الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَ
الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ
مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى أَبِيهَا وَهُوَ عَبْدٌ فَاسْتُحِقَّ وَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ فَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِقِيمَتِهِ حَتَّى مَلَكَ الزَّوْجُ الْأَبَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهَا فِي الْمُسَمَّى إلَّا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ أَوْجَبُ تَبَدُّلًا فِي الْعَيْنِ حُكْمًا فَكَانَ هَذَا عَيْنُ حَقِّهَا فِي الْمُسَمَّى لَكِنْ بِمَعْنَى الْمِثْلِ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الزَّوْجَ إذَا مَلَكَهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَمْنَعَهَا إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهَا وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ إلَيْهَا أَوْ يَقْضِيَ بِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مِثْلٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُمْلَكُ قِيمَتُهُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا أَعْتَقَهُ الزَّوْجُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ بَاعَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مِثْلٌ مِنْ وَجْهٍ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا قُضِيَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ مَلَكَهُ الزَّوْجُ أَنْ حَقَّهَا لَا يَعُودُ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي نِكَاحِ كِتَابِ الْجَامِعِ مَذْكُورَةٌ
ــ
[كشف الأسرار]
لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْغَنِيِّ إنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَيْهِ شَيْئًا وَهَهُنَا رَبُّ الدَّيْنِ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ أَصْلًا وَوَصْفًا بِطَرِيقِ الْجَبْرِ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَقْبُوضُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ إحْيَاءً لِحَقِّهِ.
[الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ]
قَوْلُهُ (وَالْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ) إلَى آخِرِهِ، رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَبِيهَا عَتَقَ الْأَبُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَالْبُضْعِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَبُ بِقَضَاءٍ بَطَلَ مِلْكُهَا وَبَطَلَ عِتْقُهُ وَعَلَى الزَّوْجِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَالًا وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَيَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ ابْتِدَاءً فَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِقِيمَتِهِ حَتَّى مَلَكَ الزَّوْجُ الْأَبَ أَيْ أَبَا الْمَرْأَةِ وَاللَّامِ لِلْعَهْدِ، بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَيْ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ نَحْوِهَا، لَزِمَ الزَّوْجُ تَسْلِيمَ الْعَبْدِ إلَى الْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ بَعْدَ طَلَبِ الْمَرْأَةِ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهَا فَأَبَتْ عَنْ الْقَبُولِ تُجْبَرُ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا أَدَاءٌ لِعَيْنِ مَا اسْتَحَقَّ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ وَكَوْنُهُ مِلْكَ الْغَيْرِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ إذَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِاسْتِحْقَاقِ الْأَصْلِ.
فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بِقَضَاءٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّ الْبَيْعَ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ وَقَدْ بَطَلَ بِرَدِّهِ، فَإِذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ أَمَّا الْمُوجِبُ لِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ هَهُنَا فَقَائِمٌ وَهُوَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ كَمَا لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ، إلَّا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَكَانَ هَذَا غَيْرَ مَا وَجَبَ تَسْلِيمُهُ بِالْعَقْدِ حُكْمًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ فَقُرِّبَ إلَيْهِ خُبْزٌ وَإِدَامٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْت فَقَالَ عليه السلام أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً فِيهَا لَحْمٌ قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ ذَاكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ قَالَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» كَذَا فِي الْمَصَابِيحِ فَجَعَلَ اخْتِلَافَ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ.
وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لِبَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةَ عَائِشَةَ وَهِيَ مِنْ بَنِي تَيْمٍ لَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَيْفَ وَكَانَ ذَلِكَ التَّصَدُّقُ تَطَوُّعًا بِدَلِيلِ كَوْنِهِ لَحْمًا وَحُرْمَتُهُ مُخْتَصَّةٌ بِالنَّبِيِّ عليه السلام، «وَتَصَدَّقَ أَبُو طَلْحَةَ بِحَدِيقَةٍ لَهُ عَلَى أُمِّهِ ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثَهَا مِنْهَا فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ عَنْك صَدَقَتَك وَرَدَّ عَلَيْك حَدِيقَتَك» ، وَلِأَنَّ بِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْعَيْنِ حِسًّا وَشَرْعًا كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ تَغَيَّرَ حُكْمُهَا الطَّبِيعِيُّ مِنْ الْحَرَارَةِ إلَى الْبُرُودَةِ وَمِنْ الْإِسْكَارِ إلَى عَدَمِهِ وَحُكْمُهَا الشَّرْعِيُّ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ، وَقَدْ يَتَغَيَّرُ بِتَبَدُّلِهِ حِلُّ التَّصَرُّفِ الثَّابِتِ لِلْبَائِعِ إلَى الْحُرْمَةِ وَحُرْمَتُهُ الثَّابِتَةُ لِلْمُشْتَرِي إلَى الْحِلِّ أَيْضًا فَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْعَيْنَ بِاعْتِبَارِهِ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ آخَرَ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ هَذَا التَّسْلِيمُ مِنْ الزَّوْجِ أَدَاءَ مَالٍ مِنْ عِنْدِهِ مَكَانَ مَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ فَكَانَ شَبِيهًا بِالْقَضَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الْعَبْدِ عَيْنَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ حَقِيقَةً قُلْنَا لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يَمْنَعَهَا إيَّاهُ أَيْ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهَا، وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِهِ غَيْرَ الْمُسَمَّى حُكْمًا قُلْنَا إنَّهُ لَا يُعْتَقُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهَا وَالْقَضَاءِ بِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُلْحَقًا بِالْمِثْلِ كَانَ مِلْكًا لِلزَّوْجِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْقَضَاءِ فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهَا، وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ حَالَ
وَيَتَّصِلُ بِهَذَا الْأَصْلِ أَنَّ مَنْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ الْمَالِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِمَهُ لَمْ يَبْرَأْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
ــ
[كشف الأسرار]
وُقُوعِهِ لَمْ يَقَعْ تَمْلِيكًا لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا وَقَعَ تَمْلِيكًا لِمِثْلِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ الْمَهْرُ مِثْلَ مَالِيَّتِهِ إلَّا أَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ مِثْلٌ لِمَا فِي ذِمَّتِهِ حَقِيقَةً وَمَالِيَّةُ مَحَلٍّ آخَرَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ مِثْلًا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَمَتَى أَمْكَنَ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْعَبْدِ لَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِلْكًا لَهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِهِ غَيْرَ الْمُسَمَّى حُكْمًا قُلْنَا إذَا تَصَرَّفَ الزَّوْجُ فِيهِ بِإِعْتَاقٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْقَضَاءِ نَفَذَتْ تَصَرُّفَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْقُضَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَرْأَةِ بِعَيْنِ الْعَبْدِ كَالْمُشْتَرِي إذَا تَصَرَّفَ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَالرَّاهِنِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَرْهُونِ وَإِنَّمَا لَا تُنْقَضُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ نُقِضَتْ بَطَلَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي التَّصَرُّفِ لَا إلَى خَلَفٍ وَلَوْ لَمْ تُنْقَضْ بَطَلَ حَقُّ الْمَرْأَةِ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الْقِيمَةُ وَالْإِبْطَالُ خَلَفٌ أَهْوَنُ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ لَوْ نَقَضَ بَطَلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الثَّمَنُ وَلَوْ لَمْ يَنْقُضُ بَطَلَ الشَّفِيعُ أَصْلًا وَفِي الرَّهْنِ لَا يَنْقُضُ تَصَرُّفَاتِهِ بَلْ يُؤَخِّرُ إلَى أَنْ يَفُكَّ الرَّهْنَ كَذَا فِي الْجَامِعِ لِشَمْسِ الْإِسْلَامِ رحمه الله.
وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الْعَبْدِ غَيْرَ الْمُسَمَّى فِي الْحُكْمِ قُلْنَا: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقِيمَتِهِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ ثُمَّ مَلَكَهُ الزَّوْجُ لَمْ يُعِدْ حَقَّهَا إلَى الْعَيْنِ فَلَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ نُقِلَ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ وَتَقَرَّرَ بِهِ فَانْقَطَعَ الْحَقُّ عَمَّا لَهُ حُكْمُ الْمِثْلِ كَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا لَهُ مِثْلٌ مِنْ جِنْسِهِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ ثُمَّ انْقَطَعَ مِثْلُهُ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ جَاءَ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُعِدْ حَقَّهُ إلَى الْمِثْلِ، وَلَوْ كَانَ لِلْعَبْدِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ حُكْمُ عَيْنِ الْمُسَمَّى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَعَادَ حَقُّهَا فِيهِ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ بِقَوْلِ الزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ إذَا عَادَ مِنْ إبَاقَةٍ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ (وَيَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ) أَيْ وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْسَامِ الْأَدَاءِ يَتَّصِلُ مَسْأَلَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَدَاءِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ غَصَبَ طَعَامًا فَقَدَّمَهُ إلَى مَالِكِهِ وَأَبَاحَهُ كُلَّهُ فَأَكَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، أَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَكَسَاهُ رَبَّ الثَّوْبِ فَلَبِسَهُ حَتَّى يَخْرِقَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ يَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ عِنْدَنَا، وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا يَبْرَأُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ مَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ فَإِنْ أَحْدَثَ فِيهِ مَا يَقْطَعُ حَقَّهُ بِأَنْ كَانَ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ ثُمَّ أَطْعَمَهُ أَوْ لَحْمًا فَشَوَاهُ ثُمَّ أَطْعَمَهُ أَوْ تَمْرًا فَنَبَذَهُ وَسَقَاهُ أَوْ ثَوْبًا فَقَطَّعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا وَكَسَاهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ عِنْدَنَا وَلَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَأَكَلَهُ الْمَالِكُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْعِمَهُ الْغَاصِبُ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالِاتِّفَاقِ هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ رحمه الله لَهُ أَنَّهُ مَا أَتَى بِالرَّدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنَّهُ غُرُورٌ مِنْهُ وَالشَّرْعُ لَا يَأْمُرُهُ بِالْغُرُورِ وَالْغَاصِبُ لَا يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ إلَّا بِالرَّدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ صَارَ ضَامِنًا.
وَلِأَنَّهُ مَا أَعَادَهُ إلَى مِلْكِهِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ الطَّعَامُ لَا يَصِيرُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِيمَا أُبِيحَ لَهُ فَكَانَ فِعْلُهُ قَاصِرًا فِي حُكْمِ الرَّدِّ فَلَوْ جَعَلْنَا هَذَا رَدًّا تَضَرَّرَ بِهِ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَمُ عَلَى الْأَكْلِ بِنَاءً عَلَى خَبْزِهِ أَنَّهُ أَكْرَمَ ضَيْفَهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مِلْكُهُ رُبَّمَا لَمْ يَأْكُلْهُ وَحَمَلَهُ إلَى عِيَالِهِ فَأَكَلَهُ مَعَهُمْ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ بَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَدَاءٍ مَأْمُورٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ إذْ الْمَرْءُ لَا يَتَحَامَى فِي الْعَادَاتِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْغُرُورِ فَبَطَلَ الْأَدَاءُ نَفْيًا لِلْغُرُورِ فَصَارَ مَعْنَى الْأَدَاءِ لَغْوًا رَدًّا لِلْغُرُورِ، قُلْنَا نَحْنُ هَذَا أَدَاءٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَصَلَ إلَى يَدِهِ وَلَوْ كَانَ قَاصِرًا لَتَمَّ بِالْهَلَاكِ فَكَيْفَ لَا يَتِمُّ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ كَامِلٌ فَأَمَّا الْخَلَلُ الَّذِي ادَّعَاهُ فَإِنَّمَا وَقَعَ لِجَهْلِهِ وَالْجَهْلُ لَا يُبْطِلُهُ وَكَفَى بِالْجَهْلِ عَارًا فَكَيْفَ يَكُونُ عُذْرًا فِي تَبْدِيلِ إقَامَةِ الْفَرْضِ اللَّازِمِ
ــ
[كشف الأسرار]
الْغَاصِبِ كَذَا ذَكَرُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله.
فَالنُّكْتَةُ الْأُولَى تُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَدَاءَ لَمْ يُوجَدْ، وَالثَّانِيَةُ تُشِيرُ إلَى أَنَّهُ وُجِدَ قَاصِرًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ نَفْيًا لِلْغُرُورِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ نَسْخُ فِعْلِهِ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَمَّا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَلِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى يَدِ الْمَالِكِ وَبِهِ يَنْعَدِمُ مَا كَانَ فَائِتًا وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَكِّنًا مِنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ غَيْرَ أَنَّهُ جَهِلَ بِحَالِهِ وَجَهْلُهُ لَا يَكُونُ مُبْقِيًا لِلضَّمَانِ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ مَعَ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ الْمُسْقِطَةِ كَمَا أَنَّ جَهْلَ الْمُتْلِفِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ إذَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِلْكُهُ.
وَأَمَّا الْغُرُورُ فَثَابِتٌ وَلَكِنَّ الْغُرُورَ بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ لَا يُوجِبُ حُكْمًا كَمَنْ عَرَّفَ بِسُرَّاقٍ فِي الطَّرِيقِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الطَّرِيقَ أَمْنٌ فَخَرَجُوا فَقَطَعَ عَلَيْهِمْ لَا يَضْمَنُ الْغَارُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْهُ مَا يُوجَدُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ ضَمَانٍ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْغَاصِبَ الْمُضِيفَ مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ عِوَضًا.
وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ لَا يَكُونَ فِعْلُ الْغَاصِبِ هُوَ الرَّدُّ الْمَأْمُورُ بِهِ وَلَكِنْ تَنَاوُلُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ كَافٍ فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ الْغَاصِبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ إلَى بَيْتِ الْغَاصِبِ وَأَكَلَ ذَلِكَ الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِلْكُ الْغَاصِبِ بَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَطْعَمَهُ الْغَاصِبُ إيَّاهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (لَيْسَ بِأَدَاءٍ مَأْمُورٍ بِهِ) إذْ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا وَالْغُرُورُ قَبِيحٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ.
إذْ الْمَرْءُ لَا يَتَحَامَى أَيْ لَا يَجْتَنِبُ وَلَا يَحْتَرِزُ فِي الْعَادَاتِ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ الْحُرْمَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَوْ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِالْإِبَاحَةِ لَا يُبَالِي بِإِتْلَافِهِ بِخِلَافِ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُحْتَرَزُ عَنْ إتْلَافِهِ أَشَدَّ الِاحْتِرَازِ بَقَاءً لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْغُرُورِ لَا إلَى فِعْلِهِ فَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَارِّ، فَبَطَلَ مَعْنَى الْأَدَاءِ أَيْ بَطَلَ إيصَالُهُ إلَى الْمَالِكِ حَقِيقَةً رَدًّا لِلْغُرُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَحَاصِلُ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ مَا صَدَرَ عَنْهُ لَيْسَ بِأَدَاءٍ لِكَوْنِهِ غُرُورًا.
وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ قَاصِرًا لَتَمَّ بِالْهَلَاكِ جَوَابُ عَيْنٍ نُكْتَةٌ لِلشَّافِعِيِّ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْغَاصِبَ أَزَالَ يَدًا مُطْلَقَةً لِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا أَعَادَ بِتَقْدِيمِ الطَّعَامِ إلَيْهِ إلَّا يَدَ إبَاحَةٍ فَكَانَ هَذَا أَدَاءً قَاصِرًا فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْكَامِلِ فَأَجَابَ وَقَالَ لَوْ كَانَ قَاصِرًا كَمَا زَعَمْتُمْ لَتَمَّ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي أَدَاءِ الزُّيُوفِ عَنْ الْجِيَادِ مَعَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَاصِرٌ بَلْ هُوَ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مَالِكِهِ أَصْلًا وَوَصْفًا.
وَقَوْلُهُ مَا أَعَادَ الْأَيْدِ إبَاحَةً قُلْنَا جِهَةُ الْإِبَاحَةِ سَاقِطَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ إلَّا جِهَةُ الْمِلْكِ فَأَمَّا الْخَلَلُ الَّذِي ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَهُوَ الْغُرُورُ الَّذِي تَضْمَنَّهُ هَذَا الْأَدَاءُ فَإِنَّمَا وَقَعَ بِجَهْلِ الْمَالِكِ وَالْجَهْلُ أَيْ جَهْلُ الْمَالِكِ لَا يُبْطِلُ الْأَدَاءَ الصَّادِرَ مِنْ الْغَاصِبِ إذْ عِلْمِ الْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَفَى بِالْجَهْلِ عَارًا؛ لِأَنَّهُ نَقِيصَةٌ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُعَيَّرُ بِهِ فَوْقَ تَعْيِيرِهِ بِنُقْصَانِ أَعْضَائِهِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ عُذْرًا فِي تَبْدِيلِ إقَامَةِ الْفَرْضِ اللَّازِمِ وَهُوَ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ يَعْنِي تَسْلِيمَ هَذَا الْعَيْنِ إلَى الْمَالِكِ فَرْضٌ عَلَى الْغَاصِبِ وَقَدْ أَتَى بِهِ بِجَهْلِهِ بِأَنَّ هَذَا مِلْكُهُ لَا يَصْلُحُ مُبْطِلًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَقَالَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ أَعْتَقْته وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ