المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[القضاء هل يجب بنص مقصود أم بالسبب الذي يوجب الأداء] - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ١

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ

- ‌ أُصُولَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ

- ‌ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً

- ‌[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]

- ‌[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْعَامُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُؤَوَّلُ]

- ‌[الفرق بَيْن التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُفَسَّرُ]

- ‌[تَعْرِيف المحكم]

- ‌[تَعْرِيف الخفي]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُجْمَلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُتَشَابِه]

- ‌[بَيَان الْحِكْمَة فِي إنْزَال الْآيَات الْمُتَشَابِهَات]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُوه اسْتِعْمَال النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الْحَقِيقَةَ]

- ‌[أَقْسَام الْحَقِيقَة]

- ‌ تَعْرِيفِ الْمَجَازِ

- ‌[تَعْرِيف الصَّرِيحُ]

- ‌[تَعْرِيف الْكِنَايَةُ]

- ‌ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

- ‌[الْقَسْم الرَّابِع وُجُوه وُقُوف السَّامِع عَلَى مُرَاد الْمُتَكَلِّم ومعانى الْكَلَام]

- ‌[الِاسْتِدْلَال بِإِشَارَةِ اللَّفْظِ]

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ

- ‌ الثَّابِتُ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ:

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ)

- ‌[تَعْرِيف الْأَمْر]

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ)

- ‌[الْأَمْر إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ) :فِي مَعْنَى الْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ

- ‌[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

- ‌[الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ]

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ

- ‌[الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل كَامِلٌ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي قَاصِر]

- ‌ الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ

- ‌[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مَا حَسَن لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

- ‌الصَّلَاةِ حَسُنَتْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا

- ‌[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]

- ‌[الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ شَرْطُ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ]

- ‌[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

- ‌(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

- ‌[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ

- ‌[النَّوْع الثَّالِث الْوَقْتُ الَّذِي جُعِلَ مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ

- ‌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي

- ‌(بَابُ النَّهْيِ) :

- ‌[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ]

- ‌ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدُلُوكِهَا

- ‌[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ]

- ‌ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ

- ‌ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ

- ‌ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ

- ‌[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]

- ‌ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ

- ‌(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

- ‌ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

- ‌ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ خُصُوصُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ

- ‌[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

- ‌ كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا

الفصل: ‌[القضاء هل يجب بنص مقصود أم بالسبب الذي يوجب الأداء]

وَشِدَّةُ الرِّعَايَةِ كَمَا قِيلَ فِي الثُّلَاثِيِّ مِنْهُ:

الذِّئْبِ يَأْدُ لِلْغَزَالِ بِأَكْلِهِ

أَيْ يَحْتَالُ وَيَتَكَلَّفُ فَيَخْتِلُهُ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَأَحْكَامُ الشَّيْءِ نَفْسِهِ لَا يُنْبِئُ عَنْ شِدَّةِ الرِّعَايَةِ

وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْقَضَاءِ أَيَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِنَصٍّ مَقْصُودٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ عُرِفَتْ قُرْبَةٌ بِوَقْتِهَا وَإِذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا وَلَا يُعْرَفُ لَهَا مِثْلٌ إلَّا بِالنَّصِّ كَيْفَ يَكُونُ لَهَا مِثْلٌ بِالْقِيَاسِ.

وَقَدْ ذَهَبَ وَصْفُ فَضْلِ الْوَقْتِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ يَجِبُ بِذَلِكَ السَّبَبِ

ــ

[كشف الأسرار]

لِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ يُنَبِّئُ عَنْ شِدَّةِ الرِّعَايَةِ وَالِاسْتِقْصَاءِ فِي الْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ وَذَلِكَ بِتَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَاجِبِ لَا بِتَسْلِيمِ مِثْلِهِ بَعْدَمَا فَاتَ فَلَا يُمْكِنُ إطْلَاقُهُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمِثْلِ إلَّا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ؛ فَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ بِقَرِينَةٍ فَأَمَّا الْقَضَاءُ فَإِحْكَامُ الشَّيْءِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي تَسْلِيمِ الْمِثْلِ وَالْعَيْنِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْقَرِينَةِ.

وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْقَضَاءُ فِي الْأَدَاءِ مَجَازًا لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ وَيُسْتَعْمَلُ الْأَدَاءُ فِي الْقَضَاءِ مَجَازًا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْلِيمِ فَجُعِلَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّيْخَ نَظَرَ إلَى مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيِّ فَوَجَدَ مَعْنَى الْقَضَاءِ شَامِلًا لِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَتَسْلِيمِ الْمِثْلِ فَجَعَلَهُ حَقِيقَةً فِيهِمَا وَوَجَدَ مَعْنَى الْأَدَاءِ خَاصًّا فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ فَجَعَلَهُ مَجَازًا فِي غَيْرِهِ فَاشْتَرَطَ التَّقْيِيدَ بِالْقَرِينَةِ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ نَظَرَا إلَى الْعُرْفِ أَوْ الشَّرْعِ فَوَجَدَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَاصًّا بِمَعْنًى فَجَعَلَاهُ مَجَازًا فِي غَيْرِ مَا اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا أَنَّ لِلْأَدَاءِ خُصُوصًا مُقَامٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْأَدَاءَ قَدْ يُسَمَّى قَضَاءً وَعَلَى الْعَكْسِ إلَّا أَنَّ الْأَدَاءَ مُخْتَصٌّ بِتَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَاجِبِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْقَضَاءِ بِتَسْلِيمِ الْمِثْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يُنْبِئُ عَنْ شِدَّةِ الرِّعَايَةِ وَالْقَضَاءُ لَا يُنْبِئُ عَنْ شِدَّةِ الرِّعَايَةِ بَلْ عَنْ مُجَرَّدِ الْإِحْكَامِ فَيَكُونُ مُخْتَصًّا بِتَسْلِيمِ الْمِثْلِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شِدَّةُ الرِّعَايَةِ بَلْ فِيهِ نَوْعُ قُصُورٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُقَيَّدًا مُتَّصِلًا بِالْجُمْلَتَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] وَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَيُسَمَّى الْأَدَاءُ قَضَاءً مُقَيَّدًا بِقَرِينَةٍ وَيُسْتَعْمَلُ الْأَدَاءُ فِي الْقَضَاءِ مُقَيَّدًا بِقَرِينَةٍ، وَقَوْلُهُ نَفْسُ الْوَاجِبِ وَعَيْنُهُ تَرَادُفٌ، وَقَوْلُهُ فِي الثُّلَاثِيِّ أَيْ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ مِنْ مُنْشَعِبَةِ الثُّلَاثِيِّ يُقَالُ أَدَّى يُؤَدِّي أَدَاءً وَتَأْدِيَةً كَمَا يُقَالُ سَلَّمَ يُسَلِّمُ سَلَامًا وَبَلَغَ يَبْلُغُ بَلَاغًا.

وَقَوْلُهُ يَأْدُو وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ يُقَالُ الذِّئْبُ يَأْدُو لِلْغَزَالِ أَيْ يَخْتِلُهُ لِيَأْكُلَهُ وَالْخَتْلُ الْخِدَاعُ وَأَدَوْت لَهُ وَأَدَّيْت أَيْ خَتَلْته وَهَذَا مَثَلٌ يُضْرَبُ فِي مُقَاسَاةِ الْمَرْءِ فِي الشَّيْءِ وَمُعَانَاتِهِ لِرَجَاءِ نَفْعٍ يَعُودُ إلَيْهِ فِي عَاقِبَتِهِ، ثُمَّ حَاصِلُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْأَدَاءِ عَلَى مَعْنَى الْقَضَاءِ كَقَوْلِهِ نَوَيْت أَنْ أُؤَدِّيَ ظُهْرَ الْأَمْسِ وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ نَوَيْت أَنْ أَقْضِيَ الظُّهْرَ الْوَقْتِيَّةَ جَائِزٌ، فَأَمَّا صِحَّةُ الْأَدَاءِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ حَقِيقَةً كَنِيَّةِ مَنْ نَوَى أَدَاءَ ظُهْرِ الْيَوْمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ، وَكَنِيَّةِ الْأَسِيرِ الَّذِي اشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ فَتَحَرَّى شَهْرًا وَصَامَهُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ فَوَقَعَ صَوْمُهُ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَعَكْسُهُ كَنِيَّةِ مَنْ نَوَى قَضَاءَ الظُّهْرِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ خَرَجَ، وَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ بَعْدُ، وَكَنِيَّةِ الْأَسِيرِ الَّذِي صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ قَدْ مَضَى فَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّهُ؛ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَصْدِ الْقَلْبِ وَلَمْ يَذْكُرْ بِاللِّسَانِ شَيْئًا فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنًى وَلَيْسَ هَهُنَا لَفْظٌ؛ وَإِنْ ضُمَّ إلَيْهِ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِكُلِّ لَفْظٍ حَقِيقَتَهُ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ، وَأَمَّا جَوَازُهُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ النِّيَّةِ وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْخَطَأُ فِي مِثْلِهِ مَعْفُوٌّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ

[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ) أَيْ مَشَايِخُنَا وَاللَّامُ بَدَلُ الْإِضَافَةِ، فِي الْقَضَاءِ أَيَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَيْ بِنَصٍّ قُصِدَ بِهِ إيجَابُ الْقَضَاءِ

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

ابْتِدَاءً أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ، وَهُوَ الْأَمْرُ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يُضَافُ إلَيْهِ لَا إلَى السَّبَبِ إذْ لَا يَثْبُتُ بِالسَّبَبِ إلَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ؛ وَإِنْ شِئْت أَبْهَمْت السَّبَبَ كَمَا أَبْهَمَهُ الشَّيْخُ فَقُلْت يَجِبُ الْقَضَاءُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوجِبُ نَصًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: مَعْنَى قَوْلِهِ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ بِسَبَبٍ ابْتِدَائِيٍّ غَيْرِ سَبَبِ الْأَدَاءِ عُرِفَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ رحمه الله فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَضَاءُ يَجِبُ بِأَمْرٍ مُبْتَدَأٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحْتَاجُ إلَى أَمْرٍ مُبْتَدَأٍ بَلْ يَجِبُ الْمِثْلُ إذَا فَاتَ الْمَضْمُونُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ فِيهِ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي الْأَمْرِ الْمُؤَقَّتِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ تَحْصِيلِ الْفِعْلِ حَتَّى وَجَبَ الْقَضَاءُ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَمْرِ السَّابِقِ أَوْ يَجِبُ بِأَمْرٍ مُبْتَدَأٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ بِالْأَمْرِ السَّابِقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ بِأَمْرٍ مُبْتَدَأٍ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ سِيَاقُ كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ رحمه الله أَيْضًا.

وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إنَّ الْوَقْتَ مَتَى فَاتَ لَا يَبْقَى الْمَأْمُورُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ فِي وَقْتٍ آخَرَ بِدَلِيلٍ آخَرَ، بَعْضُ النَّاسِ يُبْقِي دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرٍ جَدِيدٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْمُصَنِّفِ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَابِلَةُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْيُسْرِ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ لَا يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ بَلْ بِأَمْرٍ آخَرَ وَبِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخِلَافُ فِي الْقَضَاءِ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ، فَأَمَّا الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ إلَّا بِنَصٍّ جَدِيدٍ بِالِاتِّفَاقِ، احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِأَمْرٍ مُبْتَدَأٍ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْأَمْرِ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي مَعْرِفَتِهَا؛ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّصِّ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ مُقَيَّدًا بِوَقْتٍ كَانَ كَوْنُ الْمَأْمُورِ بِهِ عِبَادَةً مُقَيَّدًا بِهِ أَيْضًا ضَرُورَةَ تَوَقُّفِهِ عَلَى الْأَمْرِ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ مُفَسَّرَةٌ بِأَنَّهَا فِعْلٌ يَأْتِي بِهِ الْمَرْءُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ فِي وَقْتٍ آخَرَ عِبَادَةً بِهَذَا الْأَمْرِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ الْأَمْرِ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ افْعَلْ كَذَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَتَنَاوَلُ هَذَا الْأَمْرُ مَا عَدَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِحُكْمِ الصِّيغَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْمَكَانِ بِأَنْ قِيلَ اضْرِبْ مَنْ كَانَ فِي الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَإِذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ كَانَ الْفِعْلُ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَبْلَهُ سَوَاءً فَيَحْتَاجُ إلَى أَمْرٍ آخَرَ ضَرُورَةً وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مَصْلَحَةً فِي وَقْتٍ دُونَ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَوَاتُ مَخْصُوصَةً بِأَوْقَاتٍ وَالصَّوْمُ كَذَلِكَ.

وَلَا يُقَالُ نَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا سُمِّيَ قَضَاءً وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمَأْمُورُ لَمَّا فَاتَ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، لِأَنَّا نَقُولُ مِنْ شَرْطِ إيجَابِ الضَّمَانِ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي مَقَادِيرِ الْعِبَادَاتِ وَهَيْئَاتهَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا بِالرَّأْيِ وَكَيْفَ يُمْكِنُ ذَلِكَ وَالْأَدَاءُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْفِعْلِ وَإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَدْ فَاتَتْ فَضِيلَةُ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ قَالَ عليه السلام «، مَنْ فَاتَهُ صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ» فَكَيْفَ يَكُونُ الْفِعْلُ بَعْدَ الْوَقْتِ مَثَلًا لِلْفِعْلِ

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

فِي الْوَقْتِ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ إيجَابُهُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ تَوَقَّفَ عَلَى دَلِيلٍ آخَرَ ضَرُورَةً، قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: رحمه الله إنَّ إقَامَةَ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ إنَّمَا عُرِفَتْ قُرْبَةً شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُمْكِنُنَا إقَامَةُ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ آخَرَ مَقَامَ هَذَا الْفِعْلِ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ الْفَوَاتِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّ أَدَاءَ الرَّكْعَتَيْنِ لَمَّا عُرِفَ قُرْبَةً بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُقِيمَ مِثْلَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ مَقَامَهُمَا فِي وَقْتٍ آخَرَ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ الْفَوَاتِ وَكَمَا فِي تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ، فَإِنَّهَا لَمَّا عُرِفَتْ قُرْبَةً فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُقِيمَ مِثْلَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْأَيَّامِ مَقَامَهَا عِنْدَ الْفَوَاتِ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] أَيْ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

وَقَالَ عليه السلام «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فَوَجَبَ إلْحَاقُ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِهِ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأَدَاءَ قَدْ صَارَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ فِي الْوَقْتِ وَمَعْلُومٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ بِالْإِسْقَاطِ أَوْ بِالْعَجْزِ وَلَمْ يُوجَدْ الْكُلُّ فَبَقِيَ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ أَمَّا عَدَمُ وُجُودِ الْأَدَاءِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا عَدَمُ الْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ صَرِيحًا بِيَقِينٍ وَلَا دَلَالَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ إلَّا خُرُوجُ الْوَقْتِ، وَهُوَ بِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ مُسْقِطًا لِأَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ تَقَرَّرَ تَرْكُ الِامْتِثَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْقِطًا بَلْ هُوَ تَقَرَّرَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعُهْدَةِ؛ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ الْخُرُوجُ مُسْقِطًا بِاعْتِبَارِ الْعَجْزِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعَجْزُ إلَّا فِي حَقِّ إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ لِبَقَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَى أَصْلِ الْعِبَادَةِ لِكَوْنِهِ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ مِنْهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَيَتَقَدَّرُ السُّقُوطُ بِقَدْرِ الْعَجْزِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ اسْتِدْرَاكُ شَرَفِ الْوَقْتِ إلَى الْإِثْمِ إنْ تَعَمَّدَ التَّفْوِيتَ وَإِلَى عَدَمِ الثَّوَابِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَعَمَّدَ لِلْعَجْزِ وَيَبْقَى أَصْلُ الْعِبَادَةِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ بِصَرْفِ الْمِثْلِ إلَيْهِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى أَصْلِ الْوَاجِبِ تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُقَيَّدٌ بِالْوَقْتِ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّمَ الْأَدَاءُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِعْلًا مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ، وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ لَا يَبْقَى بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ كَالْوَاجِبِ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ لَا تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ تِلْكَ الْقُدْرَةِ لِفَوَاتِ وَصْفِهِ.

وَهُوَ الْيُسْرُ (قُلْنَا) هَذَا إذَا كَانَ الْوَصْفُ مَقْصُودًا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ نَفْسَ الْوَقْتِ هَهُنَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي كَوْنِ الْفِعْلِ عَمَلًا بِخِلَافِ هَوَى النَّفْسِ أَوْ فِي كَوْنِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَثَنَاءً عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ كَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ، وَكَانَ هَذَا كَمَنْ أُمِرَ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ دِرْهَمًا مِنْ مَالِهِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى فَشُلَّتْ يَدُهُ الْيُمْنَى يَجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْيُسْرَى؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِهِ يَحْصُلُ، فَكَذَا هُنَا وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَيْسَ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بَلْ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَالْأَدَاءُ قَبْلَ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ وَلَمَّا كَانَ الْوَقْتُ تَبَعًا غَيْرَ مَقْصُودٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ بِسُقُوطِهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْكُلِّيُّ، وَهُوَ أَصْلُ الْعِبَادَةِ كَمَنْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمِثْلِ صُورَةً يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ لِلْعَجْزِ وَلَا يَسْقُطُ بِسُقُوطِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ الْمِثْلُ مَعْنًى فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ كَذَا هُنَا، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ: رحمه الله الْقَضَاءُ مِثْلُ الْأَدَاءِ

ص: 140

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْقَضَاءَ فِي الصَّوْمِ بِالنَّصِّ فَقَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِالْقَضَاءِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» فَقُلْنَا نَحْنُ: وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي هَذَا بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَعْقُولٌ فَإِنَّ الْأَدَاءَ كَانَ فَرْضًا، فَإِذَا فَاتَ فَاتَ مَضْمُونًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ مِثْلِهِ مِنْ عِنْدِهِ لِكَوْنِ النَّفْلِ مَشْرُوعًا لَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَمَرَ بِصَرْفِ مَالِهِ إلَى مَا عَلَيْهِ وَسَقَطَ فَضْلُ الْوَقْتِ إلَى غَيْرِ مِثْلٍ وَإِلَى غَيْرِ ضَمَانٍ إلَّا بِالْإِثْمِ إنْ كَانَ عَامِدًا لِلْعَجْزِ، فَإِذَا عَقَلَ هَذَا وَجَبَ الْقِيَاسُ بِهِ فِي قَضَاءِ الْمَنْذُورَاتِ الْمُتَعَيِّنَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْفَضِيلَةِ مِثْلُهُ وَالْمِثْلِيَّةُ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمَأْثَمِ لَا فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ، وَكَذَا جَمِيعُ عِبَادَاتِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ كَالْمُومِئِ وَغَيْرِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِبَادَاتِ الْكَامِلَةِ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمَأْثَمِ لَا فِي حَقِّ إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ النَّصَّ مَعْقُولُ الْمَعْنَى تَعَدَّى الْحُكْمُ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ بِهِ إلَى الْفُرُوعِ وَهِيَ الْوَاجِبَاتُ بِالنَّذْرِ الْمُؤَقَّتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهَا.

وَبِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ مِثْلَ الْعِبَادَةِ لَا يَصِيرُ عِبَادَةً إلَّا بِالنَّصِّ لِأَنَّا قَدْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي قَدْ شُرِعَ عِبَادَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ حَقًّا لِلْعَبْدِ هَلْ يَجِبُ إقَامَتُهُ مَقَامَ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ فِي الْوَقْتِ عِنْدَ فَوَاتِهِ فَنَقُولُ بِأَنَّهُ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَقَامَهُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ فَيُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ أَيْضًا عَنْ الْجُمُعَةِ وَتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُمَا لِلْعَجْزِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْخُطْبَةِ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِلْعَبْدِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَبِمُضِيِّ الْوَقْتِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهَا مَشْرُوعٌ لِلْعَبْدِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ، وَكَذَا الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِلْعَبْدِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّكْبِيرِ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِكَوْنِهِ بِدْعَةً فَبِمُضِيِّ الْوَقْتِ يَتَحَقَّقُ الْفَوَاتُ فِيهِ فَيَسْقُطُ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله، وَلَا يُقَالُ لَمَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِالنَّصِّ إذْ لَوْلَاهُ لَمَا عُرِفَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُكُمْ الْقَضَاءُ بِالْأَمْرِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ، لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عَرَفْنَا بِالنَّصِّ الْمُوجِبِ لِلْقَضَاءِ أَنَّ الْوَاجِبَ لَمْ يَكُنْ سَقَطَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَأَنَّ هَذَا النَّصَّ طَلَبٌ لِتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ بِالْمِثْلِ وَلِهَذَا سُمِّيَ قَضَاءً وَلَوْ وَجَبَ بِهِ ابْتِدَاءً لَمَا صَحَّ تَسْمِيَتُهُ قَضَاءً حَقِيقَةً، وَهَذَا كَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَهَلَكَ عِنْدَهُ يَجِبُ الضَّمَانُ لِوُرُودِ النُّصُوصِ الْمُوجِبَةِ لَهُ، وَلَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْغَصْبِ السَّابِقِ الْمُوجِبِ لِلْأَدَاءِ، وَهُوَ رَدُّ الْعَيْنِ وَالنُّصُوصُ لِطَلَبِ التَّفْرِيغِ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، فَكَذَا هُنَا.

، قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ: الْفَرِيقُ الْآخَرُ قَالُوا الْفَائِتُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْأَدَاءِ وَمَا وَجَبَ أَدَاؤُهُ فَاتَ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْمَغْصُوبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدَاؤُهُ وَاجِبًا وَكَانَتْ أَمَانَةً عِنْدَهُ يُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ أَيْضًا فَثَبَتَ أَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عِنْدَ الْفَوَاتِ، وَلَهُ مِثْلٌ مَشْرُوعٌ عِنْدَهُ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَهُوَ النَّفَلُ، فَإِنَّهُ شُرِعَ عِبَادَةً بِحُكْمِ الْأَمْرِ وَأَدَاءُ الْمِثْلِ مِنْ عِنْدِهِ عَنْ الْفَائِتِ الْمَضْمُونِ أَمْرٌ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَمْرٍ مُبْتَدَأٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ.

قَوْلُهُ (وَبَيَانُ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فِي هَذَا أَيْ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ، وَهُوَ مَعْقُولٌ أَيْ وُجُوبُ الْقَضَاءِ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَسَقَطَ فَضْلُ الْوَقْتِ إلَى كَذَا ضَمِنَ فِيهِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ أَيْ سَقَطَ مُنْتَهِيًا إلَى غَيْرِ مِثْلٍ بِأَنْ لَمْ يَجِبْ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِلَى غَيْرِ ضَمَانٍ بِأَنْ لَمْ يَجِبْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَيْضًا، فَإِذَا عَقَلَ هَذَا أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَجَبَ الْقِيَاسُ بِهِ، وَهَكَذَا الْكَلَامُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَنْذُورَاتِ الْمُتَعَيِّنَةِ فَعِنْدَ الْعَامَّةِ يَجِبُ قَضَاؤُهَا بِالْقِيَاسِ، وَعِنْدَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ لِعَدَمِ وُرُودِ نَصٍّ مَقْصُودٍ فِيهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِهِ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَمَضَى الْيَوْمُ وَالشَّهْرُ وَلَمْ يَفِ فَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ

ص: 141

وَهَذَا أَقْيَسُ وَأَشْبَهُ بِمَسَائِلِ أَصْحَابِنَا

ــ

[كشف الأسرار]

وَلَكِنْ عَلَى قَوْلِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ آخَرَ مَقْصُودٍ غَيْرِ النَّذْرِ، وَهُوَ التَّفْوِيتُ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِالنَّذْرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفْوِيتَ إنَّمَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ مَقْصُودٍ فَكَأَنَّهُ إذَا فَوَّتَ فَقَدْ الْتَزَمَ الْمَنْذُورَ ثَانِيًا فَعَلَى هَذَا إذَا فَاتَ لَا بِالتَّفْوِيتِ بِأَنْ مَرِضَ أَوْ جُنَّ فِي الشَّهْرِ الْمَنْذُورِ صَوْمُهُ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الْمَنْذُورِ فِيهِ الصَّلَاةُ يَجِبُ أَنْ لَا يُقْضَى عِنْدَهُمْ لِعَدَمِ النَّصِّ الْمَقْصُودِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ.

، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْوَاجِبِ عَنْ الْوَقْتِ عَلَى وَجْهٍ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ أَوْ غَيْرُ مَعْذُورٍ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْفَوَاتَ بِمَنْزِلَةِ التَّفْوِيتِ عِنْدَهُمْ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَحْكَامِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّخْرِيجِ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَقْيَسُ) أَيْ قَوْلُ الْعَامَّةِ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ، وَأَشْبَهُ بِمَسَائِلِ أَصْحَابِنَا أَيْ أَوْفَقُ لَهَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ قَوْمًا فَاتَتْهُمْ صَلَاةٌ مِنْ صَلَوَاتِ اللَّيْلِ فَقَضَوْهَا بِالنَّهَارِ بِالْجَمَاعَةِ جَهَرَ إمَامُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ وَلَوْ فَاتَتْهُمْ صَلَاةٌ مِنْ صَلَوَاتِ النَّهَارِ فَقَضَوْهَا بِاللَّيْلِ لَمْ يَجْهَرْ إمَامُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَوْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ صَلَّى أَرْبَعًا كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَفِي اعْتِبَارِ حَالَةِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ دُونَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي الْمَرَضِ الَّذِي يَعْجِزُ فِيهِ عَنْ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَيَقْضِيهَا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْقَضَاءِ لَا حَالَةُ الْأَدَاءِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ الْأَدَاءَ لَمْ يَجِبْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مَعَ أَنَّ الْأَدَاءَ وَجَبَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ بِدَلِيلٍ آخَرَ كَمَا قَالَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ انْعَقَدَ فِي الْفَصْلَيْنِ مُوجِبًا لِلْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِاعْتِبَارٍ يُوهِمُ الْقُدْرَةَ مُجَوِّزًا لِلِانْتِقَالِ إلَى الْخُلْفِ وَهُوَ الْقُعُودُ أَوْ الْإِيمَاءُ عِنْدَ الْعَجْزِ إنْ اخْتَارَ الْفِعْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

، فَكَذَلِكَ عَمَلُهُ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ فَإِذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ أَوْ الصِّحَّةِ فَقَدْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ كَامِلَةٌ بِقِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَانَ لَهُ فِيهَا وِلَايَةُ الِانْتِقَالِ إلَى الْخُلْفِ عِنْدَ الْفِعْلِ لِلْعَجْزِ، فَإِذَا قَضَاهَا فَهِيَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِعَيْنِهَا؛ فَإِنْ وُجِدَ شَرْطُ النَّقْلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْأَدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ افْتَتَحَهَا فِي الْوَقْتِ قَائِمًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عَجْزٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا قَاعِدًا وَبِإِيمَاءٍ وَلَوْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا ثُمَّ زَالَ الْعَجْزُ كَانَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا قَائِمًا فَإِذَا ثَبَتَ الِانْتِقَالُ فِي الْأَدَاءِ، فَكَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَهَذَا كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ السَّبَبَ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فِي الْحَالَيْنِ لِتَوَهُّمِ حُدُوثِ الْمَاءِ مُجَوِّزًا لِلِانْتِقَالِ إلَى الْخُلْفِ، وَهُوَ التُّرَابُ عِنْدَ الْعَجْزِ؛ فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ حَالَةَ الْعَجْزِ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الِانْتِقَالِ إلَى الْخُلْفِ وَإِلَّا فَلَا، فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَإِنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ قَدْ تَقَرَّرَ مُوجِبًا لِلرَّكْعَتَيْنِ أَوْ الْأَرْبَعِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمِثْلِ وَإِلَّا سَقَطَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْهَرَ الْإِمَامُ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ اللَّيْلِ إذَا قَضَوْهَا بِالنَّهَارِ

ص: 142

وَلِهَذَا قُلْنَا فِي صَلَاةٍ فَاتَتْ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا بِلَا تَكْبِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْبِيرَ عِنْدَهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ ثُمَّ لَمْ يَسْقُطْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعُذْرِ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةُ النَّذْرِ بِالِاعْتِكَافِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إذَا صَامَهُ وَلَمْ يَعْتَكِفْ أَنَّهُ يَقْضِي اعْتِكَافَهُ وَلَا يُجْزِئُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ.

قَالُوا: لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا وَجَبَ بِالتَّفْوِيتِ ابْتِدَاءً لَا بِالنَّذْرِ وَالتَّفْوِيتُ سَبَبٌ مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ فَصَارَ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ لَكِنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي هَذَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا قُلْنَا لَا بِنَصٍّ مَقْصُودٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ

ــ

[كشف الأسرار]

لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي نَافِلَةِ النَّهَارِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قَضَاءُ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَافِلَةٌ مَشْرُوعَةٌ عَلَى هَيْئَةِ الْمَغْرِبِ (قُلْنَا) إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ كَوْنُ النَّفْلِ مَشْرُوعًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَمْيَّةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الظُّهْرِ مَعَ أَنَّ النَّفَلَ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا عَلَى صِفَةِ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَانِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ.

، وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي قَضَاءِ الظُّهْرِ وَيَجُوزُ فِي النَّفْلِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا قُلْنَا كَذَا أَوْرَدَ شَيْخِي فِي فَوَائِدِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ نَاقِلًا عَنْ أُسْتَاذِهِ مَوْلَانَا بَدْرِ الدِّينِ الْكُرْدِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأُجِيبَ أَيْضًا فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَالصِّفَةِ عَرَفْنَا أَنَّ لَهُ نَفْلًا يَصْلُحُ لِلصَّرْفِ إلَى مَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ فِعْلِ الْقَضَاءِ لَا مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ضَرُورَةَ التَّخْيِيرِ وَلَكِنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ لَا أَنْ يُعَيِّنَهُ بِالْقَوْلِ ابْتِدَاءً، وَكَمَا أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَمْتَلِكَ جَارِيَةَ الِابْنِ وَلَكِنْ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ لَا أَنْ يَمْتَلِكَهَا ابْتِدَاءً وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ يَجِبُ وَلَا يَسْقُطُ بِسُقُوطِ مَا عَجَزَ عَنْهُ قُلْنَا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا بِلَا تَكْبِيرٍ أَيْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، إنْ تَرَكَهَا قَبْلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ قَضَاهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يُكَبِّرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَيَلْزَمُهُ كَالْمَرِيضِ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ بِإِيمَاءٍ فَقَضَاهَا فِي الصِّحَّةِ يَقْضِيهَا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَأَنَّا نَقُولُ: الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُقَدَّرًا فَلَوْ كَبَّرَ لِلْفَائِتَةِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ.

؛ وَإِنْ تَرَكَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُكَبِّرُ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْفَوَاتِ، وَأَنَّا نَقُولُ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ إلَّا فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ فَيَبْطُلُ بِفَوْتِهِ كَرَمْيِ الْجِمَارِ يَسْقُطُ بِانْقِضَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَكَالْجُمُعَةِ وَكَالْأُضْحِيَّةِ وَصَارَ كَالصَّحِيحِ إذَا نَسِيَ صَلَاةً فَقَضَاهَا فِي الْمَرَضِ يَقْضِيهَا بِإِيمَاءٍ؛ وَإِنْ قَضَاهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ وَحْدَهُ أَوْ بِجَمَاعَةٍ لَا يُكَبِّرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْرُوعِ بِدْعَةٌ، فَأَمَّا إذَا قَضَاهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِجَمَاعَةٍ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ التَّكْبِيرِ قَائِمٌ وَلَوْ كَبَّرَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْمَشْرُوعِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيُكَبِّرُ؛ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْفَوَاتِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ جَهْرًا مَشْرُوعٌ فِيهَا، وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ النَّوَافِلِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُؤَدَّ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْجَمَاعَةُ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّرْفِ إلَى مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلٌ لِمَا فَاتَ بِجَمَاعَةٍ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يُكَبِّرْ فِي النَّوَافِلِ احْتِيَاطًا فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَا عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ عِنْدَهُمَا لِلتَّكْبِيرِ كَمَا فِي الْأَدَاءِ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنْ صِفَةِ الْجَهْرِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّكْبِيرِ مَشْرُوعٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الْأَصْلُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ عَنْ الْوَصْفِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ خُفْيَةً (قُلْنَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ مَقْصُودًا يَسْقُطُ الْأَصْلُ بِفَوَاتِهِ وَهَهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنْ الشَّعَائِرِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِصِفَةِ الْجَهْرِ فَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْأَصْلِ بِدُونِ الْوَصْفِ.

قَوْلُهُ (وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ) ، وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ

ص: 143

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

بِمَا وَجَبَ بِهِ الْأَدَاءُ عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَبِنَصٍّ مَقْصُودٍ عِنْدَ آخَرِينَ مَسْأَلَةُ النَّذْرِ بِالِاعْتِكَافِ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ أَوْ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الشَّهْرَ سَوَاءٌ عَيَّنَهُ بِاسْمِهِ الْعِلْمِيِّ أَوْ بِالْإِشَارَةِ فَصَامَهُ وَلَمْ يَعْتَكِفْ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ الِاعْتِكَافَ مُتَتَابِعًا بِصَوْمٍ مُبْتَدَأٍ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رحمهم الله؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ اعْتِكَافًا بِصَوْمٍ لَا أَثَرَ لِلِاعْتِكَافِ فِي وُجُوبِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى قَضَائِهِ فِي شَهْرٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِصَوْمٍ لِلِاعْتِكَافِ أَثَرٌ فِي وُجُوبِهِ فَيَزِيدُ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ.

وَجْهُ الظَّاهِرِ عَلَى مَذْهَبِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ هُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِالتَّفْوِيتِ ابْتِدَاءً لَا بِالدَّلِيلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْأَصْلُ وَالتَّفْوِيتُ سَبَبٌ مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ أَيْ لَا يَخُصُّ الْقَضَاءَ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ كَالْأَوَامِرِ الْمُطْلَقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا لِأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّفْوِيتَ بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ ثَانِيًا عَلَى الْإِيجَابِ فَلِذَلِكَ يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ.

1 -

وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَذَلِكَ مَضْمُونٌ بِالْقَضَاءِ، فَكَذَلِكَ هَذَا وَإِذَا وَجَبَ صَارَ مِنْ ضَرُورَتِهِ إيجَابُ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الْفَضْلِ أَحَقُّ مِنْ إبْطَالِ الْأَصْلِ؛ فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ حَتَّى جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ قَابِلٍ فَقَضَى فِيهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ تَبَعًا لَا وُجُودُهُ قَصْدًا كَالطَّهَارَةِ؛ وَلِهَذَا صَحَّ نَذْرُهُ بِهَذَا الِاعْتِكَافِ فَكَانَ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَنْذُورَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ؛ فَإِنْ انْتَقَضَ وَضْؤُهُ يَلْزَمُهُ التَّوَضُّؤُ لِأَدَاءِ الْمَنْذُورِ؛ فَإِنْ تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ أُخْرَى يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَنْذُورَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ، فَكَذَا هَذَا.

، وَلَنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ صَارَ التَّفْوِيتُ بِمَنْزِلَةِ نَذْرٍ مُطْلَقٍ عَنْ الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَوْ صَارَ ذَلِكَ النَّذْرُ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَلَا يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا هَهُنَا لَكِنَّهُ مِمَّا يُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ أَصْلًا وَلَمَّا أَثَّرَ النَّذْرُ فِي إيجَابِهِ لَا يَتَأَدَّى بِوَاجِبٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِلْمُصَنِّفِ وَشَمْسِ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِمْ بِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ؛ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ فِيمَا إذَا صَامَ وَلَمْ يَعْتَكِفْ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إيجَابِ الصَّوْمِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِلَا صَوْمٍ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ صَوْمٍ بِلَا مُوجِبٍ فَيَبْطُلُ وَلَمْ يَبْطُلْ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ أَوْجَبَ الصَّوْمَ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا بِمَا وَجَبَ بِهِ الْأَدَاءُ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ لَجَازَ قَضَاؤُهُ فِي الرَّمَضَانِ الثَّانِي كَمَا قَالَ زُفَرُ رحمه الله: لِأَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي كَوْنِ الصَّوْمِ مَشْرُوعًا فِيهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَصِحَّةُ أَدَاءِ الِاعْتِكَافِ بِهِ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَجُزْ فَعَرَفْنَا أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى السَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَفِي قَوْلِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَقْضِي اعْتِكَافَهُ وَلَا يَجْرِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْآخَرِ إشَارَةً إلَى الْوَجْهَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّفْوِيتَ بِمَنْزِلَةِ نَذْرٍ مُطْلَقٍ عَنْ الْوَقْتِ فَلِهَذَا لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا.

، وَقَوْلُهُ لَكِنَّا نَقُولُ اسْتِدْرَاكٌ عَمَّا قَالُوا إنَّهُ يَجِبُ بِالتَّفْوِيتِ وَلِهَذَا ذَكَرَ

ص: 144

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ بِالْفَوَاتِ مَرَّةً وَبِالتَّفْوِيتِ أُخْرَى إلَّا أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا أَثَّرَ فِي إيجَابِهِ وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا النُّقْصَانُ فِي مَسْأَلَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَارِضِ شَرَفِ الْوَقْتِ وَمَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ فَقَدْ فَاتَ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اكْتِسَابِ مِثْلِهِ إلَّا بِالْحَيَاةِ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ، وَهُوَ وَقْتٌ مَدِيدٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ فَلَمْ يَثْبُتْ الْقُدْرَةُ فَسَقَطَ

ــ

[كشف الأسرار]

كَلِمَةَ الْحَصْرِ أَيْ لَا يَجِبُ إلَّا بِكَذَا، فِي هَذَا أَيْ فِي النَّذْرِ، بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، لَا بِنَصٍّ مَقْصُودٍ وَهُوَ التَّفْوِيتُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّفْوِيتَ كَنَصٍّ مَقْصُودٍ عِنْدَهُمْ، فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ النَّذْرُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إضَافَةِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ إلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ النَّذْرُ.

قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ بِالْفَوَاتِ مَرَّةً) اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَى التَّفْوِيتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجِبَ فِي الْفَوَاتِ، وَذَلِكَ بِأَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ مَرِضَ حَتَّى فَاتَهُ الْمَنْذُورُ لَا بِاخْتِيَارِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فَوَاتُ الْمَنْذُورِ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ نَذْرٍ ابْتِدَائِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ مُخْتَارًا وَلَا اخْتِيَارَ فِي الْفَوَاتِ فَلَا يَكُونُ الْفَوَاتُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ مَقْصُودٍ، وَلَمَّا وَجَبَ فِي الْفَوَاتِ كَمَا وَجَبَ فِي التَّفْوِيتِ يُضَافُ إلَى مَعْنًى يَشْمَلُهُمَا، وَهُوَ السَّبَبُ الْأَوَّلُ، وَصُورَةُ الْفَوَاتِ فِي مَسْأَلَةِ الِاعْتِكَافِ بِأَنْ مَرِضَ مَرَضًا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّوْمِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ بِأَنْ صَارَ مَبْطُونًا أَوْ نَحْوَهُ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الِاعْتِكَافَ) جَوَابُ سُؤَالٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ فَكَيْفَ وَجَبَ زَائِدًا عَلَى مَا أَوْجَبَهُ السَّبَبُ الْأَوَّلُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعِلَّةِ فَقَالَ نَعَمْ إلَّا أَنَّ مُطْلَقَ الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَقَيُّدِهِ بِوَقْتٍ أَوْ عَدَمِ تَقَيُّدِهِ بِهِ أَوْ الِاعْتِكَافُ الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ يَقْتَضِي صَوْمًا لِلِاعْتِكَافِ أَيْ لِلنَّذْرِ الَّذِي يُوجِبُهُ أَثَّرَ فِي إيجَابِهِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطُهُ وَشَرْطُ الشَّيْءِ تَابِعٌ لَهُ وَمَا لَا يُتَوَسَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَجِبُ كَوُجُوبِهِ تَبَعًا لَهُ،

وَقَيَّدَ بِالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ فِي الِاعْتِكَافِ النَّفْلِ لَا يُشْتَرَطُ الصَّوْمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الِاعْتِكَافُ النَّفَلُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ حَتَّى يَجُوزَ صَلَاةُ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَرَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ وَالْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ مَا أَقَامَ تَارِكٌ لَهُ إذَا خَرَجَ فَيَثْبُتُ أَنَّ الظَّاهِرَ مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، غَيْرَ أَنَّهُ امْتَنَعَ وُجُوبُ الصَّوْمِ بِوُجُوبِ هَذَا الِاعْتِكَافِ، بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، وَهُوَ شَرَفُ الْوَقْتِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ؛ وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا النُّقْصَانُ أَيْ عَدَمُ اقْتِضَاءِ الِاعْتِكَافِ صَوْمًا لَهُ أَثَّرَ فِي إيجَابِهِ بِعَارِضِ شَرَفِ الْوَقْتِ أَيْ بِتَقَيُّدِ الِاعْتِكَافِ وَاتِّصَالِهِ بِوَقْتٍ شَرِيفٍ لَا يَقْبَلُ إيجَابَ الصَّوْمِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ لِشَرَفِهِ، أَوْ مَعْنَاهُ إنَّمَا لَمْ يُوجِبْ هَذَا الِاعْتِكَافُ صَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَى شَهْرٍ شَرِيفٍ فَكَانَ الِاعْتِكَافُ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ عليه السلام «، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ.، وَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ»

فَاكْتَفَى فِيهِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ لِإِدْرَاكِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ، وَمَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ، وَهُوَ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ حَصَلَتْ لِهَذَا الِاعْتِكَافِ بِسَبَبِ شَرَفِ الْوَقْتِ فَقَدْ فَاتَ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اكْتِسَابِ مِثْلِهِ إلَّا بِإِدْرَاكِ الْعَامِ الْقَابِلِ وَذَلِكَ مُتَرَدِّدٌ لِاسْتِوَاءِ الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقُدْرَةُ، فَسَقَطَ أَيْ اسْتِدْرَاكُ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ وَاكْتِسَابِ مِثْلِهِ لِلْعَجْزِ كَمَا

ص: 145

فَبَقِيَ مَضْمُونًا بِإِطْلَاقِهِ، وَكَانَ هَذَا أَحْوَطَ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ مِنْ الزِّيَادَةِ احْتَمَلَ السُّقُوطَ فَالنُّقْصَانُ وَالرُّخْصَةُ الْوَاقِعَةُ بِالشَّرَفِ؛ لَأَنْ يَحْتَمِلَ السُّقُوطَ وَالْعَوْدَ إلَى الْكَمَالِ أَوْلَى.

وَإِذَا عَادَ لَمْ يَتَأَدَّ فِي الرَّمَضَانِ الثَّانِي وَالْأَدَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ يَكُونُ فِي الْمُوَقَّتَةِ فِي الْوَقْتِ وَفِي غَيْرِ الْمُوَقَّتَةِ أَبَدًا

ــ

[كشف الأسرار]

فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَبَقِيَ أَيْ الِاعْتِكَافُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ، بِإِطْلَاقِ الِاعْتِكَافِ أَيْ بِإِطْلَاقِ مَا يُوجِبُ الِاعْتِكَافَ، وَهُوَ النَّذْرُ السَّابِقُ عَنْ الْوَقْتِ كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَمَّا صَارَ النَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا بِزَوَالِ الْعَارِضِ وَجَبَ بِهِ الصَّوْمُ الْمَقْصُودُ وَلَمْ يَتَأَدَّ فِي الرَّمَضَانِ الثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ النَّذْرُ مُطْلَقًا ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ صَرْفَ الْوَاجِبِ إلَى الْوَاجِبِ الْآخَرِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ جَعَلُوا التَّفْوِيتَ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْعَامَّةُ جَعَلُوا النَّذْرَ السَّابِقَ بَعْدَ زَوَالِ الْعَارِضِ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَلَا يُقَالُ لَمَّا صَارَ النَّذْرُ السَّابِقُ كَالْمُطْلَقِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَارِضِ حَتَّى وَجَبَ بِهِ الصَّوْمُ الْمَقْصُودُ لَزِمَ أَنْ لَا يَتَأَدَّى بِصَوْمِ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَعْتَكِفْ ثُمَّ اعْتَكَفَ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ مُتَتَابِعًا كَمَا لَوْ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا ابْتِدَاءً، لِأَنَّا نَقُولُ امْتِنَاعُ وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي هَذَا الِاعْتِكَافِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ شَرَفِ الْوَقْتِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ اتِّصَالِهِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ فَإِنْ زَالَ شَرَفُ الْوَقْتِ لَمْ يَزَلْ الِاتِّصَالُ لِبَقَاءِ الْخُلْفِ فَيَجُوزُ لِبَقَاءِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَكَانَ هَذَا أَحْوَطَ الْوَجْهَيْنِ) قِيلَ الْوَجْهَانِ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الْأَدَاءُ وَإِيجَابُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ مَقْصُودٍ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُضِيفَ إلَى سَبَبٍ آخَرَ يَجِبُ أَنْ لَا يَلْزَمَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْفَوَاتِ وَالْأَوَّلُ يُوجِبُ الْقَضَاءَ عِنْدَ الْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ جَمِيعًا فَكَانَ أَوْلَى.

، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْوَجْهَانِ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ وَإِسْقَاطُهُ بِزَوَالِ الْوَقْتِ لِتَعَذُّرِ الِاعْتِكَافِ بِلَا صَوْمٍ وَتَعَذُّرِ إيجَابِ الصَّوْمِ بِلَا مُوجِبٍ كَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله فَإِيجَابُ الْقَضَاءِ أَحْوَطُهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ النُّقْصَانِ وَإِعَادَةَ الْوَاجِبِ إلَى صِفَةِ الْكَمَالِ بِإِيجَابِ تَبَعِهِ لِوُجُوبِهِ وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ إسْقَاطُ أَصْلِ الْوَاجِبِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ التَّبَعِ وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ هَذَا الْوَجْهِ مَعَ رِعَايَةِ الْأَصْلِ الَّذِي مَهَّدْنَاهُ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا، وَبَيَانُ الْإِمْكَانِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَثْبُتُ بِسَبَبِ شَرَفِ الْوَقْتِ لِلْعِبَادَةِ احْتَمَلَتْ السُّقُوطَ بِزَوَالِ الْوَقْتِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، فَالنُّقْصَانُ، وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الصَّوْمِ بِهِ، وَالرُّخْصَةُ الْوَاقِعَةُ بِالشَّرَفِ، وَهِيَ الِاكْتِفَاءُ بِصَوْمِ الْوَقْتِ لَأَنْ يَحْتَمِلَ السُّقُوطَ وَالْعَوْدُ إلَى الْكَمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَوْدٌ مِنْ الْكَمَالِ إلَى النُّقْصَانِ، وَهَذَا عَوْدٌ مِنْ النُّقْصَانِ إلَى الْكَمَالِ وَمِنْ الرُّخْصَةِ إلَى الْعَزِيمَةِ وَلَمَّا عَادَ إلَى الْكَمَالِ لَمْ يُتَّأَدَ فِي الرَّمَضَانِ الثَّانِي، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالنُّقْصَانُ بِالْوَاوِ وَالنَّصْبُ عَطْفًا عَلَى السُّقُوطِ وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ السُّقُوطَ حِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانُ يَرْجِعُ إلَى مَحَلِّ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ فَيَخْتَلِفُ الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُ فِي احْتَمَلَ فَيَخْتَلُّ الْكَلَامُ؛ وَلِأَنَّ السُّقُوطَ فِي قَوْلِهِ لَأَنْ يَحْتَمِلَ السُّقُوطَ رَاجِعٌ إلَى النُّقْصَانِ وَالْعَوْدُ إلَى الْكَمَالِ رَاجِعٌ إلَى الرُّخْصَةِ وَفِي عَطْفِ النُّقْصَانِ عَلَى السُّقُوطِ إبْطَالُ هَذِهِ اللَّطِيفَةِ فَكَانَتْ النُّسْخَةُ الْأُولَى أَوْلَى قَوْلُهُ (وَفِي غَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ) كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ، أَبَدًا أَيْ فِي الْعُمْرِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمْرِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْتِ فِيمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ.

، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يُوجِبُ الْفَوْرَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا، وَكَذَا عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْقَائِلِينَ بِالْفَوْرِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ أَوْقَاتِ الْإِمْكَان؛ وَإِنْ تَعَيَّنَ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنَّ بِفَوْتِهِ لَا يَصِيرُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ مَعْنَى

ص: 146

عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَحْضُ مَا يُؤَدِّيهِ الْإِنْسَانُ بِوَصْفِهِ عَلَى مَا شُرِعَ مِثْلُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فَأَمَّا فِعْلُ الْفَرْدِ فَأَدَاءٌ فِيهِ قُصُورٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَهْرَ عَنْ الْمُنْفَرِدِ سَاقِطٌ وَالشَّارِعُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْجَمَاعَةِ مُؤَدٍّ أَدَاءً مَحْضًا وَالْمَسْبُوقُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ مُؤَدٍّ أَيْضًا لَكِنَّهُ مُنْفَرِدٌ فَكَانَ قَاصِرًا وَمَنْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَهَذَا مُؤَدٍّ أَدَاءً يُشْبِهُ الْقَضَاءَ

ــ

[كشف الأسرار]

هَذَا الْأَمْرِ افْعَلْ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ؛ فَإِنْ أَخَّرْت فَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ فَيَكُونُ أَدَاءً لَا قَضَاءً، فَأَمَّا عِنْدَ الْبَاقِينَ مِنْهُمْ إذَا فَاتَ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا مَنْ شَرَطَ مِنْهُمْ الْأَمْرَ الْجَدِيدَ فِي الْقَضَاءِ شَرَطَهُ هَهُنَا كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ، عَلَى مَا تَبَيَّنَ مِنْ بَعْدُ يَعْنِي قُبَيْلَ بَابِ النَّهْيِ، وَالْمَحْضُ مِنْهُ أَيْ الْخَالِصُ الْكَامِلُ مِنْ الْأَدَاءِ، هُوَ الَّذِي يُؤَدِّيهِ الْإِنْسَانُ مُلْتَبِسًا بِوَصْفِهِ كَمَا شُرِعَ مِثْلُ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ تَوَفَّرَ عَلَيْهَا حَقُّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ وَالْآدَابِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَدَاءَ يُنْبِئُ عَنْ الِاسْتِقْصَاءِ وَشِدَّةِ الرِّعَايَةِ وَفِيهَا ذَلِكَ، وَهَذَا فِي الصَّلَاةِ الَّتِي سُنَّتْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا مِثْلُ الْمَكْتُوبَاتِ وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ وَالتَّرَاوِيحُ فَأَمَّا فِيمَا لَمْ تُسَنَّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ مِثْلُ عَامَّةِ النَّوَافِلِ وَالْوِتْرِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَالْجَمَاعَةُ فِيهَا صِفَةُ قُصُورٍ عِنْدَنَا كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ، فَأَدَاءٌ فِيهِ قُصُورٌ لِعَدَمِ وَصْفِهِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ شَرْعًا، وَهُوَ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ، الْجَهْرُ سَاقِطٌ أَيْ وُجُوبُهُ وَالْجَهْرُ صِفَةُ كَمَالٍ فِي الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ السَّجْدَةِ بِتَرْكِهِ.

، وَلَمَّا كَانَ الْأَدَاءُ مُنْقَسِمًا أَقْسَامًا ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّهُ إمَّا إنْ أُدِّيَتْ الصَّلَاةُ كُلُّهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَذَلِكَ الْبَعْضُ إمَّا إنْ كَانَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرَهُ أَعَادَ قَوْلَهُ وَالشَّارِعُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْجَمَاعَةِ أَيْ الَّذِي شُرِعَ مَعَهُ وَأَتَمَّهَا مَعَهُ مُؤَدٍّ أَدَاءً مَحْضًا أَيْ كَامِلًا لِيُبَيِّنَ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَالْمَسْبُوقُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ) أَيْ الَّذِي فَاتَهُ أَوَّلُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى أَوْ أَكْثَرُ مُؤَدٍّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهَا فِي الْوَقْتِ، لَكِنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي أَدَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيمَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ أَدَائِهِ، فَكَانَ أَيْ الْمَسْبُوقُ فِيهِ مُؤَدِّيًا أَدَاءً قَاصِرًا أَوْ فِعْلُهُ أَدَاءً قَاصِرًا وَلَكِنْ فِعْلُهُ فِي الْقُصُورِ دُونَ فِعْلِ الْمُنْفَرِدِ مِنْ وَجْهَيْنِ:، أَحَدُهُمَا: أَنَّ صِفَةَ الْجَمَاعَةِ مَوْجُودَةٌ هَهُنَا فِي الْبَعْضِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِيمَا سَبَقَ بِهِ حَتَّى لَزِمَهُ الْقِرَاءَةُ وَسُجُودُ السَّهْوِ لَوْ سَهَا فِيهِ لَكِنَّهُ مُقْتَدٍ فِيهِ بِاعْتِبَارِ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ، وَهِيَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْغَيْرِ بِهِ فَكَانَ الَّذِي صَلَّى بِغَيْرِ إمَامٍ مُنْفَرِدًا فِي الْكُلِّ أَدَاءً وَتَحْرِيمَةً وَالْمَسْبُوقُ مُنْفَرِدًا فِي الْبَعْضِ أَدَاءً لَا تَحْرِيمَةً فَكَانَ قُصُورُهُ دُونَ الْأَوَّلِ بِدَرَجَتَيْنِ قَوْلُهُ (وَمَنْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ) ثُمَّ انْتَبَهَ بَعْدَ فَرَاغِهِ.

(أَوْ أَحْدَثَ) أَيْ صَارَ مُحْدِثًا، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِاللَّاحِقِ أَيْ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَفَاتَهُ الْبَاقِي، مُؤَدٍّ أَيْ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْوَقْتِ أَدَاءً، يُشْبِهُ الْقَضَاءَ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ بِفَرَاغِهِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْجِهَةُ مُخْتَلِفَةً صَحَّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ مَعَ كَوْنِهِمَا مُتَنَافِيَيْنِ.

وَإِنَّمَا جَعَلْنَا فِعْلَهُ أَدَاءً يُشْبِهُ الْقَضَاءَ لَا عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْفِعْلِ مُؤَدٍّ وَبِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ قَاضٍ وَالْوَصْفُ تَبَعٌ، ثُمَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ فَكَانَ هُوَ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي دُونَ الْمُنْفَرِدِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ وَسُجُودُ السَّهْوِ لَوْ سَهَا كَالْمُقْتَدِي، وَكَانَ فِعْلُهُ فِي الْقُصُورِ دُونَ فِعْلِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ وَقَاضٍ صِفَةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ فَكَانَ أَدَاؤُهُ كَامِلًا بَعْضُهُ حَقِيقَةً وَبَعْضُهُ حُكْمًا، يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا مَا قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي أَيْمَانِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَسُبِقَ فِيهَا بِرَكْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى مَعَهُ رَكْعَةً فَأَمَّا الْأُخْرَى فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ مُنْفَرِدٌ لَا إمَامَ لَهُ، وَلَوْ افْتَتَحَ مَعَ

ص: 147

أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي مُسَافِرٍ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَوْ نَامَ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَدَخَلَ مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ، وَهُوَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ تَكَلَّمَ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ بَعْدُ لَمْ يَفْرُغْ أَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَسْبُوقًا صَلَّى أَرْبَعًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى

ــ

[كشف الأسرار]

الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى حَنِثَ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ الَّذِي يَقْضِي مِثْلَ مَا انْعَقَدَ لَهُ إحْرَامُ الْإِمَامِ مُقْتَدٍ بِهِ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي جَامِعِهِ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْمَسْبُوقَ قَاضِيًا بِقَوْلِهِ وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ جَعْلُهُ مُؤَدِّيًا (قُلْنَا) قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ مَكَانَ الْأُخْرَى مَجَازًا جَائِزٌ؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمَسْبُوقُ قَاضِيًا مَجَازًا لِمَا فَعَلَهُ مِنْ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ أَوْ بِاعْتِبَارِ حَالِ الْإِمَامِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي قَوْلِهِ «وَمَا فَاتَكُمْ» وَنَحْنُ إنَّمَا جَعَلْنَاهُ مُؤَدِّيًا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ رحمه الله فِي الصَّحِيحِ «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» ، أَشَارَ إلَى أَكْثَرِ هَذِهِ اللَّطَائِفِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله.

قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ) أَيْ الْمَشَايِخُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى شِبْهِ الْقَضَاءِ، فِي الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ لَا يَتَغَيَّرُ بِمُغَيِّرٍ بِحَالٍ بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَيْ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ ضَرُورَةً، فَدَخَلَ فِي مِصْرِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَيْ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِلَا خِلَافٍ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقَضَاءِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ أَيْ هَذَا الْمُسَافِرُ اللَّاحِقُ بَعْدَ وُجُودِ الْمُغَيِّرِ صَلَّى أَرْبَعًا لِزَوَالِ شِبْهِ الْقَضَاءِ بِالْخُرُوجِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَبَقَاءِ الْوَقْتِ فَيَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ، وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسَافِرٌ أَحْدَثَ فَانْفَتَلَ لِيَأْتِيَ مِصْرَهُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ أَمَامَهُ مَاءٌ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا، فَإِنْ تَكَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَزَمَ عَلَى الِانْصِرَافِ إلَى أَهْلِهِ فَقَدْ صَارَ مُقِيمًا وَبَعْدَمَا صَارَ مُقِيمًا فِي صَلَاةٍ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا فِيهَا؛ لِأَنَّ السَّفَرَ عَمَلٌ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ تَمْنَعُهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ السَّفَرِ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ لَا تَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِذَا تَكَلَّمَ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ أَمَامَهُ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ فَصَارَ مُسَافِرًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ وُجُودِ الْمُغَيِّرِ وَلَوْ تَكَلَّمَ أَيْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَسْبُوقُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ وُجُودِ الْمُغَيِّرِ سَوَاءٌ فَرَغَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَفْرُغْ تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ.

وَكَذَا اللَّاحِقُ إذَا تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَفْرُغْ إمَامُهُ، فَأَمَّا إذَا فَرَغَ إمَامُهُ ثُمَّ وَجَدَ الْمُغَيِّرَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله يُصَلِّي أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ اللَّاحِقُ بِالْمَسْبُوقِ نَظَرًا إلَى انْفِرَادِهِ حَقِيقَةً أَوْ بِالْمُقْتَدِي نَظَرًا إلَى الِاقْتِدَاءِ حُكْمًا وَالْحُكْمُ فِي صَلَاتِهِمَا أَنَّهَا تَتَغَيَّرُ بِالْمُغَيِّرِ، فَكَذَا لِلَّاحِقِ، وَأَنَّا نَقُولُ اللَّاحِقُ مَعَ كَوْنِهِ مُقْتَدِيًا لَيْسَ بِمُؤَدٍّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُجْعَلَ مُؤَدِّيًا خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَا إمَامَ لَهُ بَلْ هُوَ قَاضٍ شَيْئًا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ فِي حَقِّهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ لَكِنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ الْأَدَاءَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ إذَا فَاتَهُ الْأَدَاءُ بِعُذْرٍ وَجُعِلَ أَدَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا بِمِثْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَصَارَ اللَّاحِقُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْحَقِيقِيِّ بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي فِعْلِهِ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُغَيِّرَ لَمْ يَتَّصِلْ بِالْأَصْلِ لِانْقِضَائِهِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ مَا بَنَى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ مُنْفَرِدٌ مُؤَدٍّ شَيْئًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا الَّذِي خَلْفَ الْإِمَامِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ فِي الْحَالِ فَيَجُوزُ أَنْ تَعْمَلَ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ

ص: 148