُ الْخُصُوصِ فِي الْمَخْصُوصِ الْمَعْلُومِ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَعْلُومِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَعْلُومِ وَفِي الْمَخْصُوصِ الْمَجْهُولِ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ وَالنَّاسِخِ الْمَجْهُولِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي كُلِّ بَابٍ بِنَظِيرِهِ وَلَوْ قَالَ بِنَظِيرَيْهِ أَوْ قَالَ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَابٍ بِهِمَا لَكَانَ أَحْسَنَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي بِنَظِيرِهِ رَاجِعًا إلَى كُلِّ بَابٍ أَيْ وَجَبَ اعْتِبَارُ دَلِيلِ الْخُصُوصِ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمُشَابَهَةِ بِنَظِيرِ ذَلِكَ النَّوْعِ فَيُعْتَبَرُ فِي شَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مَعْلُومًا كَانَ أَوْ مَجْهُولًا وَيُعْتَبَرُ فِي شَبَهِ النَّاسِخِ بِحَقِيقَةِ النَّاسِخِ مَعْلُومًا كَانَ أَوْ مَجْهُولًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بِنَظِيرَيْهِ لَا يَصِحُّ.
[كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا]
قَوْلُهُ (فَقُلْنَا إذَا كَانَ) هَذَا شُرُوعٌ مِنْ الشَّيْخِ فِي بَيَانِ اعْتِبَارِهِ بِالشَّبَهَيْنِ فِي كُلِّ بَابٍ فَقَالَ إذَا كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا أَيْ مُتَنَاوِلًا لِمَجْهُولٍ عِنْدَ السَّامِعِ أَوْجَبَ جَهَالَةً فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَخْصُوصُ مِنْهُ (بِحُكْمِهِ) أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى حُكْمِهِ وَهُوَ بَيَانُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ هَذَا الْمَجْهُولُ تَحْتَ الْعَامِّ (إذَا اُعْتُبِرَ بِالِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ رُدَّ إلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى إذَا كَانَ مَجْهُولًا أَوْجَبَ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (وَسَقَطَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ فِي نَفْسِهِ (بِصِيغَتِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ صِيغَتِهِ إذَا اُعْتُبِرَ بِالنَّاسِخِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّاسِخَ إذَا كَانَ مَجْهُولًا أَيْ مُتَنَاوِلًا لِمَجْهُولٍ لَا يُعَارِضُ الْأَوَّلَ بَلْ يَسْقُطُ بِنَفْسِهِ (وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ دَلِيلِ الْخُصُوصِ وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ الْمَخْصُوصَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْجُمْلَةِ (قَائِمٌ) أَيْ ثَابِتٌ بِصِيغَتِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ حُكْمَهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ قَائِمًا بِصِيغَتِهِ لَا تَتَعَدَّى جَهَالَتُهُ إلَى الْأَوَّلِ لِانْفِصَالِهِ عَنْهُ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا كَانَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ قَائِمًا بِصِيغَتِهِ وَصِيغَتُهُ سَقَطَتْ بِاعْتِبَارِ شَبَهِهَا بِالنَّسْخِ فَيَسْقُطُ شَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّبَهَ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ قَائِمٌ بِالصِّيغَةِ فَيَسْقُطُ الْكُلُّ بِسُقُوطِ الصِّيغَةِ فَيَبْقَى الْعَامُّ عَلَى مَا كَانَ فَكَأَنَّهُ رَجَّحَ جِهَةَ سُقُوطِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ عَلَى جِهَةِ ثُبُوتِهِ فِي تَأْثِيرِهِ فِي الْعَامِّ (فَصَارَ الدَّلِيلُ) أَيْ الْعَامُّ (مُشْتَبِهًا) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالزَّوَالِ فَشِبْهُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي دَلِيلِ الْخُصُوصِ أَوْجَبَ زَوَالَهُ وَشِبْهُ النَّسْخِ فِيهِ أَوْجَبَ بَقَاءَهُ عَلَى مَا كَانَ (فَلَمْ نُبْطِلْهُ) أَيْ الْعَامَّ (بِالشَّكِّ) لِأَنَّ مَا كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ وَلَكِنْ تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ جَهَالَةٍ فَأَوْرَثَتْ زَوَالَ الْيَقِينِ فَيُوجَبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الدَّلِيلِ دَلِيلَ الْخُصُوصِ وَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي فَلَمْ يُبْطِلْهُ عَائِدًا إلَيْهِ أَيْضًا أَيْ فَصَارَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مُشْتَبِهًا فِي نَفْسِهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَعَدَمِهِ فَلَا يُبْطِلُهُ بِالشَّكِّ وَإِذَا لَمْ نُبْطِلْ دَلِيلَ الْخُصُوصِ بِالشَّكِّ لَا يَبْطُلُ الْعَامُّ بِالشَّكِّ أَيْضًا لِأَنَّ بُطْلَانَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ وَبَقَاءَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ وَفِيهِمَا تَرَدُّدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ دَلِيلَ الْخُصُوصِ وَأَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَى الْعَامِّ أَيْ فَصَارَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مُشْتَبِهًا لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَبْطُلُ الْعَامُّ بِالشَّكِّ بِمِثْلِ هَذَا الدَّلِيلِ الْمُتَرَدِّدِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَا نُبْطِلُ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِالشَّكِّ فَلَا يَسْقُطُ دَلِيلُ الْخُصُوصِ لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا بِالشَّكِّ وَلَا تَخْرُجُ صِيغَةُ الْعَامِّ مِنْ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً بِالشَّكِّ أَيْضًا كَالْمَفْقُودِ لَا يُورَثُ عَنْهُ بِالشَّكِّ وَلَا يَرِثُ
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَعَلَى احْتِمَالِ التَّعْلِيلِ يَصِيرُ مَخْصُوصًا مِنْ الْجُمْلَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ لِلنَّصِّ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فَيَصِيرُ قَدْرُ مَا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ مَجْهُولًا هَذَا عَلَى اعْتِبَارِ صِيغَةِ النَّصِّ وَعَلَى اعْتِبَارِ حُكْمِهِ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ عَدَمٌ وَالْعَدَمُ لَا يُعَلَّلُ فَدَخَلَتْ الشُّبْهَةُ أَيْضًا وَقَدْ عُرِفَ مُوجِبًا فَلَا يَبْطُلُ بِالِاحْتِمَالِ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّاسِخِ إذَا وَرَدَ فِي بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ مَعْلُومًا فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيمَا بَقِيَ لَا يَتَغَيَّرُ لِاحْتِمَالِ التَّعْلِيلِ لِأَنَّ النَّاسِخَ إنَّمَا يَعْمَلُ عَلَى طَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لَا عَلَى تَبَيُّنِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الصِّيغَةِ فَيَصِيرُ الْعِلَّةُ مُعَارِضَةً لِلنَّصِّ،
ــ
[كشف الأسرار]
أَيْضًا بِالشَّكِّ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا) أَيْ وَكَمَا اعْتَبَرَ جِهَةَ الِاسْتِثْنَاءِ وَجِهَةَ النَّسْخِ فِي الْمَخْصُوصِ الْمَجْهُولِ يُعْتَبَرُ كِلَاهُمَا أَيْضًا فِي الْمَخْصُوصِ الْمَعْلُومِ أَوْ مَعْنَاهُ وَكَمَا صَارَ الْعَامُّ مُشْتَبِهًا فِي الْمَخْصُوصِ الْمَجْهُولِ فَكَذَلِكَ يَصِيرُ مُشْتَبِهًا فِي الْمَخْصُوصِ الْمَعْلُومِ أَيْضًا فَلَا نُبْطِلُهُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ.
وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ دَلِيلَ الْخُصُوصِ (يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ وَهَذَا نَصٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ قَابِلًا لِلتَّعْلِيلِ (وَعَلَى احْتِمَالِ التَّعْلِيلِ يَصِيرُ مَخْصُوصًا) أَيْ يَصِيرُ مَا تَنَاوَلَتْهُ الْعِلَّةُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَخْصُوصًا مِنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي دَخَلَتْ تَحْتَ الْعَامِّ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَأَوْجَبَ جَهَالَةَ الْبَاقِي قَوْلُهُ (كَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ) جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْقِيَاسُ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ التَّخْصِيصُ ابْتِدَاءً وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيلُ النَّاسِخِ أَيْضًا إذْ فِيهِ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ النَّصَّ فَكَيْفَ جَازَ اعْتِبَارُ احْتِمَالِ التَّعْلِيلِ هَهُنَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَامِّ وَفِيهِ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ النَّصَّ فَقَالَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّعْلِيلُ هَهُنَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يُثْبِتُ الْحُكْمَ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى وَفْقِ مَا أَثْبَتَهُ الْأَصْلُ الَّذِي يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ ثُمَّ النَّصُّ وَهُوَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ هَهُنَا عَمَلُهُ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عَلَى وَجْهِ الْمُعَارَضَةِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ عَمَلُ الْقِيَاسِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ فَأَمَّا النَّاسِخُ فَإِنَّمَا يَعْمَلُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ فَلَوْ جَازَ تَعْلِيلُهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ النَّصَّ وَهُوَ فَاسِدٌ وَكَذَا التَّخْصِيصُ ابْتِدَاءً بِالْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْقِيَاسُ لَا يَصْلُحُ مُبَيِّنًا لِهَذَا الْعَامِّ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ شَيْئًا مِنْ أَفْرَادِهِ فَكَذَا الْقِيَاسُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْهُ لَا يَصْلُحُ مُبَيِّنًا وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ مُبَيِّنًا كَانَ مُعَارِضًا لَهُ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ النَّصِّ قَوْلُهُ (فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ أَوْ بِالتَّعْلِيلِ لِخُلُوِّهِ عَنْ مُعَارَضَةِ النَّصِّ.
(فَيَصِيرُ قَدْرَ مَا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ) أَيْ الْعَامُّ مَجْهُولًا أَوْ يَصِيرُ قَدْرَ مَا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ الْمُخَصِّصُ مَجْهُولًا لِجَهَالَةِ مَا دَخَلَ تَحْتَ عِلَّتِهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ جَهَالَةُ الْعَامِّ أَيْضًا كَمَا إذَا كَانَ الْمَخْصُوصُ مَجْهُولًا (هَذَا عَلَى اعْتِبَارِ صِيغَةِ النَّصِّ) أَيْ احْتِمَالِ التَّعْلِيلِ وَلُزُومِ الْجَهَالَةِ بِاعْتِبَارِ صِيغَةِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ الَّتِي بِهَا يَتَحَقَّقُ شِبْهُ النَّسْخِ (فَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ حُكْمِهِ) أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ التَّعْلِيلِ لِأَنَّ دَلِيلَ الْخُصُوصِ شَبِيهٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ لِأَنَّهُ عَدَمٌ إذْ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْكَلَامِ وَأَنَّ التَّكَلُّمَ حَصَلَ بِمَا وَرَاءَهُ لَا أَنَّهُ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْعَدَمُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ عَلَى مَا عُرِفَ (فَدَخَلَتْ الشُّبْهَةُ) أَيْ فِي الْعَامِّ بِاعْتِبَارِ الْمَخْصُوصِ الْمَعْلُومِ كَمَا دَخَلَتْ بِاعْتِبَارِ الْمَخْصُوصِ الْمَجْهُولِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَيْضًا لِأَنَّ بِاعْتِبَارِ صِيغَةِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ وَاحْتِمَالِ التَّعْلِيلِ فِيهِ يَخْرُجُ الْعَامُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً وَبِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ يَبْقَى مُوجِبًا لِلْحُكْمِ قَطْعًا عَلَى عَكْسِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَخْصُوصِ الْمَجْهُولِ وَقَدْ عَرَفْت مُوجِبًا فَلَا يَبْطُلُ بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ وَلَكِنْ تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ فَأَوْجَبَ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ الْمُخَصِّصُ الْمَعْلُومُ (بِخِلَافِ النَّاسِخِ إذَا وَرَدَ مَعْلُومًا) أَيْ مُتَنَاوِلًا لِمَعْلُومٍ (فِي بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ) أَيْ الْعَامُّ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَامِّ بَعْدَ وُرُودِ نَاسِخٍ مَعْلُومٍ فِي الْبَعْضِ لَا يَتَغَيَّرُ
وَأَمَّا هَهُنَا فَإِنَّ التَّعَلُّلَ يَقَعُ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ دَلِيلُ الْخُصُوصِ وَهُوَ أَنْ لَا يَدْخُلَ تَحْتَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَصِيرُ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ فَإِذَا ثَبَتَ الِاحْتِمَالُ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الدَّلَالَةِ بِالشَّكِّ صَارَ الدَّلِيلُ مَشْكُوكًا بِأَصْلِهِ فَأَشْبَهَ دَلِيلَ الْقِيَاسِ فَاسْتَقَامَ أَنْ يُعَارِضَهُ الْقِيَاسُ بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ يَقِينٌ بِأَصْلِهِ فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُعَارِضَهُ الْقِيَاسُ.
ــ
[كشف الأسرار]
بِسَبَبِ احْتِمَالِ التَّعْلِيلِ كَمَا يَتَغَيَّرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِسَبَبِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ فَكَانَ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ التَّعْلِيلِ دَاخِلًا تَحْتَ النَّفْيِ.
وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ احْتِمَالَ التَّعْلِيلِ ثَابِتٌ وَلَكِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّغْيِيرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ احْتِمَالَ التَّعْلِيلِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لِيَتَغَيَّرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ:
وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرُ
أَيْ لَيْسَ فِي تِلْكَ الْمَفَازَةِ ضَبٌّ لِيَنْجَحِرَ لَا أَنَّ الضَّبَّ مَوْجُودٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَنْجَحِرُ وَبِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَلَّلَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّاسِخَ أَوْ الِاسْتِثْنَاءَ وَكِلَاهُمَا لَا يُعَلَّلُ لِأَنَّ النَّاسِخَ إنَّمَا لَا يُعَلَّلُ احْتِرَازًا عَنْ مُعَارَضَةِ الْقِيَاسِ النَّصَّ وَرُفِعَ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ بِالْقِيَاسِ وَقَدْ عُدِمَ ذَلِكَ فِي دَلِيلِ الْخُصُوصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ إنَّمَا لَا يُعَلَّلُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ وَكَوْنِهِ عَدَمًا وَقَدْ تَحَقَّقَ الِاسْتِقْلَالُ فِي دَلِيلِ الْخُصُوصِ فَيَثْبُتُ التَّعْلِيلُ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ دَلِيلَ الْخُصُوصِ يُشَابِهُ النَّاسِخَ فِي اسْتِقْلَالِ الصِّيغَةِ وَلَا يُشَابِهُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَارِضٌ وَيُشَابِهُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي كَوْنِهِ مُبَيِّنًا وَلَا يُشَابِهُهُ فِي عَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ وَعَدَمِ التَّعْلِيلِ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ يُفَارِقُهُمَا دَلِيلُ الْخُصُوصِ فِيهِمَا فَيُقْبَلُ التَّعْلِيلُ إلَّا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ عَدَمًا يُشَابِهُ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْضًا وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ التَّعْلِيلِ لَكِنَّ كَوْنَهُ مُسْتَبِدًّا يُوجِبُهُ فَيَثْبُتُ الِاحْتِمَالُ وَذَلِكَ كَافٍ كَمَا حَقَّقْنَاهُ وَبَيَّنَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ الْكَلَامَ فِي الْمَخْصُوصِ الْمَجْهُولِ عَلَى مَا بُيِّنَ هَهُنَا وَبَيَّنَ فِي الْمَخْصُوصِ الْمَعْلُومِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ فَقَالَ أَمَّا إذَا كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَعْلُومًا فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ إلَّا أَنَّ النَّصَّ يُعَلَّلُ لِتَعَدِّيَةِ حُكْمِهِ وَأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ يُشَابِهُ الِاسْتِثْنَاءَ وَالِاسْتِثْنَاءُ لِلْمَنْعِ فَكَانَ عَدَمًا وَالْعَدَمُ لَا يُعَلَّلُ فَثَبَتَ احْتِمَالُ الْعِلَّةِ، وَتَعَدَّى حُكْمُهُ وَهُوَ مَنْعُ الدُّخُولِ تَحْتَ الْعَامِّ بِإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَا بَقِيَ فَصَارَ فِي الْحَاصِلِ أَنَّهُ يُثْبِتُ احْتِمَالَ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ التَّخْصِيصَ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ كَمَا اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الْإِرَادَةَ فِي الْعَامِّ قَبْلَ التَّخْصِيصِ.
إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْإِرَادَةَ تَثْبُتُ بِعِلَّةِ النَّصِّ وَالنَّصُّ ظَاهِرٌ وَالْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ وَصْفُهُ كَانَتْ ظَاهِرَةً أَيْضًا فَتَثْبُتُ الْإِرَادَةُ الْبَاطِنَةُ أَيْضًا فِي الْخُصُوصِ عَلَى سَبِيلِ الْجَهَالَةِ بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَيُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِيَسْتَنِدَ إلَيْهِ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ اعْتِبَارَ مَا فِي الْبَاطِنِ وَذَلِكَ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا أَصْلًا وَإِذَا ثَبَتَ احْتِمَالُ الْإِرَادَةِ أَوْجَبَ شُبْهَةً فَسَقَطَ الْعِلْمُ دُونَ الْعَمَلِ إلَّا أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ كَانَ فَوْقَ هَذَا الْعَامِّ لِأَنَّ الْخَبَرَ ثَابِتٌ بِأَصْلِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي طَرِيقِهِ وَالشُّبْهَةُ فِي الطَّرِيقِ لَا يَبْطُلُ أَصْلُهُ وَهَهُنَا أَعْنِي فِي الْعَامِّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَعَتْ الشُّبْهَةُ فِي أَصْلِهِ أَنَّهُ لَمْ يُتَنَاوَلْ فَصَارَ نَظِيرُ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي أَصْلِهِ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ مُوجِبًا وَهَذَا لِأَنَّ النَّصَّ الْخَاصَّ لَمَّا كَانَ مَعْلُولًا يَثْبُتُ احْتِمَالُ التَّعَدِّي إلَى مَا بَقِيَ فَصَارَ مَخْصُوصًا أَيْضًا فَلَا يَبْقَى الْعَامُّ عَامًا، وَالِاحْتِمَالُ لَا يُسْقِطُ الْعَمَلَ بِالْأَوَّلِ وَلَكِنْ يُزِيلُ الْيَقِينَ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي حَدِّ التَّعَارُضِ فَبَقِيَ الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا كَانَ لِعَدَمِ ظُهُورِ الدَّلِيلِ وَمَا كَانَ طَرِيقُ بَقَائِهِ عَدَمَ الدَّلِيلِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِيَقِينٍ، وَلِهَذَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ وَلَمْ يَجُزْ تَرْكُ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِهِ.
بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا عَمَلُهُ فِي مَنْعِ التَّكَلُّمِ بِقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى فَكَانَ
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ الْفُرُوعِ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا أُضِيفَ إلَى حُرٍّ وَعَبْدٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَإِلَى حَيٍّ وَمَيِّتٍ وَخَمْرٍ وَخَلٍّ
ــ
[كشف الأسرار]
عَدَمًا وَالْعَدَمُ لَا يُعَلَّلُ فَإِذَا لَمْ يُعَلَّلْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْرُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَهُ مَعْلُومًا بِلَا شُبْهَةٍ وَبِخِلَافِ النَّاسِخِ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَقَرَّرَ بِالنَّصِّ الْأَوَّلِ فَإِذَا جَاءَ النَّاسِخُ كَانَ إنْهَاءً لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَإِذَا وَرَدَ النَّاسِخُ خَاصًّا فَبِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا لَمْ يَجُزْ تَغْيِيرُ ذَلِكَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الْعِلَّةَ مُعَارِضَةً لِمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَحُكْمُ الْعِلَّةِ لَا يُعَارِضُ حُكْمَ النَّصِّ بِخِلَافِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ حُكْمًا بَلْ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْقَدْرَ الْمَخْصُوصَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فَقُلْنَا النَّصُّ إذَا عَمِلَ عَمَلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ قَدْرَ مَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ الْعِلَّةُ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا تَحْتَ النَّصِّ لَا أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ.
قَوْلُهُ (وَنَظِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ) أَيْ نَظِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَحْضِ وَالنَّسْخِ الْمَحْضِ وَمَا أَخَذَ حَظًّا مِنْهُمَا وَهُوَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مِنْ الْمَسَائِلِ أَمَّا نَظِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ فَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ أَوْ بَيْنَ مَيْتَةٍ وَذَكِيَّةٍ أَوْ بَيْنَ خَمْرٍ وَخَلٍّ وَبَاعَهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ أَصْلًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الْحُرُّ أَوْ الْمَيِّتُ أَوْ الْمَيْتَةُ أَوْ الْخَمْرُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّ دُخُولَ الشَّيْءِ فِي الْعَقْدِ بِصِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَوْ جَازَ الْعَقْدُ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْحَيِّ أَوْ الذَّكِيَّةِ أَوْ الْخَلِّ إنَّمَا يَجُوزُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ قَسَمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ الْآخَرِ أَنْ لَوْ كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَالْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً لِمَعْنَى الْجَهَالَةِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ إذَا قُسِّمَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ هَذَا الْعَبْدِ الْآخَرِ أَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ إلَّا هَذَا بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ كَذَا هُنَا.
وَهَذَا إذَا لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَإِنْ فَصَّلَهُ بِأَنْ قَالَ بِعْتُهُمَا بِأَلْفٍ كُلُّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا الْعَقْدُ جَائِزٌ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَالْخَلِّ بِمَا سُمِّيَ بِمُقَابَلَتِهِ لِأَنَّ الْفَسَادَ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا وُجِدَ فِيهِ الْعِلَّةُ الْمُفْسِدَةُ وَعِنْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُدِمَتْ الْعِلَّةُ الْمُفْسِدَةُ فِي مَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ فِي الْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً فَوُجُودُ الْمُفْسِدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ تَأْثِيرَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْآخَرِ إمَّا بِاعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ وَأَحَدُهُمَا لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْآخَرِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ فِي الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا شَرْطًا لِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ إذَا صَحَّ الْإِيجَابُ فِيهِمَا لِئَلَّا يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُلْحِقًا الضَّرَرَ بِالْبَائِعِ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ إذَا لَمْ يَصِحَّ الْإِيجَابُ فِي أَحَدِهِمَا وَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا فَالْعَقْدُ يَفْسُدُ فِي الْمُدَبَّرِ وَيَبْقَى صَحِيحًا فِي الْعَبْدِ كَذَا هَذَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ لَمَّا جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِيجَابِ فَقَدْ شَرَطَ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَاشْتِرَاطُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَقَوْلُهُمَا أَنَّ هَذَا عِنْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ قُلْنَا عِنْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ فِيهِمَا يَكُونُ هَذَا شَرْطًا صَحِيحًا وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي الشَّرْطَ الْفَاسِدَ وَذَلِكَ عِنْدَ فَسَادِ الْإِيجَابِ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ بِاعْتِبَارِ جَمْعِ الْبَائِعِ بَيْنَهُمَا فِي كَلَامِهِ لَا بِاعْتِبَارِ وُجُودِ الْمَحَلِّيَّةِ فِيهِمَا.
فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ فَبَقِيَ الْآخَرُ وَحْدَهُ ابْتِدَاءً بِحِصَّتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا هَذَا بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ فَصَارَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ نَظِيرَ الِاسْتِثْنَاءِ،
ــ
[كشف الأسرار]
وَقَوْلُهُ (فَهُوَ بَاطِلٌ) يُوهِمُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ فِي الْقِنِّ أَصْلًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ فِيهِ بِالْقَبْضِ كَمَا فِي الْحُرِّ وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَسْرَارِ وَمَبْسُوطِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَمَبْسُوطِ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ مَالٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا مَجْهُولٌ وَالْجَهَالَةُ تُوجِبُ الْفَسَادَ دُونَ الْبُطْلَانِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْبَاطِلِ الْفَاسِدِ قَوْلُهُ (فَصَارَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ) أَيْ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا نَظِيرَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُرَّ وَالْمَيِّتَ وَالْمَيِّتَةَ وَالْخَمْرَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ أَصْلًا وَإِنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَالْخَلِّ ابْتِدَاءً بِالْحِصَّةِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَإِنَّ الْكَلَامَ صَارَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَأَمَّا نَظِيرُ النَّسْخِ فَهُوَ مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ اسْتَحَقَّ أَوْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ بَاعَ جَارِيَتَيْنِ فَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا أُمَّ وَلَدٍ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله فِيمَا إذَا وَجَدَ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ قَالَ لِأَنَّ الْإِيجَابَ فِيهِمْ فَاسِدٌ لِمَا ثَبَتَ لَهُمْ مِنْ حَقِّ الْعِتْقِ وَقَدْ جُعِلَ ذَلِكَ شَرْطًا لِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْقِنِّ مِنْهُمَا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كُلُّهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحُرِّ.
وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ دُخُولَ الْآدَمِيِّ فِي الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الرِّقِّ وَالتَّقَوُّمِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ بِأَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا وَهُنَاكَ الْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْآخَرِ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْمُدَبَّرِ لَيْسَ بِفَاسِدٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مِنْ نَفْسِهِ وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِرِضَاهُ جَازَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَكَذَا بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ نَفْسِهَا جَائِزٌ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْبَيْعِ حَتَّى نَفَذَ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ وَقَضَاءُ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا يَنْفُذُ عَرَفْنَا أَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ ثُمَّ خَرَجُوا بَعْدَ تَنَاوُلِ الْإِيجَابِ إيَّاهُمْ ضَرُورَةَ عَدَمِ الْحُكْمِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي صِيَانَةً لِحَقِّ الْعِتْقِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بَعْدَ الدُّخُولِ وَبَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا فِي الْآخَرِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِأَمْرٍ عَارِضٍ إذْ الثَّمَنُ كُلُّهُ كَانَ مَعْلُومًا وَقْتَ الْبَيْعِ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ بِأَمْرٍ عَارِضٍ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَمَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ فِي الْهَالِكِ وَيَبْقَى فِي الْحَيِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا هَهُنَا.
(فَإِنْ قِيلَ) مَا الْفَائِدَةُ فِي دُخُولِهِمْ ثُمَّ خُرُوجِهِمْ (قُلْنَا) الْفَائِدَةُ تَصْحِيحُ كَلَامِ الْعَاقِلِ مَعَ رِعَايَةِ حَقِّهِمْ وَانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْآخَرِ قَوْلُهُ (وَنَظِيرُ دَلِيلِ الْخُصُوصِ مَسْأَلَةُ خِيَارِ الشَّرْطِ) إضَافَةُ الْخِيَارِ إلَى الشَّرْطِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ كَزَكَاةِ الْمَالِ وَحَجِّ الْبَيْتِ أَيْ الْخِيَارِ الَّذِي يَثْبُتُ بِسَبَبِ الشَّرْطِ وَيُقَالُ شَرْطُ الْخِيَارِ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى مُسَبِّبِهِ كَمَالِ الزَّكَاةِ وَوَقْتِ الصَّلَاةِ أَيْ الشَّرْطِ الَّذِي يُوجِبُ الْخِيَارَ وَيُثْبِتُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَلَا يَمْنَعُ السَّبَبَ عَنْ الِانْعِقَادِ بِخِلَافِ سَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ السَّبَبَ وَالْحُكْمَ جَمِيعًا عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إنَّهُ يُشْبِهُ دَلِيلَ الْخُصُوصِ لِاجْتِمَاعِ شَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ وَشَبَهِ النَّسْخِ فِيهِ
وَإِذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ اُسْتُحِقَّ أَوْ وُجِدَ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ الْآخَرَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ صِيَانَةً لِحَقِّهِمَا فَصَارَ الْآخَرُ بَاقِيًا فِي الْعَقْدِ بِحِصَّتِهِ فَصَارَ هَذَا مِنْ قِسْمِ دَلِيلِ النَّسْخِ، وَنَظِيرُ دَلِيلِ الْخُصُوصِ مَسْأَلَةُ خِيَارِ الشَّرْطِ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ فِي رَجُلٍ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا إنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَيُسَمِّيَ ثَمَنَهُ
ــ
[كشف الأسرار]
كَاجْتِمَاعِهِمَا فِي دَلِيلِ الْخُصُوصِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْنَعُ الْحُكْمَ عَنْ الثُّبُوتِ أَصْلًا كَانَ شَبِيهًا بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْحُكْمِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَمْنَعُ السَّبَبَ عَنْ الِانْعِقَادِ بَلْ يَرْفَعُهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِالْفَسْخِ كَانَ نَظِيرًا لِلنَّاسِخِ فِي حَقِّ السَّبَبِ فَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْجِهَتَانِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا فِي الْمَسَائِلِ كَمَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِشَبَهَيْ دَلِيلِ الْخُصُوصِ فِي الْعَامِّ.
قَوْلُهُ (إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ لَا يُعَيَّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَلَا يُفَصِّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْت هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ إمَّا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَزِمَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ ابْتِدَاءً وَإِمَّا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ لَوْ ثَبَتَ فِي الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ يَثْبُتُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ابْتِدَاءً لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ إلَّا أَحَدَهُمَا بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ إذَا قُسِّمَ عَلَى قِيمَتِهِمَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَذَا هَذَا.
وَالثَّانِي أَنْ يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَلَا يُعَيَّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ بِأَنْ قَالَ بِعْتهمَا بِأَلْفٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُ فِيمَا لَا خِيَارَ فِيهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُ الْبَيْعِ فِيهِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ إلَّا أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَالثَّالِثُ أَنْ يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَلَا يُفَصِّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْتهمَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي هَذَا بِعْته ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَحُكْمُهُ الْفَسَادُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتهمَا بِأَلْفٍ إلَّا هَذَا بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ فَيَبْقَى ثَمَنُ الثَّانِي مَجْهُولًا كَذَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ رحمه الله فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ وَلَوْ فَسَخَ فِي أَحَدِهِمَا تَبْقَى فِي الْآخَرِ عَلَى الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا مُنْعَقِدٌ إذْ الْإِيجَابُ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا وَهُمَا مَحَلَّانِ لِلْبَيْعِ وَالتَّسْمِيَةُ صَحَّتْ جُمْلَةً إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ عَارَضَ الْعَقْدَ فِي الْحُكْمِ فَمَنَعَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي أَحَدِهِمَا فَعَمِلَ الْإِيجَابُ فِي الْآخَرِ وَوَجَبَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ تَسْمِيَةُ جُمْلَةِ الثَّمَنِ فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ عَارِضَةً فَلَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ كَمَا فِي الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ صَاحِبَ الْكِتَابِ أَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ فَقَالَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْخِيَارَ وَإِنْ دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ لَكِنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَنْعَقِدُ لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْعَقْدِ انْعَدَمَ فِي الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ بِنَصٍّ قَائِمٍ وَهُوَ الْخِيَارُ وَذَلِكَ النَّصُّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَأَوْجَبَ إعْدَامَ الْحُكْمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ الْإِيجَابُ قَاصِرًا عَنْهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا لِضَرُورَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ فَجُعِلَ الْإِيجَابُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَمَا فِي بَيْعِ الْحُرِّ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَبْقَى الْإِيجَابُ فِي حَقِّ الْآخَرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ مَعَ الْقِنِّ لِأَنَّ الْإِيجَابَ تَنَاوَلَهُمَا وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ حَقِّهِ لَا بِنَصٍّ قَائِمٍ مَنَعَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِيهِ.
وَمَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَبَقِيَ الْإِيجَابُ مُتَنَاوِلًا لَهُ فِيمَا وَرَاءَ هَذِهِ الضَّرُورَةِ وَذَكَرَ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْقِنِّ وَبَيْنَ هَذَا الْفَصْلِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ دَاخِلٌ
فَأَمَّا إذَا أَجْمَلَ الثَّمَنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ أَوْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الْآخَرَ لَمْ يَجْرِ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي الْإِيجَابِ وَيَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي الْحُكْمِ فَصَارَ فِي السَّبَبِ نَظِيرُ دَلِيلِ النَّسْخِ وَفِي الْحُكْمِ نَظِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ
ــ
[كشف الأسرار]
فِي الْعَقْدِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا ذَكَرْنَا وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَمَا دَخَلَ فَتَصِيرُ الْجَهَالَةُ حَادِثَةً فِي الزَّمَانِ الثَّانِي فَلَا تَمْنَعُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْجَهَالَةُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَثْبُتْ فِي الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَمْنَعُ صِحَّةً وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي الْعَقْدِ أَصْلًا لِأَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ السَّبَبَ إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ تُرِكَ لِمَا عُرِفَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَانِعَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُقْتَرِنٌ بِالْعَقْدِ لَفْظًا وَمَعْنًى فَأَثَّرَ الْمُفْسِدُ، وَفِي بَيْعِ الْقِنِّ مَعَ الْمُدَبَّرِ الْمَانِعُ مُقْتَرِنٌ بِالْعَقْدِ مَعْنًى لَا لَفْظًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ الْمُفْسِدُ وَإِلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ فَأَمَّا إذَا أَجْمَلَ الثَّمَنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارَ أَوْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا يَعْنِي الثَّمَنَ أَوْ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْآخَرَ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَيُفَصِّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كُلَّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَيَلْزَمُ فِي الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ بِمَا سُمِّيَ مِنْ الثَّمَنِ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ بِالْكُلِّيَّةِ.
ثُمَّ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ عَمِلْنَا بِشَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَمْ نُجَوِّزْ الْبَيْعَ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ وَإِعْلَامِ الْحِصَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ عَمِلْنَا بِشَبَهِ النَّاسِخِ فَجَوَّزْنَا الْبَيْعَ وَلَمْ نَجْعَلْ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الَّذِي جُعِلَ فِيهِ الْخِيَارُ شَرْطًا فَاسِدًا فِي الَّذِي لَزِمَ الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا جَعَلْنَاهُ فِي بَيْعِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ عِنْدَ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهُ هُنَاكَ شَرْطًا فَاسِدًا لِأَنَّ الْحُرَّ وَمَا شَاكَلَهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ أَصْلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ فِيهِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ قَبُولِ غَيْرِ الْمَبِيعِ لِلِانْعِقَادِ فِي الْمَبِيعِ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا فَأَمَّا الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ فَدَاخِلٌ تَحْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي السَّبَبِ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّهِ فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ فِيهِ اشْتِرَاطُهُ فِي الْمَبِيعِ لَا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ فَكَانَ شَرْطًا صَحِيحًا لَا فَاسِدًا فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ (فَإِنْ قِيلَ) فَهَلَّا عَمِلْتُمْ بِالشَّبَهَيْنِ جَمِيعًا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ كَمَا فَعَلْتُمْ فِي دَلِيلِ الْخُصُوصِ وَالْعَمَلِ بِشَبَهِ النَّاسِخِ يُوجِبُ جَوَازَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ مَعْلُومًا وَالثَّمَنُ مُفَصَّلًا (قُلْنَا) لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا لَا يُمْكِنُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ أَمَّا فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِ شَرْطِ الْخِيَارِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّ دَلِيلَ النَّسْخِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا سَقَطَ بِنَفْسِهِ وَإِذَا سَقَطَ شَرْطُ الْخِيَارِ هَهُنَا لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا لَزِمَ الْعَقْدُ فِي الْعَبْدَيْنِ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْخِيَارُ أَصْلًا وَهَذَا خِلَافُ مَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّا لَوْ عَمِلْنَا بِهِمَا فَالْجَوَابُ لَا يَخْتَلِفُ أَيْضًا لِأَنَّ شَبَهَ الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ وَشَبَهَ النَّسْخِ يُوجِبُ انْعِقَادَهُ فِي الْعَبْدَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ مُنْعَقِدًا فَلَا يَنْعَقِدُ بِالشَّكِّ.
وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَمَلَ بِشَبَهِ النَّسْخِ فِيهِ يُوجِبُ لُزُومَ الْعَقْدِ فِي الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ وَكَوْنُ الْجَهَالَةِ فِي الثَّمَنِ طَارِئَةً غَيْرَ مَانِعَةٍ كَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ رحمه الله وَشَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ الْفَسَادَ فَلَا يَثْبُتُ الْجَوَازُ بِالشَّكِّ أَيْضًا وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ فَشَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ الْجَوَازَ أَيْضًا لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مَعْلُومٌ كَمَا أَنَّ شَبَهَ النَّسْخِ يُوجِبُ ذَلِكَ فَكَانَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ فِيهِ عَمَلٌ بِالشَّبَهَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ حَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ شَبَّهَ أَوَّلًا خِيَارَ الشَّرْطِ
فَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ لِجَوَازِ الْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَإِذَا وُجِدَ التَّعْيِينُ وَإِعْلَامُ الْحِصَّةِ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ شَرْطًا فَاسِدًا فِي الْآخَرِ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إنَّهُ يُعْتَبَرُ شَرْطًا فَاسِدًا فِي الْآخَرِ لَا مَحَالَةَ فَيَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[كشف الأسرار]
بِدَلِيلِ الْخُصُوصِ ثُمَّ ذَكَرَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ مَسْأَلَةَ الزِّيَادَاتِ مَعَ أَوْجُهِهَا الْأَرْبَعَةِ تَوْضِيحًا ثُمَّ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَ فَبَيَّنَ وَجْهَ التَّشْبِيهِ بِذِكْرِ تَحَقُّقِ الشَّبَهَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ثُمَّ بَنَى الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ عَلَى الشَّبَهَيْنِ فَقَوْلُهُ فَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ كَذَا بَيَانُ تَفَرُّعِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ عَلَى شَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ.
وَقَوْلُهُ وَإِذَا وَجَدَ التَّعَيُّنَ فِي آخِرِ الْبَابِ بَيَانُ تَفَرُّعِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ عَلَى شَبَهِ النَّسْخِ قَوْلُهُ (فَقِيلَ لَا بُدَّ) مِنْ كَذَا بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ تَقْدِيرُهُ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ لِلْجَوَازِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ إعْلَامُ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْبَاهِ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِعْلَامِ بِالِاتِّفَاقِ فَيَكُونُ إلْحَاقُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ فَيُنَاسِبُ الدَّلِيلُ الْمَدْلُولَ أَوْ تَقْدِيرُهُ فَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْلَامِ لِلْجَوَازِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِجَوَازِ بَيْعِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ عِنْدَهُمَا فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِعْلَامُ لَمْ يَثْبُتْ الْجَوَازُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.