الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا يُعْرَفُ أَحْكَامُ الشَّرْعِ بِمَعْرِفَةِ أَقْسَامِ النَّظْمِ وَالْمَعْنَى وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً
وَالثَّانِي فِي وُجُوهِ الْبَيَانِ بِذَلِكَ النَّظْمِ وَالثَّالِثُ فِي وُجُوهِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ النَّظْمِ وَجَرَيَانِهِ فِي بَابِ الْبَيَانِ
ــ
[كشف الأسرار]
قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ فَيَكُونُ النَّظْمُ الْمَكْتُوبُ الْمَنْقُولُ مَوْجُودًا تَقْدِيرًا وَحُكْمًا فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْحَدِّ وَيَكُونُ الْحَدُّ جَامِعًا وَيُفَسَّرُ قَوْلُهُ الْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ الْمَنْقُولُ عَنْهُ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا بِالْكِتَابَةِ وَالنَّقْلِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا أَوْ نَقُولُ هُوَ يُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْنَى بِدُونِ النَّظْمِ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَلَكِنَّهُ لَا يُسَلِّمُ أَنَّ جَوَازَ الصَّلَاةِ مُتَعَلِّقٌ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْمَحْدُودِ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنَاهُ وَيُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُ رِعَايَةِ الْمَعْنَى دُونَ النَّظْمِ لِدَلِيلٍ لَاحَ لَهُ فَلَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ.
[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]
[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً]
قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يُعْرَفُ أَحْكَامَ الشَّرْعِ) أَيْ لَا يُعْرَفُ أَحْكَامَ الشَّرْعِ الثَّابِتَةِ بِالْقُرْآنِ أَوْ أَحْكَامِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ الثَّابِتَةِ بِالْقُرْآنِ إلَّا بِمَعْرِفَةِ أَقْسَامِ النَّظْمِ وَالْمَعْنَى فَيَجِبُ مَعْرِفَةُ الْأَقْسَامِ لِتَحْصُلَ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ، وَذَلِكَ، أَيْ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَقْسَامُ النَّظْمِ وَالْمَعْنَى، فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ احْتِرَازًا عَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْقَصَصِ وَالْأَمْثَالِ وَالْحِكَمِ وَغَيْرِهَا إذْ هُوَ بَحْرٌ عَمِيقٌ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَلَا تَنْتَهِي غَرَائِبُهُ، وَلَا يُقَالُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، فَإِنَّ وُجُوبَ اعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ وَجَوَازَ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةَ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِ عِبَارَاتِ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الِاحْتِرَازُ، لِأَنَّا نَقُولُ: هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْجَمِيعِ لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَعْرِفَتُهَا بِالْجَمِيعِ بَلْ تَثْبُتُ بِبَعْضِ النُّصُوصِ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ فَيَصِحُّ هَذَا الِاحْتِرَازُ قَوْلُهُ (الْأَوَّلُ فِي وُجُوهِ النَّظْمِ) وَجْهُ الشَّيْءِ طَرِيقُهُ يُقَالُ مَا وَجْهُ هَذَا الْأَمْرِ أَيْ مَا طَرِيقُهُ.
وَقَدَّمَ النَّظْمَ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِلْمَعْنَى مُقَدَّمٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْنَى طَبْعًا فَيُقَدَّمُ وَضْعًا وَكَذَا قُدِّمَ الْمُفْرَدُ عَلَى الْمُرَكَّبِ لِهَذَا، صِيغَةً وَلُغَةً، قِيلَ لِكُلِّ لَفْظٍ مَعْنًى لُغَوِيٌّ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَادَّةِ تَرْكِيبِهِ وَمَعْنًى صِيَغِيٌّ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ هَيْئَتِهِ أَيْ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَتَرْتِيبِ حُرُوفِهِ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ اسْمٌ مِنْ الصَّوْغِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْهَيْئَةِ لَا فِي الْمَادَّةِ فَالْمَفْهُومُ مِنْ حُرُوفِ ضَرَبَ اسْتِعْمَالُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ وَمِنْ هَيْئَتِهِ وُقُوعُ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَتَوَحُّدُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَتَذْكِيرُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ كُلُّ مَعْنًى بِاخْتِلَافِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَفَتَحَ وَيَضْرِبُ إلَّا أَنَّ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ يَخْتَصُّ الْهَيْئَةُ بِمَادَّةٍ فَلَا تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَادَّةِ كَمَا فِي رَجُلٍ مَثَلًا، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ حُرُوفِهِ ذَكَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ جَاوَزَ حَدَّ الْبُلُوغِ وَمِنْ هَيْئَتِهِ كَوْنُهُ مُكَبَّرًا غَيْرَ مُصَغَّرٍ وَوَاحِدٌ غَيْرُ جَمْعٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَلَا تَدُلُّ هَذِهِ الْهَيْئَةُ فِي أَسَدٍ وَنِمْرٍ عَلَى شَيْءٍ وَفِي بَعْضِهَا كِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهِيَ الْحُرُوفُ ثُمَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ دَلَالَةُ اللُّغَةِ وَالصِّيغَةِ فِي الْخَاصِّ دَلَالَةُ حُرُوفِ أَسَدٍ مَثَلًا عَلَى الْهَيْكَلِ الْمَعْرُوفِ وَدَلَالَةُ هَيْئَتِهِ عَلَى تَوَحُّدِهِ وَكَوْنِهِ مُكَبَّرًا وَغَيْرَ ذَلِكَ وَلَا يَخْرُجُ الْخَاصُّ عَنْ الْخُصُوصِ بِالتَّعَرُّضِ لِمِثْلِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ فَافْهَمْ، وَفِي الْعَامِّ دَلَالَةُ حُرُوفِ أَسَدٍ عَلَى ذَلِكَ، وَدَلَالَةُ هَيْئَتِهِ عَلَى تَكَثُّرِهِ وَعُمُومِهِ، وَفِي الْمُشْتَرَكِ دَلَالَةُ حُرُوفِ الْقُرْءِ عَلَى الْحَيْضِ أَوْ الطُّهْرِ، وَدَلَالَةُ الْهَيْئَةِ عَلَى التَّوَحُّدِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا تَرَادُفٌ وَالْمَقْصُودُ تَقْسِيمُ النَّظْمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ فَالشَّيْخُ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى مِثْلِ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهَذَا الْفَنِّ، الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ النَّظْمِ نَفْسِهِ بِحَسَبِ تَوَحُّدِ مَعْنَاهُ وَتَعَدُّدِهِ،
وَالثَّانِي فِي تَقْسِيمِهِ
وَالرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ وُجُوهِ الْوُقُوفِ عَلَى الْمُرَادِ وَالْمَعَانِي عَلَى حَسَبِ الْوُسْعِ وَالْإِمْكَانِ وَإِصَابَةِ التَّوْفِيقِ
ــ
[كشف الأسرار]
بَعْدَ التَّرْكِيبِ بِحَسَبِ ظُهُورِ الْمَعْنَى لِلسَّامِعِ وَخَفَائِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْبَيَانِ هَهُنَا إظْهَارُ الْمَعْنَى أَوْ ظُهُورُهُ لِلسَّامِعِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْبَيَانُ بِذَلِكَ النَّظْمِ،
وَالثَّالِثُ فِي تَقْسِيمِ النَّظْمِ بِحَسَبِ اسْتِعْمَالِ الْمُتَكَلِّمِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِسَبَبِ الِاسْتِعْمَالِ يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لَا بِالْوَضْعِ وَأَشَارَ إلَى جَانِبِ الْمُتَكَلِّمِ بِقَوْلِهِ فِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ النَّظْمِ وَإِلَى جَانِبِ اللَّفْظِ وَاتِّصَافِهِ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِقَوْلِهِ: وَجَرَيَانِهِ فِي بَابِ الْبَيَانِ،
وَالرَّابِعُ فِي وُجُوهِ الْوُقُوفِ أَيْ وُقُوفِ السَّامِعِ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ وَمَعَانِي الْكَلَامِ، وَقِيلَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ أَقْسَامُ النَّظْمِ، وَهَذَا قِسْمُ الْمَعْنَى بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ النَّظْمَ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ فِي وُجُوهِ الْبَيَانِ بِذَلِكَ النَّظْمِ فِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ النَّظْمِ وَذَكَرَ الْمَعَانِي فِي هَذَا الْقِسْمِ وَكَوْنُ الدَّلَالَةِ وَالِاقْتِضَاءِ مِنْ أَقْسَامِ الْمَعْنَى ظَاهِرٌ، وَكَذَا كَوْنُ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ، وَإِنْ كَانَتْ نَظْمًا إلَّا أَنَّ نَظَرَ الْمُسْتَدِلِّ إلَى الْمَعْنَى دُونَ النَّظْمِ إذْ الْحُكْمُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمَعْنَى دُونَ النَّظْمِ نَفْسِهِ، فَإِنَّ إبَاحَةَ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ مَثَلًا ثَبَتَ بِالْمَعْنَى الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] لَا بِعَيْنِ النَّظْمِ إلَّا أَنَّ الْمَعْنَى لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا مِنْ النَّظْمِ وَالْعِبَارَةِ سُمِّيَ الِاسْتِدْلَال بِهِ اسْتِدْلَالًا بِالْعِبَارَةِ، وَلَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَعْنَى الثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ فَصَلَحَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَعْنَى بِهَذَا الطَّرِيقِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأَقْسَامِ لِلنَّظْمِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا عَلَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَقْسَامِ لِلنَّظْمِ وَبَعْضُهَا لِلْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيَّنَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ لَهُ فَيَكُونُ الدَّلَالَةُ وَالِاقْتِضَاءُ رَاجِعَيْنِ إلَى الْمَعْنَى وَالْبَاقِي أَقْسَامُ النَّظْمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّظْمُ، وَالْمَعْنَى دَاخِلَيْنِ فِي كُلِّ قِسْمٍ إذْ هُوَ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ النَّظْمُ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا فَكَانَ الْخَاصُّ اسْمًا لِلنَّظْمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ، وَكَذَا الْعَامُّ وَسَائِرُ الْأَقْسَامِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الدَّلَالَةَ وَالِاقْتِضَاءَ مِنْ أَقْسَامِ النَّظْمِ وَالْمَعْنَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا لَا يُفْهَمُ بِدُونِ اللَّفْظِ أَيْضًا، وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا لَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ جَعَلَ مَعْرِفَةَ وُجُوهِ الْوُقُوفِ عَلَى الْمَعَانِي مِنْ جُمْلَةِ أَقْسَامِ الْكِتَابِ وَفِيهِ تَسَاهُلٌ وَتَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ هِيَ الَّتِي دَخَلَتْ فِي أَقْسَامِ الْكِتَابِ دُونَ مَعْرِفَةِ وُجُوهِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ تُعَدَّ الْمَعَانِي بِدُونِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا جَعَلَ مَعْرِفَةَ وُجُوهِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا مِنْ أَقْسَامِ الْكِتَابِ تَسَامُحًا، ثُمَّ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ لِلْكَلَامِ مَعْنًى بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَمَعْنًى بِحَسَبِ التَّرْكِيبِ وَتَقَرُّرًا عَلَى الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ أَوْ تَجَاوُزًا عَنْهُ بِحَسَبِ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَاسْتِعْمَالِهِ فَإِذَا قُلْت زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ مَثَلًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْنًى بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَلَهُمَا جَمِيعًا مَعْنًى بِحَسَبِ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ إسْنَادُ الِانْطِلَاقِ إلَى زَيْدٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ بِحَسَبِ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَتَقْرِيرُهُ إيَّاهُمَا فِي مَوْضُوعِهِمَا فَبِقَوْلِهِ الْمُرَادُ أَشَارَ إلَى هَذَا الْقِسْمِ وَبِقَوْلِهِ وَالْمَعَانِي إلَى الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، الْوُسْعِ وَالْإِمْكَانِ.
مُتَرَادِفَانِ هَهُنَا أَيْ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ الْعَبْدِ، وَإِصَابَةِ التَّوْفِيقِ، مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَيْهِ أَشَارَ قَوْلُهُ جل جلاله {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] ، قِيلَ الْمَاءُ الْقُرْآنُ، نَزَلَ لِحَيَاةِ الْجَنَانِ، كَالْمَاءِ لِلْأَبْدَانِ، وَالْأَوْدِيَةُ الْقُلُوبُ يَخْتَلِفُ فِي ضِيقِهَا وَسِعَتِهَا وَأَصْلِهَا وَصِفَتِهَا، فَيُقَرُّ فِيهَا بِقَدَرِ إقْرَارِهَا وَالْيَقِينِ، وَتَوْفِيقِ رَبِّهَا وَالتَّلْقِينِ، مَا هُوَ أَصْفَى مِنْ الْمَاءِ الْمُعَيَّنِ، وَمِنْهُ قِيلَ:
جَمِيعُ الْعِلْمِ فِي الْقُرْآنِ لَكِنْ
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَالْمُشْتَرَكُ وَالْمُؤَوَّلُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَيْضًا الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعْرِفَةُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَرْبَعَةٍ أُخْرَى فِي مُقَابَلَتِهَا وَهِيَ الْخَفِيُّ وَالْمُشْكَلُ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُتَشَابِهُ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَيْضًا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَالصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ، وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَيْضًا الِاسْتِدْلَال بِعِبَارَتِهِ وَبِإِشَارَتِهِ وَبِدَلَالَتِهِ وَبِاقْتِضَائِهِ وَبَعْدَ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ قِسْمٌ خَامِسٌ، وَهُوَ وُجُوهٌ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا مَعْرِفَةُ مَوَاضِعِهَا
ــ
[كشف الأسرار]
تَقَاصَرَ عَنْهُ أَفْهَامُ الرِّجَالِ
وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ قَدْ تَتَأَكَّدُ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِذِكْرِ مُقَابِلِهِ وَتَسْتَفِيدُ بِهِ زِيَادَةَ وُضُوحٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً فِي نَفْسِهَا؛ وَلِهَذَا قِيلَ، وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ، ثُمَّ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَمَّا لَمْ يُخَالِفْ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ ظُهُورٌ وَلَكِنَّ بَعْضَهُ أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ إذْ الْخَاصُّ يُخَالِفُ الْعَامَّ وَالْحَقِيقَةُ تُخَالِفُ الْمَجَازَ اخْتَصَّهُ بِذِكْرِ مَا يُقَابِلُهُ فِي قِسْمٍ آخَرَ عَلَى حِدَةٍ دُونَ غَيْرِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ فِي انْحِصَارِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وُجُوهٌ وَأَحْسَنُهَا مَا أَذْكُرُهُ وَهُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ النَّظْمِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى نَفْسِ النَّظْمِ فَقَطْ أَوْ إلَى غَيْرِهِ فَالْأَوَّلُ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ،
وَالثَّانِي لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى تَصَرُّفِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ، فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ بَيَانٍ أَيْ إلْقَاءُ مَعْنًى إلَى السَّامِعِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَالثَّانِي هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ ثُمَّ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ نَفْسُ النَّظْمِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْخَاصُّ أَوْ أَكْثَرَ بِطَرِيقِ الشُّمُولِ وَهُوَ الْعَامُّ، أَوْ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ مِنْ غَيْرِ تَرَجُّحِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَاقِي وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ، أَوْ مَعَ تَرَجُّحِهِ وَهُوَ الْمُؤَوَّلُ.
وَلَا يُفِيدُ التَّرَجُّحَ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ احْتِرَازًا عَنْ الْمُفَسَّرِ كَمَا قَيَّدَهُ الْبَعْضُ فَقَالَ مِنْ غَيْرِ تَرَجُّحِ الْبَعْضِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ أَوْ مَعَ تَرَجُّحِهِ بِهِ، وَهُوَ الْمُؤَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى حِينَئِذٍ دَاخِلًا فِي قِسْمِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ الْأَوْلَى تَرْكُ التَّقْيِيدِ وَمَنْعُ التَّرَجُّحِ فِي الْمُفَسَّرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا يَبْقَى فِيهِ احْتِمَالُ غَيْرِهِ وَفِي الْمُفَسَّرِ بَطَلَ جَانِبُ الْمَرْجُوحِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى صَارَ كَالْخَاصِّ بَلْ أَقْوَى فَلَا يَدْخُلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى بَيَانِ الْمُتَكَلِّمِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ الْمُرَادِ لِلسَّامِعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَالْأَوَّلُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْرُونًا بِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ فَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مَقْرُونًا بِهِ فَإِنْ احْتَمَلَ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ فَهُوَ النَّصُّ وَإِلَّا، فَإِنَّ قَبِلَ النَّسْخَ فَهُوَ الْمُفَسَّرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَهُوَ الْمُحْكَمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرَ الْمُرَادِ فَإِمَّا إنْ كَانَ عَدَمُ ظُهُورِهِ لِغَيْرِ الصِّيغَةِ أَوْ لِنَفْسِهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْخَفِيُّ وَالثَّانِي فَإِنْ أَمْكَنَ دَرْكُهُ بِالتَّأَمُّلِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْبَيَانُ مَرْجُوًّا فِيهِ فَهُوَ الْمُجْمَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْجُوًّا فَهُوَ الْمُتَشَابِهُ،
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى الِاسْتِعْمَالِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَوْضُوعِهِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ أَوْ لَا، وَهُوَ الْمَجَازُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمُرَادِ بِسَبَبِ الِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ الصَّرِيحُ وَإِلَّا فَهُوَ الْكِنَايَةُ،
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ، وَهُوَ قِسْمُ الِاسْتِثْمَارِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُسْتَدَلَّ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالنَّظْمِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ مَسُوقًا لَهُ فَهُوَ الْعِبَارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ الْإِشَارَةُ وَالثَّانِي إنْ كَانَ مَفْهُومًا لُغَةً فَهُوَ الدَّلَالَةُ، وَإِنْ كَانَ مَفْهُومًا شَرْعًا فَهُوَ الِاقْتِضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَفْهُومًا لُغَةً وَلَا شَرْعًا فَهِيَ التَّمَسُّكَاتُ الْفَاسِدَةُ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ نَضْرِبَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ صَفْحًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الِانْحِصَارَاتِ غَيْرُ تَامٍّ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ بَلْ يُتَمَسَّكُ فِيهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فِي حَقِّ هَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ وَالِاسْتِقْرَاءُ فِيمَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ قَوْلُهُ (مَعْرِفَةُ مَوَاضِعِهَا) أَيْ مَآخِذُ اشْتِقَاقِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي هِيَ أَسْمَاءٌ لِأَقْسَامِ الْكِتَابِ، فَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَسْمَاءٍ لِلْأَقْسَامِ وَقَوْلُهُ صِيغَةً وَلُغَةً إلَى نَفْسِ ذَلِكَ الْقِسْمِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ الْمُؤْمِنُونَ
وَمَعَانِيهَا وَتَرْتِيبِهَا وَأَحْكَامِهَا
ــ
[كشف الأسرار]
مَثَلًا يَدُلُّ عَلَى مُسَمَّيَيْنِ مَوْصُوفَيْنِ بِالْإِيمَانِ صِيغَةً وَلُغَةً ثُمَّ سُمِّيَ هَذَا اللَّفْظُ بِالْعَامِّ فَمَأْخَذُ اشْتِقَاقِ هَذَا الْقِسْمِ الْعُمُومُ وَقِسْ عَلَيْهِ، وَتَرْتِيبِهَا.
أَيْ تَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ عِنْدَ التَّعَارُضِ كَمَا فِي النَّصِّ مَعَ الظَّاهِرِ أَوْ فِي الْوُجُودِ كَمَا فِي الْعَامِّ مَعَ الْخَاصِّ، وَمَعَانِيهَا، أَيْ حَقَائِقِهَا وَحُدُودِهَا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ، وَأَحْكَامِهَا، أَيْ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ بِهَا مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهَا قَطْعًا أَوْ ظَنًّا وَوُجُوبِ التَّوَقُّفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ عَامَّةُ الشَّارِحِينَ: لَمَّا انْقَسَمَ مَا يَرْجِعُ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مِنْ الْكِتَابِ عِشْرِينَ قِسْمًا ثُمَّ انْقَسَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ هَذَا الْقِسْمِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ صَارَ أَقْسَامُ الْكِتَابِ ثَمَانِينَ قِسْمًا، وَلَكِنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ عَلَى أَنْوَاعٍ، تَقْسِيمُ الْجِنْسِ إلَى أَنْوَاعِهِ بِأَنْ يُؤْخَذَ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ قَيْدٌ، وَهُوَ التَّقْسِيمُ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَقْسَامٍ، فَإِنَّك إذَا قَسَّمْت الْجِسْمَ إلَى جَمَادٍ وَحَيَوَانٍ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِسْمًا، وَإِذَا قَسَّمْت الْحَيَوَانَ إلَى إنْسَانٍ وَفَرَسٍ وَطَيْرٍ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِسْمًا وَحَيَوَانًا، وَتَقْسِيمُ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ كَتَقْسِيمِ الْإِنْسَانِ إلَى الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ.
وَلَا يَسْتَقِيمُ فِيهِ إطْلَاقُ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى كُلِّ قِسْمٍ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ اسْمَ الْإِنْسَانِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ بَلْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَتَقْسِيمُ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ أَوْصَافِهِ كَتَقْسِيمِ الْإِنْسَانِ إلَى عَالِمٍ وَكَاتِبٍ وَأَبْيَضَ وَأَسْوَدَ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اشْتِرَاكِ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ أَيْضًا، وَمِنْ أَنْ يُوجَدَ فِي الْجَمِيعِ مَنْ يُوصَفُ بِالْكِتَابَةِ دُونَ الْعِلْمِ وَبِالْبَيَاضِ دُونَ السَّوَادِ وَبِالْعَكْسِ لِيَتَمَيَّزَ كُلُّ قِسْمٍ عَنْ غَيْرِهِ فِي الْخَارِجِ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاكِ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ فِيهِ بَيْنَ الْأَقْسَامِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى مَأْخَذِ الْعَامِّ مَثَلًا بِأَنَّهُ عَامٌّ وَلَا عَلَى مَأْخَذِ الْمَجَازِ بِأَنَّهُ مَجَازٌ بَلْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَأَصْلُ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ الْكِتَابُ، وَلَا مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَوْضِعِ الِاشْتِقَاقِ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَاصِّ وَكَذَا مَعْرِفَةُ مَعْنَاهُ وَحُكْمِهِ وَتَرْتِيبِهِ وَقِسْ عَلَيْهِ سَائِرَ الْأَقْسَامِ وَلَا مِنْ قَبِيلِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ؛ وَلِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَأْخَذِ اشْتِقَاقِ لَفْظِ الْخَاصِّ لَيْسَ وَصْفًا لِحَقِيقَةِ الْخَاصِّ، وَهُوَ لَفْظُ الطَّوَافِ أَوْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَثَلًا كَمَا أَنَّ مَعْرِفَةَ مَأْخَذِ اشْتِقَاقِ لَفْظِ الْإِنْسَانِ لَا يَكُونُ وَصْفًا لِحَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ وَكَذَا مَعْرِفَةُ مَعْنَاهُ وَحُكْمِهِ وَتَرْتِيبِهِ لَيْسَتْ مِنْ أَوْصَافِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَيْضًا كَمَا لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقَالَ الْإِنْسَانُ أَقْسَامٌ قِسْمٌ مِنْهُ أَنَّ مَأْخَذَ اسْمِهِ الْإِنْسُ وَقِسْمٌ مِنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَقِسْمٌ مِنْهُ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرَسِ فِي الشَّرَفِ.
وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ أَوْصَافِ كُلِّ فَرْدٍ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِهِ إذْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ الْخَاصُّ الَّذِي مَأْخَذُ اشْتِقَاقِ اسْمِهِ كَذَا أَوْ مَعْنَاهُ كَذَا أَوْ حُكْمُهُ كَذَا لَا يَسْتَقِيمُ أَيْضًا إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَمَيَّزَ كُلُّ قِسْمٍ عَنْ غَيْرِهِ بِمَا يَخُصُّهُ لِيَظْهَرَ فَائِدَةُ التَّقْسِيمِ وَيُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْخَاصَّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَالْعَامَّ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْمَذْكُورَةَ لَازِمَةٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ كُلِّ قِسْمٍ إذْ مَا مِنْ خَاصٍّ إلَّا وَلِاسْمِهِ مَأْخَذٌ وَلَهُ مَعْنًى وَحُكْمٌ وَتَرْتِيبٌ فَكَيْفَ يَتَمَيَّزُ خَاصٌّ عَنْ خَاصٍّ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ الْإِنْسَانُ قِسْمَانِ قِسْمٌ مِنْهُ عَرِيضُ الْأَظْفَارِ وَقِسْمٌ مِنْهُ مُسْتَوِي الْقَامَةِ وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ لَوَازِمِ كُلِّ فَرْدٍ فِيمَ