الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي: فَمِثْلُ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ مَقْصُودٍ إنَّمَا حَسَنٌ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْجُمُعَةُ، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ عِنْدَنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ يُفِيدُ الطَّهَارَةَ لِلْبَدَنِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ تَبَرُّدٌ وَتَطَهُّرٌ لَكِنْ إنَّمَا حَسُنَ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ إقَامَةُ الصَّلَاةِ وَلَا تَتَأَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ بِحَالٍ وَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهَا وَتَسْتَغْنِي عَنْ صِفَةِ الْقُرْبَةِ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يَصِحَّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ عِنْدَنَا وَمِنْ حَيْثُ جَعْلُ الْوُضُوءِ فِي الشَّرْعِ قُرْبَةً يُرَادُ بِهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ لَا يَتَأَدَّى بِغَيْرِ نِيَّةٍ إلَّا أَنَّ الصَّلَاةَ تَسْتَغْنِي مِنْ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْوُضُوءِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ إنَّمَا صَارَا حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى كُفْرِ الْكَافِرِ وَإِسْلَامِ الْمَيِّتِ
ــ
[كشف الأسرار]
يَأْبَى هَذَا الِاحْتِمَالَ، ثُمَّ حَاصِلُ مَا ذُكِرَ أَنَّ التَّصْدِيقَ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الْحُسْنِ وَالْإِقْرَارُ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَالصَّلَاةُ دُونَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ فِي الْإِيمَانِ وَالصَّوْمُ وَاخْتَارَهُ دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا مُشَابَهَةً لِلْحُسْنِ لِغَيْرِهِ
[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِفِعْلِ مَقْصُودٍ فَمِثْلُ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ مَقْصُودٍ أَيْ لَيْسَ بِحَسَنٍ فِي نَفْسِهِ إذْ هُوَ مَشْيٌ وَنَقْلُ أَقْدَامٍ وَإِنَّمَا حَسُنَ وَصَارَ مَأْمُورًا بِهِ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ إذْ بِهِ يُتَوَصَّلُ إلَى أَدَائِهَا فَكَانَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ ثُمَّ الْجُمُعَةُ لَا تَتَأَدَّى بِهِ بَلْ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ بَعْدِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُشَابَهَةٌ بِالْحَسَنِ لِعَيْنِهِ أَصْلًا وَلِهَذَا قُدِّمَ هَذَا الضَّرْبُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ غَيْرِهِ فِي كَوْنِهِ حَسَنًا لِغَيْرِهِ بِمُقَابَلَةِ التَّصْدِيقِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَمَعْنَى السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ هُوَ الْإِقْبَالُ عَلَيْهَا وَالْمَشْيُ بِلَا سُرْعَةٍ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم أَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] تَعَالَى أَقْبِلُوا عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ وَامْضُوا فِيهِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ السَّكِينَةِ فَصْلٌ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يَمْشِي فِي الْجُمُعَةِ عَلَى هَيْئَتِهِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ) أَيْ وَكَالسَّعْيِ الْوُضُوءُ فِي كَوْنِهِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ يُفِيدُ الطَّهَارَةَ لِلْبَدَنِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ أَيْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ كَوْنِهَا حَسَنَةً لِذَاتِهَا وَأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ تَبْرُدُ وَتَطْهُرُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا حَسَنٌ بِسَبَبِ التَّمَكُّنِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ، وَلَا يَتَأَدَّى بِهِ أَيْ بِالْوُضُوءِ الصَّلَاةُ بِحَالٍ وَيَسْقُطُ بِسُقُوطِ الصَّلَاةِ فَكَانَ كَامِلًا فِي كَوْنِهِ حَسَنًا لِغَيْرِهِ، وَلِهَذَا جَازَ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوْتِ؛ لِأَنَّ التَّوَضُّؤَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا كَانَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِهِ هُنَا تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ لَا إلَى خَلَفٍ فَتَسْقُطُ عَنْهُ وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ صَارَ وُجُودُ الْمَاءِ كَعَدَمِهِ فَكَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
قَوْلُهُ (وَتَسْتَغْنِي) أَيْ الصَّلَاةُ عَنْ صِفَةِ الْقُرْبَةِ فِي الْوُضُوءِ جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ إذْ الْعِبَادَةُ اسْمٌ لِفِعْلٍ يُؤْتَى بِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ وَحُكْمُهُ الثَّوَابُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْوُضُوءِ وَقَالَ عليه السلام، «الطَّهَارَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عِبَادَةٌ كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ شَرْطِهِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَصْلُحُ أَنْ يَصِيرَ عِبَادَةً وَأَنْ لَا بُدَّ لِصَيْرُورَتِهِ عِبَادَةً مِنْ النِّيَّةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: صِحَّةُ الصَّلَاةِ تَسْتَغْنِي عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ بَلْ هِيَ إنَّمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ طَهَارَةً وَبِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّدِ يَحْصُلُ الطَّهَارَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الصَّلَاةِ كَمَا لَوْ اسْتَدَامَ الطَّهَارَةَ وَلَمْ يَحْدُثْ حَتَّى حَضَرَتْ صَلَوَاتٌ، وَهَذَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ غَيْرُ الْمَقْصُودِ بَلْ مَقْصُودُ التَّمَكُّنِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ، فَإِذَا طَهُرَتْ الْأَعْضَاءُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَأَنْ سَقَطَ الْأَمْرُ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ يَسْقُطُ بِسَعْيٍ لَا لِلْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يَصِيرَ عِبَادَةً بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّمَكُّنُ مِنْ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ بِحُصُولِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَا لِكَوْنِهِ عِبَادَةً فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ سَقَطَ الْأَمْرُ كَذَا هَذَا كَذَا فِي الْأَسْرَارِ
[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]
قَوْلُهُ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ يَتَأَدَّى بِالْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى فِعْلٍ مَقْصُودٍ الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ،
وَذَلِكَ مَعْنًى مُنْفَصِلٌ عَنْ الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ حَتَّى أَنَّ الْكُفَّارَ إنْ أَسْلَمُوا لَمْ يَبْقَ الْجِهَادُ مَشْرُوعًا إنْ تُصُوِّرَ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْخَبَرِ وَإِذَا صَارَ حَقُّ الْمُسْلِمِ مَقْضِيًّا بِصَلَاةِ الْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ يَتَأَدَّى بِالْمَأْمُورِ بِهِ بِعَيْنِهِ كَانَ شَبِيهًا بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ
ــ
[كشف الأسرار]
أَمَّا الْجِهَادُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ فِي وَضْعِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبُ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَخْرِيبُ بِلَادِهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حُسْنٌ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ عليه السلام «الْآدَمِيُّ بُنْيَانُ الرَّبِّ مَلْعُونٌ مَنْ هَدَمَ بُنْيَانَ الرَّبِّ» ، وَسُئِلَ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَنْ تَعْمِيرِ مُلُوكِ فَارِسَ وَقَدْ كَانُوا عَمَّرُوا الْأَعْمَارَ الطِّوَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ أَنَّهُمْ عَمَّرُوا بِلَادِي فَعَاشَ فِيهَا عِبَادِي وَفِي رِوَايَةٍ أَنْصَفُوا عِبَادِي وَعَمَّرُوا بِلَادِي فَأَدَمْت لَهُمْ الْمُلْكَ، وَإِنَّمَا صَارَ حَسَنًا بِوَاسِطَةِ كُفْرِ الْكَافِرِ فَإِنَّ الْكَافِرَ صَارَ عَدُوَّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْمُسْلِمِينَ فَشُرِعَ الْجِهَادُ إعْدَامًا لِلْكَفَرَةِ وَإِعْزَازًا لِلدِّينِ الْحَقِّ وَإِعْلَاءً لِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَسَنَةٍ فِي ذَاتِهَا إذْ هِيَ بِدُونِ الْمَيِّتِ عَبَثٌ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ رحمه الله وَإِنَّمَا صَارَتْ حَسَنَةً بِوَاسِطَةِ إسْلَامِ الْمَيِّتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ قَبِيحَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] ، الْآيَةَ فَصَارَتْ حَسَنَةً لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ.
قَوْلُهُ (وَذَلِكَ) أَيْ كُفْرُ الْكَافِرِ وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ الْكُفْرَ قَائِمٌ بِالْكَافِرِ وَالْإِسْلَامَ بِالْمَيِّتِ وَالْجِهَادَ قَائِمٌ بِالْمُجَاهِدِ وَالصَّلَاةَ بِالْمُصَلِّي، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ تَحْقِيقُ كَوْنِ هَذَا الضَّرْبِ حَسَنًا لِغَيْرِهِ إذْ حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَفْسِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْحَسَنِ لِعَيْنِهِ كَالصَّوْمِ فَحَقَّقَ كَوْنَهُ حَسَنًا لِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ مَعْنًى مُنْفَصِلٌ إلَى آخِرِهِ دَفْعًا لِذَلِكَ الْوَهْمِ.
قَوْلُهُ (لَكِنَّهُ خِلَافُ الْخَبَرِ) ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا تُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ» .
قَوْلُهُ (كَانَ شَبِيهًا بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْحَسَنُ لِعَيْنِهِ وَهَذَا الضَّرْبُ عَكْسُ الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ لِعَيْنِهِ شَبِيهٌ بِالْحَسَنِ لِغَيْرِهِ وَهَذَا الضَّرْبُ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ شَبِيهٌ بِالْحَسَنِ لِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْوَاسِطَةُ وَهِيَ كُفْرُ الْكَافِرِ وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ هَهُنَا دُونَ الصَّوْمِ وَنَظِيرِيهِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ فَهِيَ تَثْبُتُ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَصُنْعِهِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا وَإِذَا اُعْتُبِرَتْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ حَسَنَةً لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ تَتِمُّ بِالْعَبْدِ لِلرَّبِّ عَزَّتْ قُدْرَتُهُ فَتَكُونُ الْوَاسِطَةُ الْمُضَافَةُ إلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ فِعْلِ الْعِبَادَةِ صُورَةً وَمَعْنًى بِخِلَافِ تِلْكَ الْوَسَائِطِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِصُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِصُنْعِ لِلْعَبْدِ فِيهَا فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا فَبَقِيَتْ الْعِبَادَةُ حَسَنَةً مِنْ الْعَبْدِ لِلرَّبِّ بِلَا وَاسِطَةٍ ثُمَّ حُكْمُ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مَعَ ضُرُوبِهِ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ بِالْأَمْرِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ لَوْ بِاعْتِرَاضِ مَا يُسْقِطُهُ بِعَيْنِهِ.
وَحُكْمُ الضَّرْبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَاحِدٌ أَيْضًا وَهُوَ بَقَاءُ الْوُجُوبِ بِبَقَاءِ وُجُوبِ الْغَيْرِ وَسُقُوطُهُ بِسُقُوطِ الْغَيْرِ حَتَّى إذَا حَمَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ الْجَامِعِ إلَى مَوْضِعٍ مُكْرَهًا بَعْدَ السَّعْيِ قَبْلَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ إذَا خَلَّى عَنْهُ كَانَ السَّعْيُ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِدُونِ السَّعْيِ بِأَنْ حُمِلَ مُكْرَهًا إلَى الْجَامِعِ أَوْ كَانَ مُعْتَكِفًا فِيهِ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ سَقَطَ اعْتِبَارُ السَّعْيِ وَلَا يَتَمَكَّنُ بِعَدَمِهِ نُقْصَانٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَإِذَا سَقَطَتْ عَنْهُ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ سَقَطَ السَّعْيُ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوُضُوءِ إلَّا أَنَّ مَعَ عَدَمِ السَّعْيِ يَتِمُّ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ وَبِدُونِ الْوُضُوءِ