المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ

- ‌ أُصُولَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ

- ‌ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً

- ‌[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]

- ‌[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْعَامُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُؤَوَّلُ]

- ‌[الفرق بَيْن التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُفَسَّرُ]

- ‌[تَعْرِيف المحكم]

- ‌[تَعْرِيف الخفي]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُجْمَلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُتَشَابِه]

- ‌[بَيَان الْحِكْمَة فِي إنْزَال الْآيَات الْمُتَشَابِهَات]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُوه اسْتِعْمَال النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الْحَقِيقَةَ]

- ‌[أَقْسَام الْحَقِيقَة]

- ‌ تَعْرِيفِ الْمَجَازِ

- ‌[تَعْرِيف الصَّرِيحُ]

- ‌[تَعْرِيف الْكِنَايَةُ]

- ‌ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

- ‌[الْقَسْم الرَّابِع وُجُوه وُقُوف السَّامِع عَلَى مُرَاد الْمُتَكَلِّم ومعانى الْكَلَام]

- ‌[الِاسْتِدْلَال بِإِشَارَةِ اللَّفْظِ]

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ

- ‌ الثَّابِتُ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ:

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ)

- ‌[تَعْرِيف الْأَمْر]

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ)

- ‌[الْأَمْر إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ) :فِي مَعْنَى الْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ

- ‌[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

- ‌[الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ]

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ

- ‌[الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل كَامِلٌ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي قَاصِر]

- ‌ الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ

- ‌[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مَا حَسَن لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

- ‌الصَّلَاةِ حَسُنَتْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا

- ‌[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]

- ‌[الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ شَرْطُ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ]

- ‌[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

- ‌(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

- ‌[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ

- ‌[النَّوْع الثَّالِث الْوَقْتُ الَّذِي جُعِلَ مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ

- ‌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي

- ‌(بَابُ النَّهْيِ) :

- ‌[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ]

- ‌ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدُلُوكِهَا

- ‌[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ]

- ‌ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ

- ‌ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ

- ‌ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ

- ‌[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]

- ‌ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ

- ‌(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

- ‌ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

- ‌ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ خُصُوصُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ

- ‌[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

- ‌ كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا

الفصل: ‌[القدرة الميسرة والممكنة]

وَأَمَّا الْكَامِلُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَالْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَهَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى الْأُولَى بِدَرَجَةِ كَرَامَةٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَفَرْقُ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْأُولَى لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا الْوَاجِبُ فَبَقِيَ شَرْطًا مَحْضًا فَلَمْ يُشْتَرَطْ دَوَامُهَا لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ

ــ

[كشف الأسرار]

تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ قَائِمًا يَقْضِيهَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مُضْطَجِعًا وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مُضْطَجِعًا يَقْضِيهَا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ قَائِمًا لَا مُضْطَجِعًا فَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقُدْرَةُ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَلَمْ يَكُنْ حَالَ الْبَقَاءِ مَنْظُورًا إلَيْهَا فِي ذَلِكَ لَكَانَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

، وَبَعْضُ الْحُذَّاقِ مِنْ تَلَامِذَةِ شَيْخِنَا كَانَ يَقُولُ لَا فَرْقَ فِي اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ إذَا كَانَ مَطْلُوبًا بِنَفْسِهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ الَّتِي هِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ نَفْسُ التَّوَهُّمِ لَا غَيْرُ عَلَى مَا مَرَّ فَكَذَا الْقَضَاءُ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مِنْهُ مَقْصُودًا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ فِيهِ مَقْصُودًا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوَهُّمُ أَيْضًا فَفِي النَّفَسِ الْأَخِيرِ إنَّمَا يَبْقَى عَلَيْهِ وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمُتَكَثِّرَةِ وَالصِّيَامَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِنَاءً عَلَى تَوَهُّمِ الِامْتِدَادِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْمُؤَاخَذَةِ كَمَا إنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَثْبُتُ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى التَّوَهُّمِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْقَضَاءِ وَكَانَ يُخْرِجُ الْفُرُوعَ وَيَقُولَ إنَّمَا يَبْقَى الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ فَوَاتِ الْقُدْرَةِ لِتَوَهُّمِ حُدُوثِ الْقُدْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَمْ تُشْتَرَطْ لِلْبَقَاءِ.

وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ يَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْقُدْرَةِ كَالْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى تَوَهُّمِ حُدُوثِ الْقُدْرَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَالِ وَانْتِقَالِ الْحُكْمِ إلَى الصَّوْمِ مَا يُؤَدِّي بِهِ الْكَفَّارَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ وَلَوْ كَانَ بَقَاءُ الْقُدْرَةِ شَرْطًا لِبَقَائِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ بَعْدَ سُقُوطِهَا بِفَوَاتِ الْمَالِ كَمَا لَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ ثُمَّ مَلَكَ الْمَالَ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِهَلَاكِ الْمَالِ لِتَعَيُّنِ الْمَحِلِّ حَتَّى لَوْ سُرِقَ مَالُ الزَّكَاةِ أَوْ صَارَ ضِمَارًا سَقَطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ وَلَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ سِنِينَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ وَلَكِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَعَلِّقٌ بِنَمَاءٍ مُتَعَيِّنٍ فَبِهَلَاكِهِ لَمْ يَبْقَ التَّوَهُّمُ وَكَانَ يَقُولُ لَا أَجِدُ فَرْقًا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عِنْدَ الْفِعْلِ وَيَكْفِي قَبْلَهُ التَّوَهُّمُ.

وَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ فِي الْقَضَاءِ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ أَنَّ الْأَدَاءَ إنَّمَا يَفُوتُ مَضْمُونًا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمِثْلِ حَتَّى لَوْ عَجَزَ عَنْ الْمِثْلِ سَقَطَ كَمَا فِي سُقُوطِ فَضْلِ الْوَقْتِ وَغَصْبِ الْمَنَافِعِ وَإِتْلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقُدْرَةُ شَرْطًا فِي الْقَضَاءِ لَمَا سَقَطَ بِالْعَجْزِ إلَّا أَنَّ مَا وَجَبَ بِالْقُدْرَةِ الْمُمَكِّنَةِ يَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ تِلْكَ الْقُدْرَةِ لِتَوَهُّمِ الْقُدْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ تَحَقَّقَ التَّوَهُّمُ وَجَبَ الْفِعْلُ وَإِلَّا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الْمُؤَاخَذَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.

وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ التَّفْرِيطِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمَشْرُوطَةَ لِابْتِدَاءِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ يُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ وُجُودِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا شَرْطُ الْأَدَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا كَلَّفَ أَدَاءَ مَا لَيْسَ فِي الْقُدْرَةِ وَأَسْقَطَ بِالْحَرَجِ كَثِيرًا مِنْ حُقُوقِهِ وَالْأَدَاءُ حَقِيقَتُهُ وَقْتَ الْفِعْلِ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ تِلْكَ الْقُدْرَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِلْأَدَاءِ وَقْتَ الْفِعْلِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّا نَشْتَرِطُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّوَضُّؤِ بِالْمَاءِ حِينَ الْمُبَاشَرَةِ وَقِيَامَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ قَائِمًا حِينَ الْأَدَاءِ لَا حِينَ الْوُجُوبِ

[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْكَامِلُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ) أَيْ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الْوَاجِبَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَيَزْدَادُ حُسْنًا بِاشْتِرَاطِهِ الْقُدْرَةَ الْمُيَسِّرَةَ، وَهَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى الْأُولَى وَهِيَ الْمُمَكِّنَةُ بِدَرَجَةٍ؛ لِأَنَّ بِهَا يَثْبُتُ الْإِمْكَانُ ثُمَّ الْيُسْرُ، وَإِنَّمَا شُرِطَتْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ فِي أَكْثَرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْبَدَنِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهَا أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْعِبَادَاتِ

ص: 201

وَهَذِهِ لَمَّا كَانَتْ مُيَسَّرَةً غَيَّرَتْ صِفَةَ الْوَاجِبِ فَجَعَلَتْهُ سَمْحًا سَهْلًا لَيِّنًا فَيُشْتَرَطُ بَقَاءُ هَذِهِ الْقُدْرَةِ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ لَا لِمَعْنَى أَنَّهَا شَرْطٌ لَكِنْ لِمَعْنَى تَبَدُّلِ صِفَةِ الْوَاجِبِ بِهَا فَإِذَا انْقَطَعَتْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ بَطَلَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فَيَبْطُلُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِدُونِ ذَلِكَ الْوَصْفِ وَلِهَذَا قُلْنَا الزَّكَاةُ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْبَدَنِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ شَقِيقُ الرُّوحِ مَحْبُوبُ النَّفْسِ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ وَالْمُفَارَقَةُ عَنْ الْمَحْبُوبِ بِالِاخْتِيَارِ أَمْرٌ شَاقٌّ إلَيْهِ أَشَارَ أَبُو الْيُسْرِ، وَفَرْقُ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَيْ الْقُدْرَتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى لَمَّا شُرِطَتْ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا صِفَةُ الْوَاجِبِ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِهَا فَكَانَتْ شَرْطًا مَحْضًا لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِلَّةِ بِوَجْهٍ وَالشَّرْطُ الْمَحْضُ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ لِبَقَاءِ الْمَشْرُوطِ كَالطَّهَارَةِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ وَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا لِبَقَاءِ الْجَوَازِ وَكَالشُّهُودِ فِي بَابِ النِّكَاحِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهَذِهِ أَيْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ، غَيَّرَتْ صِفَةَ الْوَاجِبِ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مُيَسِّرَةٌ.

وَقَوْلُهُ شَرْطٌ جَوَابٌ لِمَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَشَرْطٌ بِالْفَاءِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ غَيَّرَتْ جَوَابٌ لِمَا، وَقَوْلُهُ فَجَعَلَتْهُ تَفْسِيرًا لِلتَّغْيِيرِ، وَقَوْلُهُ سَمْحًا سَهْلًا لَيِّنًا أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَهَذِهِ الْقُدْرَةُ لَمَّا كَانَتْ قُدْرَةً مُيَسِّرَةً مُغَيِّرَةً صِفَةَ الْوَاجِبِ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ إلَى صِفَةِ السُّهُولَةِ شُرِطَ بَقَاؤُهَا لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ.

، وَلَيْسَ مَعْنَى التَّغْيِيرِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا أَوَّلًا بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ بِصِفَةِ الْعُسْرِ ثُمَّ تُغَيَّرُ بِاشْتِرَاطِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ إلَى وَصْفِ الْيُسْرِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا بِقُدْرَةٍ مُمَكِّنَةٍ لَكَانَ جَائِزًا فَلَمَّا تَوَقَّفَ الْوُجُوبُ عَلَى هَذِهِ الْقُدْرَةِ دُونَ الْمُمَكِّنَةِ صَارَ كَأَنَّ الْوَاجِبَ تَغَيَّرَ مِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ بِوَاسِطَتِهَا فَكَانَتْ مُغَيِّرَةً وَصَارَتْ شَرْطًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعِلَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا شَرْطٌ، وَلَا يُقَالُ بَقَاءُ الْحُكْمِ يَسْتَغْنِي عَنْ بَقَاءِ الْعِلَّةِ أَيْضًا كَاسْتِغْنَاءِ الْمَشْرُوطِ عَنْ بَقَاءِ الشَّرْطِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ دَوَامُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ الْبَقَاءُ بِدُونِ الْعِلَّةِ كَالرَّمْلِ فِي الْحَجِّ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَبَقَاءُ الْعِلَّةِ شَرْطٌ وَهَهُنَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْيُسْرَ لَا يَبْقَى بِدُونِهَا وَالْوَاجِبُ لَا يَبْقَى بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ، لِمَعْنَى تَبَدُّلِ صِفَةِ الْوَاجِبِ أَيْ مِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ، ذَلِكَ الْوَصْفُ أَيْ الْيُسْرُ، فَيَبْطُلُ الْحَقُّ أَيْ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى وَجَبَ بِصِفَةٍ لَا تَبْقَى إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهَا قُلْنَا الزَّكَاةُ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ عِنْدَنَا وَكَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ وُجُوبَهُ أَيْ وُجُوبَ هَذَا الْوَاجِبِ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ وَلَمْ يُؤَدِّ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ ثُمَّ بِهَلَاكِ الْمَالِ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ لِعَدَمِ مَا يُؤَدِّي بِهِ وَمَنْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ لَمْ يَبْرَأْ بِالْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ فَبَقِيَ عَلَيْهِ إلَى الْآخِرَةِ كَمَا فِي دُيُونِ الْعِبَادِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْحَجِّ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ فَلَمَّا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى ذَهَبَ الْمَالُ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ صَارَ مُفَوِّتًا لِلْحَقِّ عَنْ مَحِلِّهِ فَيَضْمَنُ كَمَنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ، وَلَنَا أَنَّ الْحَقَّ الْمُسْتَحَقَّ إذَا وَجَبَ بِوَصْفٍ لَا يَبْقَى إلَّا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَيْنُ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً لَا غَيْرُهُ كَالْمِلْكِ إذَا ثَبَتَ مَبِيعًا يَبْقَى كَذَلِكَ وَإِنْ ثَبَتَ هِبَةً تَبْقَى كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ مَالٍ وَهَذَا الْوَاجِبُ وَجَبَ بَعْدَ نَمَاءِ الْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي هُوَ نَمَاءٌ لَا تُقْلَبُ غَرَامَةً يَأْتِي عَلَى أَصْلِ مَالِهِ.

(فَإِنْ قِيلَ) الْبَاقِي عِنْدِي غَيْرُ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً بَلْ هُوَ مِثْلُهُ ضَمِنَهُ بِالتَّفْوِيتِ عَنْ وَقْتِهِ وَهُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ كَتَفْوِيتِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَنْ الْوَقْتِ أَوْ بِالْمَنْعِ عَنْ الْفَقِيرِ بَعْدَ تَعَيُّنِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مَحِلًّا لِلصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ كَمَنْعِ الرَّهْنِ عَنْ الْمُرْتَهِن.

(قُلْنَا) الزَّكَاةُ لَيْسَتْ بِمُوَقَّتَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَفْوِيتُهَا عَنْ الْوَقْتِ وَكَذَا الْمَنْعُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إلَّا بِتَحَقُّقِ يَدِ الْغَاصِبِ عَلَى الْمَالِ

ص: 202

لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ الْوُجُوبَ بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَدَاءِ تَحْصُلُ بِمَالٍ مُطْلَقٍ ثُمَّ شُرِطَ النَّمَاءُ فِي الْمَالِ لِيَكُونَ الْمُؤَدَّى جُزْءًا مِنْهُ فَيَكُونَ فِي غَايَةِ التَّيْسِيرِ فَلَوْ قُلْنَا بِبَقَاءِ الْوَاجِبِ بِدُونِ النِّصَابِ لَانْقَلَبَ غَرَامَةً مَحْضَةً فَيَتَبَدَّلُ الْوَاجِبُ فَلِذَلِكَ سَقَطَ بِهَلَاكِ الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ النِّصَابَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ الْوُجُوبِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِبَقَائِهِ فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْبَاقِي يَبْقَى بِقِسْطِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ النِّصَابِ لَا يُغَيِّرُ صِفَةَ الْوَاجِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَيْسِيرَ أَدَاءِ الْخَمْسَةِ مِنْ الْمِائَتَيْنِ وَتَيْسِيرَ أَدَاءِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّهُ رُبُعُ عُشْرٍ بِكُلِّ حَالٍ

ــ

[كشف الأسرار]

بِأَنْ أَبْطَلَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ مِنْ مِلْكٍ كَمَا فِي مَنْعِ الْوَدِيعَةِ عَنْ الْمَالِكِ أَوْ يَدٍ مُتَقَوِّمَةٍ كَمَا فِي مَنْعِ الرَّهْنِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا تَصَوُّرَ لِيَدِ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ صَاحِبِ الْمَالِ مِلْكًا وَيَدًا وَإِنَّمَا حَقُّ الْفَقِيرِ فِي أَنْ تَعَيَّنَ مَحِلًّا لِلصَّرْفِ إلَيْهِ وَبِالْمَنْعِ لَا تَبْطُلُ تِلْكَ الْمَحَلِّيَّةُ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَنْعِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ عَنْ الشَّفِيعِ حَتَّى صَارَ بَحْرًا وَمَنْعِ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ عَنْ الْبَيْعِ أَوْ الْعَبْدَ الْجَانِيَ عَنْ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْأَرْشِ حَتَّى هَلَكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَا عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ فِعْلِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّهُ بِالْمَنْعِ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ وِلَايَةٍ وَلَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ مَا دَامَ يَتَحَرَّى مَنْ هُوَ أَوْلَى كَالْإِمَامِ حَتَّى قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ مَشَايِخِنَا إذَا طَلَبَ السَّاعِي فَامْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ إلَيْهِ حَتَّى هَلَكَ الْمَالُ ضَمِنَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ مُتَعَيِّنٌ لِلْأَخْذِ فَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ عِنْدَ طَلَبِهِ فَبِالِامْتِنَاعِ يَصِيرُ مُفَوِّتًا.

وَمَشَايِخُنَا يَقُولُونَ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو سَهْلٍ الزَّجَّاجِيُّ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ مَا فَوَّتَ بِهَذَا الْحَبْسِ عَلَى أَحَدٍ مِلْكًا وَلَا يَدًا وَلَهُ رَأْيٌ فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ إنْ شَاءَ مِنْ السَّائِمَةِ وَإِنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّمَا حَبَسَ السَّائِمَةَ لِيُؤَدِّيَ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا يَضْمَنُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (عَلَّقَ وُجُوبَهُ) أَيْ وُجُوبَ هَذَا الْجَوَابِ وَهُوَ الزَّكَاةُ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ بِدَلِيلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُكْنَةَ الْأَصْلِيَّةَ تَحْصُلُ بِمِلْكِ الْخَمْسَةِ مَثَلًا وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُوجِبْهَا الشَّرْعُ إلَّا بَعْدَ مِلْكِ الْمِائَتَيْنِ لِيَكُونَ الْوَاجِبُ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ، وَالثَّانِي أَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِوَصْفِ النَّمَاءِ لِئَلَّا يُنْتَقَضَ بِهِ أَصْلُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُفَوَّتُ بِهِ بَعْضُ النَّمَاءِ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ الْمُدَّةَ فِي النِّصَابِ الْمُعَدِّ لِلنُّمُوِّ مَقَامَ حَقِيقَتِهِ تَيْسِيرًا لِمَا فِي التَّعْلِيقِ بِحَقِيقَةِ النُّمُوِّ ضَرْبُ حَرَجٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ، وَإِلَى الْوَجْهِ الثَّانِي أُشِيرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، بِمَالٍ مُطْلَقٍ أَيْ عَنْ صِفَةِ النَّمَاءِ، فَيَتَبَدَّلُ الْوَاجِبُ أَيْ مِنْ الْيُسْرِ إلَى الْعُسْرِ فَكَانَ غَيْرَ الْأَوَّلِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِسَبَبٍ آخَرَ كَصَلَاةِ الْمُقِيمِ لَا يَتَغَيَّرُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ إلَّا بِمُغَيِّرٍ وَهُوَ السَّفَرُ وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ.

1 -

قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ) جَوَابُ السُّؤَالِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ اشْتِرَاطَ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لِلتَّيْسِيرِ كَاشْتِرَاطِ النَّمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُكْنَةَ الْأَصْلِيَّةَ تَثْبُتُ بِدُونِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَوَجَبَ أَنْ يُشْتَرَطَ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْوُجُوبِ كَمَا شُرِطَ لِابْتِدَائِهِ وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يَبْقَى بِبَقَاءِ الْبَعْضِ شَيْءٌ مِنْ الْوَاجِبِ وَقَدْ قُلْتُمْ بِخِلَافِهِ، فَقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيُسْرَ فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ بَلْ الْيُسْرُ فِي إيجَابِ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا أَدَاءُ رُبُعِ عُشْرِ الْبَاقِي وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْيُسْرَ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ بِإِيجَابِ رُبُعِ الْعُشْرِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ وَلَمْ يَكُنْ يَزْدَادُ يُسْرُ مَا تَعَلَّقَ بِجُزْءٍ بِانْضِمَامِ جُزْءٍ آخَرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ رُبُعُ الْعُشْرِ أَيْضًا كَمَا تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْجُزْءِ فَكَمَا لَمْ يَزْدَدْ الْيُسْرُ بِانْضِمَامِ جُزْءٍ آخَرَ إلَيْهِ لَا يُنْتَقَضُ أَيْضًا بِهَلَاكِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ لِيَصِيرَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فَإِنَّ أَهْلَ الْوُجُوبِ هُوَ الْغَنِيُّ وَالشَّرْعُ أَكَّدَ هَذَا الشَّرْطَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ فَاعْتُبِرَ الْغَنَاءُ بِالْمَالِ الَّذِي جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لَا بِمَالٍ آخَرَ وَلَا يَحْصُلُ الْغَنَاءُ بِهِ لَوْلَا مَالٌ آخَرُ إلَّا إذَا كَانَ نِصَابًا كَامِلًا فَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ لِيَصِيرَ بِهِ غَنِيًّا أَهْلًا لِلْوُجُوبِ وَالْغَنَاءُ لَا يَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْمَالِ بَلْ يَثْبُتُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُضْبَطُ لِاخْتِلَافِهِ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ

ص: 203

لَكِنَّ الْغَنَاءَ وَصْفٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَصِيرَ الْمَوْصُوفُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِغْنَاءِ إذْ الْإِغْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لَا يَتَحَقَّقُ كَالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ وَالْغِنَى بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَلَيْسَ لِلْكَثْرَةِ حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ شَتَّى فَقَدَّرَ الشَّرْعُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ فَصَارَ ذَلِكَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ لِمَا كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَشَرْطُ الْوُجُوبِ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ إذْ الْوُجُوبُ فِي وَاجِبٍ وَاحِدٍ لَا يَتَكَرَّرُ فَأَمَّا قِيَامُ الْمَالِ بِصِفَةِ النَّمَاءِ فَمُيَسِّرٌ لِلْأَدَاءِ فَتُغَيَّرُ بِهِ صِفَةُ الْوَاجِبِ فَشَرَطْنَا دَوَامَهُ

ــ

[كشف الأسرار]

وَالْأَمَاكِنِ فَتَوَلَّى الشَّارِعُ تَقْدِيرَهُ بِذَاتِهِ فَكَانَ النِّصَابُ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ لَا لِثُبُوتِ الْيُسْرِ بَلْ الْيُسْرُ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي النِّصَابِ؛ لِأَنَّ إيتَاءَ دِرْهَمٍ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَيْسَرُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ إيتَاءِ خَمْسَةٍ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ كَمَا أَنَّ إيتَاءَ خَمْسَةٍ مِنْ الْمِائَتَيْنِ أَيْسَرُ مِنْ إيتَاءِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا شَرْطُ الْيُسْرِ لَمْ يُشْتَرَطْ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْوُجُوبِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ.

قَوْلُهُ (وَلَكِنَّ الْغَنَاءَ وَصْفٌ) جَوَابُ سُؤَالٍ آخَرَ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْيُسْرُ وَجَبَ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي الِابْتِدَاءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجِبُ إلَّا بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ فَقَالَ الْغَنَاءُ وَصْفٌ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَى آخِرِهِ.

قَوْلُهُ (إلَّا غَنَاءً مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لَا يَتَحَقَّقُ) .

(فَإِنْ قِيلَ) الْإِغْنَاءُ الْوَاجِبُ تَمْلِيكُ مَا يَدْفَعُ حَاجَةَ الْفَقِيرِ دُونَ الْإِغْنَاءِ الشَّرْعِيِّ وَتَحَقُّقُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَالْإِغْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لَا يَتَحَقَّقُ.

(قُلْنَا) الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ صِفَةِ الْحُسْنِ عَنْ الْإِغْنَاءِ أَيْ الْإِغْنَاءُ بِصِفَةِ الْحُسْنِ مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لَا يَتَحَقَّقُ فَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ لَا لِإِحْوَاجِ الْمُؤَدِّي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ وَلَمَّا شُرِعَتْ أَيْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِلْأَغْنِيَاءِ عَنْ الْفَقِيرِ لَمْ يَكُنْ الْفَقِيرُ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا فَتَصِيرُ مَشْرُوعَةً لِإِحْوَاجِهِ فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ حُسْنَ الْإِغْنَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْغَنَاءِ الشَّرْعِيِّ دُونَ أَصْلِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا فَقَالَ: وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِغْنَاءُ بِصِفَةِ الْحُسْنِ مِنْ الْغِنَى وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا عِنْدَ عَدَمِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حُسْنُهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ شَرْعًا.

(فَإِنْ قِيلَ) حُسْنُ الْإِغْنَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغَنَاءِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ أَقْوَامًا عَلَى الْإِيثَارِ مَعَ مِسَاسِ حَاجَتِهِمْ إلَى مَا آتَوْا بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]

(قُلْنَا) بِنَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأُمُورِ الْغَالِبَةِ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْبَشَرِ عَدَمُ الصَّبْرِ عَلَى الشِّدَّةِ وَإِظْهَارُ الْجَذَعِ وَالضَّجَرِ عِنْدَ إصَابَةِ الْمَكْرُوهِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19]{إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} [المعارج: 20]{وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 21] فَقُلْنَا لَمْ يَحْسُنْ الْإِغْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْأَمْرِ الْمَذْمُومِ، فَأَمَّا مَنْ اُخْتُصَّ بِتَوْفِيقٍ مِنْ رَبِّهِ وَأُوتِيَ قُوَّةً فِي دِينِهِ حَتَّى آثَرَ مُرَادَ غَيْرِهِ عَلَى مُرَادِهِ وَصَبَرَ عَلَى الشَّدَائِدِ وَالْمَكَارِهِ فَحُسْنُ الْإِغْنَاءِ مِنْهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغِنَى الشَّرْعِيِّ بَلْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ الْإِغْنَاءِ الصَّادِرِ عَنْ الْغِنَى قَالَ عليه السلام «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جَهْدُ الْمُقِلِّ» ، إلَّا أَنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ نَادِرًا لَمْ يَصْلُحْ لِبِنَاءِ الْحُكْمِ فَبُنِيَ عَلَى الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ (لَمَّا كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ) يَعْنِي لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ اشْتِرَاطَ النِّصَابِ لِثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ كَانَ هَذَا أَمْرًا زَائِدًا عَلَى تِلْكَ الْأَهْلِيَّةِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ حَتَّى صَارَتْ أَهْلِيَّةُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَمِلْكِ النِّصَابِ كَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمُمْكِنَةَ مِنْ الْفِعْلِ فِي الصَّلَاةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ اشْتِرَاطُهُ لِلْوُجُوبِ لَا لِلتَّيْسِيرِ كَاشْتِرَاطِ الْأَهْلِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَاشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ دَوَامُهُ إلَى آخِرِهِ، وَلَا يُقَالُ لَمَّا كَانَ النِّصَابُ شَرْطَ الْأَهْلِيَّةِ لَا شَرْطَ الْيُسْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الزَّكَاةُ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ سُقُوطُ الزَّكَاةِ لِفَوَاتِ النَّمَاءِ الَّذِي تَعَلَّقَ الْيُسْرُ بِهِ لَا لِفَوَاتِ النِّصَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ بَعْضُهُ يَبْقَى بِقِسْطِهِ الْبَاقِي وَلَوْ كَانَ النِّصَابُ شَرْطَ الْيُسْرِ لَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ

ص: 204

وَهَذَا بِخِلَافِ اسْتِهْلَاكِ النِّصَابِ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْحَقَّ وَقَدْ صَارَ غُرْمًا؛ لِأَنَّ النِّصَابَ صَارَ فِي حَقِّ الْوَاجِبِ حَقًّا لِصَاحِبِ الْحَقِّ فَيَصِيرُ الْمُسْتَهْلِكُ مُتَعَدِّيًا عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ فَعُدَّ قَائِمًا فِي حَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ فَصَارَ الْوَاجِبُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ غَيْرَ مُتَبَدِّلٍ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُوسِرَ إذَا حَنِثَ فِي الْيَمِينِ ثُمَّ أُعْسِرَ وَذَهَبَ مَالُهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّرْعَ خَيَّرَهُ عِنْدَ قِيَامِ الْقُدْرَةِ بِالْمَالِ وَالتَّخْيِيرُ تَيْسِيرٌ

ــ

[كشف الأسرار]

بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ لِانْتِفَاءِ الْكُلِّ بِفَوَاتِ جُزْئِهِ.

قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ هَلَاكُ النِّصَابِ يُخَالِفُ اسْتِهْلَاكَهُ بِأَنْ أَنْفَقَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ مَجَانَةً بِأَنْ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ وَإِنْ فَاتَ النَّمَاءُ وَالْمِلْكُ كَمَا فِي الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ صَارَ فِي حَقِّ الْوَاجِبِ حَقًّا لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الْفَقِيرُ، بَيَانُهُ أَنَّ النِّصَابَ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ وَفِي يَدِهِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ فِيهِ عِنْدَنَا وَلَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْوَاجِبِ صَارَ حَقًّا لِلْفَقِيرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ رَصْدًا لِقَضَاءِ حَقِّهِ مِنْهُ إذْ الْوَاجِبُ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ لَا مُطْلَقُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ النِّصَابَ مِنْ الْفَقِيرِ لَا يَنْوِي الزَّكَاةَ أَجْزَأَهُ عَنْ الزَّكَاةِ، وَلَوْ وَهَبَ مَالًا آخَرَ لَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مَالًا مُطْلَقًا فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ هَلَاكُ النِّصَابِ وَبَقَاؤُهُ سَوَاءً.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ كَانَ الْمُسْتَهْلِكُ جَانِيًا عَلَى مَحَلِّ الْحَقِّ بِالْإِتْلَافِ فَيُجْعَلُ الْمَحِلُّ قَائِمًا زَجْرًا عَلَيْهِ وَنَظَرًا لِصَاحِبِ الْحَقِّ إذْ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ قَائِمًا أَدَّى إلَى فَوَاتِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ يَصْرِفُ مَالَ الزَّكَاةِ إلَى حَاجَتِهِ فَلَا يَصِلُ الْفَقِيرُ إلَى حَقِّهِ وَإِذَا جُعِلَ قَائِمًا تَقْدِيرًا يَبْقَى الْوَاجِبُ بِبَقَائِهِ كَمَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِالنَّمَاءِ تَقْدِيرًا، وَهَذَا كَالْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ أَوْ قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِالْجِنَايَةِ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى حَقِّهِمْ بِإِتْلَافِ مَحِلِّهِ وَلَوْ فَرَّطَ فِي تَسْلِيمِ الْعَبْدِ حَتَّى هَلَكَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ فَكَذَا هَذَا، وَلِأَنَّهُ خُوطِبَ بِأَدَاءِ الْعَيْنِ إلَى الْفَقِيرِ فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ فَقَدْ قَصَدَ إسْقَاطَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَجْعَلُ الْعَيْنَ كَالْقَائِمِ رَدًّا لِقَصْدِهِ، فَإِذَا هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا صُنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ الْوَاجِبُ، وَنَظِيرُهُ الصَّائِمُ إذَا سَافَرَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِاخْتِيَارِهِ وَقَصْدِهِ وَلَوْ مَرِضَ أُبِيحَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ فَكَذَلِكَ هَهُنَا، وَلِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَأْخُذُ ذَلِكَ الْوَاجِبَ بَلْ يَأْخُذُ وَاجِبًا آخَرَ بِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ الِاسْتِهْلَاكُ وَسَبَبُ الْوُجُوبِ إذَا تَحَقَّقَ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ الْمُيَسِّرَةَ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ نَظَرًا لِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَالْمُفَوِّتُ لَهَا لَا يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَطَرِيقَةُ الْإِمَامِ الْبُرَغْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهَا قُلْنَا كَذَا، وَالتَّخْيِيرُ تَيْسِيرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ شَرْعًا تُرُفِّقَ بِمَا هُوَ الْأَيْسَرُ عَلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا خُيِّرَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا وَكَانَ الْوَاجِبُ شَيْئًا عَيْنًا بِدُونِ اخْتِيَارِهِ كَانَ أَشَقَّ عَلَيْهِ كَالْمُقِيمِ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ عَيْنًا، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ قَدْ خُيِّرَ فِيهَا بَيْنَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَبَيْنَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يُفِدْ التَّخْيِيرُ التَّيْسِيرَ حَتَّى قُلْتُمْ إنَّهَا وَاجِبَةٌ بِقُدْرَةٍ مُمَكِّنَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَخْيِيرٍ مَعْنًى فَلَا يُفِيدُ التَّيْسِيرَ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّخْيِيرِ قَدْ يَكُونُ تَأْكِيدًا لِوَاجِبٍ وَقَدْ يَكُونُ تَيْسِيرًا لِأَمْرٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ.

، فَنَظِيرُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} [النساء: 66] ، أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَصْدُرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْكُمْ، وَقَوْلُك لِوَلَدِك حِينَ غَضِبْت عَلَيْهِ إمَّا أَنْ تَقْرَأَ اللَّيْلَةَ رُبُعَ الْقُرْآنِ أَوْ تَقْرَأَ الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ أَوْ تَكْتُبَ كَذَا جُزْءٍ مِنْ الْعِلْمِ ثُمَّ تَنَامَ وَإِلَّا لَأَنْتَقِمَنَّ مِنْك فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَأْكِيدُ مَا أَوْجَبْت عَلَيْهِ مِنْ السَّهَرِ فِي التَّعَبِ

ص: 205

وَلِأَنَّهُ نَقَلَ إلَى الصَّوْمِ لِقِيَامِ الْعَجْزِ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّوْمِ مَعَ تَوَهُّمِ الْقُدْرَةِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ مَا يُعْتَبَرُ فِي عَدَمِ سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ الْعَدَمُ فِي الْعُمُرِ كُلِّهِ لَكِنَّهُ اعْتَبَرَ الْعَدَمَ الْحَالِيَّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] وَتَقْدِيرُ الْعَجْزِ بِالْعُمُرِ يُبْطِلُ أَدَاءَ الصَّوْمِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْعَجْزَ الْحَالِيَّ وَكَذَلِكَ فِي طَعَامِ الظِّهَارِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقُدْرَةَ مُيَسِّرَةٌ فَكَانَتْ مِنْ قَبِيلِ الزَّكَاةِ إلَّا أَنَّ الْمَالَ هَهُنَا غَيْرُ عَيْنٍ فَأَيُّ مَالٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْدُ دَامَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ وَلِهَذَا سَاوَى الِاسْتِهْلَاكُ الْهَلَاكَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمَّا كَانَ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِهْلَاكُ تَعَدِّيًا

ــ

[كشف الأسرار]

لَا التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ لَا بُدَّ لَك مِنْ أَنْ تَفْعَلَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَلْبَتَّةَ وَأَنْ لَا يَفُوتَ عَنْك السَّهَرُ لَا مَحَالَةَ، وَنَظِيرُ الثَّانِي قَوْلُك لِغُلَامِك اشْتَرِ بِهَذَا الدِّرْهَمِ لَحْمًا أَوْ خُبْزًا أَوْ فَاكِهَةً فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّيْسِيرُ وَمَعْنَاهُ اخْتَرْ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ عَلَيْك ثُمَّ يُعْرَفُ الْمَقْصُودُ فِي التَّخْيِيرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ بِكَوْنِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ فِيهَا مُتَمَاثِلَةً فِي الْمَعْنَى وَغَيْرَ مُتَمَاثِلَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُتَمَاثِلَةً فِي الْمَعْنَى فَالتَّخْيِيرُ يَقْتَصِرُ عَلَى الصُّورَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِالصُّوَرِ فَيُفِيدُ تَأْكِيدَ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً فِي الْمَعَانِي غَيْرَ مُتَمَاثِلَةٍ فِيهَا كَمَا فِي الصُّوَرِ " فح " يَتَعَدَّى أَثَرُ التَّخْيِيرِ إلَى الْمَعْنَى فَيُفِيدُ التَّيَسُّرَ لَا مَحَالَةَ، فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا مِقْدَارُ مَالِيَّةِ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَقِيمَةُ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ تُسَاوِيهِ عِنْدَهُمْ وَكَذَا الْمَقْصُودُ دَفْعُ حَاجَةِ الْفَقِيرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَالْكُلُّ فِيهِ سَوَاءٌ فَلَا يُفِيدُ التَّخْيِيرُ التَّيْسِيرَ قَصْدًا بَلْ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ وَيَصِيرُ مَعْنَاهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقَعَ الْأَدَاءُ لَا مَحَالَةَ إمَّا بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُمَاثِلُهُ فِي الْمَالِيَّةِ.

، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ مِنْ الْقَبِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مُخْتَلِفَةٌ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا فَالتَّخْيِيرُ فِيهَا يَقَعُ عَلَى الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى فَيُفِيدُ التَّيْسِيرَ.

1 -

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَ أَنَّ التَّخْيِيرَ يُفِيدُ التَّيْسِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا غَيْرَ عَيْنٍ وَأَنَّ الْمَأْمُورَ مُخَيَّرٌ فِي تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهَا فِعْلًا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ بِمَنْزِلَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ وَيَسْقُطُ بِأَدَاءِ الْبَعْضِ وَلَمَّا كَانَ الْكُلُّ وَاجِبًا لَا يُفِيدُ التَّخْيِيرُ التَّيْسِيرَ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ.

قَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ نَقْلٌ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَقَلَ إلَى الصَّوْمِ بِالْعَجْزِ الْحَالِيِّ مَعَ تَوَهُّمِ الْقُدْرَةِ فِيمَا بَعْدُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْعَجْزَ الْمُسْتَدَامَ فِي الْعُمُرِ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ قَوْلُهُ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ فُلَانًا فَعَلَيَّ كَذَا وَكَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي حَتَّى لَوْ قَدَرَ بَعْدَ الْفِدْيَةِ لَا تُجْزِيهِ تِلْكَ الْفِدْيَةُ دَلَّ عَلَى تَيْسِيرِ الْأَمْرِ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ أَصْلُ الْمُكْنَةِ مَعَ احْتِمَالِ حُدُوثِهَا فِي الْعُمُرِ لِيَبْرَأَ عَنْهُمَا بِالصَّوْمِ وَلَا يَبْقَى تَحْتَ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ إلَى حُدُوثِ الْقُدْرَةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَقَلَ الْحُكْمَ إلَى الصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْعَجْزُ الْمُسْتَدَامُ فِي الْعُمُرِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِآخِرِ الْعُمُرِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ أَدَاءُ الصَّوْمِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ.

وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَهُوَ لَا يَجِدُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْمِلْكِ بِدُونِ الْيَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَالِهِ الْغَائِبِ عَبْدٌ " فح " لَا يُجْزِيهِ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ، فَإِنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ فَلَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ الِانْتِظَارُ إلَى وُصُولِ الْمَالِ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطَ الِانْتِظَارُ إلَى حُصُولِهِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ فِي طَعَامِ الظِّهَارِ يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ فِيمَا ذَكَرْنَا فَكَذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ عَنْ وَاجِبٍ إلَى مَا بَعْدَهُ مِثْلَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالصَّوْمِ وَالْقَتْلِ فَيُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِهَا الْعَجْزُ الْحَالِيُّ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ عَنْ الرَّقَبَةِ إلَى الصَّوْمِ.

وَكَذَلِكَ فِي النَّقْلِ عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالصَّوْمِ حَتَّى لَوْ مَرِضَ أَيَّامًا فَكَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ

ص: 206

وَصَارَتْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ نَظِيرَ اسْتِطَاعَةِ الْفِعْلِ الَّتِي لَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ وَلِهَذَا قُلْنَا بَطَلَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْغَنَاءَ وَالْيُسْرَ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ يُنَافِي الْيُسْرَ

ــ

[كشف الأسرار]

جَازَ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ بَعْدُ فَثَبَتَ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمَشْرُوطَةَ فِيهَا مُيَسِّرَةٌ فَكَانَتْ أَيْ الْكَفَّارَاتُ مِنْ قَبِيلِ الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا خُصَّ الطَّعَامُ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الصَّوْمِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا يُنْقَلُ إلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله أَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ قَبِيلِ الزَّكَاةِ وَقَدْ فَارَقَتْهَا، فِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا يَعُودُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَالِ بِإِصَابَةِ مَالٍ آخَرَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلَا يَعُودُ فِي الزَّكَاةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا دُونَ الزَّكَاةِ، وَفِي أَنَّ الْوَاجِبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ فِيهَا يَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ كَمَا يَنْتَقِلُ بِالْهَلَاكِ وَفِي الزَّكَاةِ خَالَفَ الِاسْتِهْلَاكُ الْهَلَاكَ كَمَا قَرَّرْنَا وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا فَوْقَ الزَّكَاةِ تَعَرَّضَ لِلْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنَّ الْمَالَ هَهُنَا غَيْرُ عَيْنٍ يَعْنِي الْوَاجِبَ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِهَذَا الْمَالِ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَالْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ تَثْبُتُ بِمِلْكِ الْمَالِ وَلَا تَخْتَصُّ بِمَالٍ دُونَ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ هَهُنَا لِكَوْنِهِ صَالِحًا لِلتَّقَرُّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْصُلُ بِهِ الثَّوَابُ لِيَصِيرَ مُقَابِلًا بِالْأَثِمِ الَّذِي عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ النَّمَاءُ فَكَانَ الْمَالُ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْحِنْثِ وَالْمُسْتَفَادُ بَعْدَهُ فِيهِ سَوَاءً بِخِلَافِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ فَلَا تَبْقَى الْقُدْرَةُ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ بَعْدُ أَيْ مِنْ بَعْدِ الْحِنْثِ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْهَلَاكِ، دَامَتْ أَيْ ثَبَتَتْ.

وَعَنْ الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الْمَالِ غَيْرَ عَيْنٍ سَاوَى الِاسْتِهْلَاكُ الْهَلَاكَ فِي الْكَفَّارَاتِ حَتَّى إنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ إذَا أَتْلَفَ مَالَهُ جَازَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ كَمَا إذَا هَلَكَ بِغَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ حَيْثُ فَارَقَ الِاسْتِهْلَاكُ الْهَلَاكَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْوَاجِبِ بَعْدَ فَوَاتِ الْقُدْرَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَوْنِهِ مُوَقَّتًا كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لَمَّا شُرِعَتْ مُوَقَّتَةً كَانَ التَّأْخِيرُ عَنْ الْوَقْتِ جِنَايَةً عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ بِالتَّفْوِيتِ أَوْ بِالتَّعَدِّي عَلَى مَحَلِّ الْوَاجِبِ بِأَنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَحِلِّ عَيْنٍ كَالزَّكَاةِ وَهَهُنَا الْوَاجِبُ لِمَا لَمْ يَكُنْ مُوَقَّتًا لِيُعَدَّ تَفْوِيتُهُ عَنْ الْوَقْتِ جِنَايَةً وَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ مُتَعَيِّنًا أَيْضًا لِيَصِيرَ اسْتِهْلَاكُهُ تَعَدِّيًا كَانَ الِاسْتِهْلَاكُ كَالْهَلَاكِ ضَرُورَةً إلَيْهِ أُشِيرَ فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ الْبُرَغْرِيِّ رحمه الله.

قَوْلُهُ (وَصَارَتْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ) أَيْ الْقُدْرَةُ الْمَالِيَّةُ فِي الْكَفَّارَةِ، عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا تَدُومُ بِأَيِّ مَالٍ أَصَابَهُ نَطِيرَ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي لَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُودَهَا يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْأَدَاءِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ كَالِاسْتِطَاعَةِ لَا يَتَقَدَّمُ الْفِعْلُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مُوسِرًا وَقْتَ الْحِنْثِ مُعْسِرًا وَقْتَ الْأَدَاءِ يُجْزِيهِ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَجْزِيهِ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ وَأَنَّ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِهَا الْغَنَاءُ قُلْنَا بَطَلَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِالدَّيْنِ أَيْ بِالدَّيْنِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لَكِنْ إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ كَذَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ رحمه الله؛ لِأَنَّ مَا عُرِفَ مَانِعًا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا؛ لِأَنَّهُ أَيْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُنَافِي الْغِنَى وَالْيُسْرَ؛ لِأَنَّ الْغِنَى إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ وَهَذَا الْمَالُ مَشْغُولٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ أَصْلِيَّةٌ فَلَا يَحْصُلُ الْغَنَاءُ بِمِلْكِ قَدْرِ الدَّيْنِ وَلِهَذَا حَلَّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَهِيَ لَا تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ، وَكَذَلِكَ الْيُسْرُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمُؤَدِّي فَضْلُ مَالٍ غَيْرُ مَشْغُولٍ بِحَاجَتِهِ وَنَعْنِي بِمَشْغُولِيَّةِ الْمَالِ بِالْحَاجَةِ أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ تَفْرِيغَ الذِّمَّةِ عَنْ الدَّيْنِ وَاجِبٌ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِهَذَا الْمَالِ فَكَانَ كَالْمَصْرُوفِ إلَى الدَّيْنِ كَالْمَاءِ الْمُعَدِّ

ص: 207

لِأَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ فَكَفَّرَ بِالصَّوْمِ بَعْدَ مَا يَقْضِي دَيْنَهُ بِمَالِهِ قَالَ يُجْزِئُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصْرِفْ إلَى دَيْنِهِ مَا جَوَابُهُ فَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ لِمَا قُلْنَا مِنْ فَوَاتِ صِفَةِ الْيُسْرِ بِهِ فَيُجْعَلُ الْمَالُ كَالْمَعْدُومِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ يَجِبُ بِالْمَالِ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ بِصِفَةِ الْيُسْرِ وَبِشَرْطِ الْقُدْرَةِ وَلِمَعْنَى الْإِغْنَاءِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ وَبِقَوْلِهِ «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» فَهَذَا الْإِغْنَاءُ وَجَبَ عِبَادَةً شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْغِنَى فَشُرِطَ الْكَمَالُ فِي سَبَبِهِ لِيَسْتَحِقَّ شُكْرَهُ فَيَكُونَ الْوَاجِبُ شَطْرًا مِنْ الْكَامِلِ، وَالدَّيْنُ يُسْقِطُ الْكَمَالَ وَلَا يُعْدِمُ أَصْلَهُ

ــ

[كشف الأسرار]

لِلْعَطَشِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِيَبْتَنِيَ عَلَيْهَا الْمَسْأَلَةَ الَّتِي تَلِيهَا وَيُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ قَالَ) أَيْ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا وَالْإِضْمَارُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ جَائِزٌ عِنْدَ الشُّهْرَةِ وَعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] وَالْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَذْكُرْ) أَيْ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ صَرْفِ الْأَلْفِ إلَى الدَّيْنِ مَا جَوَابُهُ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُجْزِيهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لِهَذَا وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ مُسْتَحَقٌّ بِدَيْنِهِ فَيُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ كَالْمُسَافِرِ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ وَهُوَ يُخَالِفُ الْعَطَشَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُسْتَحَقٌّ بِعَطَشِهِ فَيُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ التَّيَمُّمِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُجْزِيهِ اسْتِدْلَالًا بِالتَّقْيِيدِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَمَا يَقْضِي دَيْنَهُ، وَالتَّقْيِيدُ فِي الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ مَا عَدَاهُ وَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْكِتَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَالتَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ: إنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لَهُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ يُجْزِيهِ فِي الْحَالَيْنِ وَالتَّقْيِيدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلِهَذَا اخْتَلَفُوا.

قَوْلُهُ (وَجَبَتْ بِصِفَةِ الْيُسْرِ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الزَّكَاةِ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْقَلِيلُ مِنْ الْكَثِيرِ وَوَجَبَتْ فِي النَّمَاءِ لَا فِي أَصْلِ الْمَالِ تَيْسِيرًا عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَلِهَذَا شُرِطَ لِتَكْرَارِ الْوَاجِبِ تَكْرَارُ الْحَوْلِ كَذَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَشَرْطُ الْقُدْرَةِ يَعْنِي قُدْرَةً تُوجِبُ هَذَا الْيُسْرَ، وَلِمَعْنَى الْإِغْنَاءِ بِقَوْلِهِ عليه السلام «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» نَصَّ عَلَى مَعْنَى الْإِغْنَاءِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما رَوَى أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُؤَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الْمُصَلَّى، وَقَالَ: أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَلَكِنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي الزَّكَاةِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ لَمَّا وَجَبَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِسَدِّ خَلَّةِ الْفَقِيرِ مَعَ قُصُورِ صِفَةِ الْغَنَاءِ فِيهَا لِقُصُورِ النِّصَابِ فَلَأَنْ يَجِبَ فِي الزَّكَاةِ لِهَذَا الْمَعْنَى مَعَ كَمَالِ صِفَةِ الْغَنَاءِ فِيهَا كَانَ أَوْلَى.

وَقَوْلُهُ عليه السلام فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِغْنَاءِ لَا بِالْمَسْأَلَةِ يَعْنِي أَغْنُوهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ قِيلَ الْمِثْلُ زَائِدٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَفَائِدَتُهُ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ إذْ لَوْ لَمْ يُذْكَرْ لَاقْتَصَرَ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ وَلِمَعْنَى الْإِغْنَاءِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ فِي صِفَةِ الْيُسْرِ وَشَرْطِ الْقُدْرَةِ تَشْتَرِكَانِ فَأَمَّا مَعْنَى الْإِغْنَاءِ فَمُخْتَصٌّ بِالزَّكَاةِ فَلِهَذَا أَفْرَدَهُ بِاللَّامِ.

قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» ذَكَرَ فِي مَجَازَاتِ الْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُصَّدِّقَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إذَا كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ غِنَى وَالظَّهْرُ هَهُنَا كِنَايَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ فَكَانَ الْمَالُ لِلْغِنَى بِمَنْزِلَةِ الظَّهْرِ الَّذِي عَلَيْهِ اعْتِمَادُهُ وَإِلَيْهِ اسْتِنَادُهُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فُلَانٌ ظَهْرٌ لِفُلَانٍ إذَا كَانَ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَلْجَأُ فِي الْحَوَادِثِ إلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ وَأَمَّا لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى أَيْ صَادِرَةٌ عَنْ غِنًى فَالظَّهْرُ فِيهِ مَقْحَمٌ كَمَا فِي ظَهْرِ الْقَلْبِ وَظَهْرِ الْغَيْبِ، وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ عليه السلام شَرَطَ الْغَنَاءَ لِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ لَا صَدَقَةَ

ص: 208

وَلِهَذَا حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِغْنَاءُ وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى الزَّكَاةُ إلَّا بِعَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ.

وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلَا تَسْتَغْنِي عَنْ شَرْطِ الْقُدْرَةِ وَعَنْ قِيَامِ صِفَةِ الْيُسْرِ فِي تِلْكَ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ لِلْإِغْنَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا شُرِعَتْ سَاتِرَةً أَوْ زَاجِرَةً لَا أَمْرًا أَصْلِيًّا لِلْفَقِيرِ إغْنَاءً، وَأَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِالتَّحْرِيرِ وَبِالصَّوْمِ وَلَا إغْنَاءَ فِيهِمَا لَكِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ نَيْلُ الثَّوَابِ لِيُقَابَلَ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ وَمَا يَقَعُ بِهِ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلثَّوَابِ وَلِذَلِكَ يَتَأَدَّى بِالْإِبَاحَةِ وَلَا إغْنَاءَ يَحْصُلُ بِهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْإِغْنَاءُ مَقْصُودًا لَمْ يَشْتَرِطْ صِفَةَ الْغِنَى فِي الْمُخَاطَبِ بِهَا بَلْ الْقُدْرَةُ وَالْيُسْرُ بِهَا شَرْطٌ وَذَلِكَ لَا يَنْعَدِمُ بِالدَّيْنِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهَا لَمْ تَجِبْ شُكْرًا لِلْغِنَى بَلْ جَزَاءً لِلْفِعْلِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ كَمَالَ صِفَةِ الْغِنَى إنَّمَا شَرَطَ أَدْنَى مَا يَصْلُحُ لِطَلَبِ الثَّوَابِ وَأَصْلُ الْمَالِ كَافٍ لِذَلِكَ

ــ

[كشف الأسرار]

لَيْسَ نَفْيَ الْوُجُودِ إذْ هِيَ تُوجَدُ وَتَصِحُّ بِدُونِ الْغَنَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلْوُجُودِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ اشْتِرَاطُهُ لِثُبُوتِ الْيُسْرِ فِي الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَلْ لِثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا احْتِيَاجَ لِثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ غَنَاءَ الْفَقِيرِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهَا وَجَبَتْ لِمَعْنَى الْإِغْنَاءِ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهَا وَجَبَتْ لِمَعْنَى إغْنَاءِ الْفَقِيرِ إنَّمَا يَجِبُ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْغَنَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ بِهِ تَعَلَّقَ بَقَاءُ الْأَبْدَانِ وَبِهِ نِيطَ مَقَاصِدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْلُوَ عَنْ شُكْرٍ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْعِبَادَةِ كَنِعْمَةِ الْبَدَنِ وَلَمْ يَجِبْ فِي الْمَالِ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ سِوَى الزَّكَاةِ فَتَعَيَّنَتْ لِشُكْرِ نِعْمَةِ الْمَالِ.

ثُمَّ الشُّكْرُ يَسْتَدْعِي سَبَبًا كَامِلًا لِيُؤَثِّرَ فِي إيجَابِ الشُّكْرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا كَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ مِنْ وَجْهٍ وَالْعَدَمُ لَا يُؤَثِّرُ فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ الشُّكْرِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَالدَّيْنُ يُسْقِطُ الْكَمَالَ أَيْ عَنْ الْغِنَى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَحَاجَتُهُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِالْمَالِ تُعْدِمُ تَمَامَ الْغِنَى بِمِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحَقُّ بِجِهَةٍ كَالْمَصْرُوفِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْمُعَدِّ لِلْعَطَشِ، وَلَا يُعْدِمُ أَصْلَهُ أَيْ أَصْلَ الْغِنَى؛ لِأَنَّ الْمَالَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَلِهَذَا جَازَتْ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ وَلَمَّا زَالَ وَصْفُ الْكَمَالِ عَنْهُ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْإِغْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْغِنَى الْكَامِلِ وَقَدْ عُدِمَ.

قَوْلُهُ (شَطْرًا مِنْ الْكَامِلِ) أَيْ بَعْضًا مِنْهُ وَشَطْرُ الشَّيْءِ نِصْفُهُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَعْضِ تَوَسُّعًا، وَمِنْهُ «قَوْلُهُ عليه السلام فِي الْحَائِضِ تَقْعُدُ شَطْرَ عُمُرِهَا» ، سَمَّى الْبَعْضَ شَطْرًا تَوَسُّعًا فِي الْكَلَامِ وَاسْتِكْثَارًا لِلْقَلِيلِ وَمِثْلُهُ فِي التَّوَسُّعِ «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ» ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا حَلَّتْ) أَيْ وَلِانْتِفَاءِ الْغِنَى بِانْتِفَاءِ الْكَمَالِ عَنْهُ حَلَّتْ لِلْمَدْيُونِ الصَّدَقَةُ أَيْ الزَّكَاةُ وَهِيَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَامِلًا وَابْنِ السَّبِيلِ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى الزَّكَاةُ) أَيْ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ لِمَعْنَى الْإِغْنَاءِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِعَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ أَيْ بِتَمْلِيكِ عَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ حَتَّى لَوْ أَسْكَنَ الْفَقِيرَ دَارِهِ سَنَةً بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ، وَكَذَا لَوْ أَبَاحَهُ طَعَامًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ فَأَكَلَهُ الْفَقِيرُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ الْغَيْرِ وَبِهِ لَا يَحْصُلُ الْغِنَى، قَالَ أَبُو الْيُسْرِ الزَّكَاةُ شُرِعَتْ لِإِغْنَاءِ الْفَقِيرِ لِقَوْلِهِ عليه السلام، «أَغْنُوهُمْ» وَالْوَاجِبُ فِيهَا هُوَ الْإِغْنَاءُ الْكَامِلُ وَهُوَ تَمْلِيكُ مَالٍ مُحْتَرَمٍ مُتَقَوِّمٍ بِلَا نُقْصَانٍ فِي نَفْسِهِ وَالْإِغْنَاءُ الْكَامِلُ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ الْكَامِلِ كَمَا فِي التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ.

قَوْلُهُ (سَاتِرَةً أَوْ زَاجِرَةً) أَيْ سَاتِرَةً بَعْدَ الْجِنَايَةِ زَاجِرَةً قَبْلَهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ هِيَ سَاتِرَةٌ لِلذَّنْبِ أَيْ مَاحِيَةٌ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وَقَالَ عليه السلام «أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» أَوْ هِيَ سَاتِرَةٌ لِمُرْتَكِبِ الذَّنْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَزَّقَ لِبَاسَ تَقْوَاهُ بِارْتِكَابِهِ حَتَّى صَارَ عُرْيَانًا سَتَرَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَصَارَتْ تَرْقِيعًا لِمَا مَزَّقَ، وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ هِيَ زَاجِرَةٌ كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ.

قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ لِلْإِغْنَاءِ تَتَأَدَّى بِالْإِبَاحَةِ، فِي الْمُخَاطَبِ بِهَا أَيْ فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ شُرِطَتْ الْقُدْرَةُ وَالْيُسْرُ بِهَا أَيْ شُرِطَتْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ.

، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَلْ الْقُدْرَةُ وَالْيُسْرُ بِهَا أَيْ تَعَلَّقَتْ أَوْ وَجَبَتْ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ، وَذَلِكَ

ص: 209

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ سُقُوطُ الْعُشْرِ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِشَرْطِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى أَدَاءِ الْعُشْرِ يَسْتَغْنِي عَنْ قِيَامِ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ، لَكِنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ لِلْيُسْرِ وَلَمْ يَجِبْ إلَّا بِأَرْضٍ نَامِيَةٍ بِالْخَارِجِ فَشَرَطَ قِيَامَهُ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْيُسْرِ وَكَذَلِكَ الْخَرَاجُ يَسْقُطُ إذَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ بِصِفَةِ الْيُسْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِسَلَامَةِ الْخَارِجِ إلَّا أَنَّهُ بِطَرِيقِ التَّقْدِيرِ بِالتَّمَكُّنِ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْخَارِجِ وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْخَارِجَ إذَا قَلَّ حُطَّ الْخَرَاجُ إلَى نِصْفِ الْخَارِجِ وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ سَقَطَ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ حَتَّى لَا يَنْقَلِبَ غُرْمًا مَحْضًا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْحَجِّ فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَمْ يَسْقُطْ بِفَوْتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِشَرْطِ الْقُدْرَةِ دُونَ الْيُسْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ أَدْنَى مَا يُقْطَعُ بِهِ السَّفَرُ وَلَا يَقَعُ الْيُسْرُ إلَّا بِخَدَمٍ وَمَرَاكِبَ وَأَعْوَانٍ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لِدَوَامِ الْوَاجِبِ

ــ

[كشف الأسرار]

بِالدَّيْنِ أَيْ الْيُسْرُ لَا يَفُوتُ بِهِ بَلْ تَيْسِيرُ الْأَدَاءِ قَائِمٌ بِمِلْكِ الْمَالِ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيُسْرَ فِيهَا ثَبَتَ بِالتَّخْيِيرِ أَوْ اعْتِبَارِ الْعَجْزِ الْحَالِيِّ كَمَا ذَكَرْنَا وَذَلِكَ لَا يَفُوتُ بِالدَّيْنِ، وَالِانْعِدَامُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُحْدَثَةِ فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يُجَوِّزُوا عَدِمْته فَانْعَدَمَ؛ لِأَنَّ عَدِمْته بِمَعْنَى لَمْ أَجِدْهُ وَحَقِيقَتُهُ تَعُودُ إلَى قَوْلِك فَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مُطَاوِعٌ فَكَذَا لِعَدِمْتُ إذْ لَيْسَ فِيهِ إحْدَاثُ فِعْلٍ، وَذَكَرَ فِي الْمُفَصَّلِ وَلَا يَقَعُ يَعْنِي انْفَعَلَ إلَّا حَيْثُ يَكُونُ عِلَاجٌ وَتَأْثِيرٌ، وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ انْعَدَمَ خَطَأً إلَّا أَنَّهُ لَمَّا شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكُتُبِ صَارَ اسْتِعْمَالُهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ، وَلِهَذَا قِيلَ الْخَطَأُ الْمُسْتَعْمَلُ أَوْلَى مِنْ الصَّوَابِ النَّادِرِ.

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ بَقَاءَ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ مَا تَعَلَّقَ بِهَا يَخْرُجُ مَسْأَلَةُ الْعُشْرِ، يُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ يَعْنِي الْقُدْرَةَ عَلَى أَدَاءِ مَا هُوَ عُشْرٌ مِنْ الْجُمْلَةِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ وَإِنْ افْتَقَرَتْ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ عُشْرٌ كَمَا أَنَّ الْجُزْءَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْكُلِّ نَظَرًا إلَى ذَاتِهِ فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْءٌ فَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، بِأَرْضٍ نَامِيَةٍ بِالْخَارِجِ أَيْ بِالنَّمَاءِ الْحَقِيقِيِّ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْخَرَاجُ يَسْقُطُ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْعُشْرَ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ فَكَذَا الْخَرَاجُ يَسْقُطُ، إذَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ أَيْ اسْتَأْصَلَهُ آفَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِنَمَاءِ الْأَرْضِ كَالْعُشْرِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ سَبِخَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَسْلَمْ الْخَارِجُ لِرَبِّ الْأَرْضِ بِأَنْ زَرَعَهَا وَلَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا أَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ ثُمَّ نَضَبَ عَنْهَا الْمَاءُ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى زِرَاعَتِهَا قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ إلَّا أَنَّ النَّمَاءَ التَّقْدِيرِيَّ بِأَنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الزِّرَاعَةِ فِي وَقْتِهَا كَافٍ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ فِي الْخَرَاجِ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْخَارِجِ فَلَا يُجْعَلُ تَقْصِيرُهُ عُذْرًا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغُزَاةِ وَيُجْعَلُ النَّمَاءُ مَوْجُودًا حُكْمًا لِتَقْصِيرِهِ حَيْثُ عَطَّلَهَا مَعَ التَّمَكُّنِ كَمَا يُجْعَلُ مَوْجُودًا بَعْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ فِي مَالِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ إضَافِيٌّ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ إلَّا فِي النَّمَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ حَيْثُ لَمْ يُعَطِّلْهَا إلَّا أَنَّهُ أُصِيبَ فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِيصَالِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْدَ الِاصْطِلَامِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ إلَى آخِرِ السَّنَةِ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ أَيْضًا كَذَا سَمِعْت مِنْ شَيْخِي قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ.

، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَمِمَّا حُمِدَ مِنْ سِيَرِ الْأَكَاسِرَةِ أَنَّهُمْ إذَا أَصَابَ زَرْعَ بَعْضِ الرَّعِيَّةِ آفَةٌ غَرِمُوا لَهُ مَا أَنْفَقَ فِي الزِّرَاعَةِ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ وَقَالُوا التَّاجِرُ شَرِيكٌ فِي الْخُسْرَانِ كَمَا هُوَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ الْإِمَامُ شَيْئًا فَلَا أَقَلّ مِنْ أَنْ لَا يُغَرِّمَهُ الْخَرَاجَ.

قَوْلُهُ (وَبِدَلِيلِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَتَقْدِيرُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِسَلَامَةِ الْخَارِجِ وَبِدَلِيلِ كَذَا، حُطَّ إلَى نِصْفِ الْخَارِجِ يَعْنِي الْخَرَاجَ كُلَّهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْخَارِجِ فَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ حُطَّ إلَى نِصْفِ الْخَارِجِ لِيَسْلَمَ لَهُ النِّصْفُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالتَّنْصِيفُ عَيْنُ الْأَنْصَافِ فَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ مَثَلًا يُسَاوِي دِينَارًا وَالْوَاجِبُ دِينَارٌ أَنْ يَجِبَ نِصْفُ دِينَارٍ.

قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ مُخَالِفٌ لِلْحَجِّ الَّذِي قَاسَهَا الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَمْ يَسْقُطْ بِفَوْتِهِمَا؛ لِأَنَّهَا أَيْ عِبَادَةُ الْحَجِّ وَجَبَتْ بِشَرْطِ الْقُدْرَةِ دُونَ صِفَةِ الْيُسْرِ فَإِنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ

ص: 210

وَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِهَلَاكِ الرَّأْسِ وَذَهَابِ الْغِنَى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِصِفَةِ الْيُسْرِ بَلْ بِشَرْطِ الْقُدْرَةِ وَقِيَامِ صِفَةِ الْأَهْلِيَّةِ بِالْغِنَى، أَلَا تَرَى أَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ رَأْسِ الْحُرِّ وَلَا يَقَعُ بِهِ الْغِنَى وَوُجِدَ الْغِنَى بِثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَلَا يَقَعُ بِهَا الْيُسْرُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ فَلَمْ يَكُنْ الْبَقَاءُ مُفْتَقِرًا إلَى دَوَامِ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَقْتَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُعْدِمُ الْغَنَاءَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَبِهِ يَقَعُ أَهْلِيَّةُ الْإِغْنَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

فِيهِ نَفْسَ الِاسْتِطَاعَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] ، وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ عَادَةً فَكَانَ مِلْكُهُمَا أَدْنَى مَا يُقْطَعُ بِهِ هَذَا السَّفَرُ، فَكَانَ أَيْ مِلْكُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا شَرْطَ الْيُسْرِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ، وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ الْحَجُّ لَا يَجِبُ إلَّا بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَيَبْقَى بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ بِالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَلَا يَتَيَسَّرُ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَإِنَّمَا يَتَيَسَّرُ بِهِمَا السَّفَرُ وَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ قُدْرَةُ الْأَدَاءِ وَلَا التَّيْسِيرُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْأَدَاءِ فَعُلِمَ أَنَّهُ شَرَطَ الْوُجُوبَ رَحْمَةً عَلَيْنَا.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَمَا أَنَّ الْحَجَّ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ الْوُجُوبِ بِفَوَاتِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا يَسْقُطُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِهَلَاكِ الرَّأْسِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ وَجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِسَبَبِهِ فَهَلَكَ، وَذَهَابُ الْمَالِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ ابْتِدَاءً بِدُونِهِمَا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْغَنَاءِ لِلْوُجُوبِ لَا لِتَيْسِيرِ الْأَدَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا يَسْتَقِيمُ إيجَابُهَا إلَّا عَلَى غِنًى كَمَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى مُؤْمِنٍ؛ لِأَنَّهَا مَا شُرِعَتْ إلَّا لِإِغْنَاءِ الْفَقِيرِ خُصُوصًا هَذِهِ الصَّدَقَةُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «أَغْنُوهُمْ» ، فَلَوْ كَانَ الْفَقِيرُ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ لَصَارَتْ مَشْرُوعَةً لِإِحْوَاجِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ إغْنَاءِ الْفَقِيرِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ بِهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْإِغْنَاءِ فَلَوْ اعْتَبَرَ هَذَا الْغَنَاءَ وَأَمَرَ بِالْإِغْنَاءِ لَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ؛ لِأَنَّهُ ح يَصِيرُ مُحْتَاجًا إلَى الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ دَفْعَ حَاجَةِ نَفْسِهِ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى الْمَسْأَلَةِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ حَاجَةِ الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ أَيْضًا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَانَ الصَّرْفُ إلَى نَفْسِهِ أَوْلَى بَلْ وَاجِبًا إنْ خَافَ الْهَلَاكَ عَلَيْهَا وَلِهَذَا شَرَطَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنْ يَمْلِكَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَاعًا فَاضِلًا مِنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَيْلَتَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَنَا مَا دُونَ النِّصَابِ لَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ فِي الشَّرْعِ حَتَّى حَلَّ لِمَالِكِهِ الصَّدَقَةُ فَشَرَطْنَا النِّصَابَ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْوُجُودِ شَرْعًا فَيَتَحَقَّقُ الْإِغْنَاءُ، وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فِي جَوَابِ مَا يُقَالُ الْمُرَادُ مِنْ الْإِغْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الْإِغْنَاءُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ لَا الْإِغْنَاءُ الشَّرْعِيُّ فَلَا يَكُونُ الْغَنَاءُ الشَّرْعِيُّ شَرْطًا لِأَهْلِيَّتِهِ بِهِ إنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِغْنَاءِ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَبَقِيَ الْغَنَاءُ الْمَشْرُوطُ فِي جَانِبِ الْمُؤَدِّي مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الشَّرْعِ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْغَنَاءِ فِي الْمُؤَدِّي مَا ثَبَتَ نَصًّا وَإِنَّمَا ثَبَتَ ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْإِغْنَاءِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ لَيْسَ الْغَنَاءَ الشَّرْعِيَّ فَأَنَّى يَثْبُتُ اشْتِرَاطُهُ فِي الْمُؤَدَّى بِهِ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا أَوْلَى.

قَوْلُهُ (بِثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمَهْنَةِ) الْبِذْلَةُ بِالْكِسْرَةِ مَا يُبْتَذَلُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْمَهْنَةِ بِالْفَتْحِ الْخِدْمَةُ، وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ وَالْكِسَائِيُّ الْمِهْنَةَ بِالْكَسْرِ وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْمَهْنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا الْخِدْمَةُ وَالِابْتِذَالُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبِذْلَةُ وَالْمِهْنَةُ تَرَادُفًا، وَقِيلَ: أَرَادَ بِثِيَابِ الْبِذْلَةِ ثِيَابَ الْجَمَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ وَبِالْمَهْنَةِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي غَيْرِهَا، فَإِذَا مَلَكَ مِنْ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمَهْنَةِ مَا يُسَاوِي نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَبِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ يَحْصُلُ أَصْلُ التَّمَكُّنِ وَالْغَنَاءِ فَأَمَّا صِفَةُ الْيُسْرِ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ النَّامِي لِيَكُونَ الْأَدَاءُ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ هَهُنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَوَلَانُ الْحَوْلِ الْمُحَقِّقِ لِلنَّمَاءِ بَلْ إذَا مَلَكَ نِصَابًا بِلَيْلَةِ الْفِطْرِ تَلْزَمُهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْغَنَاءَ شَرْطُ التَّمَكُّنِ لَا شَرْطُ الْيُسْرِ فَلَا

ص: 211

بِخِلَافِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ قِيَامَ الْغِنَى بِمَالٍ آخَرَ يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ بَالِغًا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَبِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِدَيْنِ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَقْتَضِي صِفَةَ الْغِنَى الْكَامِلِ بِعَيْنِ النِّصَابِ لَا بِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ فِي تَقْسِيمِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ وَصِفَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي نَفْسِهِ فَأَمَّا مَا يَكُونُ صِفَةً قَائِمَةً بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَقْتُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْتِيبِهِ عَلَى الدَّرَجَةِ الْأُولَى وَهَذَا

ــ

[كشف الأسرار]

يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ أَيْ عَلَى قَوْلِنَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ لَمْ يَجِبْ بِصِفَةِ الْيُسْرِ أَنَّ الدَّيْنَ الْقَائِمَ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَمْنَعُ عَنْ وُجُوبِهَا كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِصِفَةِ الْيُسْرِ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مَانِعًا مِنْ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ الدَّيْنِ مُمْكِنٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهَا تَجِبُ بِقُدْرَةِ مُيَسِّرَةٍ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ فِيمَا تَجِبُ بِقُدْرَةٍ مُمَكِّنَةٍ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ الدَّيْنُ إنَّمَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يُعْدِمُ الْغَنَاءَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ وَالْغَنَاءُ مِنْ شُرُوطِ الْأَهْلِيَّةِ فَعَدَمُهُ يُخِلُّ بِهَا فَيَمْتَنِعُ الْوُجُوبُ لَا مَحَالَةَ.

قَوْلُهُ (بِخِلَافِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ) إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ لِلْخِدْمَةِ دَيْنٌ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي التِّجَارَةِ فَعَلِقَتْ رَقَبَتُهُ بِهِ وَمَوْلَاهُ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْغَنَاءِ ثَابِتَةٌ لَهُ بِمَا يَمْلِكُ مِنْ مَالٍ آخَرَ سِوَى هَذَا الْعَبْدِ وَمَالِيَّةُ مِنْ يُؤَدِّي عَنْهُ غَيْرِ مُعْتَبَرَةٍ لِلْوُجُوبِ كَمَا فِي وَلَدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَبِسَبَبِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَهُ بِنَوْعٍ مِنْ خِدْمَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي غِنَاهُ وَلَا صَدَقَةَ إلَّا عَلَى الْغِنَى، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَ دَيْنِ الْعَبْدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَبَيْنَهُ فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ يَمْنَعُ دَيْنُهُ فِي الزَّكَاةِ وَلَا يَمْنَعُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ بِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ إلَى آخِرِهِ، وَبَيَانُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الزَّكَاةِ الْغَنَاءُ بِذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِمَالٍ آخَرَ وَدَيْنُ الْعَبْدِ يَمْنَعُ الْغَنَاءَ بِمَالِيَّتِهِ، فَأَمَّا الْمُعْتَبَرُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَمُطْلَقُ الْغِنَى بِأَيِّ مَالٍ كَانَ وَدَيْنُ الْعَبْدِ لَا يَمْنَعُ الْغَنَاءَ بِمَالٍ آخَرَ فَافْتَرَقَا.

قَوْلُهُ (هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ بَابِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ إلَى هَهُنَا، تَقْسِيمٌ فِي صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ وَهُوَ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ، وَتَقْسِيمٌ فِي صِفَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ تَقْسِيمِ الْحَسَنِ، فَأَمَّا مَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَأْمُورِ بِهِ قَائِمَةً بِغَيْرِهِ أَيْ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ الْوَقْتُ إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ قَدْ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ كَمَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَسَنٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْتِيبِهِ أَيْ تَقْسِيمِهِ، عَلَى الدَّرَجَةِ الْأُولَى وَهُوَ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفْتَقِرُ إلَى الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ فِي بَعْضِ الْأَوَامِرِ لَا الْقَضَاءُ الَّذِي هُوَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُوَقَّتٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى أَيْ الْقِسْمَةُ الْأُولَى انْقَسَمَ إلَى نَوْعَيْنِ أَدَاءً وَقَضَاءٍ وَإِلَى حَسَنٍ لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى أَنْوَاعٍ فَكَذَا فِي حُكْمِ الْوَقْتِ يَنْقَسِمُ إلَى مُوَقَّتٍ وَغَيْرِ مُوَقَّتٍ ثُمَّ إلَى مَا يَكُونُ ظَرْفًا وَمِعْيَارًا وَمُشْكِلًا فَهَذَا الِانْقِسَامُ وَالتَّرْتِيبُ كَالدَّرَجَةِ الْأُولَى كَمَا تَرَى إلَيْهِ أَشَارَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ رحمه الله.

، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أُسْتَاذُ الْأَئِمَّةِ حَمِيدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ رحمه الله مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى مُرَتَّبٌ عَلَى الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَذَا تَرْتِيبٌ فِي نَفْسِهِ وَهَهُنَا انْقَسَمَ إلَى مُوَقَّتٍ وَغَيْرِ مُوَقَّتٍ وَهَذَا التَّرْتِيبُ فِي غَيْرِهِ وَالْمُوَقَّتُ يَنْقَسِمُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَوَقْتِ الْقَضَاءِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» ، قُلْت وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ الْأَمْرِ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ عَلَى نَوْعَيْنِ مُوَقَّتٍ وَغَيْرِ مُوَقَّتٍ فَغَيْرُ الْمُوَقَّتِ نَوْعٌ وَاحِدٌ.

وَأَمَّا الْمُوَقَّتُ فَهُوَ أَنْوَاعٌ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ انْقَسَمَ إلَى أَدَاءً وَقَضَاءٍ وَكِلَاهُمَا انْقَسَمَ إلَى مُوَقَّتٍ وَغَيْرِ مُوَقَّتٍ وَنَعْنِي بِهِ أَنَّ مَجْمُوعَ أَقْسَامِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مُوَقَّتَةً وَغَيْرَ

ص: 212