الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُوجِبُ الْأَمْرِ عَلَى مَا فَسَّرْنَا يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ وَكُلُّ نَوْعٍ يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ وَهَذَا تَنْوِيعٌ فِي صِفَةِ الْحُكْمِ.
(بَابٌ) يُلَقَّبُ بِبَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ نَوْعَانِ: أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ وَالْأَدَاءُ: ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَدَاءٌ كَامِلٌ مَحْضٌ وَأَدَاءٌ قَاصِرٌ مَحْضٌ وَمَا هُوَ شَبِيهٌ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَنَوْعٌ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ وَنَوْعٌ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ تَدْخُلُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَدْخُلُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَيْضًا
ــ
[كشف الأسرار]
لَمْ يَبْقَ حُكْمُ الْمَحَلِّ أَصْلًا كَمَا بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ عِنْدَكُمْ؛ فَلِهَذَا لَا يَتَكَرَّرُ الْحُكْمُ بِتَكَرُّرِهَا قَوْلُهُ (وَمُوجِبُ الْأَمْرِ إلَى آخِرِهِ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْأَمْرِ، وَهُوَ الْوَاجِبُ يَنْقَسِمُ بِحَسَبِ نَفْسِهِ إلَى مُعَيَّنٍ كَأَكْثَرِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِلَى مُخَيَّرٍ كَأَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَبِحَسَبِ فَاعِلِهِ إلَى فَرْضِ عَيْنٍ كَعَامَّةِ الْعِبَادَاتِ وَإِلَى فَرْضِ كِفَايَةٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ وَبِحَسَبِ وَقْتِهِ إلَى مُوَسَّعِ كَالصَّلَاةِ وَإِلَى مُضَيَّقٍ كَالصَّوْمِ وَإِلَى أَدَاءً وَقَضَاءٍ كَمَا يُذْكَرُ فَالشَّيْخُ ذَكَرَ عَامَّةَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَبَدَأَ بِتَقْسِيمِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فَقَالَ: وَمُوجِبُ الْأَمْرِ عَلَى مَا فَسَّرْنَا يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ، قِيلَ مَعْنَاهُ الْوَاجِبُ بِالْأَمْرِ نَوْعَانِ: أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعَانِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي مُوجِبِ الْأَمْرِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ حَسَنٌ لَا مَحَالَةَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ مُوجِبَ الْأَمْرِ يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي صِفَةٍ قَائِمَةٍ فِي الْمُوجِبِ وَالثَّانِي فِي صِفَةٍ قَائِمَةٍ فِي غَيْرِ الْمُوجِبِ ثُمَّ الْأَوَّلُ يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ وَهُمَا الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ، وَهَذِهِ صِفَةٌ رَاجِعَةٌ إلَى نَفْسِ الْمُوجِبِ كَمَا تَرَى وَالثَّانِي يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ أَيْضًا وَهُمَا الْمُؤَقَّتُ وَغَيْرُ الْمُؤَقَّتِ وَالْوَقْتُ صِفَةٌ رَاجِعَةٌ إلَى غَيْرِ الْمُوجِبِ، وَاَلَّذِي يَدُورُ فِي خُلْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مُوجِبَ الْأَمْرِ أَيْ الثَّابِتُ بِالْأَمْرِ.
وَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَى مَا فَسَّرْنَا أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِيجَابِ، يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ وَهُمَا الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ أَيْضًا وَهُمَا الْأَدَاءُ الْمَحْضُ وَغَيْرُ الْمَحْضِ وَالْقَضَاءُ الْمَحْضُ وَغَيْرُ الْمَحْضِ فَمُحَصَّلُ الْأَقْسَامِ أَرْبَعَةٌ: ثُمَّ يَنْقَسِمُ الْأَدَاءُ الْمَحْضِ إلَى كَامِلٍ وَقَاصِرٍ وَالْقَضَاءُ الْمَحْضُ إلَى الْقَضَاءِ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَبِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فَصَارَ الْأَقْسَامُ سِتَّةً فَبَيَّنَ الشَّيْخُ قَبْلَ الْبَابِ التَّقْسِيمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الَّذِينَ بِهِمَا صَارَ الْأَقْسَامُ أَرْبَعَةً وَبَعْدَ الْبَابِ اعْتَبَرَ الْحَاصِلَ مِنْ التَّقَاسِيمِ وَبَيَّنَ الْأَقْسَامَ سِتَّةً، وَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا تَقْسِيمُ مُطْلَقِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَرَكُّبِهِمَا وَتَمَحُّضِهِمَا، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ أَدَاءٌ كَامِلٌ، وَقَاصِرٌ، وَقَضَاءٌ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ، وَبِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فَدَخَلَ الْمُتَرَكِّبُ مِنْهُمَا فِي هَذَا التَّقْسِيمِ كَالْمُتَمَحِّضِ ثُمَّ بَعْدَ الْبَابِ مَيَّزَ الْمُتَرَكِّبَ مِنْهُمَا مِنْ الْمُتَمَحِّضِ مِنْهُمَا فَمُحَصَّلُ الْأَقْسَامِ سِتَّةٌ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلْكُتُبِ فَإِنَّ الشَّيْخَ رحمه الله ذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ ثُمَّ حُكْمُ الْوُجُوبِ شَيْئَانِ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ وَالْأَدَاءُ عَلَى نَوْعَيْنِ وَاجِبٍ وَنَفْلٍ وَالْقَضَاءُ عَلَى نَوْعَيْنِ أَيْضًا بِمِثْلٍ يُعْقَلُ وَبِمِثْلٍ لَا يُعْقَلُ لَكِنَّهُ ثَبَتَ شَرْعًا وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ هَهُنَا أَخْرَجَ النَّفَلَ عَنْ قِسْمِ الْأَدَاءِ وَجَعَلَ الْأَدَاءَ الْوَاجِبَ عَلَى قِسْمَيْنِ كَامِلٍ وَقَاصِرٍ.
قَوْلُهُ (وَهَذَا تَنْوِيعٌ فِي صِفَةِ الْحُكْمِ) أَيْ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْسِيمِ تَنْوِيعٌ فِي صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ هَذَا إشَارَةٌ إلَى الْبَابِ لَا إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّقْسِيمِ؛ لِأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ الْبَابُ هُوَ بَيَانُ أَنْوَاعِ صِفَةِ الْحُكْمِ، وَلِهَذَا لُقِّبَ الْبَابُ بِهِ وَالتَّنْوِيعُ الْمَذْكُورُ يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ كَمَا يَتَنَاوَلُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلَا يَصِحُّ صَرْفُ اسْمِ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْبَابِ أَيْ هَذَا الْبَابُ تَنْوِيعٌ فِي صِفَةِ الْحُكْمِ، وَلَكِنَّ إعَادَةَ لَفْظَةِ هَذَا فِي قَوْلِهِ وَهَذَا بَابٌ يَأْبَى ذَلِكَ
[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]
(بَابٌ يُلَقَّبُ بِبَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ)
، وَذَلِكَ أَيْ حُكْمُ الْأَمْرِ، وَقَوْلُهُ كَامِلٌ وَقَاصِرٌ تَقْسِيمٌ لِلْأَدَاءِ الْمَحْضِ، بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ أَيْ مُمَاثَلَتُهُ مُدْرَكٌ بِالْعَقْلِ، وَبِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ أَيْ غَيْرِ مُدْرَكٍ بِعُقُولِنَا لَا أَنَّهُ خِلَافُ الْعَقْلِ إذْ الْعَقْلُ حُجَّةٌ
وَالْأَدَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَالْقَضَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ كَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا لَزِمَهُ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ وَرَدِّهِ فَيَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا وَإِذَا هَلَكَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ فَيَصِيرُ بِهِ قَاضِيًا وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ النَّفَلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ
ــ
[كشف الأسرار]
مِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَنَاقُضَ فِي حُجَجِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ كَذَا قِيلَ.
قَوْلُهُ (وَالْأَدَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ) أَيْ عَيْنِهِ، بِالْأَمْرِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ لَا بِالتَّسْلِيمِ عَلَى مَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَيْ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الْأَمْرِ، وَإِضَافَةُ الْوَاجِبِ إلَى الْأَمْرِ تَوَسُّعٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالسَّبَبِ وَوُجُوبَ الْأَدَاءِ بِالْأَمْرِ عَلَى مَا يُعْرَفُ بَعْدُ إلَّا أَنَّ السَّبَبَ لَمَّا عُلِمَ بِالْأَمْرِ أُضِيفَ الْوُجُوبُ إلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ يَشْمَلُ تَسْلِيمَ الْمُؤَقَّتِ فِي وَقْتِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتَسْلِيمَ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ كَالزَّكَاةِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يَقْبَلُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْعَبْدِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا (قُلْنَا) لَمَّا شَغَلَ الشَّرْعُ الذِّمَّةَ بِالْوَاجِبِ ثُمَّ أَمَرَ بِتَفْرِيغِهَا أَخَذَ مَا يَحْصُلُ بِهِ فَرَاغُ الذِّمَّةِ حُكْمَ ذَلِكَ الْوَاجِبِ كَأَنَّهُ عَيْنُهُ، أَوْ يُقَالُ الْوَاجِبُ بِالْأَمْرِ غَيْرُ الْوَاجِبِ بِالسَّبَبِ إذْ الْوَاجِبُ بِالْأَمْرِ فِعْلُ الصَّلَاةِ أَوْ إيتَاءُ رُبْعِ الْعُشْرِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ فَرَاغُ الذِّمَّةِ مَثَلًا، وَهُوَ مُمْكِنُ التَّسْلِيمِ فَأَمَّا الْوَصْفُ الشَّاغِلُ لِلذِّمَّةِ فَحَاصِلٌ بِالسَّبَبِ لَا بِالْأَمْرِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ إضَافَةُ الْوَاجِبِ إلَى الْأَمْرِ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ بَلْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ كَذَا قِيلَ.
قَوْلُهُ (وَالْقَضَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ) أَيْ بِالْأَمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ مِثْلَ الْوَاجِبِ مِنْ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَقَالَ الْقَضَاءُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ بِمِثْلِ مَنْ عِنْدَ الْمَأْمُورِ هُوَ حَقُّهُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَيْضًا.
وَلَا بُدَّ مِنْهُ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ الْمَأْمُورِ لَا يَكُونُ قَضَاءً؛ وَإِنْ كَانَ مِثْلًا لِلْوَاجِبِ فَإِنَّ مَنْ صَرَفَ دَرَاهِمَ الْغَيْرِ إلَى دَيْنِهِ لَا يَكُونُ قَضَاءً وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ، وَكَذَا لَوْ صَرَفَ الْعَصْرَ إلَى الظُّهْرِ أَوْ ظُهْرَ الْيَوْمِ إلَى ظُهْرِ الْأَمْسِ بِأَنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الظُّهْرُ قَضَاءً عَنْ الْفَائِتِ لَا يَصِحُّ؛ وَإِنْ كَانَتْ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَائِتِ أَقْوَى مِنْهَا بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَائِتِ بِكَوْنِهَا ثَابِتَةً بَيْنَ الظُّهْرِ وَالظُّهْرِ ذَاتًا وَوَصْفًا وَبَيْنَ النَّفْلِ وَالظُّهْرِ ذَاتًا لَا وَصْفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ عِنْدِهِ أَلَا تَرَى كَيْفَ أَكَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله بِقَوْلِهِ هُوَ حَقُّهُ احْتِرَازًا عَنْ الْوَدِيعَةِ وَلِهَذَا اُخْتِيرَ فِي الْمُنْتَخَبِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله.
قَوْلُهُ (وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ قِسْمٌ آخَرُ) أَيْ يُزَادُ عَلَيْهِ قِسْمٌ آخَرُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ حَقِيقَةً فِي النَّدْبِ فَيَصِيرُ الْأَدَاءُ عِنْدَهُ قِسْمَيْنِ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَسْلِيمُ عَيْنِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ الْأَدَاءُ نَوْعَانِ: وَاجِبٌ كَالْفَرْضِ فِي وَقْتِهِ وَغَيْرُ وَاجِبٍ كَالنَّفْلِ وَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَيْضًا فَقَالَ الْأَدَاءُ عَلَى نَوْعَيْنِ: وَاجِبٌ وَنَفْلٌ وَكِلَاهُمَا مُوجِبُ الْأَمْرِ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَنْقَسِمَ الْأَدَاءُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ تَسْلِيمُ الْوَاجِبِ وَتَسْلِيمُ الْمَنْدُوبِ وَتَسْلِيمُ الْمُبَاحِ إذْ الْكُلُّ مُوجِبٌ لِلْآمِرِ عِنْدَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ، وَالتَّعْرِيفُ الشَّامِلُ لِلْقِسْمَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْأَدَاءُ اسْمٌ لِفِعْلِ مَا طُلِبَ مِنْ الْعَمَلِ بِعَيْنِهِ. وَإِنْ جُعِلَ الْوَاجِبُ بِمَعْنَى الثَّابِتِ فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَهُوَ يَشْمَلُ الْقِسْمَيْنِ أَيْضًا، وَالشَّامِلُ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ هُوَ مَا يُقَالُ الْأَدَاءُ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا أُمِرَ بِهِ، قَالَ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ: رحمه الله إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا يَعْنِي قَوْلَهُ يَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ قِسْمٌ آخَرُ احْتِرَازٌ عَمَّا
فَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلَا يَحْتَمِلُ هَذَا الْوَصْفَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَقَدْ يَدْخُلُ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ فِي قِسْمِ الْعِبَارَةِ الْأُخْرَى
ــ
[كشف الأسرار]
يُقَالُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَفْسِيرِ الْأَدَاءِ يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ أَدَّى النَّفَلَ، وَهُوَ لَيْسَ بِتَسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ جَامِعًا يُقَالُ هَذَا قِسْمٌ آخَرُ وَمَا ذَكَرْنَا قِسْمٌ آخَرُ إذْ نَحْنُ فِي تَفْسِيرِ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ مُوجِبُ الْأَمْرِ فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ نَقْضًا عَلَيْنَا قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلَا يَحْتَمِلُ هَذَا الْوَصْفَ) ، وَهُوَ دُخُولُ النَّفْلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْمَتْرُوكِ مَضْمُونًا وَالنَّفَلُ لَا يُضْمَنُ بِالتَّرْكِ.
وَأَمَّا إذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ صَارَ مُلْحَقًا بِالْوَاجِبِ لَا؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ كَمَا قَبْلَ الشُّرُوعِ قَوْلُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلٌ، بِقَوْلِهِ الْأَدَاءُ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْوَاجِبِ وَاسْتِشْهَادٌ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي تَسْلِيمِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ، وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ طَلَبَ الْمِفْتَاحَ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ وَكَانَ يَلِي سِدَانَةَ الْكَعْبَةِ فَوَجَّهَ إلَيْهِ عَلِيًّا رضي الله عنه فَأَبَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَقَالَ لَوْ عَلِمْت أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أَمْنَعْهُ الْمِفْتَاحَ فَلَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه يَدَهُ وَأَخَذَهُ مِنْهُ قَسْرًا حَتَّى دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ اجْمَعْ لِي السِّدَانَةَ مَعَ السِّقَايَةِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمِفْتَاحَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا رضي الله عنه بِرَدِّهِ إلَيْهِ فَرَدَّهُ إلَيْهِ وَأَلْطَفَ لَهُ فِي الْقَوْلِ وَاعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه أَكْرَهْت وَآذَيْت ثُمَّ جِئْت تَرْفُقُ قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِي شَأْنِك قُرْآنًا وَأَمَرَنَا بِرَدِّهِ عَلَيْك، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ عليه السلام وَأَسْلَمَ ثُمَّ إنَّهُ هَاجَرَ وَدَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى أَخِيهِ شَيْبَةَ فَهُوَ فِي وَلَدِهِ إلَى الْيَوْمِ» ، وَأَمَانَةٌ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الشَّيْءُ الَّذِي يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الْأَمَانَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْجَنَابَةِ وَفِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ.
وَذَكَرَ فِي عَيْنِ الْمَعَانِي قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ الَّتِي هِيَ أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي حَمَّلَهَا الْإِنْسَانَ وَحِفْظُ الْحَوَاسِّ الَّتِي هِيَ وَدَائِعُ اللَّهِ جل جلاله ثُمَّ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ مُودَعَةٍ عِنْدَهُ، فَإِذَا أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ مُرَاعِيًا حَقَّهُ بِأَقْصَى الْإِمْكَانِ كَانَ أَدَاءً بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَإِذْ قَصَّرَ فِي رِعَايَتِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْخِيَانَةِ فِي الْأَمَانَةِ فَكَانَ قَضَاءً إذْ الْخِيَانَةُ فِي الْأَمَانَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَأَدَاءُ الضَّمَانِ قَضَاءٌ حَقِيقَةً لَا أَدَاءٌ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ، وَاعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ الْأُصُولِيِّينَ قَسَّمُوا الْوَاجِبَ إلَى أَدَاءً وَقَضَاءٍ وَإِعَادَةٍ، ثُمَّ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ الْأَمْرَ حَقِيقَةً فِي النَّدْبِ فَسَّرَ الْأَقْسَامَ فَقَالَ: الْأَدَاءُ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ أَيْ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا وَالْقَضَاءُ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ شَرْعًا، وَالْإِعَادَةُ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ بِأَنْ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلُ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ فَأَدَّاهُ عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ وَهُوَ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهِيَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ، فَعَلَى هَذَا إذَا فَعَلَ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ إعَادَةً، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ الْوَاجِبُ إذَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ وَيُسَمَّى أَدَاءً وَإِذَا فُعِلَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ الْمُضَيَّقِ أَوْ الْمُوَسَّعِ يُسَمَّى قَضَاءً؛ وَإِنْ فُعِلَ مَرَّةً عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْخَلَلِ ثُمَّ فُعِلَ ثَانِيًا فِي وَقْتِهِ الْمَضْرُوبِ لَهُ يُسَمَّى إعَادَةً فَالْإِعَادَةُ اسْمٌ لِمِثْلِ مَا فُعِلَ مَعَ ضَرْبٍ مِنْ الْخَلَلِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
وَالْقَضَاءُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مِثْلَ مَا فَاتَ وَقْتُهُ الْمَحْدُودُ فَشَرْطُ الْوَقْتِ فِي الْإِعَادَةِ فَلَا يَكُونُ إتْيَانُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ إعَادَةً، وَمَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ حَقِيقَةً فِي النَّدْبِ قَالَ الْأَدَاءُ مَا فُعِلَ أَوَّلًا فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا وَالْقَضَاءُ مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتٍ مُقَدَّرٍ اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ لَهُ وُجُوبٌ وَالْإِعَادَةُ مَا فُعِلَ ثَانِيًا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لِخَلَلٍ فِي الْأَوَّلِ، فَقَوْلُهُ مَا فُعِلَ يَتَنَاوَلُ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ، وَقَوْلُهُ أَوَّلًا احْتِرَازٌ عَنْ الْإِعَادَةِ.
وَقَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ احْتِرَازٌ عَنْ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُهُ فِي تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ اسْتِدْرَاكًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا فُعِلَ لَا بِقَصْدِ الِاسْتِدْرَاكِ وَقَوْلُهُ لِمَا سَبَقَ لَهُ وُجُوبٌ احْتِرَازٌ عَنْ النَّوَافِلِ، وَقَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِ الْإِعَادَةِ ثَانِيًا احْتِرَازٌ عَنْ الْأَدَاءِ، وَقَوْلُهُ لِخَلَلٍ أَيْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ سَوَاءٌ كَانَ مُفْسِدًا أَوْ لَمْ يَكُنْ احْتِرَازٌ عَنْ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ بَعْدَ أَنْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تُسَمَّى إعَادَةً، ثُمَّ التَّعْرِيفُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ لِلْأَدَاءِ أَحْسَنُ مِمَّا قَالُوا؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ يَشْمَلُ الْمُؤَقَّتَ وَغَيْرَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُؤَقَّتِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ ثُمَّ فِعْلُ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ إنْ كَانَ أَدَاءً عِنْدَهُمْ فَلَا يَكُونُ الْحَدُّ الَّذِي ذَكَرُوهُ جَامِعًا فَيَكُونُ فَاسِدًا بِالِاتِّفَاقِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ الْأَدَاءُ مُخْتَصًّا بِالْمُؤَقَّتِ كَالْقَضَاءِ فَالْحَدُّ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ فَاسِدٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّ الْأَدَاءَ مُخْتَصٌّ بِالْوَقْتِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ يُسَمَّى أَدَاءً شَرْعًا وَعُرْفًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وَقَالَ عليه السلام:«أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ نِصْفَ صَاعٍ» الْحَدِيثُ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ مَقْدُورٍ وَيُقَالُ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ بَعْدَ سِنِينَ وَأَدَّى طَعَامَ الْكَفَّارَةِ كَمَا يُقَالُ أَدَّى الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَقَدْ نَصَّ الشَّيْخُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ وَالْأَدَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ إلَى آخِرِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَدَاءٌ كَانَ الْحَدُّ الَّذِي ذَكَرُوهُ فَاسِدًا لِعَدَمِ انْعِكَاسِهِ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ الْإِعَادَةَ فِي تَقْسِيمِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِأَنْ وَقَعَ الْفِعْلُ الْأَوَّلُ فَاسِدًا بِأَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ أَوْ رُكْنًا آخَرَ مِنْ الصَّلَاةِ مَثَلًا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْأَدَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ لَمَّا فَسَدَ أَخَذَ حُكْمَ الْعَدَمِ شَرْعًا وَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ لِلثَّانِي فَيَكُونُ أَدَاءً إنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَاءً إنْ وَقَعَ خَارِجَ الْوَقْتِ؛ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِأَنْ وَقَعَ الْفِعْلُ الْأَوَّلُ نَاقِصًا لَا فَاسِدًا بِأَنْ تَرَكَ مَثَلًا فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا يَجِبُ بِتَرْكِهِ سَجْدَةَ السَّهْوِ فَلَا تَكُونُ دَاخِلَةً فِي هَذَا التَّقْسِيمِ؛ لِأَنَّهُ تَقْسِيمُ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ وَلِهَذَا وَقَعَ الْفِعْلُ الْأَوَّلُ عَنْ الْوَاجِبِ دُونَ الثَّانِي وَالثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ إذَا أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ يُخْرِجُ عَنْ الْعُهْدَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ كَالْحَاجِّ إذَا طَافَ مُحْدِثًا خِلَافًا لَهُمْ، وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْفِعْلِ إذَا تَقَرَّرَ وَلَمْ يُفْعَلْ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ وَفُعِلَ بَعْدَهُ أَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً حَقِيقَةً سَوَاءٌ تَرَكَهُ فِي وَقْتِهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا انْعَقَدَ بِسَبَبِ وُجُوبِهِ وَتَأَخَّرَ وُجُوبُ أَدَائِهِ لِمَانِعٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمُكَلَّفُ قَادِرًا عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ كَالصَّوْمِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ أَوْ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ إمَّا شَرْعًا كَالصَّوْمِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ وَإِمَّا عَقْلًا كَالصَّلَاةِ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: إنَّهُ يُسَمَّى قَضَاءً مَجَازًا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فَرْضٌ مُبْتَدَأٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْحَقِيقِيَّ
فَسَمَّى الْأَدَاءَ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَفْظٌ مُتَّسِعٌ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْأَدَاءُ فِي الْقَضَاءِ مُقَيَّدًا؛ لِأَنَّ لِلْأَدَاءِ خُصُوصًا بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ وَعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ الْعِبَارَةِ إلَى الِاسْتِقْصَاءِ
ــ
[كشف الأسرار]
مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ سَاقِطٌ عَنْ هَؤُلَاءِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَيْفَ يُقَالُ بِوُجُوبِ أَدَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَلَا سَبِيلَ لَهَا إلَى الْأَدَاءِ وَلَا إلَى إزَالَةِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إزَالَتُهُ، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ لَكِنَّهُ سُمِّيَ قَضَاءً مَجَازًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْفَرْضِ فَوَاتَ الْأَوَّلِ فَلِفَوَاتِ إيجَابِهِ فِي الْوَقْتِ سُمِّيَ قَضَاءً، وَقَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ قَضَاءٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ اسْتِدْرَاكًا لِمَصْلَحَةِ مَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ وَقَدْ انْعَقَدَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ فَيَكُونُ هَذَا حَقِيقَةً.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ نِيَّةُ قَضَاءِ الْفَائِتِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا مُبْتَدَأً لَمَا وَجَبَتْ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ حَقِيقَةً بَلْ تَصَوُّرُ ذَلِكَ كَافٍ؛ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا كَتَصَوُّرِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ لِصِحَّةِ نَقْلِ الْحُكْمِ إلَى التُّرَابِ وَقَدْ تُصَوِّرَ زَوَالُ هَذِهِ الْأَعْذَارِ فِي الْوَقْتِ وَإِيجَابُ الْأَدَاءِ بَعْدَهُ فَيَكُونُ هَذَا الْقَدْرُ كَافِيًا فِي نَقْلِ الْحُكْمِ إلَى الْقَضَاءِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُؤَدِّيًا إلَى الْحَرَجِ، وَهَذَا كَالْمُحْدِثِ إذَا ضَاقَ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْأَدَاءُ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ يُلَاقِيهِ وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يَجِدُ مَاءً وَلَا تُرَابًا نَظِيفًا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْأَدَاءُ وَلَا التَّسْبِيبُ إلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ وَالسَّكْرَانُ يُلَاقِيهِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَدَائِهَا، وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْقَضَاءِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الشَّرْطَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لِعُمُومِ دَلِيلِهِ وَفَوَاتِهِ عَنْ الْوَقْتِ فِي حَقِّهِ مَعَ إدْرَاكِ وَقْتِ الْقَضَاءِ وَانْتِفَاءِ الْحَرَجِ عَنْهُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَجْنُونِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ (فَسُمِّيَ الْأَدَاءُ قَضَاءً) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أَيْ أَدَّيْتُمْ وَأَتْمَمْتُمْ أُمُورَ الْحَجِّ، وَقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: 10] أَيْ أُدِّيَتْ وَفُرِغَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْجُمُعَةُ وَأَنَّهَا لَا تُقْضَى، وَرَأَيْتُ فِي نُسْخَةٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ هُوَ الظُّهْرُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها إنَّمَا قَصُرَتْ الصَّلَاةُ لِمَكَانِ الْخُطْبَةِ إلَّا أَنَّ الْجُمُعَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهَا لِنَوْعِ حَاجَةٍ فَكَانَ اسْمُ الْقَضَاءِ لَهَا حَقِيقَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ.
(لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَفْظٌ مُتَّسِعٌ) بِالْكَسْرِ أَيْ عَامٌّ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى تَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَاجِبِ وَمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ وَالْإِتْمَامُ وَالْإِحْكَامُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَوْجُودَةٌ فِي تَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَاجِبِ كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي تَسْلِيمِ مِثْلِهِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْأَدَاءِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لِعُمُومِ مَعْنَاهُ كَإِطْلَاقِ الْحَيَوَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالْأَسَدِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اخْتَصَّ بِتَسْلِيمِ الْمِثْلِ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا كَانَ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا فَكَانَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْأَدَاءِ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً مَجَازًا عُرْفِيًّا أَوْ شَرْعِيًّا.
قَوْلُهُ (وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْأَدَاءُ فِي الْقَضَاءِ مُقَيَّدًا) أَيْ بِقَرِينَةٍ يَعْنِي لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْقَضَاءِ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الشُّجَاعِ إذَا اُسْتُعْمِلَ لَفْظُ الْأَسَدِ فِيهِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ يَرْمِي أَوْ غَيْرُهُ فِي قَوْلِك رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي أَوْ فِي الْحَمَّامِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مِنْ الدَّيْنِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ حَقِيقَةِ الدَّيْنِ مُحَالٌ وَكَمَا يُقَالُ نَوَيْت أَنْ أُؤَدِّيَ ظُهْرَ الْأَمْسِ فَبِقَرِينَةِ الْأَمْسِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ ظُهْرِ الْأَمْسِ بَعْدَ مُضِيِّهِ مُحَالٌ.
قَوْلُهُ (لِأَنَّ لِلْأَدَاءِ خُصُوصًا) دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّقْيِيدِ يَعْنِي أَنَّ مَعْنَى الْأَدَاءِ مُخْتَصٌّ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ