المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سَهْوٌ.   وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَكُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ١

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ

- ‌ أُصُولَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ

- ‌ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً

- ‌[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]

- ‌[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْعَامُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُؤَوَّلُ]

- ‌[الفرق بَيْن التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُفَسَّرُ]

- ‌[تَعْرِيف المحكم]

- ‌[تَعْرِيف الخفي]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُجْمَلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُتَشَابِه]

- ‌[بَيَان الْحِكْمَة فِي إنْزَال الْآيَات الْمُتَشَابِهَات]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُوه اسْتِعْمَال النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الْحَقِيقَةَ]

- ‌[أَقْسَام الْحَقِيقَة]

- ‌ تَعْرِيفِ الْمَجَازِ

- ‌[تَعْرِيف الصَّرِيحُ]

- ‌[تَعْرِيف الْكِنَايَةُ]

- ‌ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

- ‌[الْقَسْم الرَّابِع وُجُوه وُقُوف السَّامِع عَلَى مُرَاد الْمُتَكَلِّم ومعانى الْكَلَام]

- ‌[الِاسْتِدْلَال بِإِشَارَةِ اللَّفْظِ]

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ

- ‌ الثَّابِتُ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ:

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ)

- ‌[تَعْرِيف الْأَمْر]

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ)

- ‌[الْأَمْر إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ) :فِي مَعْنَى الْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ

- ‌[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

- ‌[الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ]

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ

- ‌[الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل كَامِلٌ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي قَاصِر]

- ‌ الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ

- ‌[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مَا حَسَن لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

- ‌الصَّلَاةِ حَسُنَتْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا

- ‌[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]

- ‌[الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ شَرْطُ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ]

- ‌[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

- ‌(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

- ‌[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ

- ‌[النَّوْع الثَّالِث الْوَقْتُ الَّذِي جُعِلَ مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ

- ‌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي

- ‌(بَابُ النَّهْيِ) :

- ‌[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ]

- ‌ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدُلُوكِهَا

- ‌[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ]

- ‌ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ

- ‌ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ

- ‌ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ

- ‌[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]

- ‌ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ

- ‌(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

- ‌ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

- ‌ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ خُصُوصُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ

- ‌[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

- ‌ كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا

الفصل: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سَهْوٌ.   وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَكُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سَهْوٌ.

وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَكُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ

ــ

[كشف الأسرار]

التَّأْوِيلَ؛ لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَالْعَامُّ يَشْمَلُ كِلَيْهِمَا فَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَفِيهِ بُعْدٌ؛ فَلِهَذَا قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سَهْوٌ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ رحمه الله وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ أَنْ يَشْمَلَ اللَّفْظُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ الْقَوْلُ بِعُمُومِ الْمَعَانِي وَجَعْلِ الْمَعَانِيَ مَجَازًا عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ وَلَكِنَّ أَخَاهُ صَدْرَ الْإِسْلَامِ أَبَا الْيُسْرِ رحمه الله ذَكَرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْجَصَّاصَ بِقَوْلِهِ أَوْ الْمَعَانِي لَمْ يُرِدْ عُمُومَ الْمَعَانِي وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالْمَعَانِي مَا يَنْتَظِمُ جَمْعًا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْرَاضِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ عَمَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعَ.

وَإِذَا قَالَ الْحَرَكَاتُ عَمَّ الْحَرَكَاتِ كُلَّهَا، وَهِيَ الْمَعَانِي فَيَجْعَلُ أَبُو الْيُسْرِ الْمَعَانِيَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً بِمَعْنًى أَعَمَّ مِنْهَا كَمَا فِي قَوْلِنَا الْمَعَانِي وَالْعُلُومُ وَالْأَعْرَاضُ وَنَحْوُهَا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا عَامٌّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِجَمْعٍ مِنْ مَدْلُولَاتِهِ وَلَكِنْ بِمَعْنًى مُتَّحِدٍ يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْمَعْنَى وَالْعِلْمِ وَالْعَرَضِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْءَ يَتَنَاوَلُ الْمَعَانِيَ الْمُخْتَلِفَةَ بِمَعْنَى الْمَوْجُودِ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْأَعْيَانَ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ لَفْظٌ آخَرُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً بِمَعْنًى يَشْمَلُهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعَامُّ قِسْمَيْنِ: مَا يَتَنَاوَلُ الْأَعْيَانَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمَا يَتَنَاوَلُ الْمَعَانِيَ بِمَعْنًى يَعُمُّهَا فَيَصِحُّ قَوْلُهُ أَوْ الْمَعَانِي وَيَكُونُ حَدُّهُ مُتَعَرِّضًا لِلْقِسْمَيْنِ فَيَكُونُ جَامِعًا وَلَا يَتَعَرَّضُ حَدُّ الْمُصَنِّفُ إلَّا لِقِسْمٍ وَاحِدٍ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُسَمَّى مَفْهُومُ اللَّفْظِ فَحِينَئِذٍ يَتَنَاوَلُهَا، وَعَنْ هَذَا قِيلَ فِي تَحْدِيدِ الْعَامِّ هُوَ لَفْظٌ يَنْتَظِمُ جَمْعًا مِنْ الْمَفْهُومَاتِ بِالْوَضْعِ، وَلَكِنَّ طَعْنَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ يَأْبَى هَذَا الْحَمْلَ فَافْهَمْ.

وَلَا يَلْزَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا الْقَوْلُ بِعُمُومِ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ وَصْفٌ لِلْمُشْتَمِلِ لَا لِلْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ إذْ الْعَامُّ نَعْتٌ فَاعِلٌ كَمَا فِي قَوْلِنَا الرِّجَالُ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالْعُمُومِ لَا الْأَفْرَادُ الدَّاخِلَةُ تَحْتَهُ وَهَهُنَا الشَّامِلُ هُوَ اللَّفْظُ سَوَاءٌ اشْتَمَلَ عَلَى أَعْيَانٍ أَوْ عَلَى مَعَانٍ فَيَجُوزُ وَصْفُهُ بِالْعُمُومِ بِالِاتِّفَاقِ، فَأَمَّا الْمَعْنَى إذَا شَمِلَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ لَفْظُهُ عَلَى الشُّمُولِ كَمَعْنَى الْمَطَرِ أَوْ الْخِصْبِ إذَا شَمِلَ الْأَمْكِنَةَ وَالْبِلَادَ، فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَا يُوصَفُ بِالْعُمُومِ إلَّا مَجَازًا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ يُوصَفُ بِهِ حَقِيقَةً، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي شَيْءٍ، وَلَا يُقَالُ حَدُّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا يَنْتَظِمُ يَتَنَاوَلُ الْمَعْنَى كَمَا يَتَنَاوَلُ اللَّفْظَ، وَالْمَعْنَى لَا يُوصَفُ بِالْعُمُومِ حَقِيقَةً؛ وَلِهَذَا تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِلَّفْظِ فَقَالَ كُلُّ لَفْظٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَصْفُ الْمَعْنَى بِالْعُمُومِ حَقِيقَةً، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِهِ بِالْعُمُومِ حَقِيقَةً فِي الْمَعَانِي كَمَا هُوَ فِي الْأَلْفَاظِ يُقَالُ عَمَّهُمْ الْخِصْبُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَامًّا كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. رحمه الله

[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَاتِ مُشْتَرَكَةٌ وَالصِّيغَةُ مُشْتَرَكٌ فِيهَا، وَقَوْلُهُ احْتَمَلَ كَذَا أَيْ بِالْوَضْعِ عُرِفَ ذَلِكَ بِمَوْرِدِ التَّقْسِيمِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَقْسِيمُ نَفْسِ اللَّفْظِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ.

وَالْمَجَازُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِرَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ

ص: 37

أَوْ اسْمًا مِنْ الْأَسْمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ الْجُمْلَةِ مُرَادًا بِهِ مِثْلُ الْعَيْنِ اسْمٌ لِعَيْنِ النَّاظِرِ وَعَيْنِ الشَّمْسِ وَعَيْنِ الْمِيزَانِ وَعَيْنِ الرُّكْبَةِ وَعَيْنِ الْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِثْلُ الْمَوْلَى

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ الْمَعَانِي أَوْ الْأَسْمَاءِ يُوهِمُ أَنَّ عَدَدَ الثَّلَاثِ شَرْطٌ فِي الِاشْتِرَاكِ كَمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْعُمُومِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الِاشْتِرَاكُ يَثْبُتُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ الِاسْمَيْنِ أَيْضًا كَالْقُرْءِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ فِي حَدِّهِ هُوَ اللَّفْظَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِحَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَضْعًا أَوَّلًا مِنْ حَيْثُ هُمَا مُخْتَلِفَتَانِ، فَاحْتُرِزَ بِالْمَوْضُوعَةِ لِحَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ عَنْ الْأَسْمَاءِ الْمُفْرَدَةِ، وَبِقَوْلِهِ وَضْعًا أَوَّلًا عَنْ الْمَنْقُولِ، وَبِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ هُمَا مُخْتَلِفَتَانِ عَنْ مِثْلِ الشَّيْءِ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَاهِيَّاتِ الْمُخْتَلِفَةَ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ اسْمًا مِنْ الْأَسْمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي مَعْنَاهُ أَوْ مُسَمًّى مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِهِمَا لَا بِاعْتِبَارِ مَعْنًى يَشْمَلُهَا بِخِلَافِ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ قَدْ يَشْمَلُ الْمُسَمَّيَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ الْمَعَانِي لَكِنْ لَا لِاخْتِلَافِهَا فِي ذَوَاتِهَا بَلْ بِمَعْنًى يَشْمَلُهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ كَلِمَةِ أَوْ فِي التَّحْدِيدِ إنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى تَقْسِيمِ الْحَدِّ فَهُوَ بَاطِلٌ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ التَّعْرِيفُ، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى تَقْسِيمِ الْمَحْدُودِ لَا إلَى تَقْسِيمِ الْحَدِّ، فَهُوَ جَائِزٌ لِعَدَمِ الِاخْتِلَالِ فِي التَّعْرِيفِ، ثُمَّ إنْ تَنَاوَلَ الْقِسْمَيْنِ لَفْظٌ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِّ فَهُوَ تَقْسِيمُ الْمَحْدُودِ وَإِلَّا فَهُوَ تَقْسِيمُ الْحَدِّ كَمَا لَوْ قِيلَ الْجِسْمُ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْ جَوْهَرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ يَكُونُ تَقْسِيمًا لِلْمَحْدُودِ لِتَنَاوُلِ التَّرْكِيبِ إيَّاهُمَا وَلَوْ قِيلَ الْجِسْمُ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْ جَوْهَرَيْنِ أَوْ مَا لَهُ أَبْعَادٌ ثَلَاثَةٌ يَكُونُ تَقْسِيمًا لِلْحَدِّ لِعَدَمِ دُخُولِهِمَا تَحْتَ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِّ فَيَفْسُدُ فَقَوْلُهُ أَوْ اسْمًا مِنْ الْأَسْمَاءِ مِنْ قَبِيلِ تَقْسِيمِ الْمَحْدُودِ لَا مِنْ تَقْسِيمِ الْحَدِّ لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ لَفْظٍ اُحْتُمِلَ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْمُشْتَرَكُ مَا احْتَمَلَ وَاحِدًا مِنْ مَفْهُومَاتِ اللَّفْظِ كَمَا إنَّ قَوْلَهُ فِي تَحْدِيدِ الْعَامِّ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى تَقْسِيمٌ لِلْمَحْدُودِ لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ قَوْلِهِ يَنْتَظِمُ، وَقَوْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَعَلَى بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْلِك تَبَحَّرَ فُلَانٌ فِي الْعُلُومِ عَلَى صِغَرِ سِنِّهِ أَيْ مَعَ.

وَالْعَامِلُ فِيهِ الْفِعْلُ الْمُقَدَّرُ فِي الظَّرْفِ، وَمَحَلُّ الظَّرْفِ النَّصْبُ عَلَى الصِّفَةِ لِ " اسْمًا "، وَاللَّامُ فِي الْمَعَانِي بَدَلٌ مِنْ الْإِضَافَةِ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ احْتَمَلَ اسْمًا اسْتَقَرَّ هُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مُخْتَلِفَةً مَعَانِيهَا، وَقَوْلُهُ عَلَى وَجْهٍ حَالٌ مِنْ الْمَعَانِي وَمِنْ الْأَسْمَاءِ جَمِيعًا بِمَعْنَى الشَّرْطِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ احْتَمَلَ، وَاللَّامُ فِي الْجُمْلَةِ بَدَلٌ مِنْ الْإِضَافَةِ، وَالتَّقْدِيرُ احْتَمَلَ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي أَوْ اسْمًا مِنْ الْأَسْمَاءِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ الْمَعَانِي أَوْ الْأَسْمَاءِ أَيْ وَاحِدٌ مِنْ مَفْهُومَاتِهِ، " وَمُرَادًا " تَمْيِيزٌ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ، ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْمَعَانِي إنْ كَانَ مَفْهُومَاتُ الْأَلْفَاظِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَيْهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ لَفْظَ الْعَيْنِ إنْ كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ لَفْظِ الشَّمْسِ وَالْيَنْبُوعِ وَالذَّهَبِ فَهُوَ نَظِيرُ اشْتِرَاكِ الْأَسْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ مَفْهُومَاتِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَهُوَ نَظِيرُ اشْتِرَاكِ الْمَعَانِي، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هَهُنَا الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةُ كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَالْمُرَادُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُسَمَّيَاتُ أَيْ الْأَعْيَانُ فَالْعَيْنُ عَلَى هَذَا نَظِيرُ الْأَسْمَاءِ، وَكَذَا الْمَوْلَى وَالْقُرْءُ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَنَظِيرُ الْمُشْتَرَكِ فِي الْمَعَانِي الْإِخْفَاءُ لِلْإِظْهَارِ وَالسِّرِّ وَالنَّهَلُ لِلرَّيِّ وَالْعَطَشِ وَلَفْظُ بَانَ بِمَعْنَى انْفَصَلَ وَظَهَرَ وَبَعُدَ.

وَقَوْلُهُ

ص: 38

وَالْقُرْءُ مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ الْأَسْمَاءِ قِيلَ يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْءِ أَيْ مِثْلُ الْقُرْءِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، فَإِنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْجَامِدَةِ، وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ دُونَ الْقُرْءِ الَّذِي بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَالِانْتِقَالِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجُمُوعِ أَيْ هَذِهِ النَّظَائِرُ مِنْ الْأَسْمَاءِ لَا مِنْ الْمَعَانِي كَمَا بَيَّنَّا، قَوْلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ اسْمٌ أَيْضًا لِلدِّينَارِ وَالْمَالِ النَّقْدِ وَالْجَاسُوسِ وَالدَّيْدَبَانِ وَالْمَطَرِ الَّذِي لَا يَقْلَعُ وَوَلَدِ الْبَقَرِ الْوَحْشِ وَخِيَارِ الشَّيْءِ وَنَفْسُ الشَّيْءِ يُقَالُ هُوَ هُوَ بِعَيْنِهِ، وَالنَّاسُ الْقَلِيلُ يُقَالُ بَلَدٌ قَلِيلُ الْعَيْنِ أَيْ قَلِيلُ النَّاسِ وَمَاءٌ عَنْ يَمِينِ قِبْلَةِ الْعِرَاقِ يُقَالُ نَشَأَتْ سَحَابَةٌ مِنْ قِبَلِ الْعَيْنِ وَحَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَعَيْبٌ فِي الْجِلْدِ يُقَالُ فِي الْجِلْدِ عَيْنٌ، وَأَعَادَ لَفْظَةَ مِثْلَ فِي الْمَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُهُ عَلَى مَفْهُومَاتِ الْعَيْنِ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى إذًا؛ وَلِأَنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَدْ تَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا غَايَةُ الْخِلَافِ كَالضِّدَّيْنِ وَقَدْ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَذْهَبَ الْوَهْمُ إلَى أَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَلَّ عَلَى شَيْءٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى ضِدِّهِ لِغَايَةِ الْبُعْدِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْعُمُومَ بِالِاتِّفَاقِ فَالشَّيْخُ أَزَالَ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِإِيرَادِ هَذَيْنِ النَّظِيرَيْنِ وَبَيَّنَ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ يَثْبُتُ فِي النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ أَنْ لَا عُمُومَ لِلْمُشْتَرَكِ أَوْرَدَ نَظِيرًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَهُوَ الصَّرِيمُ تَوْضِيحًا لِمَا ادَّعَاهُ إذْ هُوَ أَشَدُّ دَلَالَةً عَلَى انْتِفَاءِ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِالْعُمُومِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُشْتَرَكِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَلَى الِاحْتِمَالِ لَا عَلَى الْعُمُومِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَارَ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ وَعَدَمِهِ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمَهُ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ يُخِلُّ بِالْفَهْمِ فِي حَقِّ السَّامِعِ لِتَرَدُّدِ الذِّهْنِ بَيْنَ مَفْهُومَاتِهِ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِاسْتِكْشَافُ إمَّا لِهَيْبَةِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ لِلِاسْتِنْكَافِ مِنْ السُّؤَالِ فَيَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ فَيَقَعُ فِي الْجَهْلِ وَرُبَّمَا ذَكَرَهُ لِغَيْرِهِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِجَهْلِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَمِنْ هَذَا قِيلَ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ فِي وُقُوعِ الْأَغْلَاطِ حُصُولُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَى أَنْ يَذْكُرَهُ بِاسْمٍ خَاصٍّ فَيَقَعُ تَلَفُّظُهُ بِالْمُشْتَرَكِ عَبَثًا؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَنَّ أَنَّ السَّامِعَ تَنَبَّهَ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُرَادِ مَعَ أَنَّ السَّامِعَ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهَا فَيَتَضَرَّرُ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْطِ فُلَانًا عَيْنًا، وَأَرَادَ بِهِ خُبْزًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ مِنْ الْأَعْيَانِ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا فَيَتَضَرَّرُ السَّيِّدُ، فَهَذَا يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْوَضْعِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَلَكِنَّ وُقُوعَهُ لَمَّا أَبَى ذَلِكَ بَقِيَ اقْتِضَاءُ الْمَرْجُوحِيَّةِ، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِكَوْنِهِ غَيْرَ أَصْلٍ، يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُشْتَرَكِ اسْمًا خَاصًّا آخَرَ بِهِ يَصِيرُ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ مُرَادِفًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ إمَّا لِغَفْلَةٍ مِنْ الْوَاضِعِ إنْ كَانَتْ اللُّغَاتُ اصْطِلَاحِيَّةً كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو هَاشِمٍ وَأَتْبَاعُهُ بِأَنْ نَسِيَ وَضْعَهُ الْأَوَّلَ، وَقَدْ اشْتَهَرَ فِي قَوْمٍ فَوَضَعَهُ ثَانِيًا لِمَعْنًى آخَرَ وَاشْتُهِرَ فِي آخَرِينَ ثُمَّ تَرَاضَى الْكُلُّ عَلَى الْوَضْعَيْنِ أَوْ لِاخْتِلَافِ الْوَاضِعِينَ بِأَنَّ مَا وَضَعَهُ وَاضِعٌ لِمَعْنًى وَضَعَهُ آخَرُ لِآخَرَ ثُمَّ اشْتَهَرَ كَلَامُهُمَا بَيْنَ الْأَقْوَامِ أَوْ لِلْقَصْدِ إلَى تَعْرِيفِ الشَّيْءِ لِغَيْرِهِ مُجْمَلًا غَيْرَ مُفَصَّلٍ إذْ هُوَ مَقْصُودٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَالتَّفْصِيلِ فِي عَامَّةِ الْأَحْوَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَيْفَ أَجْمَلَ عَلَى الْكَافِرِ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقْتَ ذَهَابِهِمَا

ص: 39

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

إلَى الْغَارِ وَقَالَ مَنْ هُوَ فَقَالَ هُوَ رَجُلٌ يَهْدِينِي السَّبِيلَ.

وَإِنْ كَانَتْ تَوْقِيفِيَّةً كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ فُورَكٍ فَلِلِابْتِلَاءِ كَمَا فِي إنْزَالِ الْمُتَشَابِهِ فَيَلْزَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ بِالْوَضْعِ خِلَافًا لِقَوْمٍ لِمَا سَنَذْكُرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ النِّزَاعَ فِيمَا إذَا أُرِيدَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ لَا الْمَجْمُوعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَنَازَعٍ فِيهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ إذْ مِنْ شَرْطِ الْإِرَادَةِ الْخُطُورُ بِالْبَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِهَذَا وَلِذَاكَ وَيَكُونُ غَافِلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ لِغَفْلَتِهِ عَنْ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَجْزَاءِ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْجَمْعِيَّةِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ جُزْءَ الْمَعْنَى وَبِدُونِ هَذَا الِاعْتِبَارِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت كُلُّ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ يَسْتَحِقُّ كُلُّ دَاخِلٍ دِرْهَمًا وَلَوْ قُلْت جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَيَسْتَحِقُّ جَمِيعُ الدَّاخِلِينَ دِرْهَمًا وَاحِدًا، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ كَالْجُبَّائِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يُرَادَ بِالْمُشْتَرَكِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ إذَا صَحَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَاسْتِعْمَالِ الْعَيْنِ فِي الْبَاصِرَةِ وَالشَّمْسِ لَا كَاسْتِعْمَالِ الْقُرْءِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مَعًا أَوْ اسْتِعْمَالِ أَفْعَلَ فِي الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ مَتَى تَجَرَّدَ الْمُشْتَرَكُ عَنْ الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ، وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَا يَجِبُ فَصَارَ الْعَامُّ عِنْدَهُمَا قِسْمَيْنِ قِسْمٌ مُتَّفِقُ الْحَقِيقَةِ وَقِسْمٌ مُخْتَلِفُهَا.

وَعِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِمَا مَجَازًا لَا حَقِيقَةً، وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا وَبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، فَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ حَقِيقَةً تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18] فَقِيلَ أُرِيدَ بِالسُّجُودِ، وَهُوَ لَفْظٌ وَاحِدٌ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ سُجُودَ النَّاسِ، وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ غَيْرُ سُجُودِ الدَّوَابِّ، وَهُوَ الْخُشُوعُ وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ سُجُودِ النَّاسِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ لَا الْخُشُوعُ تَخْصِيصُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بِالسُّجُودِ دُونَ مَنْ عَدَاهُمْ مِمَّنْ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي السُّجُودِ بِمَعْنَى الْخُشُوعِ، وَبِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] أُرِيدَ بِهِ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ، وَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً قَالَ لَا يَسْبِقُ الْمَجْمُوعُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إطْلَاقِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ يَسْبِقُ أَحَدُ مَفْهُومَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ فَلَوْ أَطْلَقَ عَلَيْهِمَا كَانَ مَجَازًا لِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِعَلَاقَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ تَسْمِيَةُ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ وَفِيهِ تَقْلِيلُ الِاشْتِرَاكِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ.

وَأَمَّا الْعَامَّةُ فَقَالُوا لَوْ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا مَعًا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ لِكَوْنِ الْمُسْتَعْمَلِ مُرِيدًا لِأَحَدِ مَفْهُومَيْهِ خَاصَّةً ضَرُورَةَ كَوْنِهِ مُرِيدًا لَهُمَا غَيْرَ مُرِيدٍ إيَّاهُ أَيْضًا لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَفْهُومِ

ص: 40

وَلَا عُمُومَ لِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ مِثْلُ الصَّرِيمِ اسْمٌ لِلَّيْلِ وَالصُّبْحِ جَمِيعًا عَلَى الِاحْتِمَالِ لَا عَلَى الْعُمُومِ، وَهَذَا يُفَارِقُ الْمُجْمَلَ

ــ

[كشف الأسرار]

الْآخَرِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ إرَادَةِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومَيْهِ مُرَادًا وَغَيْرَ مُرَادٍ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ اللَّفْظَ بِمَنْزِلَةِ الْكِسْوَةِ لِلْمَعَانِي وَالْكِسْوَةُ الْوَاحِدَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَسِبَهَا شَخْصَانِ كُلُّ وَاحِدٍ بِكَمَالِهَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ عَلَى أَحَدِ مَفْهُومَيْهِ بِحَيْثُ يَكُونُ هُوَ تَمَامَ مَعْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَى الْمَفْهُومِ الْآخَرِ كَذَلِكَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ نَعَمْ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومَيْهِ جُزْءًا لِمَعْنًى فَيَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ وَقَدْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَقْصُودُ الْوَاضِعِ؛ لِأَنَّهُ مَا وَضَعَهُ إلَّا لِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَفْهُومَاتِهِ فَقَطْ وَلَا يَحْصُلُ الِابْتِلَاءُ وَلَا التَّعْرِيفُ الْإِجْمَالِيُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا حِينَئِذٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَأَمَّا تَمَسُّكُهُمْ بِالْآيَةِ الْأُولَى فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السُّجُودِ هُوَ الْخُشُوعُ وَالِانْقِيَادُ عَلَى مَا قِيلَ، وَهُوَ يَعُمُّ الْجَمِيعَ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى وَكَثِيرٌ مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ يَسْجُدُ الْأَوَّلُ أَيْ وَيَسْجُدُ لَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ سُجُودَ طَاعَةٍ وَعِبَادَةٍ فَيَكُونُ يَسْجُدُ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَى لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ.

وَكَذَا تَمَسُّكُهُمْ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصَّلَاةِ هُوَ الْعِنَايَةُ بِأَمْرِ الرَّسُولِ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ فَيَعُمُّ الرَّحْمَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ، أَوْ تَقْدِيرُ الْآيَةِ إنَّ اللَّهَ يُصَلِّي وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ يَجُوزُ ذَلِكَ مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَعَكْسُهُ إنَّمَا يَجُوزُ لِمُلَازَمَةٍ بَيْنَهُمَا إذْ الْجُزْءُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْكُلِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْءٌ وَالْكُلُّ مُسْتَلْزِمٌ لِلْجُزْءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّ الْوَجْهَ مُسْتَلْزِمٌ لِلذَّاتِ وَالذَّاتُ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ أَيْضًا فَيَجُوزُ ذِكْرُ الْوَجْهِ وَإِرَادَةُ لَازِمِهِ وَعَكْسُهُ فَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْيَنْبُوعَ الَّذِي هُوَ مِنْ مَفْهُومَاتِ الْعَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ الشَّمْسَ وَلَا الْبَاصِرَةَ وَلَا الذَّهَبَ بِوَجْهٍ، وَكَذَا الْعَكْسُ، وَكَيْفَ يَسْتَلْزِمُهَا وَلَا اتِّصَالَ لَهُ بِهَا بِوَجْهٍ لَا مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ وَلَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَفْهُومَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ مَفْهُومَاتِ الْعَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْبَاقِي مَفْهُومًا مِنْهُ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةٌ بِوَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِمَا مَجَازًا كَمَا لَا يَجُوزُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ ذِكْرُ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةُ اللَّازِمِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَعُمُّ فِي النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ كَالنَّكِرَةِ وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَنَاوَلُ وَاحِدًا مِنْ الْجُمْلَةِ غَيْرَ عَيْنٍ، وَقِيلَ لَا يَعُمُّ فِيهِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْجَوَابُ عَنْ الِاعْتِبَارِ بِالنَّكِرَةِ أَنَّ عُمُومَهَا فِي النَّفْيِ إنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةً صِدْقُ خَبَرِهِ لَا بِمُوجِبِ اللَّفْظِ وَمِثْلُ تِلْكَ الضَّرُورَةِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُشْتَرَكِ، فَإِنَّك لَوْ قُلْت مَا رَأَيْت عَيْنًا وَأَرَدْت بِهِ الْيَنْبُوعَ دُونَ سَائِرِ مَفْهُومَاتِهِ لَكُنْت صَادِقًا وَإِنْ تَعَمَّمَ فِي ذَلِكَ الْمَفْهُومِ، بِخِلَافِ قَوْلِك مَا رَأَيْت رَجُلًا كَذَا فِي الْمِيزَانِ.

وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَهُ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ يَمِينَهُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ وَفِيهِ تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِوُقُوعِهِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ بَلْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي دَعَاهُ إلَى الْيَمِينِ، وَهُوَ بُغْضُهُ إيَّاهُمْ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ بَلْ اللَّفْظُ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ، فَإِنَّ اسْمَ الشَّيْءِ يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَاتِ كُلَّهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ صِفَةُ الْوُجُودِ، فَكَانَ مُنْتَظِمًا لِلْكُلِّ كَذَا هَذَا هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.

وَمَالَ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ قَوْلُهُ (وَهَذَا يُفَارِقُ الْمُجْمَلَ) إنَّمَا

ص: 41

لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ يَحْتَمِلُ الْإِدْرَاكَ بِالتَّأَمُّلِ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ لُغَةً

ــ

[كشف الأسرار]

ذُكِرَ هَذَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَنْ صَنَّفَ فِي هَذَا الْفَنِّ جَعَلَ الْكِتَابَ قِسْمَيْنِ مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا، وَجَعَلَ كُلَّ كَلَامٍ فِيهِ ظُهُورٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُحْكَمِ وَجَعَلَ كُلَّ كَلَامٍ فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ أَقْسَامِ الْمُتَشَابِهِ وَجَعَلَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُجْمَلِ وَجَعَلَ الْمُجْمَلَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ فِي الْقَرَائِنِ إذْ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ مَعَ جَمِيعِ أَقْسَامِهِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَهُ الرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ فَالْمُصَنِّفُ رحمه الله نَفَى ذَلِكَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذُكِرَ كَذَا سَمِعْت مِنْ شَيْخِي قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ.

فَإِنْ قُلْت هَذَا تَقْسِيمٌ مَعْقُولٌ سَهْلُ الْمَأْخَذِ مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ هَذِهِ التَّقَاسِيمُ الْمُعْضِلَةُ الْمُخَالِفَةُ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا، قُلْت كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَتَرَاءَى أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ، فَإِذَا كُشِفَ عَنْهُ الْغِطَاءُ بِالتَّأَمُّلِ ظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ فَأَنْعِمْ النَّظَرَ إنَّ الْأَقْسَامَ الْمَذْكُورَةَ هَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْكِتَابِ أَمْ لَا؟ فَإِذَا وَجَدْتهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ إذْ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ ثُمَّ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْك النَّصُّ فَتَأَمَّلْ فِيهِ هَلْ هُوَ مُقْتَضٍ لِقَصْرِ الْكِتَابِ عَلَى الْقِسْمَيْنِ أَوْ لَا وَلَعَمْرِي أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] مَعْنَاهُ بَعْضُهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ.

وَقَوْلُهُ وَأُخَرُ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ، وَهُوَ آيَاتٌ وَتَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهُ آيَاتٌ أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ مُحْكَمٌ وَبَعْضَهُ مُتَشَابِهٌ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُمَا كَيْفَ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ طُرُقِ الْقَصْرِ، وَهِيَ الْعَطْفُ كَقَوْلِك زَيْدٌ شَاعِرٌ لَا مُنَجِّمٌ أَوْ النَّفْيُ وَالِاسْتِثْنَاءُ كَقَوْلِك مَا زَيْدٌ إلَّا شَاعِرٌ أَوْ إنَّمَا كَقَوْلِك إنَّمَا زَيْدٌ ذَاهِبٌ أَوْ التَّقْدِيمِ كَقَوْلِك تَمِيمِيٌّ أَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ شَيْءٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَطَفَ عَلَيْهِ وَآيَاتٌ أُخَرُ مُفَسَّرَاتٌ وَآيَاتُ أُخَرُ مُجْمَلَاتٌ لَاسْتَقَامَ وَلَوْ اقْتَضَى الْكَلَامُ الْأَوَّلُ الْقَصْرَ عَلَى الْقِسْمَيْنِ لَمْ يَسْتَقِمْ الْعَطْفُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قِيلَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ وَالْبَاقِي مُتَشَابِهَاتٌ.

وَأُجِيبَ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ، وَالْمُحْكَمُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَالْمُتَشَابِهُ لَا يُرْجَى بَيَانُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قِسْمٌ آخَرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِ الرَّسُولِ عليه السلام لِيَصِحَّ إسْنَادُ الْبَيَانِ، إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى، {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُقْتَصِرٍ عَلَى الْقِسْمَيْنِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْبَيَانِ مَا زَعَمْت بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّبْلِيغُ إذْ هُوَ بَيَانٌ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه السلام أُمِرَ بِبَيَانِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِ وَالْبَيَانُ الَّذِي أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ مَا نُزِّلَ لَيْسَ إلَّا التَّبْلِيغُ فَأَمَّا بَيَانُ الْمُجْمَلِ فَهُوَ بَيَانٌ لِبَعْضِ مَا نُزِّلَ لَا لِكُلِّهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ فِي الْكِتَابِ قِسْمًا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى بَيَانِ الرَّسُولِ كَالصَّلَاةِ وَالرِّبَا وَالْمُتَشَابِهُ لَا يُرْجَى بَيَانُهُ وَالْمُحْكَمُ لَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ مَعْنَاهُ عَلَى الْبَيَانِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْقِسْمَيْنِ وَحَاصِلُهُ حِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرْته أَوَّلًا، وَبَيَانُ الْفَرْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرَكَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ بَعْضِ وُجُوهِهِ بِالتَّأَمُّلِ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ آخَرَ وَقِسْمٌ لَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ فِيهِ إلَّا بِالْبَيَانِ، فَهَذَا الْقِسْمُ الْأَخِيرُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُجْمَلِ دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا زَعَمَ الْمُخَالِفُ،

وَالثَّانِي أَنَّ الْمُشْتَرَكَ هُوَ مَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ بِالتَّأَمُّلِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى مُشْتَرَكًا بَلْ هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمُجْمَلِ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُسَمَّى الْقِسْمُ الْأَخِيرُ مُشْتَرَكًا مَعَ كَوْنِهِ مُجْمَلًا وَعَلَى

ص: 42