المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ

- ‌ أُصُولَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ

- ‌ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً

- ‌[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]

- ‌[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْعَامُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُؤَوَّلُ]

- ‌[الفرق بَيْن التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُفَسَّرُ]

- ‌[تَعْرِيف المحكم]

- ‌[تَعْرِيف الخفي]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُجْمَلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُتَشَابِه]

- ‌[بَيَان الْحِكْمَة فِي إنْزَال الْآيَات الْمُتَشَابِهَات]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُوه اسْتِعْمَال النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الْحَقِيقَةَ]

- ‌[أَقْسَام الْحَقِيقَة]

- ‌ تَعْرِيفِ الْمَجَازِ

- ‌[تَعْرِيف الصَّرِيحُ]

- ‌[تَعْرِيف الْكِنَايَةُ]

- ‌ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

- ‌[الْقَسْم الرَّابِع وُجُوه وُقُوف السَّامِع عَلَى مُرَاد الْمُتَكَلِّم ومعانى الْكَلَام]

- ‌[الِاسْتِدْلَال بِإِشَارَةِ اللَّفْظِ]

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ

- ‌ الثَّابِتُ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ:

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ)

- ‌[تَعْرِيف الْأَمْر]

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ)

- ‌[الْأَمْر إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ) :فِي مَعْنَى الْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ

- ‌[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

- ‌[الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ]

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ

- ‌[الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل كَامِلٌ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي قَاصِر]

- ‌ الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ

- ‌[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مَا حَسَن لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

- ‌الصَّلَاةِ حَسُنَتْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا

- ‌[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]

- ‌[الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ شَرْطُ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ]

- ‌[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

- ‌(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

- ‌[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ

- ‌[النَّوْع الثَّالِث الْوَقْتُ الَّذِي جُعِلَ مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ

- ‌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي

- ‌(بَابُ النَّهْيِ) :

- ‌[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ]

- ‌ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدُلُوكِهَا

- ‌[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ]

- ‌ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ

- ‌ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ

- ‌ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ

- ‌[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]

- ‌ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ

- ‌(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

- ‌ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

- ‌ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ خُصُوصُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ

- ‌[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

- ‌ كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا

الفصل: ‌[صوم يوم العيد وأيام التشريق]

وَكَذَلِكَ بَيْعُ الرَّبَّا مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَهُوَ وُجُودُ رُكْنِهِ فِي مَحَلِّهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَهُوَ الْفَضْلُ فِي الْعِوَضِ فَصَارَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا وَكَذَلِكَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي الْبَيْعِ مِثْلُ الرِّبَا وَلِهَذَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] إنَّ النَّهْيَ بِعَدَمِ الْوَصْفِ مِنْ شَهَادَتِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ فَيَصِيرُ فَاسِدًا.

وَمِنْهَا صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ

ــ

[كشف الأسرار]

خِلَافٍ لِمُحَمَّدٍ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ بَيْعُ الرِّبَا) أَيْ مِثْلُ الْبَيْعِ بِالْخَمْرِ بَيْعُ الرِّبَا وَهُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَهُوَ الْفَضْلُ أَيْ بِالْفَضْلِ يَفُوتُ الْمُسَاوَاةُ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْجَوَازِ وَهُوَ تَبَعٌ كَالْوَصْفِ وَكَذَلِكَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي الْبَيْعِ مِثْلُ الرِّبَا وَهُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهِ نَفْعٌ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالرِّبَا قَدْ يَكُونُ اسْمًا لِلْعَقْدِ وَلِنَفْسِ الْفَضْلِ فَفِي قَوْلِهِ بَيْعُ الرِّبَا مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَقْدُ أَيَّ بَيْعٍ هُوَ رِبَا وَفِي قَوْلِهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ مِثْلُ الرِّبَا الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْسُ الْفَضْلِ أَيْ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي إفْسَادِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ الِانْعِقَادِ مِثْلُ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي مَعْنَى الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَضْلٌ اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ ثُمَّ النَّهْيُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] .

وَقَوْلُهُ عليه السلام «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» الْحَدِيثُ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَرَدَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ أَصْلُ الْمَشْرُوعِ لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَلَا يَخْتَلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالدِّرْهَمِ الزَّائِدِ وَلَا بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَكَانَا أَمْرَيْنِ زَائِدَيْنِ عَلَى الْعَقْدِ فَكَانَا غَيْرَهُ لَكِنْ يَثْبُتُ بِهِ صِفَةُ الْفَسَادِ وَالْحُرْمَةِ وَمِلْكُ الْيَمِينِ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ مَمْلُوكٌ لِلْمَالِكِ وَكَذَا الْخَمْرُ وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ مَمْلُوكَانِ وَحَرُمَ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَلَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ لَا تَنَافِي مِلْكَ الْيَمِينِ لَا تَنَافِي سَبَبَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْسُدَ الْعَقْدُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّهْيَ رَاجِعٌ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ إنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اتَّصَلَ بِوَصْفِهِ لِأَنَّ الْفَضْلَ أَوْ الشَّرْطَ إذَا دَخَلَ فِيهِ صَارَ مِنْ حُقُوقِهِ وَكَوَصْفِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ بَيْعٌ رَابِحٌ لِمَكَانِ زِيَادَةِ مَا اشْتَرَى وَبَيْعٌ لَازِمٌ وَغَيْرُ لَازِمٍ لِمَكَانِ شَرْطِ الْخِيَارِ وَبَيْعٌ حَالٌّ وَنَسَاءٌ لِمَكَانِ الْأَجَلِ وَلَمَّا وَرَدَ النَّهْيُ لِمَعْنَى فِي صِفَتِهِ لَا أَصْلِهِ رُفِعَ وَصْفُ الْبَيْعِ لَا أَصْلُهُ وَوُصِفَ الْمَشْرُوعُ أَنَّهُ بَيْعٌ حَلَالٌ جَائِزٌ فَارْتَفَعَ الْوَصْفُ وَصَارَ حَرَامًا فَاسِدًا وَبَقِيَ الْأَصْلُ مُوجِبًا لِلْمُلْكِ (فَإِنْ قِيلَ) لَمَّا بَقِيَ أَصْلُهُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فَلِمَاذَا تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ عَلَى الْقَبْضِ.

(قُلْنَا) لِأَنَّ السَّبَبَ لَمَّا ضَعُفَ بِصِفَةِ الْفَسَادِ لَمْ يَنْهَضْ سَبَبًا لِلْمِلْكِ إلَّا بِأَنْ يَتَقَوَّى بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالتَّبَرُّعَاتِ فَانْعَدَمَ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِقُصُورِ السَّبَبِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْمَشْرُوعِيَّةِ قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] إنَّ النَّهْيَ لِعَدَمِ الْوَصْفِ مِنْ شَهَادَتِهِ أَيْ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَهُوَ الْأَدَاءُ حَتَّى لَوْ شَهِدَ لَا يُقْبَلُ وَكَذَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ أَيْضًا لِأَنَّ اللِّعَانَ أَدَاءٌ وَقَدْ فَسَدَ الْأَدَاءُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ أَيْ أَصْلُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ مَوْجُودَةً شَرْعًا وَإِذَا بَقِيَ أَصْلُهَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِهَا كَمَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى لِأَنَّ الِانْعِقَادَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وَصْفِ الْأَدَاءِ وَأَهْلِيَّتِهِ

[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

قَوْلُهُ (مِنْهَا صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ) الصَّوْمُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَشْرُوعٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رحمه الله غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ثُمَّ إذَا صَحَّ نَذْرُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُفْتَى بِأَنْ يُفْطِرَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ

ص: 270

وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَسَنٌ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَيَقْضِي فِي أَيَّامٍ أُخَرَ لِيَحْصُلَ لَهُ الْعِبَادَةُ عَلَى الْخُلُوصِ وَيَتَخَلَّصُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَلَوْ صَامَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَيْسَ إلَى الْعَبْدِ شَرْعُ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ كَالصَّوْمِ لَيْلًا.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ هَذَا الزَّمَانَ لِلْأَكْلِ بِقَوْلِهِ «فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» عَرَّفَهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَنْ يَحْصُلَ التَّعْرِيفُ إلَّا بِوُجُودٍ خَاصٍّ مِنْ الْفِعْلِ فِيهَا أَوْ وُجُوبِهِ، وَوُجُودُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ وَإِنَّمَا الْخَاصُّ فِيهَا وُجُوبُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَكَانَ ذَلِكَ جَعْلًا مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَهَا مَحَالَّ وُجُوبِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَيَنْدَفِعُ الْوُجُوبُ بِجَوَازِ الضِّدِّ فَدَلَّ أَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا مُمْتَنِعُ الْوُجُودِ شَرْعًا كَمَا فِي اللَّيْلِ وَأَيَّامِ الْحَيْضِ وَلِهَذَا قَالَا لَا يَجُوزُ الظُّهْرُ مِنْ الْحُرِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَعَيَّنَ لِلْجُمُعَةِ فِي حَقِّهِ حَتْمًا فَلَمْ يَبْقَ الظُّهْرُ ضَرُورَةً لِأَنَّهُمَا لَمْ يُشْرَعَا مَجْمُوعَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّوْمَ اسْمٌ لِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ يَكُونُ مَعْصِيَةً فَلَا يَكُونُ صَوْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِهِ وَلَوْ بَقِيَ مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ لَصَحَّ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ كَامِلٌ وَهَذَا صَوْمٌ نَاقِصٌ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ لَا يَمْنَعُ قَضَاءَ الْوَاجِبِ كَمَا إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ أَوْ التَّعْدِيلَ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ يُمْكِنُ فِيهِ النُّقْصَانُ حَتَّى وَجَبَ جَبْرُهُ بِالسُّجُودِ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فَعَرَفْنَا أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لِصَيْرُورَتِهِ مَعْصِيَةً وَعَدَمِ بَقَاءِ مَشْرُوعِيَّتِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» .

وَلَنَا مَا مَرَّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمَشْرُوعِ يَقْتَضِي بَقَاءَ مَشْرُوعِيَّتِهِ إلَى آخِرِهِ وَمَا ذُكِرَ هَهُنَا أَنَّ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ حَسَنٌ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَهُوَ فِي التَّحْقِيقِ رَاجِعٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحِكْمَةِ عَلَى مَا عُرِفَ تَفَاصِيلُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةُ فِي الصَّوْمِ حُصُولُ التَّقْوَى لِمُبَاشَرَةٍ إذْ لَا مَشْرُوعَ أَدَلُّ عَلَى التَّقْوَى مِنْهُ فَإِنَّ مَنْ أَدَّى هَذِهِ الْأَمَانَةَ كَانَ أَشَدَّ أَدَاءً لِغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ وَأَكْثَرَ اتِّقَاءً لِمَا يُخَافُ حُلُولُهُ مِنْ النِّقْمَةِ بِمُبَاشَرَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقَاذُورَاتِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184] وَفِيهِ أَيْضًا مَعْرِفَةُ قَدْرِ النِّعَمِ، وَمَعْرِفَةُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ مِنْ تَحَمُّلِ مَرَارَةِ الْجُوعِ فَيَكُونُ حَامِلًا لَهُ عَلَى الْمُوَاسَاةِ إلَيْهِمْ وَفِيهِ أَيْضًا انْطِفَاءُ حَرَارَةِ الشَّهْوَةِ الْخَدَّاعَةِ الْمُنْسِيَةِ لِلْعَوَاقِبِ، وَرَدُّ جِمَاحِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَانْقِيَادُهَا لِطَاعَةِ مَوْلَاهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانٍ لَا تُحْصَى كَثْرَةً ثُمَّ لَا بُدَّ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ مِنْ تَعْيِينِ وَقْتٍ لِأَنَّ صَوْمَ الْوِصَالِ مُتَعَذِّرٌ وَالْوَقْتُ عَلَى قِسْمَيْنِ النُّهُرُ وَاللَّيَالِي، وَاللَّيَالِي أُعِدَّتْ لِلسُّكُونِ وَالرَّاحَةِ وَضْعًا وَالنُّهُرُ أُعِدَّتْ لِلتَّصَرُّفِ وَالتَّقَلُّبِ لِلِاكْتِسَابِ وَابْتِغَاءِ الرِّزْقِ وَذَلِكَ مُؤَدٍّ إلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ حَامِلٌ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِمَا فِي الْحَرَكَةِ مِنْ التَّحْلِيلِ فَتَعَيَّنَتْ النُّهُرُ لِلصَّوْمِ لِيَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَلِيَتَحَقَّقَ الْحِكَمُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثُمَّ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي مُسَاوَاةٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَسَائِرِ الْأَيَّامِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَكَانَ الشَّرْعُ الْوَارِدُ فِي جَعْلِ سَائِرِ الْأَيَّامِ مَحَلًّا لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَارِدًا بِجَعْلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَحَلًّا لَهَا أَيْضًا لِلْمُسَاوَاةِ وَتَحَقُّقِ الْحِكَمِ فِيهَا حَسَبَ تَحَقُّقِهَا فِي تِلْكَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ حَسَنٌ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ

ص: 271

وَهُوَ الْإِمْسَاكُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي وَقْتِهِ طَاعَةً وَقُرْبَةً قَبِيحٌ بِوَصْفِهِ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ الضِّيَافَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِالصَّوْمِ فَلَمْ تَنْقَلِبْ الطَّاعَةُ مَعْصِيَةً بَلْ هُوَ طَاعَةٌ انْضَمَّ إلَيْهَا وَصْفٌ هُوَ مَعْصِيَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ يَقُومُ بِالْوَقْتِ وَلَا فَسَادَ فِيهِ وَالنَّهْيُ يَتَعَلَّقُ بِوَصْفِهِ وَهُوَ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ فَصَارَ فَاسِدًا وَمَعْنَى الْفَاسِدِ مَا هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ مِثْلُ الْفَاسِدِ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَبَيَانُهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْقَلُ أَنَّ النَّاسَ أَضْيَافُ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْعِيدِ وَالْمُتَنَاوَلُ مِنْ جِنْسِ الشَّهَوَاتِ بِأَصْلِهِ طَيِّبٌ بِوَصْفِهِ فَصَارَ تَرْكُهُ طَاعَةً بِأَصْلِهِ مَعْصِيَةً بِوَصْفِهِ عَلَى مِثَالِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.

ــ

[كشف الأسرار]

عَلَى بَقَاءِ الْمَشْرُوعِيَّةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَصُومَ صَوْمَ الْمُتْعَةِ فِيهَا فِي أَظْهَرِ أَقْوَالِهِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ (وَهُوَ الْإِمْسَاكُ) أَيْ أَصْلُ الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ لِلَّهِ تَعَالَى (فِي وَقْتِهِ) عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ وَالْقُرْبَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ طَاعَةً لِتَنَاوُلِ الْفَرْضِ مِنْهُ لِأَنَّ الطَّاعَةَ اسْمٌ لِفِعْلٍ عُمِلَ بِأَمْرٍ آخَرَ إذَا قَصَدَ الْفَاعِلُ جَعْلَهُ لِلْأَمْرِ فَإِنَّ الْفِعْلَ وَإِنْ وُجِدَ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الطَّاعَةِ مَا لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ أَمْرٌ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ قُرْبَةً لِتَنَاوُلِ النَّفْلِ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ التَّقْدِيرُ أَصْلُ الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ لِلَّهِ تَعَالَى طَاعَةً إنْ وُجِدَ الْأَمْرُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَقُرْبَةً إنْ لَمْ يُوجَدْ كَصَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ وَغَيْرِهَا وَهَهُنَا إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِمْسَاكُ عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ فَقَدْ يَتَحَقَّقُ عَلَى سَبِيلِ الْقُرْبَةِ فَكَانَ مَشْرُوعًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرَادُفًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ ثُمَّ لَمَّا عُرِفَ بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَشْرُوعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِذَاتِهِ كَانَ النَّهْيُ لِغَيْرِهِ لَا مَحَالَةَ لَكِنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ قَامَ بِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَصَارَ كَالْوَصْفِ لَهُ بِحَيْثُ لَا تَصَوُّرَ لِوُجُودِ ذَلِكَ الْغَيْرِ إلَّا بِالصَّوْمِ فَصَارَ قَبِيحًا بِوَصْفِهِ ثُمَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الضِّيَافَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِالصَّوْمِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالصَّوْمِ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمُغَايِرَةِ تَصَوُّرُ الصَّوْمِ بِدُونِ الْإِعْرَاضِ وَكَفَى لِثُبُوتِ الْمُغَايِرَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ تَصَوُّرُ وُجُودِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ صَاحِبِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ بَلْ هُوَ طَاعَةٌ أَيْ الصَّوْمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ طَاعَةٌ انْضَمَّ إلَيْهِ وَصْفٌ هُوَ مَعْصِيَةٌ.

وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَنْقَلِبْ الطَّاعَةُ مَعْصِيَةً مَعْنَاهُ أَنَّ بِحُدُوثِ هَذَا الْوَصْفِ أَوْ بِوُرُودِ النَّهْيِ لَمْ يَنْقَلِبْ الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ مَعْصِيَةً بَلْ هُوَ طَاعَةٌ انْضَمَّ إلَيْهِ وَصْفٌ هُوَ مَعْصِيَةٌ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ ثُمَّ اسْتَوْضَحَ مَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ يَقُومُ بِالْوَقْتِ أَيْ يُوجَدُ بِهِ لِأَنَّهُ مِعْيَارٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ الصَّوْمُ بِدُونِهِ وَلَا فَسَادَ فِيهِ أَيْ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ النَّهْيُ بِالصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الْوَقْتِ أَيْضًا.

وَالنَّهْيُ يَتَعَلَّقُ بِوَصْفِهِ أَيْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ وَصْفِ الْوَقْتِ وَهُوَ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ، وَالْمُتَّصِلُ بِالْوَقْتِ كَالْمُتَّصِلِ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِهِ فَأَوْجَبَ فَسَادَ الصَّوْمِ وَبَقِيَ أَصْلُ الصَّوْمِ مَشْرُوعًا.

قَوْلُهُ (مِثْلُ الْفَاسِدِ مِنْ الْجَوَاهِرِ) الْجَوْهَرُ مُعَرَّبُ " كوهر " وَالْمُرَادُ مِنْهُ هَهُنَا مَا هُوَ الْمَفْهُومُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يُقَالُ لُؤْلُؤَةٌ فَاسِدَةٌ إذَا بَقِيَ أَصْلُهَا وَذَهَبَ لَمَعَانُهَا وَبَيَاضُهَا وَاصْفَرَّتْ وَكَذَا يُقَالُ لَحْمٌ فَاسِدٌ إذَا بَقِيَ أَصْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ مُنْتَفَعًا بِهِ فَكَذَا الْمُرَادُ مِنْ الْفَاسِدِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ.

قَوْلُهُ (وَبَيَانُهُ) أَيْ بَيَانُ كَوْنِ الصَّوْمِ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ (عَلَى وَجْهٍ يُعْقَلُ) أَيْ عَلَى طَرِيقٍ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ يَعْنِي عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ أَنَّ النَّاسَ أَضْيَافُ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْعِيدِ بِلُحُومِ الْقَرَابِينِ وَتَوْسِعَةِ النَّعَمِ (وَالْمُتَنَاوَلُ مِنْ جِنْسِ الشَّهَوَاتِ بِأَصْلِهِ) لِأَنَّهُ مِمَّا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ وَتَرْغَبُ فِيهِ (طَيِّبٌ بِوَصْفِهِ) لِكَوْنِهِ ضِيَافَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِالطَّيِّبِ لِاسْتِوَاءِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْهَاشِمِيِّ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ (فَكَانَ تَرْكُهُ) أَيْ تَرْكُ الْمُتَنَاوِلِ (طَاعَةً بِأَصْلِهِ) أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الْمُتَنَاوِلِ فَإِنَّهُ كَفَّ النَّفْسَ عَمَّا تَشْتَهِيهِ وَهُوَ طَاعَةٌ بِوَصْفِهِ أَيْ هَذَا التَّرْكُ مَعْصِيَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى وَصْفِ الْمُتَنَاوِلِ لِأَنَّهُ تَرْكُ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعْصِيَةٌ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ

ص: 272

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

الضَّمِيرُ فِي أَصْلِهِ وَوَصْفِهِ رَاجِعًا إلَى التَّرْكِ أَيْ تَرْكِ الْمُتَنَاوِلِ أَصْلُهُ طَاعَةٌ وَوَصْفُهُ مَعْصِيَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الصَّوْمِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِجَابَةِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الضِّيَافَةِ لَكِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالصَّوْمِ وَصْفًا فَفَسَدَ الصَّوْمُ بِهِ وَهَذَا هُوَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَالشَّيْخَيْنِ وَعَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ رحمه الله عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَقَالَ النَّهْيُ وَرَدَ عَنْ عَيْنِ الصَّوْمِ بِقَوْلِهِ عليه السلام لَا تَصُومُوا فَصَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ عُدُولٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ النَّهْيُ وَرَدَ لِمَعْنَى تَرْكِ الْإِجَابَةِ فَفِيهِ اعْتِرَاضَاتٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ الصَّوْمِ بَلْ هُوَ عَيْنُ الصَّوْمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ هُوَ بِعَيْنِهِ تَرْكٌ لِصَاحِبِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ كَالْحَرَكَةِ مَعَ السُّكُونِ فَإِنَّ التَّحَرُّكَ هُوَ تَرْكُ السُّكُونِ وَالسُّكُونَ تَرْكُ التَّحَرُّكِ بِعَيْنِهِ لَيْسَ وَرَاءَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ فِعْلٌ آخَرُ يَكُونُ تَرْكًا لِأَنَّ التَّحَرُّكَ مُنَافٍ لِلسُّكُونِ وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ فَوَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عَنْ إثْبَاتِ فِعْلٍ آخَرَ لَمْ يَقْصِدْ الْفَاعِلُ فِعْلَهُ وَلَا خَطَرَ بِبَالِهِ مُبَاشَرَتُهُ وَلَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ لِنَفْيِ هَذَا الضِّدِّ وَلَوْ جَازَ إثْبَاتُ فِعْلٍ آخَرَ مَعَ أَنَّ هَذَا الْمَوْجُودَ كَافٍ لَنَفْي ضِدِّهِ لَأَمْكَنَ إثْبَاتُ مَا لَا يَتَنَاهَى مِنْ الْأَفْعَالِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ الْفِعْلِ تَرْكًا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَرْكٍ لِمَا هُوَ آخِذٌ لَهُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ لَوْ كَانَ آخِذًا لِمَا هُوَ تَارِكٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ لَهُ أَضْدَادٌ كَثِيرَةٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَرْكٌ لِجَمِيعِ أَضْدَادِهِ فَالْقِيَامُ تَرْكُ الْقُعُودِ وَالِاتِّكَاءِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاضْطِجَاعِ، وَالْإِسْلَامُ تَرْكٌ لِلْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَجَمِيعِ الْأَدْيَانِ ثُمَّ الصَّوْمُ ضِدٌّ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَلِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَكَانَ بِنَفْسِهِ تَرْكًا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لِلصَّوْمِ غَيْرٌ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَكَانَ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِ الْإِجَابَةِ نَهْيًا عَنْ عَيْنِ الصَّوْمِ.

وَقَوْلُهُمْ لَا بَلْ هُوَ غَيْرُهُ لِتَصَوُّرِ الصَّوْمِ بِدُونِ التَّرْكِ وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْمُغَايَرَةِ وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ شَرْطِ الْمُغَايَرَةِ لِيَتَّضِحَ عَوَارُ هَذَا الْكَلَامِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ يُطْلَبُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ دُونَ الْجِنْسِ فَإِنْ تُصُوِّرَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَعَ عَدَمِ صَاحِبِهِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الِانْفِكَاكُ بَيْنَ جِنْسِهِمَا كَجَوْهَرٍ مُعَيَّنٍ مَعَ أَعْرَاضِهِ الْمُعَيَّنَةِ مُتَغَايِرَانِ لِجَوَازِ وُجُودِهِمَا مَعَ عَدَمِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ الِانْفِكَاكُ بَيْنَ جِنْسِ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ مُسْتَحِيلًا لِاسْتِحَالَةِ تَعَرِّي الْجَوَاهِرِ عَنْ الْأَعْرَاضِ وَاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْأَعْرَاضِ بِأَنْفُسِهَا دُونَ جَوْهَرٍ وَعَلَى الْقَلْبِ مِنْ هَذَا الْعَرَضِيَّةُ مَعَ الْوُجُودِ فِي عَرَضٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَا بِمُتَغَايِرِينَ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَدَمُ مَعْنَى الْعَرَضِيَّةِ مَعَ ثُبُوتِ الْوُجُودِ وَلَا عَدَمُ الْوُجُودِ مَعَ تَقَرُّرِ الْعَرَضِيَّةِ فَكَانَ الْعَرَضُ شَيْئًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ اجْتَمَعَ فِيهِ مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ وَإِنْ كَانَ يُتَصَوَّرُ انْفِكَاكُ مَعْنَى الْوُجُودِ فِي الْجُمْلَةِ عَنْ مَعْنَى الْعَرَضِيَّةِ فَإِنَّ الْجَوَاهِرَ مَوْجُودَةٌ وَلَيْسَتْ بِأَعْرَاضٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى مَوْجُودٌ وَلَيْسَ بِعَرَضٍ وَكَذَا الْجَوْهَرِيَّةُ مَعَ الْوُجُودِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَكَذَا اللَّهُ تَعَالَى مَوْجُودٌ وَهُوَ قَائِمٌ بِذَاتِهِ وَهُوَ مُتَّحِدُ الذَّاتِ وَإِنْ كَانَ الْوُجُودُ فِي الْجُمْلَةِ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْ الْقِيَامِ بِالذَّاتِ.

ثُمَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّ تَرْكَ الْإِجَابَةِ وَتَرْكَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ فِي الْجُمْلَةِ يُتَصَوَّرُ انْفِكَاكُهَا عَنْ الْآخَرِ، فَمَنْ اعْتَبَرَ الْعَيْنَ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْجِنْسِ وَجَعَلَ جَوَازَ الِانْفِكَاكِ

ص: 273

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

فِي الْجُمْلَةِ دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ الْمُغَايَرَةِ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْمُغَايِرَةُ فَهُوَ الْقَائِلُ بِكَوْنِ الْعَرَضِ الْمَوْجُودِ شَيْئَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَكَوْنِ الْجَوْهَرِ الْمَوْجُودِ شَيْئَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَكَوْنِ الْبَارِي الْمَوْجُودِ الْقَائِمِ بِالذَّاتِ مُتَغَايِرَيْنِ، وَخُرُوجُ هَذَا عَنْ قَضِيَّةِ الْعُقُولِ وَدَلَائِلِ الْحَقِّ وَدُخُولُهُ فِي حَيِّزِ الْمُمْتَنِعِ الْمُحَالِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي أَظُنُّ فِيهِ الشِّفَاءَ لَنْ يُتَوَصَّلَ إلَيْهِ إلَّا بِمَعْرِفَةِ مُقَدِّمَاتٍ مِنْهَا أَنَّ التَّرْكَ ضِدٌّ لِلْمَتْرُوكِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ بَاشَرَ ضِدًّا لَهَا يُعَاقَبُ عَلَى مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الضِّدِّ الْمَنْهِيِّ لَا لِانْعِدَامِ الصَّلَاةِ مِنْ قِبَلِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُعَاقَبُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ مَنْهِيٍّ بَاشَرَهُ وَمَأْثَمٍ ارْتَكَبَهُ وَمِنْهَا مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرْكًا لِلْآخَرِ إلَى آخِرِ مَا بَيَّنَّا وَمِنْهَا أَنَّ مَا كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ وَهُوَ بِنَفْسِهِ تَرْكٌ لِلْأَضْدَادِ كُلِّهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ وَصْفُهُ فِي الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَتْرُوكِ كَمَنْ أُمِرَ بِالتَّحَرُّكِ إلَى الْيَمِينِ وَنُهِيَ عَنْ التَّحَرُّكِ إلَى الْيَسَارِ فَتَحَرَّكَ أَمَامَهُ كَانَ هَذَا التَّحَرُّكُ تَرْكًا لِلتَّحَرُّكِ إلَى الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ وَتَرْكٌ الْوَاجِبِ حَرَامٌ، وَتَرْكًا لِلتَّحَرُّكِ إلَى الْيَسَارِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ وَتَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَاجِبٌ وَهَذَا التَّرْكُ فِعْلٌ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ وُصِفَ بِالْوُجُوبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ضِدٍّ وَبِالْحُرْمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ضِدٍّ آخَرَ.

وَمِنْهَا أَنَّ مَا كَانَ مُتَّحِدًا حَقِيقَةً يَلْحَقُ فِي الْحُكْمِ بِالْمُتَعَدِّدِ لِعَارِضٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ مِنْ مُصَادَفَتِهِ الْمَحَالَّ الْمُتَعَدِّدَةَ أَوْ تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ بِهِ فَإِنَّ الرَّامِيَ إلَى إنْسَانٍ عَامِدًا لَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الْمَقْصُودَ إلَيْهِ وَنَفَذَهُ وَأَصَابَ آخَرَ لَمْ يَقْصِدْهُ أُخِذَ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ بِأَحْكَامِ الْعَمْدِ وَفِي حَقِّ الثَّانِي بِأَحْكَامِ الْخَطَإِ وَالْفِعْلُ فِي نَفْسِهِ وَاحِدٌ وَجُعِلَ مُتَعَدِّدًا لِتَعَدُّدِ مَحَالِّ أَثَرِهِ وَاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْعَارِضَ مَعَ الْأَصْلِ إذَا اجْتَمَعَا وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهُمَا وَجَبَ الِاعْتِبَارُ وَيُجْعَلُ الْأَصْلُ مَتْبُوعًا وَالْعَارِضُ تَابِعًا لِاسْتِحَالَةِ الْقَلْبِ وَتَعَذُّرِ التَّسْوِيَةِ وَبَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ نَخُوضُ فِي إيضَاحِ مَا رُمْنَا إيضَاحَهُ فَيَقُولُ الصَّوْمُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَرْكٌ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَلِإِجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالْقَرَابِينِ الَّتِي هِيَ خَالِصُ أَمْوَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا أَمْوَالٌ خَالِصَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى جُعِلَتْ مَحَالًّا لِإِقَامَةِ التَّقَرُّبِ إلَيَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِإِرَاقَةِ دِمَاءِ الْأَنْعَامِ قَدْ شَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتَهُ بِهَذِهِ الضِّيَافَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ إجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَالْمُسَارَعَةُ إلَى قَبُولِ إكْرَامِهِ، فَكَانَ الصَّوْمُ تَرْكًا لِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ كَانَ عِبَادَةً مَأْذُونًا فِيهَا لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي بَيَّنَّا وَبِالْإِضَافَةِ إلَى إجَابَةِ الدَّعْوَةِ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فِي حَقِّهَا تَرْكٌ لِلْوَاجِبِ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَهُوَ فِي ذَاتِهِ مُتَّحِدٌ وَهَذِهِ الْأَضْدَادُ مُتَعَدِّدَةٌ بِلَا شَكٍّ فَإِنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِتَصَوُّرِ وُجُودِهَا بِدُونِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ، وَتَغَايُرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ فِي أَنْفُسِهَا مِمَّا لَا يُشْكِلُ فَكَانَ الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ مُتَّحِدٌ فِي نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى الْأَضْدَادِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَعَدِّدِ وَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى إجَابَةِ الدَّعْوَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَبِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ عِبَادَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ فَكَانَ النَّهْيُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ رَاجِعًا إلَى الذَّاتِ وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ رَاجِعًا إلَى غَيْرِ مَا هُوَ صَوْمٌ مُسْتَحْسَنٌ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْت مِنْ الْمِثَالِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ.

ثُمَّ إجَابَةُ

ص: 274

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

الدَّعْوَةِ لَيْسَتْ بِضِدٍّ أَصْلِيٍّ لِلصَّوْمِ فَإِنَّ الصَّوْمَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَيْسَ بِتَرْكٍ لِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَهُوَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ تَرْكٌ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لِكَوْنِهَا أَضْدَادًا لَهُ أَصْلِيَّةً فَكَانَ الصَّوْمُ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى هَذِهِ الْأَضْدَادِ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ وَبِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى إجَابَةِ الدَّعْوَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ، فَتَرْكُ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ فِي الصَّوْمِ جُعِلَ كَأَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ وَتَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَوْصُوفٌ مَتْبُوعٌ فَبَقِيَ الصَّوْمُ مَشْرُوعًا وَبَقِيَ فِيهِ نَوْعُ خَلَلٍ فَأَمْكَنَ إيجَابُهُ بِالْقَوْلِ، لِأَنَّ بِالْقَوْلِ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَشْرُوعِ مِنْهُ وَبَيْنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا وَصْفُ الْمَعْصِيَةِ مُتَّصِلٌ بِذَاتِهِ فِعْلًا لَا بِاسْمِهِ ذَكَرًا وَلَوْ صَامَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ لِحُصُولِهِ مُخْتَلًّا فِي نَفْسِهِ لِاسْتِحَالَةِ التَّمْيِيزِ فِي الْفِعْلِ بَيْنَ تَرْكِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَبَيْنَ تَرْكِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَهَذَا كَمَا جَوَّزَ عُلَمَاؤُنَا بَيْعَ السَّمْنِ الذَّائِبِ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ لِإِمْكَانِ إيرَادِ الْبَيْعِ عَلَى السَّمْنِ دُونَ صِفَةِ النَّجَاسَةِ وَمَنَعُوا مِنْ أَكْلِهِ لِاسْتِحَالَةِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَوْ صَامَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ قَدْرَ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا وَقَدْ أَتَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهِيَ عَمْيَاءُ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ بِإِعْتَاقِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَتَأَدَّى شَيْءٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِهَا.

وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا أَكْمَلَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مَعَ التَّخَلُّصِ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَإِنْ صَلَّى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خَرَجَ عَنْ مُوجِبِ نَذْرِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ النَّهْيَ لَوْ كَانَ لِتَرْكِ الْإِجَابَةِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْثَمَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ بِدُونِ النِّيَّةِ لِأَنَّا نَقُولُ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ بِدُونِ النِّيَّةِ لِعَدَمِ الطَّعَامِ أَوْ لِلْحُمِّيَّةِ لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْإِجَابَةَ عَنْ عُذْرٍ أَمَّا مَنْ لَمْ يَأْكُلْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّعَامِ وَانْعِدَامِ الْعُذْرِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الْغَصْبُ دُونَ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ فِعْلٌ مَعْلُومٌ يَتَأَدَّى بِأَرْكَانٍ وَشَرَائِطَ مَعْلُومَةٍ وَالْغَصْبُ أَيْضًا شَيْءٌ مَعْلُومٌ لَا اتِّحَادَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ رَأَى رَجُلًا يَغْرَقُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّخْلِيصُ لَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَقْطَعْ حَيْثُ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِتَرْكِهَا مَنْهِيًّا عَنْ تَرْكِ التَّخْلِيصِ، وَالْمُضِيُّ فِي الصَّلَاةِ هُوَ تَرْكُ التَّخْلِيصِ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ مَنْهِيًّا عَنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَرْكُ التَّخْلِيصِ ثُمَّ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ قَضَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ كَامِلًا وَكَذَا لَوْ رَأَى رَجُلًا يَقْتُلُ آخَرَ وَيُمْكِنُهُ الدَّفْعُ فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ أَوْ اشْتَغَلَ بِهَا ابْتِدَاءً حَيْثُ جَازَتْ صَلَاتُهُ مَعَ مَا بَيَّنَّا.

وَكَذَا مِنْ اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عِنْدَ اسْتِنْفَارِ النَّاسِ إلَى عَدُوٍّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَظَلَّهُمْ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْفِرَ إلَيْهِمْ عَلَى هَذَا أَيْضًا لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ بِتَرْكٍ لِلتَّخْلِيصِ وَالدَّفْعِ فَإِنَّهَا مَعَ التَّخْلِيصِ وَالدَّفْعِ مُمْكِنَةٌ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ قُرْبِ الْغَرِيقِ مِنْهُ فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيُخَلِّصَهُ وَقَرُبَ الْقَاصِدُ لِلْقَتْلِ مِنْهُ فَيَقْبِضُ عَلَى يَدِهِ أَوْ يَتَعَلَّقُ بِثِيَابِهِ أَوْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَيُمْكِنُهُ فَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ تَرْكًا لِلتَّخْلِيصِ وَالدَّفْعِ لَمَا تُصُوِّرَ حُصُولُهُمَا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ تَرْكَ كُلِّ فِعْلٍ ضِدَّهُ بِاجْتِمَاعِ الْفِعْلِ مَعَ تَرْكِهِ مُسْتَحِيلٌ كَاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَدَلَّ أَنَّ التَّرْكَ مَعْنًى وَرَاءَ الصَّلَاةِ يُقَارِنُ الصَّلَاةَ وَارْتِكَابَ النَّهْيِ بِفِعْلٍ لَا يَمْنَعُ

ص: 275

وَلِهَذَا صَحَّ النَّذْرُ بِهِ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِالطَّاعَةِ وَإِنَّمَا وَصْفُ الْمَعْصِيَةِ مُتَّصِلٌ بِذَاتِهِ فِعْلًا لَا بِاسْمِهِ ذِكْرًا وَلِهَذَا قُلْنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهِ مُتَّصِلٌ بِالْمَعْصِيَةِ فَأُمِرَ بِالْقَطْعِ حَقًّا لِصَاحِبِ الشَّرْعِ فَصَارَ مُضَافًا إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ فَبَرِئَ الْعَبْدُ عَنْ عُهْدَتِهِ.

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ صِحَّةِ فِعْلٍ آخَرَ هُوَ عِبَادَةٌ وَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ كَالْمُصَلِّي يَرْمِي بِبَصَرِهِ إلَى مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَالطَّائِفُ يَنْظُرُ إلَى أَعْضَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ أَوْ يَقْذِفُ مُحْصَنًا فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ هُوَ الْأَفْعَالُ الْمَعْهُودَةُ وَالصَّلَاةُ فِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْأَفْعَالُ لَا غَيْرُهَا وَتَرْكُ التَّخْلِيصِ وَالدَّفْعِ بِتَرْكِ اسْتِعْمَالِ الْيَدِ، وَتَرْكُ اسْتِعْمَالِهَا فِي بَابِ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ الْأَرْكَانِ إذْ لَا أَدَاءَ لَهَا بِذَلِكَ إنَّمَا اسْتِعْمَالُهَا جُعِلَ مِنْ بَابِ النَّوَاقِضِ لَوْ كَثُرَ لِوُجُودِ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْعِبَادَةِ فَأَمَّا تَرْكُ اسْتِعْمَالِهَا فَلَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ هِيَ تَرْكُ اسْتِعْمَالِهَا بَلْ هِيَ أَدَاءُ الْأَرْكَانِ.

وَكَذَا الْمُشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِ التَّغَيُّرِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ التَّرْكَ حَصَلَ بِتَرْكِ الْمَشْيِ، وَالصَّلَاةُ لَيْسَتْ بِتَرْكِ الْمَشْيِ إنَّمَا هِيَ أَفْعَالٌ أُخَرُ وَرَاءَ تَرْكِ الْمَشْيِ وَهُوَ الْقَرَارُ عَلَى الْمَكَانِ وَالْقَرَارُ مَعْنًى وَرَاءَ الْأَرْكَانِ الْمَعْهُودَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْقَرَارُ عَلَى الْمَكَانِ بِدُونِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَيَكُونُ بِهِ تَارِكًا لِلذَّهَابِ وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ اسْتِعْمَالِ آلَةِ التَّخْلِيصِ وَالدَّفْعِ وَهِيَ الْيَدُ بِدُونِ الصَّلَاةِ وَيَحْصُلُ التَّرْكُ فَكَانَ تَرْكُ الْمَشْيِ مَعْنًى مُقَارِنًا لِأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالْمَنْهِيُّ هُوَ لَا هِيَ، فَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَالصَّوْمُ هُوَ بِنَفْسِهِ تَرْكُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ رحمه الله وَخُلَاصَةُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ عَيْنُ الصَّوْمِ بِجِهَةٍ، وَالْمَشْرُوعَ عَيْنُهُ أَيْضًا وَلَكِنْ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَشْرُوعًا حَرَامًا بِجِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَزُبْدَةُ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الصَّوْمُ وَالْمَنْهِيَّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَلَكِنَّهُ وَصْفٌ لَهُ قَائِمٌ بِهِ فَالشَّيْخُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله بَيَّنَ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى وَأَلْحَقَ بِآخِرِ كَلَامِهِ مَا يُشِيرُ إلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ وَبَيَانُهُ عَلَى وَجْهِ تَعَقُّلٍ إلَى آخِرِهِ وَيُوقَفُ عَلَيْهِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ وَهِيَ الصَّوْمُ لَمْ يَنْقَلِبْ مَعْصِيَةً بِالنَّهْيِ (صَحَّ النَّذْرُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الصَّوْمِ أَوْ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْمُتَنَاوَلِ وَهُوَ الصَّوْمُ طَاعَةٌ بِأَصْلِهِ صَحَّ النَّذْرُ بِهِ (لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِالطَّاعَةِ) لِأَنَّ كَفَّ النَّفْسِ عَنْ الشَّهَوَاتِ بِذَاتِهِ قُرْبَةٌ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ الصَّوْمُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ (وَالْمَعْصِيَةُ مُتَّصِلٌ بِذَاتِهِ فِعْلًا لَا بِاسْمِهِ ذِكْرًا) أَيْ وَصْفٌ هُوَ مَعْصِيَةٌ وَهُوَ تَرْكُ الْإِجَابَةِ مُتَّصِلٌ بِفِعْلِ الصَّوْمِ لَا بِذِكْرِ الصَّوْمِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا ذِكْرُ الصَّوْمِ وَهُوَ قَوْلُهُ نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ لِلَّهِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ أَصُومَ لِلَّهِ غَدًا وَغَدًا يَوْمُ النَّحْرِ فَلَمْ يَمْنَعُ صِحَّةَ النَّذْرِ بِهِ (فَإِنْ قِيلَ) ذِكْرُ الصَّوْمِ ذِكْرٌ لِلْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عَيْنُهُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ عَلَى مَا ذَكَرْت وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ ذِكْرًا لِلصَّوْمِ وَإِيجَابُهُ ذِكْرًا لِلْمَعْصِيَةِ وَقَصْدًا إلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَضْرِبَ أَبَاهُ أَوْ يَشْتُمَ أُمِّهِ لَمْ يَصِحَّ وَالْعِصْيَانُ نَفْسُ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ ذِكْرًا لَهُ وَقَصْدًا إلَيْهِ كَانَ مَعْصِيَةً أَيْضًا فَلَمْ يَصِحَّ (قُلْنَا) لَمْ يَنْعَقِدْ هَذَا النَّذْرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذِكْرُ الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنَّهُ انْعَقَدَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذِكْرُ طَاعَةٍ وَإِيجَابُ قُرْبَةٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ جِهَةَ الْقُرْبَةِ أَصْلٌ فِيهِ فَيَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ (فَإِنْ قِيلَ) مَا وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ إذَا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ وَإِذَا أَضَافَ إلَى الْغَدِ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا وَغَدٌ يَوْمُ النَّحْرِ صَحَّ نَذْرُهُ (قُلْنَا) وَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا نَصَّ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي نَذْرِهِ بِمَا هُوَ

ص: 276