المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ

- ‌ أُصُولَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ

- ‌ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً

- ‌[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]

- ‌[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْعَامُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُؤَوَّلُ]

- ‌[الفرق بَيْن التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُفَسَّرُ]

- ‌[تَعْرِيف المحكم]

- ‌[تَعْرِيف الخفي]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُجْمَلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُتَشَابِه]

- ‌[بَيَان الْحِكْمَة فِي إنْزَال الْآيَات الْمُتَشَابِهَات]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُوه اسْتِعْمَال النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الْحَقِيقَةَ]

- ‌[أَقْسَام الْحَقِيقَة]

- ‌ تَعْرِيفِ الْمَجَازِ

- ‌[تَعْرِيف الصَّرِيحُ]

- ‌[تَعْرِيف الْكِنَايَةُ]

- ‌ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

- ‌[الْقَسْم الرَّابِع وُجُوه وُقُوف السَّامِع عَلَى مُرَاد الْمُتَكَلِّم ومعانى الْكَلَام]

- ‌[الِاسْتِدْلَال بِإِشَارَةِ اللَّفْظِ]

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ

- ‌ الثَّابِتُ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ:

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ)

- ‌[تَعْرِيف الْأَمْر]

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ)

- ‌[الْأَمْر إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ) :فِي مَعْنَى الْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ

- ‌[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

- ‌[الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ]

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ

- ‌[الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل كَامِلٌ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي قَاصِر]

- ‌ الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ

- ‌[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مَا حَسَن لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

- ‌الصَّلَاةِ حَسُنَتْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا

- ‌[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]

- ‌[الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ شَرْطُ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ]

- ‌[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

- ‌(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

- ‌[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ

- ‌[النَّوْع الثَّالِث الْوَقْتُ الَّذِي جُعِلَ مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ

- ‌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي

- ‌(بَابُ النَّهْيِ) :

- ‌[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ]

- ‌ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدُلُوكِهَا

- ‌[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ]

- ‌ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ

- ‌ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ

- ‌ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ

- ‌[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]

- ‌ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ

- ‌(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

- ‌ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

- ‌ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ خُصُوصُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ

- ‌[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

- ‌ كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا

الفصل: ‌(باب معرفة أحكام العموم) :

وَمَا قَبُحَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ وَصْفًا وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَصِيَامِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ يَقَعُ عَلَى الْقَسَمِ الْأَوَّلِ وَعَنْ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ يَقَعُ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ وَصْفًا.

(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

الْعَامُّ عِنْدَنَا يُوجِبُ الْحُكْمَ فِيمَا تَنَاوَلَهُ قَطْعًا وَيَقِينًا بِمَنْزِلَةِ الْخَاصِّ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ هُوَ الَّذِي حَكَيْنَا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله قَالَ إنَّ الْخَاصَّ لَا يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ الْخَاصُّ بِهِ مِثْلُ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نُسِخَ وَهُوَ خَاصٌّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ»

ــ

[كشف الأسرار]

ذَلِكَ كَالْكَذِبِ فَإِنَّ قُبْحَهُ يَسْقُطُ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِي الْحَرْبِ وَفِي إرْضَاءِ الْمَنْكُوحَتَيْنِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ وَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ الصَّلَاةِ.

وَمَا قَبُحَ مُلْحَقًا بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِثْلُ بَيْعِ الْحُرِّ وَالْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَمِثْلُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي نَفْسِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَصَالِحُ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ لَمَا قَصُرَ مَحَلُّهُ عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَالَ الْعَقْدِ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ وَكَذَا الْمَاءُ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْهُ الْحَيَوَانُ لَيْسَ بِمَالٍ صَارَ بَيْعُهُ عَبَثًا لِحُلُولِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ نَحْوَ ضَرْبِ الْمَيِّتِ وَأَكْلِ مَا لَا يُتَغَدَّى بِهِ وَكَذَلِكَ الشَّرْعُ لَمَّا قَصَرَ أَهْلِيَّةَ الْعَبْدِ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى حَالِ طَهَارَتِهِ عَنْ الْحَدَثِ صَارَ فِعْلُ صَلَوَاتِهِ مَعَ الْحَدَثِ عَبَثًا لِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ نَحْوَ كَلَامِ الطَّائِرِ وَالْمَجْنُونِ فَالْتَحَقَا بِالْقَبِيحِ وَضْعًا بِوَاسِطَةِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا كَذَا فِي التَّقْوِيمِ وَهَذَا فِي مُقَابَلَةِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ (وَمَا قَبُحَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ) مُجَاوِرٌ يَقْبَلُ الِانْفِكَاكَ مِثْلُ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَهَذَا فِي مُقَابَلَةِ السَّعْيِ وَالطَّهَارَةِ وَمَا قَبُحَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ وَصْفًا مِثْلُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهَذَا فِي مُقَابَلَةِ الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْعُمُومِ]

(قَوْلُهُ) الْعَامُّ عِنْدَنَا يُوجِبُ الْحُكْمَ فِيمَا تَنَاوَلَهُ أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَهُ قَطْعًا وَيَقِينًا وَقَدْ فَسَّرْنَاهُمَا فِي أَوَّلِ بَابِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَيُشِيرُ قَوْلُهُ الْعَامُّ بِعُمُومِهِ إلَى اسْتِوَاءِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَهَذَا إذَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ غَيْرَ قَابِلٍ لَهُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِهِ بِبَيَانٍ ظَاهِرٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَلِ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله قَوْلُهُ (لَا يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ) أَيْ لَا يَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ مَنْقُولٌ مَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِمَعْنَى حَكَمَ لِأَنَّ الرَّاجِحَ حَاكِمٌ عَلَى الْمَرْجُوحِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ إذَا كَانَ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا.

قَوْلُهُ (مِثْلُ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ) وَهُوَ مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه «أَنَّ قَوْمًا مِنْ عُرَنَةَ أَتَوْا الْمَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا أَيْ كَرِهُوا بِالْمَقَامِ بِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُوَافِقْهُمْ فَاصْفَرَّتْ أَلْوَانُهُمْ وَانْتَفَخَتْ بُطُونُهُمْ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَخْرُجُوا إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ وَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا وَصَحُّوا ثُمَّ ارْتَدُّوا وَمَالُوا إلَى الرُّعَاةِ وَقَتَلُوهُمْ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَثَرِهِمْ قَوْمًا فَأُخِذُوا فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ حَتَّى مَاتُوا قَالَ الرَّاوِي حَتَّى رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَكْدُمُ الْأَرْضَ بِفِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ» هَذَا حَدِيثٌ خَاصٌّ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ ثُمَّ هُوَ مَنْسُوخٌ عِنْدَهُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» إذَا الْبَوْلُ اسْمُ جِنْسٍ مُحَلَّى بِاللَّامِ فَيَتَنَاوَلُ أَبْوَالَ الْإِبِلِ وَغَيْرَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَامُّ مِثْلَ الْخَاصِّ لَمَا صَحَّ نَسْخُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي إذْ مِنْ شَرْطِهِ الْمُمَاثَلَةُ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ إذَا ثَبَتَ تَقَدُّمُ الْأَوَّلِ وَتَأَخُّرُ الثَّانِي وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْرِفْ التَّارِيخَ.

(قُلْنَا) قَدْ ثَبَتَ تَقَدُّمُ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ

ص: 291

وَمِثْلُ قَوْلِهِ عليه السلام «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» نُسِخَ بِقَوْلِهِ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» وَلِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِيمَنْ أَوْصَى بِخَاتَمِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بِالْفَصِّ مِنْهُ لِآخَرَ بِكَلَامٍ مَفْصُولٍ أَنَّ الْحَلْقَةَ لِلْأَوَّلِ وَالْفَصَّ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ الْأَوَّلُ بِالْعُمُومِ وَالثَّانِي بِالْخُصُوصِ وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا.

ــ

[كشف الأسرار]

أَنَّ الْمُثْلَةَ الَّتِي تَضَمَّنَهَا ذَلِكَ الْحَدِيثُ قَدْ نُسِخَتْ بِالِاتِّفَاقِ وَهِيَ كَانَتْ مَشْرُوعَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ فَدَلَّ انْتِسَاخُهُ عَلَى تَقَدُّمِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَثْبُتْ تَقَدُّمُ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِدَلِيلٍ بَلْ فِيهِ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ وَمِثْلُ قَوْلِهِ عليه السلام «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» يَجِبُ الْعُشْرُ فِي قَلِيلِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» قَالَا الْمُرَادُ مِنْ الصَّدَقَةِ الْعُشْرُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا وَلَا يَجِبُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْعَامَّ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ مِثْلُ الْخَاصِّ ثُمَّ إذَا وَرَدَا فِي حَادِثَةٍ وَيُعْرَفُ تَارِيخُهُمَا كَانَ الثَّانِي نَاسِخًا إنْ كَانَ هُوَ الْعَامُّ وَمُخَصَّصًا إنْ كَانَ هُوَ الْخَاصُّ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا ثُمَّ قَالَ لَهُ لَا تُعْطِ أَحَدًا شَيْئًا كَانَ نَسْخًا لِلْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ لَا تُعْطِ أَحَدًا شَيْئًا ثُمَّ قَالَ أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا كَانَ تَخْصِيصًا لَهُ.

وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخَهُمَا يُجْعَلُ الْعَامُّ آخِرًا لِلِاحْتِيَاطِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ نُسِخَ بِقَوْلِهِ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله إنَّمَا عَمِلَ بِالْحَدِيثِ الْعَامِّ دُونَ الْخَاصِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ الْعَامَّ الْمُتَّفَقَ عَلَى قَبُولِهِ أَوْلَى مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَسَاوَيَا يُرَجَّحُ الْعَامُّ بِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ عَلَى الْخَاصِّ فَقَوْلُهُ عليه السلام «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا بِهِ فِيمَا وَرَاءَ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ وَحَكَمَا بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ عِنْدَ قِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَكَثْرَتِهَا فَأَوْجَبَا الْعُشْرَ فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَنِصْفَ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِدَالِيَةٍ عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَجَعَلَا الْحَدِيثَ الْخَاصَّ مُخَصِّصًا لَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله لَمْ يَعْمَلْ بِالْحَدِيثِ الْخَاصِّ أَصْلًا فَكَانَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.

قَوْلُهُ (وَلِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ) عَطْفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّلِيلِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ، الْعَامُّ بِمَنْزِلَةِ الْخَاصِّ فِيمَا تَنَاوَلَهُ عِنْدَنَا لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَذَا وَلِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ إذَا أَوْصَى بِخَاتَمِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِفَصِّهِ لِآخَرَ فِي كَلَامِ مَوْصُولٍ كَانَتْ الْحَلَقَةُ لِلْأَوَّلِ وَالْفَصُّ لِلثَّانِيَّ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا إذَا فَصَلَ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَكُونُ الْفَصُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِإِيجَابِهِ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي تَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ إيجَابُ الْحَلَقَةِ لِلْأَوَّلِ بِدُونِ الْفَصِّ وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْهُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا يُلْزِمُهُ شَيْئًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيَكُونُ الْبَيَانُ الْمَوْصُولُ فِيهِ وَالْمَفْصُولُ سَوَاءً كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ وَبِالْخِدْمَةِ أَوْ الْغَلَّةِ لِآخَرَ كَذَا الدَّارُ مَعَ السُّكْنَى وَالْبُسْتَانُ مَعَ الثَّمَرَةِ.

وَمُحَمَّدٌ رحمه الله يَقُولُ اسْمُ الْخَاتَمِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْحَلَقَةَ وَالْفَصَّ جَمِيعًا فَكَانَ إيجَابُ الْفَصِّ لِلثَّانِي تَخْصِيصًا لِذَلِكَ الْعُمُومِ وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ إنَّمَا يَصِحُّ مَوْصُولًا فَإِذَا كَانَ مَفْصُولًا لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا بَلْ يَكُونُ مُعَارِضًا فَكَانَ كَلَامُهُ الثَّانِي فِي الْفَصِّ إيجَابًا لِلثَّانِي وَبَقِيَ عُمُومُ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا كَانَ، وَالْعَامُّ مِثْلُ الْخَاصِّ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ فَثَبَتَ

ص: 292