الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا
النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ
فَيَقْتَضِي قُبْحًا لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَكِنْ مُتَّصِلًا بِهِ حَتَّى يَبْقَى الْمَنْهِيُّ مَشْرُوعًا مَعَ إطْلَاقِ النَّهْيِ وَحَقِيقَتِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بَلْ يَقْتَضِي هَذَا الْقِسْمُ قُبْحًا فِي عَيْنِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَشْرُوعًا أَصْلًا بِمَنْزِلَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ فَيَجِبُ إثْبَاتُ مَا احْتَمَلَهُ النَّهْيُ وَرَاءَ حَقِيقَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِ وَبَيَانِ هَذَا الْأَصْلِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالرِّبَا وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ عِنْدَنَا لِأَحْكَامِهَا وَعِنْدَهُ بَاطِلَةٌ مَنْسُوخَةٌ لَا حُكْمَ لَهَا
ــ
[كشف الأسرار]
عَرَفْت أَنَّهُ مَسْمُومٌ يَكُونُ الْمَنْعُ لِقُبْحٍ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ السُّمُّ لَا لِعَيْنِهِ.
[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا النَّهْيُ الْمُطْلَقُ) أَيْ عَنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ قَبِيحٌ لِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ (لَكِنْ مُتَّصِلًا بِهِ) أَيْ لَكِنْ يَقْتَضِي قُبْحًا مُتَّصِلًا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَعَ إطْلَاقِ النَّهْيِ أَيْ مَعَ كَمَالِ النَّهْيِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ كَامِلٌ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ لِلتَّحْرِيمِ لَا لِلتَّنْزِيهِ وَحَقِيقَتُهُ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِطَلَبِ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ الْعَبْدِ لَا أَنْ يَصِيرَ مَجَازًا عَنْ النَّسْخِ وَالنَّفْيِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلَيْنِ فَيَجِبُ إثْبَاتُ مَا احْتَمَلَهُ النَّهْيُ وَرَاءَ حَقِيقَتِهِ أَيْ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِ أَيْ الْأَصْلَيْنِ فَحَقِيقَتُهُ وَمُوجِبُهُ عِنْدَنَا فِي الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَثْبُتَ الْقُبْحُ فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَأَنْ يَبْقَى الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَشْرُوعًا لِيُتَصَوَّرَ امْتِنَاعُ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ وَمُحْتَمَلُهُ أَنْ يَثْبُتَ الْقُبْحُ فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَا يَبْقَى مَشْرُوعًا أَصْلًا وَيَصِيرُ النَّهْيُ مَجَازًا عَنْ النَّسْخِ فَالنَّهْيُ الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَبِيحًا لِغَيْرِهِ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ فَيَجِبُ إثْبَاتُ مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ أَصْلًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وَكَمَا فِي بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَحَقِيقَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَثْبُتَ الْقُبْحُ فِي عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَا يَبْقَى مَشْرُوعًا أَصْلًا كَمَا فِي الْفِعْلِ الْحِسِّيِّ وَمُحْتَمَلُهُ أَنْ يَثْبُتَ الْقُبْحُ فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيَبْقَى الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَشْرُوعًا كَمَا كَانَ فَالنَّهْيُ الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ أَصْلًا إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ بِصَرْفِهِ عَنْ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا لِغَيْرِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَالطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَيَجِبُ إثْبَاتُ مَا احْتَمَلَهُ النَّهْيُ وَرَاءَ حَقِيقَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِ.
وَبَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ أَيْ هَذَا الِاخْتِلَافِ يَعْنِي أَثَرَ هَذَا الِاخْتِلَافِ يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كَالْغَزَالِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا أَيْ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ جَمِيعًا اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا لُغَةً وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا اخْتَلَفُوا أَيْضًا فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ كَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَفْسِيرِ الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ تَوْضِيحًا لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ فَنَقُولُ الصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَنْ مُوَافَقَةِ أَمْرِ الشَّرْعِ بِالصَّلَاةِ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَوْ لَمْ يَجِبْ فَصَلَاةُ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ لِمُوَافَقَةِ أَمْرِ الشَّرْعِ بِالصَّلَاةِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُسْقِطَةٍ لِلْقَضَاءِ وَفِي عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ مَعْنَى الصِّحَّةِ كَوْنُ الْعَقْدِ سَبَبًا لِتَرَتُّبِ ثَمَرَاتِهِ الْمَطْلُوبَةِ عَلَيْهِ شَرْعًا كَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ وَأَمَّا الْبُطْلَانُ فَمَعْنَاهُ فِي الْعِبَادَاتِ عَدَمُ سُقُوطِ الْقَضَاءِ بِالْفِعْلِ وَفِي عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ تَخَلُّفُ الْأَحْكَامِ عَنْهَا وَخُرُوجُهَا عَنْ كَوْنِهَا أَسْبَابًا
احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ كُلِّ قِسْمٍ وَاجِبٌ لَا مَحَالَةَ إذْ الْحَقِيقَةُ أَصْلٌ فِي كُلِّ بَابٍ وَالنَّهْيُ فِي اقْتِضَاءِ الْقُبْحِ حَقِيقَةٌ كَالْأَمْرِ فِي اقْتِضَاءِ الْحُسْنِ حَقِيقَةٌ
ــ
[كشف الأسرار]
مُفِيدَةً لِلْأَحْكَامِ عَلَى مُقَابَلَةِ الصِّحَّةِ وَأَمَّا الْفَسَادُ فَيُرَادِفُ الْبُطْلَانَ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَكِلَاهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ وَعِنْدَنَا هُوَ قِسْمٌ ثَالِثٌ مُغَايِرٌ لِلصَّحِيحِ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ فِيهِ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا اسْتَجْمَعَ أَرْكَانَهُ وَشَرَائِطَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ مُعْتَبَرًا شَرْعًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَيُقَالُ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ وَصَوْمٌ صَحِيحٌ وَبَيْعٌ صَحِيحٌ إذَا وَجَدَ أَرْكَانَهُ وَشَرَائِطَهُ قَالَ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الصِّحَّةَ لَيْسَتْ بِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى التَّصَرُّفِ بَلْ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى ذَاتِهِ مِنْ وُجُودِ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ شَرْعًا وَالْفَاسِدُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا فِي نَفْسِهِ فَائِتُ الْمَعْنَى مِنْ وَجْهٍ لِمُلَازَمَةِ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ إيَّاهُ بِحُكْمِ الْحَالِ مَعَ تَصَوُّرِ الِانْفِصَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْبَاطِلُ مَا كَانَ فَائِتَ الْمَعْنَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ إمَّا لِانْعِدَامِ مَعْنَى التَّصَرُّفِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ أَوْ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةٍ لِلتَّصَرُّفِ كَبَيْعِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصِّحَّةَ عِنْدَنَا قَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُقَابَلَةِ الْفَاسِدِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مُقَابَلَةِ الْبَاطِلِ فَإِذَا حَكَمْنَا عَلَى شَيْءٍ بِالصِّحَّةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ جَمِيعًا بِخِلَافِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ أَصْلًا وَبِخِلَافِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ فَالنَّهْيُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ عِنْدَنَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ كَمَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَدَّاهُ فِيهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلِتَرَتُّبٍ الْأَحْكَامِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْفَسَادِ لُغَةً تَمَسَّكُوا بِأَنَّ السَّلَفَ فَهِمُوا الْفَسَادَ مِنْ النَّوَاهِي حَتَّى احْتَجَّ عُمَرُ رضي الله عنه فِي بُطْلَانِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221]
وَاسْتَدَلَّتْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم عَلَى فَسَادِ عُقُودِ الرِّبَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] وَبِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ» الْحَدِيثُ وَهُمْ أَرْبَابُ اللِّسَانِ فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ لُغَةً وَلِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ لُغَةً وَالنَّهْيُ يُقَابِلُهُ فَيَقْتَضِي مَا يُقَابِلُهُ الصِّحَّةَ وَهُوَ الْبُطْلَانُ لِوُجُوبِ تَقَابُلِ أَحْكَامِ الْمُتَقَابِلَاتِ وَمَنْ قَالَ بِالْفَسَادِ شَرْعًا لَا لُغَةً قَالَ لَا دَلِيلَ فِي اللَّفْظِ عَلَى الْفَسَادِ إذْ لَوْ صَرَّحَ الشَّارِعُ وَقَالَ حَرَّمْت عَلَيْك اسْتِيلَادَ جَارِيَةِ الِابْنِ وَنَهَيْتُك عَنْهُ لِعَيْنِهِ وَلَكِنْ إنْ فَعَلْت مَلَكْتهَا وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ وَحَرَّمْت عَلَيْك صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَكِنْ إنْ صُمْت خَرَجْت عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ لَمْ يَتَنَاقَضْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَرَّمْت عَلَيْك الصَّوْمَ وَأَمَرْتُك بِهِ أَوْ أَبَحْته لَك وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَمَسَّكُوا لِلْفَسَادِ بَلْ لِلتَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ شَرْعًا.
وَبَيَانُهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَالنَّهْيُ فِي اقْتِضَاءِ الْقُبْحِ حَقِيقَةٌ كَالْأَمْرِ فِي اقْتِضَاءِ الْحُسْنِ حَقِيقَةٌ يَعْنِي حَقِيقَةُ النَّهْيِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِلْقُبْحِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا كَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِلْحُسْنِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ضَرُورَةِ حُكْمٍ لِلْآمِرِ وَالنَّاهِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ نَهْيُ الشَّارِعِ لَا يَقْتَضِي الْقَبْحَ يُكَذَّبُ الْقَائِلُ كَمَا لَوْ قِيلَ أَمْرُهُ لَا يَقْتَضِي الْحُسْنَ وَصِحَّةُ تَكْذِيبِ النَّافِي مِنْ أَمَارَاتِ الْحَقِيقَةِ وَلَوْ نَصَبْت حَقِيقَتَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ الْقُبْحِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ النَّهْيَ فِي اقْتِضَاءِ الْقُبْحِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَالْأَمْرِ فِي اقْتِضَاءِ الْحُسْنِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَاتِ
ثُمَّ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَاجِبٌ حَتَّى كَانَ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَكَذَلِكَ النَّهْيُ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ الْقَاصِرَ وَالْكَمَالُ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ فِيمَا قُلْنَا فَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي الْأَصْلِ قَبِيحًا فِي الْوَصْفِ يَجْعَلُهُ مَجَازًا فِي الْأَصْلِ حَقِيقَةً فِي الْوَصْفِ وَهَذَا عَكْسُ الْحَقِيقَةِ وَقَلْبُ الْأَصْلِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ كَانَ لِتَخْرِيجِ الْفُرُوعِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْعَدِمَ الْمَشْرُوعُ بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ وَالثَّانِي أَنْ يَنْعَدِمَ بِحُكْمِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ ضَرُورَاتِ كَوْنِ التَّصَرُّفِ مَشْرُوعًا أَنْ يَكُونَ مَرَضِيًّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] وَلِلْمَشْرُوعَاتِ دَرَجَاتٌ وَأَدْنَاهَا أَنْ تَكُونَ مَرْضِيَّةً وَكَوْنُ الْفِعْلِ قَبِيحًا مَنْهِيًّا يُنَافِي هَذَا الْوَصْفَ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْمَشِيئَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ كَالْكُفْرِ، وَسَائِرِ الْمَعَاصِي فَإِنَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقَضَاءِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ تُوجَدُ لَا بِرِضَاهُ
ــ
[كشف الأسرار]
الْمَأْمُورِ بِهِ يَكُونُ تَعَسُّفًا لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَأْبَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَالْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْحَسَنِ وَاجِبٌ.
ثُمَّ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَاجِبٌ حَتَّى إنَّ مُطْلَقَهُ يَقْتَضِي حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ لِعَيْنِهِ لَا لِغَيْرِهِ وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ رَاجِعٌ إلَى مَفْهُومٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْأَمْرِ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ كَالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَالْحُدُودِ فَكَذَلِكَ النَّهْيُ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ أَيْ فَكَالْأَمْرِ النَّهْيُ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ قُبْحٌ لِعَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا لِغَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ
1 -
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَأْثِيرِ مَا ذُكِرَ فَقَالَ وَهَذَا أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ قُبْحًا فِي عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ إذْ النَّاقِصُ مَوْجُودٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَمَعَ شُبْهَةِ الْعَدَمِ لَا يَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْوُجُودِ وَالْكَمَالِ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي جَانِبِ الْحَسَنِ فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي الْأَصْلِ قَبِيحًا فِي الْوَصْفِ يَجْعَلُهُ مَجَازًا فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْأَصْلَ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّ النَّهْيَ أُضِيفَ إلَيْهِ حَقِيقَةً فِي الْوَصْفِ أَيْ يَجْعَلُ النَّهْيَ حَقِيقَةً فِي الْوَصْفِ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ وَهَذَا عَكْسُ الْحَقِيقَةِ أَيْ عَكْسُ مَا يَقْتَضِيهِ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ النَّهْيِ وَمُقْتَضَاهُ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ النَّهْيُ وَأَنْ لَا يَثْبُتَ فِيمَا لَمْ يُضَفْ إلَيْهِ فَمَتَى ثَبَتَ مُقْتَضَاهُ فِيمَا لَمْ يُضَفْ إلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ كَانَ عَكْسَ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ مَا لَمْ يُوجِبْهُ الْكَلَامُ وَإِبْطَالُ مَا أَوْجَبَهُ وَقَلْبُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْوَصْفَ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ وَفِيمَا قَالُوا يَصِيرُ الْأَصْلُ تَابِعًا لِلْوَصْفِ فِي صِحَّةِ إضَافَةِ النَّهْيِ إلَيْهِ إذْ لَوْلَا الْوَصْفُ لَمْ يَصِحَّ إضَافَةُ النَّهْيِ إلَيْهِ وَهُوَ فِي التَّحْقِيقِ مُرَادِفٌ لِلْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ) وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ بِحَقِيقَتِهِ يَقْتَضِي الْقُبْحَ فِي عَيْنِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ كَانَ لِتَخْرِيجِ الْفُرُوعِ وَهُوَ خُرُوجُ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَنْهِيَّةِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْعَدِمَ مَشْرُوعِيَّتُهَا بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ أَيْ بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ الْقُبْحُ أَوْ بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّهُ لِمَا اقْتَضَى الْقُبْحَ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ مَعَ بَقَاءِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَكَانَ انْتِفَاؤُهَا بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ أَيْضًا كَثُبُوتِ الْقُبْحِ وَالثَّانِي أَنْ تَنْعَدِمَ بِحُكْمِ النَّهْيِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ إذْ الْمُقْتَضِي يَتَقَدَّمُ عَلَى النَّصِّ لِصِحَّتِهِ وَالْحُكْمُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَيْ بَيَانُ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ الْقُبْحُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِالنَّهْيِ لَزِمَ أَنْ لَا يَبْقَى مَشْرُوعًا لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الشَّيْءِ مَشْرُوعًا أَنْ يَكُونَ مَرَضِيًّا بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] أَيْ بَيَّنَ وَأَوْضَحَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا أَمَرَ بِهِ نُوحًا وَالتَّوْصِيَةُ الْأَمْرُ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ وَشَرْعُ الشَّارِعِ ذَاتُهُ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ الْمَشْرُوعِ مَرَضِيًّا فَكَيْفَ إذَا كَانَ مِمَّا وَصَّى بِهِ الْأَنْبِيَاءَ عليهم السلام وَالتَّمَسُّكُ بِالْآيَةِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الدِّينِ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ فَأَمَّا الْمُرَادُ مِنْهُ لَوْ كَانَ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ وَمَا لَا يَجْرِي فِيهِ النَّسْخُ مِنْ الشَّرَائِعِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَهْلُ التَّفْسِيرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ
{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] إذْ هِيَ أَنْ الْمُفَسِّرَةُ بِمَعْنَى أَيْ فَكَانَ تَفْسِيرًا لِمَا وَصَّى بِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهَا تَدُلُّ " ح " عَلَى أَنَّ سِوَى مَا ذَكَرْنَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ تَسَاهَلَ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ شَرْعَ الشَّيْءِ اسْتِعْبَادٌ
فَصَارَ النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ نَسْخًا بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ السَّابِقُ وَالثَّانِي أَنَّ مِنْ حُكْمِ النَّهْيِ وُجُوبَ الِانْتِهَاءِ وَأَنْ يَصِيرَ الْفِعْلُ عَلَى خِلَافِ مُوجَبِهِ مَعْصِيَةً هَذَا مُوجَبُ حَقِيقَتِهِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا وَطَاعَةً تَضَادٌّ وَتَنَافٍ وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا لِأَنَّهَا شُرِعَتْ نِعْمَةً تُلْحَقُ بِهَا الْأَجْنَبِيَّةُ بِالْأُمَّهَاتِ وَالزِّنَا حَرَامٌ مَحْضٌ فَلَمْ يَصْلُحْ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ نِعْمَةٌ
ــ
[كشف الأسرار]
مِنْ الشَّارِعِ لِعِبَادِهِ يُوضَعُ طَرِيقٌ يُصَلُّونَ بِسُلُوكِهِ إلَى السَّعَادَةِ الْعُظْمَى وَهِيَ رِضَاءُ اللَّهِ سبحانه وتعالى فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَرْضِيًّا لَهُ لِيَصْلُحَ لِلْعَبْدِ رِضَاهُ بِسُلُوكِهِ قَالَ تَعَالَى {رضي الله عنهم} [التوبة: 100]{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ} [التوبة: 21]{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72] وَالْقَبِيحُ لِذَاتِهِ لَا يَكُونُ مَرْضِيًّا لِلْحَكِيمِ الْعَلِيمِ فَثَبَتَ أَنَّ بَيْنَ الْقُبْحِ وَبَيْنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ تَنَافِيًا وَقَدْ ثَبَتَ الْقُبْحُ بِالنَّهْيِ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَنْتَفِي الْمَشْرُوعِيَّةُ ضَرُورَةً قَوْلُهُ (فَصَارَ النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ نَسْخًا) أَيْ بَيَانًا لِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الْمَشْرُوعِيَّةِ فِيهَا بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ السَّابِقُ يَعْنِي إنَّمَا صَارَ النَّهْيُ نَسْخًا بِمَا اقْتَضَاهُ النَّهْيُ وَهُوَ الْقُبْحُ وَالْحُرْمَةُ وَهَذَا لِأَنَّ النَّهْيَ مَعَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لَا يَصِحُّ فَيُثْبِتُ الْقُبْحَ وَالْحُرْمَةَ سَابِقَيْنِ عَلَى النَّهْيِ لِيَصِحَّ النَّهْيُ فَصَارَ كَأَنَّ النَّاهِيَ قَالَ حَرَّمْت عَلَيْك هَذَا الْفِعْلَ فَلَا تَفْعَلُوا فَيَصِيرُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ التَّحْرِيمُ سَابِقًا عَلَى النَّهْيِ ضَرُورَةً كَذَا فِي فَوَائِدِ مَوْلَانَا الْعَلَّامَةِ حَمِيدِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ رحمه الله
1 -
(قَوْلُهُ وَالثَّانِي) أَيْ الطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ انْتِفَاءُ الْمَشْرُوعِيَّةِ بِحُكْمِ النَّهْيِ هُوَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ النَّهْيِ وُجُوبَ الِانْتِهَاءِ وَصَيْرُورَةَ الْفِعْلِ عَلَى خِلَافِ مُوجِبِهِ وَهُوَ تَرْكُ الِانْتِهَاءِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ مَعْصِيَةً وَبَيْنَ كَوْنِهِ أَيْ كَوْنِ الْفِعْلِ مَعْصِيَةً وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا كَمَا إذَا كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ كَعَقْدِ الرِّبَا وَطَاعَةً كَمَا إذَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ تَضَادٌّ وَتَنَافِي التَّضَادِّ رَاجِعٌ إلَى كَوْنِهِ طَاعَةً وَمَعْصِيَةً وَالتَّنَافِي رَاجِعٌ إلَى كَوْنِهِ مَشْرُوعًا وَمَعْصِيَةً مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ أَمَّا التَّضَادُّ بَيْنَ الْمَعْصِيَةِ وَالطَّاعَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُمَا أَمْرَانِ وُجُودِيَّانِ بَيْنَهُمَا غَايَةُ الْخِلَافِ.
وَأَمَّا التَّنَافِي بَيْنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالْمَعْصِيَةِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ مَشْرُوعًا لَا يَكُونُ مَعْصِيَةً أَلْبَتَّةَ وَبَيْنَ اللَّامَعْصِيَةِ وَالْمَعْصِيَةِ تَنَافٍ ثُمَّ شَرَعَ فِي تَخْرِيجِ الْفُرُوعِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بَعْدَ تَمْهِيدِهِ وَالْجَوَابُ عَمَّا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ وَلِهَذَا أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي قُبْحَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَانْتِفَاءَ مَشْرُوعِيَّتِهِ لَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَهِيَ حُرْمَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى آبَاءِ الرَّجُلِ وَإِنْ عَلَوَا وَعَلَى أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَحُرْمَةُ أُمَّهَاتِهَا وَإِنْ عَلَوْنَ وَبَنَاتِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ عَلَى الرَّجُل بِالزِّنَا لِأَنَّ الْمُصَاهَرَةَ شُرِعَتْ نِعْمَةً وَكَرَامَةً كَالنَّسَبِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ كَرَامَةً لِبَنِي آدَمَ اخْتَصُّوا بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَتَعَلَّقَ بِهِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْكَرَامَاتِ مِنْ الْحَضَانَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ وَالْوِلَايَاتِ وَكَذَا حُرْمَةُ النِّكَاحِ ثَبَتَتْ كَرَامَةً صِيَانَةً لِلْمَحَارِمِ عَنْ الِاسْتِذْلَالِ بِالنِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ ضَرْبُ اسْتِرْقَاقٍ وَلِهَذَا تَعَلَّقَتْ بِأَسْمَاءٍ تُنْبِئُ عَنْ الْكَرَامَةِ نَحْوُ اسْمِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ فَأُلْحِقَتْ أُمُّ الْمَرْأَةِ وَابْنَتُهَا بِالْمَحَارِمِ بِالنَّصِّ فَكَانَ ثُبُوتُ هَذِهِ الْحُرْمَةِ نِعْمَةً وَكَرَامَةً وَأَشَارَ الشَّيْخُ إلَى مَعْنَى النِّعْمَةِ بِقَوْلِهِ تُلْحَقُ بِهَا أَيْ بِهَذِهِ الْحُرْمَةِ الْأَجْنَبِيَّةُ بِالْأُمَّهَاتِ حَتَّى حَلَّتْ الْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ وَالنَّظَرُ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّسَبِ وَمَنَّ بِهِمَا عَلَيْنَا فَقَالَ.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] أَيْ ذَا نَسَبٍ وَذَا صِهْرٍ وَالصِّهْرُ حُرْمَةُ الْخُتُونَةِ وَقِيلَ خَلْطَةٌ تُشْبِهُ الْقَرَابَةَ فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا نِعْمَةٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِمَا هُوَ حَرَامٌ مَحْضٌ وَهُوَ الزِّنَا لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ نِعْمَةٌ كَاللِّوَاطَةِ وَوَطْءِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْحُكْمِ لَا يُقَالُ أَهِنْ الْعَالِمَ وَأَعِزَّ الْجَاهِلَ لِأَنَّ الْإِهَانَةَ لَا تُنَاسِبُ الْعَالِمَ كَمَا أَنَّ الْإِعْزَازَ لَا يُلَائِمُ الْجَاهِلَ
وَكَذَلِكَ الْغَصْبُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِمَا قُلْنَا وَلَا يَلْزَمُ إذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ أَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا أَنَّهُ يَبْقَى مَشْرُوعًا مَعَ كَوْنِهِ فَاسِدًا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَنْهِيٌّ لِمَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ غَيْرُهُ لَا مَحَالَةَ لَكِنَّهُ مَحْظُورُهُ فَصَارَ مُفْسِدًا وَالْإِحْرَامُ لَازِمٌ شَرْعًا لَا يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ بِاخْتِيَارِ الْعِبَادِ فَفَسَدَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ بِجِنَايَةِ الْجَانِي، وَكَلَامُنَا فِيمَا يَنْعَدِمُ شَرْعًا لَا فِيمَا لَا يَنْقَطِعُ بِجِنَايَةِ الْجَانِي
ــ
[كشف الأسرار]
وَلَا مُنَاسَبَةَ هُنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ مَحْضٌ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْعُقُوبَاتِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ الْمَشْرُوعِ مِنْ لُزُومِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَهَذَا مَعْنَى مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ رُجِمْت عَلَيْهِ وَالنِّكَاحُ أَمْرٌ حُمِدْت عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ أَحَدُهُمَا عَمَلَ الْآخَرِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا تَعَلُّقُ وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ وَفَسَادِ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ بِهِ مَعَ أَنَّهَا أَحْكَامٌ مَشْرُوعَةٌ لِأَنَّا عَلَّلْنَا لِمَنْعِ ثُبُوتِ مَا هُوَ نِعْمَةٌ وَكَرَامَةٌ وَبِهِ وَالِاغْتِسَالُ شُرِعَ لِلتَّطْهِيرِ وَزَوَالِ النَّجَاسَةِ وَهِيَ فِي الزِّنَا مَوْجُودَةٌ بَلْ أَشَدُّ فَكَانَ أَوْلَى بِإِيجَابِ الِاغْتِسَالِ وَكَذَلِكَ فَسَادُ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ بِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ فَيَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالزِّنَا وَاحْتَرَزَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ حَرَامٌ عَنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ كَوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَبِقَوْلِهِ مَحْضٌ عَنْ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ كَالْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبِمَا إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا وَوَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ وَوَطِئَ الرَّجُلُ أَمَةَ ابْنِهِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِيهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ مَحْضٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ هَذِهِ الْحُرْمَةُ كَمَا يَثْبُتُ بَعْضُ أَحْكَامِ الْوَطْءِ الْمَشْرُوعِ مِثْلَ سُقُوطِ الْحَدِّ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَتَأْيِيدُ مَا ذَكَرْنَا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّنْ تَتَبَّعَ امْرَأَةً حَرَامًا أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا وَابْنَتَهَا فَقَالَ الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ» وَبِمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ غَشِيَ أُمَّ امْرَأَتِهِ هَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَقَالَ لَا الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ.
وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَيْضًا قَوْلُهُ (وَكَذَا الْغَصْبُ) إذَا غَصَبَ شَيْئًا وَقَضَى الْقَاضِي بِالضَّمَانِ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ أَصْلًا وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي مِلْكِ الْأَكْسَابِ وَنُفُوذِ الْبَيْعِ وَوُجُوبِ الْكَفَنِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا مَاتَ الْمَغْصُوبُ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ الْغَصْبَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ نِعْمَةٌ وَكَرَامَةٌ يَصِلُ بِهِ إلَى مَقَاصِدِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَيَتَعَلَّقُ بِسَبَبٍ مَشْرُوعٍ لَا مَحْظُورٍ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ سَبَبٌ لِلْعُقُوبَةِ لَا لِلْكَرَامَةِ وَالنِّعْمَة أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَكُونَ الْكَفَنُ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ كَذَلِكَ هَهُنَا بِخِلَافِ وُجُوبِ الضَّمَانِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْغَرَامَةِ عَلَى الْجَانِي وَالْمِلْكُ فِي الضَّمَانِ إنَّمَا يَقَعُ لِلْمَالِكِ لَا بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ وَلَكِنْ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ بِنَاءَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الزِّنَا وَالْغَصْبَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ وَنَحْنُ إنَّمَا جَعَلْنَاهُمَا سَبَبَيْنِ لِلْحُرْمَةِ وَالْمِلْكِ لَا لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فِيهِمَا بَلْ لِمَا نَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ وَكَلَامُنَا فِي النَّهْيِ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ بِنَاؤُهُمَا عَلَيْهِ إلَّا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْمَشْرُوعِيَّةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ شَرْعِيًّا أَوْ حِسِّيًّا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ) أَيْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمَشْرُوعِ يُوجِبُ فَسَادَهُ وَقُبْحَهُ وَمَعَ صِفَةِ الْفَسَادِ لَا تَبْقَى الْمَشْرُوعِيَّةُ إنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ
وَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الضَّرَرُ بِالْمَرْأَةِ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ أَوْ بِتَلْبِيسِ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا
ــ
[كشف الأسرار]
يَفْسُدُ حَجُّهُ وَإِحْرَامُهُ وَيَبْقَى مَعَ صِفَةِ الْفَسَادِ حَتَّى لَزِمَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ لِيَخْرُجَ عَنْ هَذَا الْإِحْرَامِ وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا لِأَهْلِهِ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِصِفَةِ الْفَسَادِ مَعَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ النَّهْيَ وَالْفَسَادَ لَا يُنَافِي الشَّرْعِيَّةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأَخِيرَةَ لِأَنَّهُ لَوْ أَجَابَ عَنْ الْأُولَى بِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَدْ انْعَقَدَ صَحِيحًا وَهُوَ لَازِمٌ لَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ أَوْ بِالدَّمِ عِنْدَ الْإِحْصَارِ فَلَا يُؤَثِّرُ الْمُفْسِدُ فِي رَفْعِهِ صُورَةً وَإِنْ أَثَّرَ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ فِيهَا مُقَارِنٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الِانْعِقَادِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيُجِيبَ عَنْهُمَا بِجَوَابٍ يَشْمَلُهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْجِمَاعَ غَيْرُ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ بِوَصْفٍ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْجِمَاعَ فِعْلٌ وَالْإِحْرَامُ قَوْلٌ وَالْفِعْلُ لَا يَصِيرُ مِنْ أَوْصَافِ الْقَوْلِ لَكِنَّهُ يُوجَدُ مَعَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاوَرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَكَانَ النَّهْيُ عَنْ الْإِحْرَامِ مُجَامِعًا نَهْيًا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ مُتَّصِلٍ بِهِ وَصْفًا فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَلَمْ يُوجِبْ إعْدَامَهُ فَانْعَقَدَ صَحِيحًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْإِحْرَامَ يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالشُّرُوعُ فِي الْفَاسِدِ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ بِحَالٍ كَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ فَسَدَ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْسُدَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ لِأَجْلِهِ هُوَ الْجِمَاعُ مُجَاوِرٌ لَا مُتَّصِلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَكِنَّهُ مَحْظُورُهُ كَالْكَلَامِ لِلصَّلَاةِ وَالْحَدَثِ لِلطَّهَارَةِ فَفَسَدَ لِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ كَمَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ بِهِ فَهَذَا مَعْنَى اسْتِدْرَاكِ الشَّيْخِ فِي قَوْلِهِ لَكِنَّهُ مَحْظُورُهُ فَصَارَ مُفْسِدًا وَلَا يُقَالُ لَمَّا كَانَ الْجِمَاعُ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ حَتَّى أَفْسَدَهُ لَزِمَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الِانْعِقَادِ إذْ الْمَنْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يُوصَفُ الْجِمَاعُ بِكَوْنِهِ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِحْرَامِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الشَّيْءَ مَا لَمْ يُوجَدْ لَا يُوصَفُ بِأَنَّ لَهُ مَحْظُورٌ فَلَمْ يَكُنْ الْجِمَاعُ الْمُقَارِنُ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الِانْعِقَادِ فَإِذَا دَاوَمَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا انْعَقَدَ الْإِحْرَامُ صَارَ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ فَأَفْسَدَهُ كَمَا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْقَى بَعْدَمَا فَسَدَ غَيْرَ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَازِمٌ شَرْعًا لَا يَحْتَمِلُ الْبَعْضَ بِالْأَسْبَابِ النَّاقِصَةِ مِنْ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَأَثَّرَ الْمُفْسِدُ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ فَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ ضَرُورَةً لِيَخْرُجَ عَنْهُ بِالْأَدَاءِ كَمَا شُرِعَ وَبَابُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنًى عَنْ الْقَوَاعِدِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ النَّهْيَ وَفِي وَضْعِهِ لِرَفْعِ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَيُؤَثِّرُ فِيمَا يَقْبَلُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ بِمَانِعٍ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَقَائِقِ.
وَذَكَرْنَا فِي الْقَوَاطِعِ أَنَّ انْعِقَادَهُ عَلَى الْفَسَادِ وَإِلْزَامَهُ أَفْعَالَهُ يَجْرِي مَجْرَى نَوْعِ مُعَاقَبَةٍ مِنْ الشَّرْعِ وَالْمُؤَاخَذَاتُ مِنْ الشَّرْعِ عَلَى أَنْوَاعٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِلْزَامُ وَإِبْقَاءُ الْمَرْءِ فِي عَهْدِهِ أَفْعَالُ الْحَجِّ لِيَفْعَلَهَا وَلَا يَسْقُطُ بِهَا الْحَجُّ عَنْ ذِمَّتِهِ وَلَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهَا نَوْعُ مُعَاقَبَةٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ لِارْتِكَابِهِ النَّهْيَ وَفِعْلِهِ الْحَجَّ عَلَى وَجْهِ الْمَعْصِيَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ بِجِنَايَةِ الْجَانِي
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ) أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَكَذَا الطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ حَتَّى كَانَ وَاقِعًا مُوجِبًا لِحُكْمٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِهِ وَصْفًا وَذَلِكَ
وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلرُّخْصَةِ لِلنَّهْيِ وَلَا يَمْلِكُ الْكَافِرُ مَالَ الْمُسْلِمِ بِالِاسْتِيلَاءِ لِلنَّهْيِ أَيْضًا فَلَمْ يَصْلُحْ سَبَبًا مَشْرُوعًا وَلَا يَلْزَمُ الظِّهَارُ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي حُكْمٍ مَطْلُوبٍ تَعَلَّقَ بِسَبَبٍ مَشْرُوعٍ لَهُ لِيَبْقَى سَبَبًا وَالْحُكْمُ بِهِ مَشْرُوعًا مَعَ وُقُوعِ النَّهْيِ عَلَيْهِ فَأَمَّا مَا هُوَ حَرَامٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ تَعَلَّقَ بِهِ جَزَاءٌ زَاجِرٌ عَنْهُ فَيَعْتَمِدُ حُرْمَةَ سَبَبِهِ كَالْقِصَاصِ لَيْسَ بِحُكْمٍ مَطْلُوبٍ بِسَبَبٍ مَشْرُوعٍ بَلْ جَزَاءٍ شُرِعَ زَاجِرًا فَاعْتَمَدَ حُرْمَةَ سَبَبِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
الْمَعْنَى فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ هُوَ الْإِضْرَارُ بِالْمَرْأَةِ مِنْ حَيْثُ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَإِنَّ الْحَيْضَةَ الَّتِي أَوْقَعَ فِيهَا الطَّلَاقَ لَيْسَتْ بِمَحْسُوبَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ عِنْدِي الِاعْتِدَادَ بِالْأَطْهَارِ لَا بِالْحِيَضِ وَعِنْدَكُمْ لَا يَحْتَسِبُ هَذِهِ الْحَيْضَةَ مِنْ حِيَضِ الْعِدَّةِ لِانْتِقَاضِهَا وَلِهَذَا لَا يُحَرِّمُ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الضِّرَارِ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا إشَارَةٌ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] وَفِي الطَّلَاقِ فِي طُهْرِ الْجِمَاعِ هُوَ تَلْبِيسُ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي أَنَّ الْوَطْءَ مُعَلَّقٌ فَيُعْتَدُّ بِالْحَبَلِ أَوْ غَيْرُ مُعَلَّقٍ فَيُعْتَدُّ بِالْإِقْرَارِ وَالْحَامِلُ قَدْ تَحِيضُ عَلَى أَصْلِيٍّ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّزَوُّجِ.
وَكَذَا تَلْبِيسُ أَمْرِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا وَجَبَ لَهَا النَّفَقَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلَوْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عِنْدَهُ فَتَشُكُّ فِي طَلَبِ النَّفَقَةِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِمَا قُلْنَا إنَّ النَّهْيَ يَنْفِي الْمَشْرُوعِيَّةَ لَمْ يَكُنْ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ أَيْ السَّفَرُ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةٌ كَسَفَرِ الْآبِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْبَاغِي سَبَبًا لِلرُّخْصَةِ لِلنَّهْيِ أَيْ لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ شَرْعًا يَعْنِي لَمَّا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَانَ مَعْصِيَةً وَالرُّخْصَةُ نِعْمَةٌ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عِنْدَ السَّيْرِ الْمَدِيدِ فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مَشْرُوعًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَعْصِيَةِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُ الْكَافِرُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ إذْ هُوَ بَيَانُ شَرْعٍ أَيْ لَا يَكُونُ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا وَلَا يَمْلِكُ الْكَافِرُ مَالَ الْمُسْلِمِ بِالِاسْتِيلَاءِ أَيْ بِالِاسْتِيلَاءِ التَّامِّ الْمُطْلَقِ وَذَلِكَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ مَا دَامُوا فِي دَارِنَا كَانُوا مَقْهُورِينَ حُكْمًا وَلَا يَتِمُّ الِاسْتِيلَاءُ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمُلْكِ بِالِاتِّفَاقِ لِلنَّهْيِ أَيْضًا أَيْ لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ شَرْعًا كَالسَّفَرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ مُحْتَرَمٍ فَيَكُونُ حَرَامًا مَنْهِيًّا عَنْهُ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَجْمَعَ وَعَلَى أَصْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ وَالْمَنَاهِي وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ كَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِنَا وَكَاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَى هَذَا الْمَالِ وَيَرُدُّ مَا قُلْنَا فِي مَسْأَلَتَيْ الزِّنَا وَالْغَصْبِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ) أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الظِّهَارُ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مَحْظُورٌ.
وَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ الَّتِي هِيَ عِبَادَةٌ وَلَمْ يَنْعَدِمْ بِالنَّهْيِ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ التَّصَرُّفِ الْمَوْضُوعِ لِحُكْمٍ مَطْلُوبٍ شَرْعًا وَالظِّهَارُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ مَوْضُوعٍ لِحُكْمٍ مَطْلُوبٍ شَرْعًا بَلْ هُوَ حَرَامٌ فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا وَجَبَتْ جَزَاءً لِتِلْكَ الْجَرِيمَةِ وَثُبُوتُ وَصْفِ الْخَطَرِ فِي السَّبَبِ لِلْجَزَاءِ لَا يُخْرِجُ السَّبَبَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِإِيجَابِ الْجَزَاءِ بَلْ يُحَقِّقُهُ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ مَحْظُورٌ مَحْضٌ وَمَعَ ذَلِكَ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ وَثُبُوتُ وَصْفِ الْحَظْرِ فِيهِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِإِيجَابِهِ فَكَذَا فِي الظِّهَارِ وَلَنَا مَا احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي بَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إذَا طَلَّقَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَالَ أَنَهَانَا عَمَّا يَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ وَالنَّهْيُ عَمَّا لَا يَكُونُ لَغْوٌ لَا يُقَالُ لِلْأَعْمَى لَا تُبْصِرْ وَلِلْآدَمِيِّ لَا تَطِرْ.
وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَلَى عِبَادَهُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِمْ فَمَنْ أَطَاعَهُ بِالِائْتِمَارِ بِمَا أَمَرَ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى بِاخْتِيَارِهِ نَالَ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وَمَنْ عَصَاهُ بِتَرْكِ الِائْتِمَارِ وَالِانْتِهَاءِ اسْتَحَقَّ النَّارَ بِعَدْلِهِ وَالِابْتِلَاءُ بِالنَّهْيِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ
وَلَنَا مَا احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ صِيَامَ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَنْهِيٌّ وَالنَّهْيُ لَا يَقَعُ عَلَى مَا لَا يَتَكَوَّنُ وَبَيَانُهُ أَنَّ النَّهْيَ يُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْفِعْلِ مُضَافًا إلَى اخْتِيَارِ الْعِبَادِ وَكَسْبِهِمْ فَيُعْتَمَدُ تَصَوُّرُهُ لِيَكُونَ الْعَبْدُ مُبْتَلًى بَيْنَ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيُثَابَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيَلْزَمَهُ جَزَاؤُهُ وَالنَّسْخُ لِإِعْدَامِ الشَّيْءِ شَرْعًا لِيَنْعَدِمَ فِعْلُ الْعَبْدِ لِعَدَمِ الْمَشْرُوعِ بِنَفْسِهِ لِيَصِيرَ امْتِنَاعُهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِهِ وَفِي النَّهْيِ يَكُونُ عَدَمُهُ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِهِ وَهُمَا فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ فَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بِحَالٍ وَالْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ فِي النَّهْيِ مَا ذَكَرْنَا
ــ
[كشف الأسرار]
بِحَيْثُ لَوْ أَقْدَم عَلَيْهِ يُوجَدُ حَتَّى يَبْقَى الْعَبْدُ مُبْتَلًى بَيْنَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْفِعْلِ فَيُعَاقَبُ أَوْ يَكُفُّ عَنْهُ فَيُثَابُ بِامْتِنَاعِهِ مُخْتَارًا عَنْ تَحْقِيقِ الْفِعْلِ لِلنَّهْيِ فَيَكُونُ عَدَمُ الْفِعْلِ مُضَافًا إلَى كَسْبِهِ وَاخْتِيَارِهِ هَذَا مُوجِبُ حَقِيقَةِ النَّهْيِ وَأَمَّا النَّسْخُ فَلِبَيَانِ أَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَبْقَ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ شَرْعًا كَالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحِلِّ الْأَخَوَاتِ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا أَصْلًا وَصَارَ بَاطِلًا شَرْعًا فَامْتِنَاعُ الْعَبْدِ عَنْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِهِ فِي نَفْسِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا لَا يُثَابُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي الْمَنْسُوخِ.
نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مَعَ الْقُدْرَةِ يُثَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَدَمَ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِهِ وَكَسْبِهِ وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُهَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِهَا ثُمَّ النَّهْيُ كَمَا يُوجِبُ تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ يَقْتَضِي قُبْحَهُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ التَّرْجِيحُ فَفِي الْفِعْلِ الْحِسِّيِّ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ بِسَبَبِ الْقُبْحِ فَأَمَّا الْفِعْلُ الشَّرْعِيُّ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْقُبْحِ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ ثُمَّ إمَّا أَنْ يُرَجِّحَ جَانِبَ الْقُبْحِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ أَوْ جَانِبَ التَّصَوُّرِ فَقُلْنَا تَرْجِيحُ جَانِبِ التَّصَوُّرِ أَوْلَى مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ التَّصَوُّرَ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلنَّهْيِ لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا أَمَّا لُغَةً فَلِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لَازِمُهُ انْتَهَى يُقَالُ نَهَيْته فَانْتَهَى كَمَا يُقَالُ أَمَرْته فَائْتَمَرَ وَالِائْتِمَارُ وَالِامْتِنَاعُ وَاحِدٌ أَمَّا عُرْفًا فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَقْبَحُ أَنْ يُقَالَ لِلْأَعْمَى لَا تَبْصُرُ وَلِلْإِنْسَانِ لَا تَطِرْ وَأَمَّا شَرْعًا فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَحَقُّقَ الِابْتِلَاءِ بِهِ وَالْقُبْحِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَا وُجُودَ لِحَقِيقَتِهِ بِدُونِهِ شَرْعًا وَعُرْفًا وَلُغَةً أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا هُوَ دُونَهُ وَهُوَ ثَابِتٌ شَرْعًا لَا لُغَةً وَثَانِيهَا أَنَّ مَعَ اعْتِبَارِ جَانِبِ التَّصَوُّرِ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ جَانِبِ الْقُبْحِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ الْقُبْحُ رَاجِعًا إلَى الْوَصْفِ فَكَانَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ وَجْهٍ وَمَعَ اعْتِبَارِ جَانِبِ الْقُبْحِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ جَانِبِ التَّصَوُّرِ بِوَجْهٍ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَثَالِثُهَا أَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ الْقُبْحِ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِيقَةِ النَّهْيِ لِأَنَّهُ " ح " يَصِيرُ نَسْخًا وَهُوَ غَيْرُ النَّهْيِ حَدًّا وَحَقِيقَةً وَفِي إبْطَالِهِ إبْطَالُ الْقُبْحِ الَّذِي ثَبَتَ مُقْتَضَى بِهِ لِأَنَّ فِي إبْطَالِ الْمُقْتَضَى إبْطَالَ الْمُقْتَضِي ضَرُورَةً فَكَانَ اعْتِبَارُ الْقُبْحِ وَإِثْبَاتُهُ فِي عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَائِدًا عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَيْسَ فِي اعْتِبَارِ جَانِبِ التَّصَوُّرِ ذَلِكَ وَفِيهِ تَحْقِيقُ النَّهْيِ مَعَ رِعَايَةِ مُقْتَضَاهُ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى.
ثُمَّ إنَّكَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَمْرِ الشَّارِعِ وَنَهْيِهِ وُجُوبُ الِائْتِمَارِ وَوُجُوبُ الِانْتِهَاءِ لَا وُجُودُ الْفِعْلِ وَعَدَمُهُ لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْمُرَادِ عَنْ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ يُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْفِعْلِ يُطْلَبُ بِهِ عَدَمُهُ أَوْ يُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْفِعْلِ فِي وَضْعِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّهُ صَادِرٌ مَنْ الشَّارِعِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْفِعْلِ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ الِامْتِنَاعَ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَأَمَّا فِي حَقِّ الْكُلِّ فَالْمُرَادُ مِنْ النَّهْيِ إيجَابُ الِانْتِهَاءِ لَا حُصُولُهُ وَمِنْ الْأَمْرِ إيجَابُ الِائْتِمَارِ لَا غَيْرُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ.
قَوْلُهُ (وَهُمَا فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ) أَيْ كَوْنُ الِامْتِنَاعِ عَنْ الشَّيْءِ مَبْنِيًّا عَلَى عَدَمِهِ مَعَ كَوْنِ عَدَمِ الشَّيْءِ مَبْنِيًّا عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ مُتَنَاقِضَانِ أَيْ مُخَالِفَانِ وَأَنَّهُمْ قَدْ يُطْلِقُونَ التَّضَادَّ وَالتَّنَافِي وَالتَّنَاقُضَ وَلَا يُرِيدُونَ بِهَا مَعَانِيَهَا الْمُصْطَلَحَةَ بَيْنَ قَوْمٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ نَفْسَ الْمُخَالَفَةِ وَالْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ أَنَّ
فَأَمَّا الْقُبْحُ فَوَصْفٌ قَائِمٌ بِالنَّهْيِ مُقْتَضًى بِهِ تَحْقِيقًا لِحُكْمِهِ فَكَانَ تَابِعًا فَلَا يَجُوزُ تَحْقِيقُهُ عَلَى وَجْهٍ يَبْطُلُ بِهِ مَا أَوْجَبَهُ وَاقْتَضَاهُ فَيَصِيرُ الْمُقْتَضِي دَلِيلًا عَلَى الْفَسَادِ بَعْدَ أَنْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى الصِّحَّةِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ فِي مَوْضِعِهِ وَالْعَمَلُ بِالْمُقْتَضِي بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْقُبْحَ وَصْفًا لِلْمَشْرُوعِ فَيَصِيرَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ فَيَصِيرَ فَاسِدًا هَذَا غَايَةُ تَحْقِيقِ هَذَا الْأَصْلِ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَقَدْ حَقَّقَ الْمُقْتَضَى وَأَبْطَلَ الْمُقْتَضِيَ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْمُنَاقَضَةِ وَالْفَسَادِ
ــ
[كشف الأسرار]
النَّهْيَ لِطَلَبِ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْفِعْلِ مُضَافًا إلَى اخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ فَيُعْتَمَدُ التَّصَوُّرُ فَأَمَّا الْقُبْحُ أَيْ قُبْحُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَوَصْفٌ قَائِمٌ أَيْ ثَابِتٌ بِالنَّهْيِ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا أَنَّهُ قَائِمٌ بِحَقِيقَةِ النَّهْيِ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْقَبِيحِ وَذَلِكَ حَسَنٌ مُقْتَضَى حَالٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ قَائِمٌ بِهِ أَيْ بِالنَّهْيِ تَحْقِيقًا لِحُكْمِهِ أَيْ لِأَجْلِ تَحْقِيقِ حُكْمِ النَّهْيِ وَهُوَ طَلَبُ الْإِعْدَامِ فَكَانَ أَيْ الْقُبْحُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ تَابِعًا لِلنَّهْيِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ثَبَتَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَحْقِيقُهُ أَيْ إثْبَاتُ الْقُبْحِ الَّذِي ثَبَتَ اقْتِضَاءً عَلَى وَجْهٍ يَبْطُلُ بِهِ أَيْ بِالْقُبْحِ مَا أَوْجَبَ الْقُبْحُ وَاقْتِضَاءً وَهُوَ النَّهْيُ فَيَصِيرُ الْمُقْتَضَى " ح " دَلِيلًا عَلَى الْفَسَادِ أَيْ فَسَادِ الْمُقْتَضِي بَعْدَ أَنْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّته.
بَلْ يَجِب الْعَمَلُ إضْرَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ تَحْقِيقُهُ أَيْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ النَّهْيُ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ مَا وَرَدَ النَّهْيُ فِيهِ وَذَلِكَ بِإِبْقَاءِ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِيَبْقَى النَّهْيُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْمُقْتَضَى وَهُوَ الْقُبْحُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ إلَى آخِرِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَوَجَبَ إثْبَاتُ الْقُبْحِ فِي غَيْرِهِ لِيُمْكِنَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَكِنْ يُثْبِتُهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَلْزَمَ فَيَجْعَلُهُ قَبِيحًا لِوَصْفٍ زَائِدٍ مُتَّصِلٍ بِهِ مَا أَمْكَنَ كَمَا يَثْبُتُ الْحُسْنُ لِلْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَلْزَمَ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ لِعَيْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَحَقُّقَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَالْوُجُودِ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي النَّهْيِ لَوْ أَثْبَتَ الْقُبْحَ لِعَيْنِهِ انْعَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةُ وَالنَّهْيُ لِلِانْتِهَاءِ لَا لِلْإِعْدَامِ فَلَمْ نُثْبِتْهُ لِعَيْنِهِ لِيَبْقَى مَشْرُوعًا وَأَثْبَتْنَاهُ وَصْفًا لَهُ مَا أَمْكَنَ لِيَكُونَ حُرْمَةُ الْفِعْلِ لَازِمَةً أَبَدًا لِمَعْنَى رَاجِعٍ إلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّ الْوَصْفَ مِنْهُ قَالَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ فِي الْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرْنَا إنَّ الْفِعْلَ الْمَشْرُوعَ وُجُودُهُ بِأَمْرَيْنِ بِفِعْلِ الْعَبْدِ وَبِإِطْلَاقِ الشَّرْعِ فَبِالنَّهْيِ انْتَهَى الطَّلَاقُ فَلَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا فَأَمَّا تَصَوُّرُ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ فَعَلَى حَالِهِ فَيَصِحُّ النَّهْيُ بِنَاءً عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ أَنَّ الْعَبْدَ مَأْذُونٌ بِالصَّوْمِ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا النِّيَّةُ وَالْإِمْسَاكُ فَأَمَّا اعْتِبَارُهُ وَصَيْرُورَتُهُ عِبَادَةً فَمُفَوَّضٌ إلَى الشَّرْعِ لَا إلَى الْعَبْدِ فَبِالنَّهْيِ خَرَجَ الْفِعْلُ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَصَيْرُورَتُهُ صَوْمًا لِزَوَالِ إذْنِ الشَّرْعِ وَإِطْلَاقِهِ فَلَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ صَوْمًا نَظَرًا إلَى زَوَالِ إطْلَاقِ الشَّرْعِ وَكَانَ صَوْمًا نَظَرًا إلَى فِعْلِ الْعَبْدِ وَإِذَا بَقِيَ تَصَوُّرُ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ صَحَّ النَّهْيُ وَتَحَقَّقَ وَلِهَذَا لَوْ ارْتَكَبَهُ كَانَ عَاصِيًا مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ لِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِتْيَانِهِ بِمَا فِي وُسْعِهِ وَطَاقَتِهِ مِنْ فِعْلِ الصَّوْمِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا هَذَا الْقَدْرُ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ.
قَالَ وَهَذَا لِأَنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مَعْنَيَانِ مُتَلَقَّيَانِ مِنْ الشَّرْعِ وَلَيْسَ إلَى الْعَبْدِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا إلَيْهِ إيقَاعُ الْفِعْلِ بِاخْتِيَارِهِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى وَفْقِ أَمْرِ الشَّرْعِ وَإِطْلَاقِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَلِهَذَا أَبْطَلْنَا صَوْمَ اللَّيْلِ وَصَوْمَ الْحَائِضِ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِمْسَاكِ حِسِّيًّا وَصُورَةً لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوَافِقْ أَمْرَ الشَّرْعِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ قُلْت وَحَاصِلُهُ يَئُولُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ رَاجِعٌ إلَى الْفِعْلِ الْمُتَصَوَّرِ مِنْ الْعَبْدِ حِسًّا لَا شَرْعًا وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ بِدُونِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ إيَّاهُ يُسَمَّى بِالِاسْمِ الشَّرْعِيِّ حَقِيقَةً فَإِنَّ الصَّوْمَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مَعْلُومٍ مُعْتَبَرٍ فِي الشَّرْعِ فَبِدُونِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ لَا يُسَمَّى صَوْمًا حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي اللَّيْلِ لَا يُسَمَّى صَوْمًا وَإِنْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ إيَّاهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ صَرْفُ النَّهْيِ إلَيْهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً وَالنَّهْيُ وَرَدَ عَنْ مُطْلَقِ الصَّوْمِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا صَارَ صَوْمًا بِصُورَتِهِ
فَإِنْ قِيلَ هَذَا صَحِيحٌ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَدِمُ بِصِفَةِ الْقُبْحِ فَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ فَتَنْعَدِمُ لِمَا قُلْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ تَحْتَمِلُ هَذَا الْوَصْفَ قِيلَ لَهُ قَدْ وَجَدْنَا الْمَشْرُوعَ يَحْتَمِلُ الْفَسَادَ بِالنَّهْيِ كَالْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ وَالطَّلَاقِ الْحَرَامِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَمَعْنَاهُ وَكَذَا كَانَ الْبَيْعُ وَمَعْنَى الصَّوْمِ كَوْنُهُ صَوْمًا فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَى الْبَيْعِ كَوْنُهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَعْنَى لَمْ يَبْقَ لِلصُّورَةِ عِبْرَةٌ فَلَا يُسَمَّى صَوْمًا وَبَيْعًا إلَّا مَجَازًا كَتَسْمِيَةِ صُورَةِ الْأَسَدِ أَسَدًا وَأَجَابَ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا فِي الْمُسْتَصْفَى عَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْمَ يُصْرَفُ إلَى مَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ إلَّا مَا صَرَفَهُ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الشَّرْعِ وَقَدْ أَلْفَيْنَا عُرْفَ الشَّرْعِ فِي الْأَوَامِرِ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَالْبَيْعُ لِمَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ أَمَّا فِي الْمَنْهِيَّاتِ فَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا الْعُرْفُ الْمُغَيِّرُ لِلْوَضْعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه السلام دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ إقْرَائِك وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] .
وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْمَنَاهِي عَمَّا لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عُرْفُ اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ أَوْ تَعَارَضَ فِيهِ عُرْفُ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ إلَى أَصْلِ الْوَضْعِ وَنَقُولُ مَنْ صَامَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِد صَوْمُهُ وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ مَصْرُوفٌ إلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ حَمِيَّةً أَوْ لِعَدَمِ اشْتِهَاءٍ أَوْ عَدَمِ طَعَامٍ لَا يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِمْسَاكِ اللُّغَوِيِّ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا الصَّوْمَ الشَّرْعِيَّ وَلِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ لَوْ كَانَ الصَّوْمَ اللُّغَوِيَّ فَلَا نَهْيَ إذًا عَنْ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ فَبَقِيَ ثَابِتًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْفِعْلُ عِنْدَ النَّهْيِ كَانَ مُتَصَوَّرًا فَكَفَى ذَلِكَ لِصِحَّةِ النَّهْيِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْقَائِهِ مَشْرُوعًا بَعْدَ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ لِإِعْدَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ قَبْلِ الْمَنْهِيِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْأَمْرِ لِلْإِيجَادِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْتِهَاءُ بِالنَّهْيِ كَمَا فِي الْأَمْرِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِبَقَائِهِ مَشْرُوعًا وَلَا يُقَالُ حَقِيقَةُ النَّهْيِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَبِيحًا فِي ذَاتِهِ وَمُتَصَوَّرًا فِي نَفْسِهِ فَكَمَا قُلْتُمْ إنَّ انْتِفَاءَ التَّصَوُّرِ شَرْعًا مَعَ بَقَاءِ التَّصَوُّرِ مِنْ الْعَبْدِ يَجْعَلُهُ مَجَازًا فَكَذَلِكَ انْتِفَاءُ الْقُبْحِ عَنْ ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَانْصِرَافُهُ إلَى وَصْفِهِ يَجْعَلُ النَّهْيَ فِيهِ مَجَازًا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ مُوجِبُ النَّهْيُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ نَظَرًا إلَى ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ.
لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّهْيَ بِإِثْبَاتِ الْقُبْحِ فِي وَصْفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ يَصِيرُ مَجَازًا بَلْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَعْدُ يَبْقَى وَاجِبَ الِانْتِهَاءِ مَعَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ إذَا وَرَدَ لِحُسْنٍ فِي غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَصِيرُ مَجَازًا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ كَالْأَمْرِ بِالْجِهَادِ وَالطَّهَارَةِ لَمْ يَصِرْ مَجَازًا بَلْ يَبْقَى عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْإِيجَابُ فَكَذَا هَذَا وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَثْبُتُ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ النَّهْيُ بَلْ يَثْبُتُ حَتَّى لَوْ أَقْدَمَ عَلَى بَيْعِ الرِّبَا مَثَلًا يَصِيرُ عَاصِيًا مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ حَرَامًا وَلَكِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا يَصْلُحُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْمِلْكِ إذْ لَا تَنَاقُضَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ حَرَّمْت الْبَيْعَ وَجَعَلْته سَبَبًا لِحُصُولِ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ لِأَنَّ شَرْطَ التَّحْرِيمِ التَّعَرُّضُ لِعِقَابِ الْآخِرَةِ فَقَطْ دُونَ تَخَلُّفِ الثَّمَرَاتِ وَالْأَحْكَامِ عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَصِيرُ مَجَازًا فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا قَالُوا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَجَازًا فِي الْإِسْنَادِ مَعَ بَقَاءِ النَّهْيِ فِي ذَاتِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَا قَالُوا مَجَازًا فِي ذَاتِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا وَهُوَ غَيْرُ النَّهْيِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ (فَإِنْ قِيلَ هَذَا صَحِيحٌ) أَيْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ الْمَنْهِيِّ وَبَيْنَ الْفَسَادِ وَالْقُبْحِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَدِمُ وَتُوجَدُ بِصِفَةِ الْقُبْحِ وَالْفَسَادِ فَأَمَّا الْأَفْعَالُ الشَّرْعِيَّةُ فَتَنْعَدِمُ بِالْقُبْحِ لِمَا قُلْنَا مِنْ التَّنَافِي وَالتَّضَادِّ بَيْنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالْقُبْحِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ
وَالصَّلَاةِ الْحَرَامِ وَالصَّوْمِ الْمَحْظُورِ يَوْمَ الشَّكِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَوَجَبَ إثْبَاتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رِعَايَةً لِمَنَازِلِ الْمَشْرُوعَاتِ وَمُحَافَظَةً لِحُدُودِهَا وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ الْفُرُوعُ كُلُّهَا مِنْهَا أَنَّ الْبَيْعَ بِالْخَمْرِ مَنْهِيٌّ بِوَصْفِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَصَلَحَ ثَمَنًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَصَارَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا وَلَا خَلَلَ فِي رُكْنِ الْعَقْدِ وَلَا فِي مَحَلِّهِ فَصَارَ قَبِيحًا بِوَصْفِهِ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا بِعَبْدٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنٌ لِصَاحِبِهِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْخَمْرِ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ وَانْعَقَدَ فِي الْعَبْدِ لِوُجُودِ مَحَلِّهِ وَفَسَدَ بِفَسَادِ ثَمَنِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ يَحْتَمِلُ أَيْ يُقْبَلُ هَذَا الْوَصْفَ وَهُوَ الْفَسَادُ
1 -
قَوْلُهُ (وَالصَّلَاةُ الْحَرَامُ) كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَالْمَوَاطِنِ السَّبْعَةِ وَالصَّوْمِ الْمَحْظُورِ يَوْمَ الشَّكِّ الِاسْتِدْلَال بِهِ أَوْضَحُ لِأَنَّ المحظورية وَصْفُ الصَّوْمِ.
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْكُورَ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَالْحَلِفِ عَلَى فِعْلٍ مَحْظُورٍ مِثْلِ قَتْلِ زَيْدٍ وَسَبِّ الْأَبَوَيْنِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ إثْبَاتُهُ أَيْ إثْبَاتُ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ صِفَةِ الْفَسَادِ رِعَايَةً لِمَنَازِلِ الْمَشْرُوعَاتِ وَهُوَ أَنْ يُنَزَّلَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْمُقْتَضِي فِي مَنْزِلِهِ وَالتَّبَعُ وَهُوَ الْمُقْتَضَى فِي مَنْزِلِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ التَّبَعَ مُبْطِلًا لِلْأَصْلِ وَمُحَافَظَةً لِحُدُودِهَا وَهِيَ أَنْ يُجْعَلَ النَّهْيُ نَهْيًا وَالنَّسْخُ نَسْخًا لَا أَنْ يُجْعَلَ كِلَاهُمَا فِي الْمَشْرُوعَاتِ وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ فِي الْمَشْرُوعَاتِ يَقْتَضِي بَقَاءَ مَشْرُوعِيَّتِهَا.
قَوْلُهُ (مَنْهِيٌّ بِوَصْفِهِ) وَهُوَ الثَّمَنُ أَسْلَمَ أَنَّ الْبَيْعَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَنْ تَرَاضٍ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الثَّمَنِ وَيَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ الْوُصُولُ إلَى مَا يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إلَيْهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَعْيَانِ فَإِنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى طَعَامٍ أَوْ ثَوْبٍ مَثَلًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ ذَلِكَ لَا تَنْدَفِعُ حَاجَتُهُ إلَّا بِالظَّفَرِ عَلَى مَقْصُودِهِ فَشُرِعَ الْبَيْعُ وَسِيلَةً إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَمَّا كَانَ الِانْتِفَاعُ يَتَحَقَّقُ بِالْأَعْيَانِ لَا بِالْأَثْمَانِ إذْ لَيْسَ فِي ذَوَاتِ الْأَثْمَانِ نَفْعٌ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْوَسِيلَةُ إلَى الْمَقَاصِدِ كَانَتْ الْأَعْيَانُ أُصُولًا فِي الْبُيُوعِ وَكَانَتْ الْأَثْمَانُ أَتْبَاعًا لَهَا فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَوْصَافِ فَإِذَا بَاعَ عَبْدًا بِالْخَمْرِ كَانَ فَاسِدًا لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ الْخَمْرُ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ فَلَا يَجُوزُ تَسْلِيمُهُ وَتَسَلُّمُهُ إلَّا أَنَّهَا فِي ذَاتِهَا مَالٌ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ كَذَا قِيلَ وَقِيلَ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي خُلِقَ لِمَصَالِحِ الْآدَمِيِّ وَيَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ وَهِيَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ لِأَنَّ الْمُتَقَوِّمَ مَا هُوَ وَاجِبُ الْإِبْقَاءِ إمَّا بِعَيْنِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ كَمَا عُرِفَ فَصَلَحَتْ ثَمَنًا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالٌ وَلَمْ يَصْلُحْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ فَلَا يُمْنَعُ أَصْلُ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ مَا هُوَ رُكْنُ الْعَقْدِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الصَّادِرُ مِنْ الْأَهْلِ صَادَفَ مَحَلَّهُ وَهُوَ الْمَبِيعُ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فِي الرُّكْنِ وَلَا فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا الْخَلَلُ فِيمَا هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْوَصْفِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَصَارَ الْعَقْدُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ قَبِيحًا بِوَصْفِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَكَانَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا.
وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ الْمَالِيَّةُ فِي الْبَدَلَيْنِ وَبِتَخَمُّرِ الْعَصِيرِ لَا تَنْعَدِمُ الْمَالِيَّةُ وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ التَّقَوُّمُ شَرْعًا فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ بِكَوْنِ الْعَيْنِ مُنْتَفَعًا بِهَا وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] وَلِأَنَّهَا كَانَتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ وَنَجَاسَةُ الْعَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِمَا انْعِدَامُ الْمَالِيَّةِ كَالسِّرْقِينِ إلَّا أَنَّهُ فَسَدَ تَقَوُّمُهَا شَرْعًا ضَرُورَةَ وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ عَنْهَا بِالنَّصِّ وَلِهَذَا بَقِيَتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِوُجُودِ رُكْنِهِ فِي مَحَلِّهِ بِصِفَةِ الْفَسَادِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ خَمْرًا بِعَبْدٍ) أَيْ بَيْعُ الْخَمْرِ بِالْعَبْدِ كَبَيْعِ الْعَبْدِ بِالْخَمْرِ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّ دُخُولَ الْبَاءِ فِي أَحَدِ
بِخِلَافِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ لَا بِمُتَقَوِّمَةٍ فَوَقَعَ الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَكَذَلِكَ جِلْدُ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مُتَقَوِّمٍ
ــ
[كشف الأسرار]
الْبَدَلَيْنِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ هُوَ الثَّمَنَ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْأَتْبَاعِ وَالْوَسَائِلِ يُقَالُ كَتَبْت بِالْقَلَمِ وَالْأَثْمَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَقَدْ دَخَلَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَبْدِ فَيَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْخَمْرُ مَبِيعَةً فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ كَمَا إذَا بَاعَهَا بِالدَّرَاهِمِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْبَاءَ فِيهَا دَخَلَتْ فِي الْخَمْرِ فَبَقِيَ الْعَبْدُ مَبِيعًا فَقَالَ الشَّيْخُ هُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ مُقَايَضَةٍ أَيْ بَيْعُ عَرَضٍ بِعَرَضٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا لِصَاحِبِهِ بِخِلَافِ بَيْعِهَا بِالدَّرَاهِمِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَعَيَّنَتْ لِلثَّمَنِيَّةِ فَبَقِيَتْ الْخَمْرُ مَبِيعَةً.
وَفِي قَوْلِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنٌ لِصَاحِبِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَيَّنٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَصْلُحُ ثَمَنًا لِصَاحِبِهِ إذَا كَانَ الْآخَرُ عَيْنًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَيَّنًا لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا فِي عَقْدٍ خَاصٍّ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ عَيْنٍ لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا وَلَا مَبِيعًا لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي الْبُيُوعِ وَإِذَا كَانَتْ الْخَمْرُ غَيْرَ عَيْنٍ لَمْ تَصْلُحْ مَبِيعَةً فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنٌ لِصَاحِبِهِ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُتَعَيَّنَيْنِ وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ الْخَمْرُ غَيْرَ عَيْنٍ يَجِبُ أَنْ يَنْعَقِدَ فِي الْعَبْدِ فَاسِدًا وَإِنْ أَدْخَلَ الْبَاءَ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِكَوْنِهِ مَبِيعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا إذَا بَاعَ خَلًّا غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِعَبْدٍ أَوْ دَرَاهِمَ بِثَوْبٍ صَحَّ وَتَعَيَّنَ الْعَبْدُ وَالثَّوْبُ لِلْمَبِيعَةِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَيْ الْبَيْعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فِي الْخَمْرِ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ فِيهَا وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَيَنْعَقِدُ فِي الْعَبْدِ لِوُجُودِ مَحَلِّهِ وَلَكِنْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ لِفَسَادِ ثَمَنِهِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ فِي الصُّورَتَيْنِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ قَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الْعَبْدَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ الْمَيْتَةَ بِالْعَبْدِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ أَيْ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَالِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَكَذَا لَا يُعَدُّ مَالًا فِي دَيْنٍ سَمَاوِيٍّ فَوَقَعَ الْعَقْدُ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ بَاطِلٌ لِعَدَمِ رُكْنِهِ.
وَكَذَا جِلْدُ الْمَيْتَةِ لَيْسَ بِمَالٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ تُرِكَ كَذَلِكَ يَفْسُدُ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَالِيَّةُ بِصُنْعٍ مُكْتَسَبٍ وَهُوَ الدِّبَاغُ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْبَيْعِ وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِهِ لَا يَنْفُذُ فَلِانْعِدَامِ مَا هُوَ رُكْنُ الْعَقْدِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله قَوْلُهُ (وَلَا مُتَقَوِّمٌ) بِدَلِيلِ أَنَّ إنْسَانًا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَضْمَنُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جُزْءُ الْمَيْتَةِ وَيَحْصُلُ التَّأَلُّمُ بِقَطْعِهِ كَاللَّحْمِ بِخِلَافِ الشَّعْرِ وَالْمَيْتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَلَا مُتَقَوِّمَةٍ فَكَذَا جُزْؤُهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَلَا مُتَقَوِّمٍ احْتِرَازًا عَنْ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ حَقِيقَةً وَلَكِنَّهَا يَتَقَوَّمُ فِي الْعُقُودِ قَالُوا الْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ هِيَ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا أَمَّا الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ الَّتِي مَاتَتْ بِالْخَنْقِ وَالْجُرْحِ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ فَفَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي ذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَكُلُّ شَيْءٍ يَعْمَلُونَهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ ذَكَاةٌ كَالتَّخْنِيقِ وَالْوَقْذِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا مُسْلِمٌ ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَلَيْسَ كَالْمَيْتَةِ حَتْفَ أَنْفِهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله هُوَ وَالْمَيْتَةُ حَتْفَ أَنْفِهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ شَرْعِيٌّ وَالْفَاعِلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَصَارَ هَذَا الذَّبْحُ فِي حَقِّهِ وَالْمَوْتُ حَتْفَ أَنْفِهِ سَوَاءٌ لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُمْ يَتَمَوَّلُونَهُ كَالْخُمُورِ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا يَدِينُونَ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ حَتْفَ أَنْفِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ غَيْرِ