المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[النوع الأول جعل الوقت ظرفا للمؤدى وشرطا للأداء وسببا للوجوب] - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ١

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ

- ‌ أُصُولَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ

- ‌ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً

- ‌[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]

- ‌[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْعَامُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُؤَوَّلُ]

- ‌[الفرق بَيْن التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُفَسَّرُ]

- ‌[تَعْرِيف المحكم]

- ‌[تَعْرِيف الخفي]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُجْمَلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُتَشَابِه]

- ‌[بَيَان الْحِكْمَة فِي إنْزَال الْآيَات الْمُتَشَابِهَات]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُوه اسْتِعْمَال النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الْحَقِيقَةَ]

- ‌[أَقْسَام الْحَقِيقَة]

- ‌ تَعْرِيفِ الْمَجَازِ

- ‌[تَعْرِيف الصَّرِيحُ]

- ‌[تَعْرِيف الْكِنَايَةُ]

- ‌ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

- ‌[الْقَسْم الرَّابِع وُجُوه وُقُوف السَّامِع عَلَى مُرَاد الْمُتَكَلِّم ومعانى الْكَلَام]

- ‌[الِاسْتِدْلَال بِإِشَارَةِ اللَّفْظِ]

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ

- ‌ الثَّابِتُ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ:

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ)

- ‌[تَعْرِيف الْأَمْر]

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ)

- ‌[الْأَمْر إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ) :فِي مَعْنَى الْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ

- ‌[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

- ‌[الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ]

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ

- ‌[الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل كَامِلٌ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي قَاصِر]

- ‌ الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ

- ‌[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مَا حَسَن لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

- ‌الصَّلَاةِ حَسُنَتْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا

- ‌[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]

- ‌[الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ شَرْطُ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ]

- ‌[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

- ‌(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

- ‌[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ

- ‌[النَّوْع الثَّالِث الْوَقْتُ الَّذِي جُعِلَ مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ

- ‌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي

- ‌(بَابُ النَّهْيِ) :

- ‌[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ]

- ‌ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدُلُوكِهَا

- ‌[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ]

- ‌ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ

- ‌ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ

- ‌ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ

- ‌[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]

- ‌ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ

- ‌(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

- ‌ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

- ‌ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ خُصُوصُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ

- ‌[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

- ‌ كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا

الفصل: ‌[النوع الأول جعل الوقت ظرفا للمؤدى وشرطا للأداء وسببا للوجوب]

(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

.

الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ: مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ، أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَنَوْعٌ وَاحِدٌ وَأَمَّا الْمُؤَقَّتَةُ فَأَنْوَاعٌ نَوْعٌ جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَهُوَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَفْضُلُ عَنْ الْأَدَاءِ فَكَانَ ظَرْفًا لَا مِعْيَارًا وَالْأَدَاءُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ فَكَانَ شَرْطًا وَالْأَدَاءُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ الْوَقْتِ

ــ

[كشف الأسرار]

مُوَقَّتَةٍ فَبَعْضُ أَقْسَامِ الْأَدَاءِ مُوَقَّتٌ وَبَعْضُهَا مَعَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقَضَاءِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابٌ تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ]

[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

بَابُ تَقْسِيمِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ قَوْلُهُ (مُطْلَقَةٌ) أَيْ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِوَقْتٍ، وَمُوَقَّتَةٌ أَيْ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَقْتٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمَحْدُودُ الَّذِي اُخْتُصَّ جَوَازُ أَدَائِهَا بِهِ حَتَّى لَوْ فَاتَ صَارَ قَضَاءً أَمَّا أَصْلُ الْوَقْتِ فَلَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْأَمْرِ فِعْلٌ لَا مَحَالَةَ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَقْتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَلِهَذَا قَالَ مُطْلَقَةٌ وَلَمْ يَقُلْ غَيْرُ مُوَقَّتَةٍ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ)(فَإِنْ قِيلَ) قَدْ يُسْتَفَادُ الشَّرْطِيَّةُ مِنْ الظَّرْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الظُّرُوفَ مَحَالُّ وَالْمَحَالُّ شُرُوطٌ عَلَى مَا عُرِفَ فَإِنَّهُ فَائِدَةٌ فِي قَوْلِهِ شَرْطًا لِلْأَدَاءِ، قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْ الْمُؤَدَّى الرَّكَعَاتُ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْوَقْتِ وَمِنْ الْأَدَاءِ إخْرَاجُهَا مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ فَكَانَا غَيْرَيْنِ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالزَّكَاةِ فَإِنَّ أَدَاءَهَا تَسْلِيمُ الدَّرَاهِمِ مَثَلًا إلَى الْفَقِيرِ وَالْمُؤَدَّى نَفْسُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي يَدِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمُؤَدَّى شَرْطِيَّةُ الْأَدَاءِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ شَرْطَ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِغَيْرِهِ، عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ ظَرْفًا لِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُودِهِ كَالْوِعَاءِ ظَرْفٌ لِمَا فِيهِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِ هَذَا الظَّرْفِ، ثُمَّ الْغَرَضُ مِنْ إيرَادِ هَذِهِ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ بَيَانُ مَا وَقَعَ بِهِ الِاشْتِرَاكُ وَالِامْتِيَازُ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَامْتَازَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِ الصَّوْمِ بِكَوْنِهِ ظَرْفًا وَاشْتَرَكَا فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ فَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ.

قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَفْضُلُ عَنْ الْأَدَاءِ) يَعْنِي إذَا اكْتَفَى فِي الْأَدَاءِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ يَفْضُلُ الْوَقْتُ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَوْ أَطَالَ رُكْنًا مِنْهُ مَضَى الْوَقْتُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَدَاءِ، وَكَذَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ فِي أَيِّ جُزْءٍ شَاءَ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَلَوْ كَانَ مِعْيَارًا لِمَا جَازَ فَثَبَتَ أَنَّهُ ظَرْفٌ لَا مِعْيَارٌ، وَتَفْسِيرُ الظَّرْفِ هَهُنَا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ وَاقِعًا فِيهِ وَلَا يَكُونُ مُقَدَّرًا بِهِ وَتَفْسِيرُ الْمِعْيَارِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَاقِعًا فِيهِ وَمُقَدَّرًا بِهِ فَيَزْدَادُ وَيَنْتَقِصُ بِازْدِيَادِ الْوَقْتِ وَانْتِقَاصِهِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلَاتِ فَكَانَ قَوْلُهُ ظَرْفًا مَحْضًا احْتِرَازًا عَنْ الْمِعْيَارِ فَإِنَّهُ ظَرْفٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَحْضٍ وَلِهَذَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ لَا مِعْيَارًا.

قَوْلُهُ (فَكَانَ شَرْطًا) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ فِي الْوَقْتِ وَخَارِجَ الْوَقْتِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْمَعْنَى فَعُلِمَ أَنَّ التَّفَاوُتَ إنَّمَا وَقَعَ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ حَتَّى سُمِّيَ أَحَدُهُمَا أَدَاءً وَالْآخَرُ قَضَاءً.

قَوْلُهُ (وَالْأَدَاءُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ الْوَقْتِ) فَإِنَّ الْأَدَاءَ فِي الْوَقْتِ الصَّحِيحِ كَامِلٌ وَفِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ نَاقِصٌ وَإِنْ وُجِدَ جَمِيعُ شَرَائِطِهِ وَتَغَيُّرُهُ بِتَغَيُّرِ الْوَقْتِ عَلَامَةُ كَوْنِ الْوَقْتِ سَبَبًا لَهُ كَالْبَيْعِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ تَغَيَّرَ الْمِلْكُ بِتَغَيُّرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا كَانَ الْمِلْكُ صَحِيحًا وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا كَانَ الْمِلْكُ فَاسِدًا حَتَّى ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حِلِّ الْوَطْءِ وَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ، وَلَا يُقَالُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ صِفَةِ الْأَدَاءِ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ ظَرْفًا لَا لِكَوْنِهِ سَبَبًا كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ كَيْفَ وَالْوَقْتُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْأَدَاءِ بَلْ السَّبَبُ فِيهِ الْخِطَابُ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِدْلَال؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ هُوَ اخْتِلَافُ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ

ص: 213

وَيُفْسِدُ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ فَكَانَ سَبَبًا وَهَذَا الْقِسْمُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ مِنْهَا مَا يُضَافُ إلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مَا يُضَافُ إلَى مَا يَلِي ابْتِدَاءَ الشُّرُوعِ مِنْ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَنَوْعٌ آخَرُ مَا يُضَافُ إلَى الْجُزْءِ النَّاقِصِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَفَسَادِهِ، وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ مَا يُضَافُ إلَى جُمْلَةِ الْوَقْتِ وَدَلَالَةُ كَوْنِ الْوَقْتِ سَبَبًا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ مَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَلَمْ يُجْعَلْ سَبَبًا مِثْلُ أَوْقَاتِ صِيَامِ الْكَفَّارَةِ وَالنُّذُورِ وَالْأَصْلِ فِي أَنْوَاعِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ أَنَّ الْوَقْتَ لَمَّا جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا وَظَرْفًا لِأَدَائِهَا لَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْوَقْتِ سَبَبًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ أَوْ تَقْدِيمَهُ عَلَى سَبَبِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْعَلَ بَعْضُهُ سَبَبًا وَهُوَ مَا يَسْبِقُ الْأَدَاءَ حَتَّى يَقَعَ الْأَدَاءُ بَعْدَ سَبَبِهِ وَلَيْسَ بَعْدَ الْكُلِّ جُزْءٌ مُقَدَّرٌ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَدْنَى (وَهُوَ)

ــ

[كشف الأسرار]

السَّبَبِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ يَصْرِفُهُ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَدَاءِ اخْتِلَافُ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ كَامِلًا وَنَاقِصًا بِكَمَالِ الْوَقْتِ وَنُقْصَانِهِ، وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ بِالْخِطَابِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ إلَّا تَسْلِيمُ ذَلِكَ الْوَاجِبِ الَّذِي ثَبَتَ بِالسَّبَبِ فِي الذِّمَّةِ فَيَخْتَلِفُ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ الْوَاجِبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ صَحِيحٌ.

قَوْلُهُ (وَيُفْسِدُ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْوَقْتِ، وَلَا يُقَالُ لَا يَصْلُحُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى السَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ كَمَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الشَّرْطِ أَيْضًا كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الطِّهَارَاتِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَدْ قَرِينَةٌ تُرَجِّحُ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ لِعَدَمِ السَّبَبِ وَهُوَ الدَّلِيلُ السَّابِقُ وَهُوَ تَغَيُّرُ الْأَدَاءِ بِتَغَيُّرِ الْوَقْتِ إذْ الْمَشْرُوطُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ الشَّرْطِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْفَسَادَ لِعَدَمِ السَّبَبِ لَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَصَلَحَ دَلِيلًا عَلَى السَّبَبِيَّةِ، وَهَذَا كَالْمُشْتَرَكِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى أَحَدِ مَفْهُومَيْهِ عَيْنًا مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ قَرِينَةُ تَرْجِيحِ أَحَدِ مَفْهُومَيْهِ صَلَحَ دَلِيلًا عَلَيْهِ.

1 -

قَوْلُهُ (وَهَذَا الْقِسْمُ) أَيْ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ ظَرْفٌ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ سَبَبًا أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ فَكَانَ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَقْسِيمًا لِسَبَبِيَّتِهِ لَا لِنَفْسِهِ مَا يُضَافُ أَيْ سَبَبِيَّةٌ تُضَافُ إلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ أَيْ فِيمَا إذَا أَدَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، إلَى مَا يَلِي ابْتِدَاءَ الشُّرُوعِ أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يُؤَدَّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، مَا يُضَافُ إلَى الْجُزْءِ النَّاقِصِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَفَسَادِهِ أَيْ فِيمَا إذَا أَخَّرَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الِاحْمِرَارِ.

وَقَوْلُهُ وَفَسَادُهُ تَفْسِيرٌ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُظَنُّ أَنَّ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ مِنْ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ نَاقِصٌ فَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: " وَفَسَادُهُ " دَفْعًا لِهَذَا الْوَهْمِ، مَا يُضَافُ إلَى جُمْلَةِ الْوَقْتِ أَيْ فِيمَا إذَا فَاتَ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ، وَدَلَالَةُ كَوْنِ الْوَقْتِ سَبَبًا يَعْنِي مَا ذَكَرْنَا هُوَ عَلَامَةُ سَبَبِيَّةِ الْوَقْتِ فَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى سَبَبِيَّتِهِ فَمَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ

قَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ فِي أَنْوَاعِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْقِسْمِ الَّذِي هُوَ ظَرْفٌ وَأَرَادَ بِالْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى دُونَ النَّوْعِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّا لَا نَحْتَاجُ فِيهِ إلَى جَعْلِ الْجُزْءِ سَبَبًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ جَعْلُ كُلِّ الْوَقْتِ سَبَبًا يُوجِبُ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ أَوْ تَقْدِيمَهُ عَلَى سَبَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ وَمَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ فَلَوْ رُوعِيَ فِيهِ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْأَدَاءِ عَنْ الْوَقْتِ وَفِيهِ إبْطَالُ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ، وَلَوْ رُوعِيَ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ يَلْزَمُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ الْوَقْتِ سَبَبًا وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ وَجَبَ أَنْ يُجْعَلَ الْبَعْضُ سَبَبًا ضَرُورَةً، وَلَا يُقَالُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ سَبَبًا وَالْمُطْلَقُ مُغَايِرٌ لِلْكُلِّ وَالْبَعْضِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي الْإِطْلَاقِ يَدْخُلُ الْكُلُّ وَالْبَعْضُ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَصِحَّ جَعْلُ الْكُلِّ سَبَبًا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْبَعْضِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ السَّبَبِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ، ثُمَّ لَمَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ سَبَبًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَى الْأَدَاءِ لِيَقَعَ الْأَدَاءُ بَعْدَهُ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الْكُلِّ جُزْءٌ مُقَدَّرٌ أَيْ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ تَرْجِيحُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَجْزَاءِ مِثْلُ الرُّبُعِ وَالْخُمُسِ وَالْعُشْرِ وَنَحْوِهَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَفَسَادِ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَدْنَى

ص: 214

وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْكَافِرِ إذَا أَدْرَكَ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ لَزِمَهُ فَرْضُ الْوَقْتِ، وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ وَأَيَّامُهَا عَشْرَةٌ إنَّ الصَّلَاةَ تَلْزَمُهَا إذَا أَدْرَكَتْ شَيْئًا مِنْ الْوَقْتِ قَلِيلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ كَثِيرًا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ الْجُزْءُ السَّابِقُ أَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ سَبَبًا لِعَدَمِ مَا يُزَاحِمُهُ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْأَدَاءَ بَعْدَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ وَلَوْلَا أَنَّهُ سَبَبٌ لَمَا صَحَّ وَلَمَا صَارَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ سَبَبًا أَفَادَ الْوُجُوبَ بِنَفْسِهِ وَأَفَادَ صِحَّةَ الْأَدَاءِ لَكِنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الْأَدَاءَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ جَبْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْ الْعَبْدِ ثُمَّ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ تَعْجِيلُ الْأَدَاءِ بَلْ الْأَدَاءُ مُتَرَاخٍ إلَى الطَّلَبِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمَهْرِ النِّكَاحِ يَجِبَانِ بِالْعَقْدِ، وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ يَتَأَخَّرُ إلَى الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ الْخِطَابُ فَأَمَّا الْوُجُوبُ فَبِالْإِيجَابِ لِصِحَّةِ سَبَبِهِ لَا بِالْخِطَابِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ الزَّمَانِ إذْ هُوَ مُرَادٌ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى الزَّائِدِ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ لِلسَّبَبِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ جَازَ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ السَّبَبِيَّةِ مُقْتَصِرَةً عَلَى الْجُزْءِ الْأَدْنَى قَالُوا أَيْ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ رحمهم الله إنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ بَقِيَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ الْوَقْتِ لَزِمَهُ فَرْضُ الْوَقْتِ أَيْ قَضَاؤُهُ لِوُجُودِ السَّبَبِ حَالَ صَيْرُورَتِهِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ، وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ أَرَادَ بِهِ النَّوَادِرَ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْهُ فَذَكَرَ فِيهَا امْرَأَةً أَيَّامُ أَقْرَائِهَا عَشْرَةٌ فَانْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا وَعَلَيْهَا مِنْ الْوَقْتِ شَيْءٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا خَصَّ مُحَمَّدًا رحمه الله بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ قَوْلَهُمْ جَمِيعًا بِاعْتِبَارِ التَّصْنِيفِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ إنَّمَا يَكُونُ لِإِثْبَاتِ الْمَذْهَبِ أَوْ لِبَيَانِ تَأْثِيرِ الْأَصْلِ وَلَا يَكُونُ لِإِثْبَاتِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إثْبَاتُ الْأَصْلِ بِالْفَرْعِ وَمَا ذُكِرَ هَهُنَا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا) أَيْ وُجُوبُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْجُزْءِ الْأَدْنَى بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ، كَانَ الْجُزْءُ السَّابِقُ أَوْلَى بِالسَّبَبِيَّةِ أَيْ حَالَ وُجُودِهِ لِعَدَمِ مَا يُزَاحِمُهُ إذْ الْمَعْدُومُ لَا يُعَارِضُ الْمَوْجُودَ.

قَوْلُهُ (أَفَادَ الْوُجُوبَ بِنَفْسِهِ) أَيْ أَفَادَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ الْوُجُوبَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى انْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمَّا وُجِدَ فِي حَقِّ الْأَهْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مَانِعٌ ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ لَا مَحَالَةَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَاءُ زَائِدَةً وَالضَّمِيرُ رَاجِعًا إلَى الْوُجُوبِ أَيْ أَفَادَ نَفْسَ الْوُجُوبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَفَادَ الْوُجُوبَ نَفْسَهُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُثْبِتَ مَعْنًى فِي الذِّمَّةِ يُفِيدُ صِحَّةَ الْأَدَاءِ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ قَبْلَ الطَّلَبِ، قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ: نَفْسُ الْوُجُوبُ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ بِالْوَاجِبِ كَالصَّبِيِّ إذَا أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يَشْتَغِلُ ذِمَّتُهُ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ بَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ وَكَذَا الْقِصَاصُ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ إذَا طُلِبَ مِنْ لَهُ الْقِصَاصُ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، ثُمَّ قَالَ الْوُجُوبُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ وَالْأَمْرُ الْحُكْمِيُّ يُعْرَفُ بِالْحُكْمِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا أَدَّى مَا فِي ذِمَّتِهِ يَقَعُ وَاجِبًا.

قَوْلُهُ (وَأَفَادَ صِحَّةَ الْأَدَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمَّا ثَبَتَ كَانَ جَوَازُ الْأَدَاءِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّ الْوُجُوبَ يُفِيدُ جَوَازَ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمْ، لَكِنَّهُ أَيْ لَكِنَّ السَّبَبَ أَوْ نَفْسَ الْوُجُوبِ لَا يُوجِبُ الْأَدَاءَ لِلْحَالِ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ لَا يُوجِبُ الْأَدَاءَ لِلْحَالِ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَبَتَ جَبْرًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْ الْعَبْدِ وَالْوُجُوبُ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهُ فِي مُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ لَا يُوجِبُ الْأَدَاءَ لِلْحَالِ كَثَوْبٍ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ دَخَلَ فِي عُهْدَتِهِ حَتَّى صَحَّتْ مُطَالَبَةُ صَاحِبِهِ إيَّاهُ بِهِ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الطَّلَبِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الطَّلَبِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ فِي يَدِهِ كَانَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَأَنَّهُ مُخْتَارٌ مُتَعَدٍّ فِي مُبَاشَرَةِ سَبَبِ الضَّمَانِ فَيَجِبُ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الطَّلَبِ إزَالَةً لِلتَّعَدِّي.

، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ نَفْسِ الْوُجُوبِ بِوُجُودِ نَفْسِ السَّبَبِ، وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَا يُوجِبُ الْأَدَاءَ لِلْحَالِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ دَلِيلًا عَلَى الْمَجْمُوعِ.

، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَقُدْرَتِهِ

ص: 215

وَلِهَذَا كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ وَهُوَ كَثَوْبٍ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي دَارِ إنْسَانٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِالطَّلَبِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُوجَدْ الْمُطَالَبَةُ بِدَلَالَةِ أَنَّ الشَّرْعَ خَيَّرَهُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ إلَّا أَنْ يَسْقُطَ خِيَارُهُ بِضِيقِ الْوَقْتِ.

وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا مَاتَ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا مَرَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَجَبَ الْأَصْلُ وَتَرَاخَى وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَالْخِطَابُ فَكَذَلِكَ عَنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ.

ــ

[كشف الأسرار]

تَوَقُّفَ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ بَلْ يَثْبُتُ جَبْرًا عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهُ وَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ هَهُنَا فَيَثْبُتُ الْوُجُوبُ شَاءَ الْعَبْدُ أَوْ أَبَى وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ تَعَجُّلُ الْأَدَاءِ أَيْ تَعْجِيلُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهُ، كَمَا فِي ثَمَنِ الْبَيْعِ وَمَهْرِ النِّكَاحِ أَيْ الثَّمَنُ وَالْمَهْرُ الثَّابِتُ بِهِمَا، يَجِبَانِ بِالْعَقْدِ أَيْ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ لِامْتِنَاعِ خُلُوِّ الْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ وَالنِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ، وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ فِيهِمَا يَتَأَخَّرُ إلَى الْمُطَالَبَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِأَجَلٍ يَجِبُ الثَّمَنُ فِي الْحَالِ وَيَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ وَكَمَا فِي صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ يَثْبُتُ نَفْسُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ وَيَنْعَدِمُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لِلْحَالِ بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى وُجُودِ دَلِيلِهِ وَهُوَ الطَّلَبُ وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ خَيَّرَهُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ أَيْ فَوَّضَ إلَيْهِ تَعَيُّنَ الْجُزْءِ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَالَبَهُ بِالْأَدَاءِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بَقِيَ الْعَبْدُ مُخَيَّرًا فِي الْأَدَاءِ فِي أَيِّ جُزْءٍ شَاءَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَ عَنْ الْوَقْتِ وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لِتَحَقُّقِ الْمُطَالَبَةِ فِيهِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْوُجُوبُ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ يَتَأَخَّرُ إلَى الْمُطَالَبَةِ يَعْنِي الْوُجُوبَ يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةُ إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا لَا بِالْخِطَابِ بَلْ يَثْبُتُ بِهِ مُطَالَبَةُ الْوَاجِبِ بِالسَّبَبِ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ) أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ يَنْفَصِلُ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ قُلْنَا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي هِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ، مُقَارِنَةٌ لِلْفِعْلِ أَيْ مَشْرُوطَةٌ لِوُجُودِ الْفِعْلِ لَا لِنَفْسِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ كَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ فَثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي نُسْخَةٍ لَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ السَّبَبَ مُوجِبٌ وَهُوَ جَبْرِيٌّ لَا يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ؛ إذْ هِيَ شَرْطٌ فِي الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ لَا فِي الْجَبْرِيِّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطْ الْقُدْرَةَ سَابِقَةً عَلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ نَفْسُ الْوُجُوبِ وَهُوَ جَبْرٌ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ عَلَى مَا عُرِفَ أَمَّا فِعْلُ الْأَدَاءِ فَيَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ فَلِذَلِكَ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مَعَ الْفِعْلِ لَا مَعَ الْخِطَابِ.

وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَلِهَذَا كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ أَيْ لِأَجَلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتِهِ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ فَكَمَا أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتِهِ كَذَلِكَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى وُجُودِ الْفِعْلِ وَالْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ مُقَارِنَةٌ لِلْفِعْلِ فَنَفْسُ الْوُجُوبِ يَنْفَصِلُ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ كَذَلِكَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ يَنْفَصِلُ عَنْ وُجُودِ نَفْسِ الْفِعْلِ وَالْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ مِنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ غَيْرُ مُرَادٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ إذْ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَوُجِدَ الْإِيمَانُ مِنْ جَمِيعِ الْكَفَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ تَخَلُّفُ الْمُرَادِ عَنْ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ عَجْزٌ وَاضْطِرَارٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُتَعَالٍ عَنْهُ وَالْكُفَّارُ كُلُّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ حَالَ كُفْرِهِمْ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا ثُمَّ قَدْ لَا تُوجَدُ فَثَبَتَ أَنَّ وُجُودَ الْفِعْلِ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْ وُجُوبِ الْخِطَابِ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَشْيَاءُ ثَلَاثَةٌ نَفْسُ الْوُجُوبِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ وَوُجُودُ الْفِعْلِ فَنَفْسُ الْوُجُوبِ بِالسَّبَبِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ بِالْخِطَابِ

ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

وَوُجُودُ الْفِعْلِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ عَدَمَ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ لِعَدَمِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ عَنْهُ فَكَانَ الْعَبْدُ مُلْزَمًا وَمَحْجُوجًا عَلَيْهِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بِالْخِطَابِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَصِحَّةِ الْأَسْبَابِ وَالتَّكْلِيفُ يَعْتَمِدُ هَذِهِ الْقُدْرَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ عِنْدَ إرَادَةِ الْعَبْدِ الْفِعْلَ أَوْ مُبَاشَرَتِهِ إيَّاهُ وَوُجُودُ الْفِعْلِ يَفْتَقِرُ إلَى هَذِهِ الْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَكَانَ قَوْلُهُ وَلِهَذَا كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ تَعَجُّلُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مُقَارِنَةٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي يُوجَدُ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَلَوْ كَانَ نَفْسُ الْوُجُوبِ يُوجِبُ تَعَجُّلَ الْأَدَاءِ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِنَفْسِ الْوُجُوبِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ.

، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حَمَلَ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ لَا عَلَى سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَحَمَلَ قَوْلَهُ تَعَجُّلُ الْأَدَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ يَعْنِي لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ أَنْ يُوجَدَ الْفِعْلُ مُقَارِنًا لَهُ وَمُتَّصِلًا بِهِ وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الْفِعْلِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْوُجُوبِ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ لَا مُقَارِنَةً لِلْوُجُوبِ وَلَوْ كَانَ تَعَجُّلُ الْأَدَاءِ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ لَكَانَتْ مُقَارِنَةً لِلْوُجُوبِ لِاقْتِرَانِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الْقُدْرَةِ بِهِ، وَلَكِنْ لَا تَعَلُّقَ لِهَذَا الْوَجْهِ بِالْمَطْلُوبِ وَهُوَ تَأَخُّرُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ كَمَا تَرَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ تَأَخُّرُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ.

وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَا الِاسْتِطَاعَةَ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ لَا سَابِقَةً عَلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ تَكْلِيفِ الْعَاجِزِ وَتَحَقُّقُ الْفِعْلِ بِلَا قُدْرَةٍ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْفِعْلِ كَانَتْ عَدَمًا وَقْتَ وُجُودِ الْفِعْلِ لِاسْتِحَالَةِ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ إلَى الزَّمَانِ الثَّانِي فَيَكُونُ الْفِعْلُ وَاقِعًا مِمَّنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَوْ تُصُوِّرَ الْفِعْلُ بِلَا قُدْرَةٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِهَا فِي التَّكْلِيفِ فَائِدَةٌ وَلَصَحَّ تَكْلِيفُ الْعَاجِزِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ وَالْعَقْلِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِمُقَارَنَةِ الْقُدْرَةِ مَعَ الْفِعْلِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ تَكْلِيفِ الْعَاجِزِ ثُمَّ لَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ قَدْ يَثْبُتُ جَبْرًا بِلَا اخْتِيَارِ الْعَبْدِ أَيْ يَثْبُتُ عِنْدَ الْعَجْزِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اخْتِيَارِ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَزِمَ مِنْهُ تَكْلِيفُ الْعَاجِزِ الَّذِي احْتَرَزْنَا عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِطَاعَةِ.

وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ وَلَكِنْ لَا يَنْقَادُ لَهُ سَوْقُ الْكَلَامِ إذْ لَيْسَ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِيهِ مَرْجِعٌ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ ذِكْرِ تَكْلِيفِ الْعَاجِزِ إلَّا بِإِضْمَارٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ تَعَجُّلُ الْأَدَاءِ أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَتِهِ لَزِمَ تَكْلِيفُ الْعَاجِزِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلِهَذَا أَيْ وَلِعَدَمِ جَوَازِ تَكْلِيفِ الْعَاجِزِ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ كَذَا، فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَخْلُ عَنْ تَمَحُّلٍ أَيْضًا.

قَوْلُهُ (وَهُوَ كَثَوْبٍ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ وَتَأَخُّرِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ نَظِيرُ ثَوْبٍ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ أَيْ هَاجَتْ وَثَارَتْ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا بَعْدَمَا اسْتَوْضَحَ كَلَامَهُ بِنَظَرَيْنِ وَهُمَا الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَقُ وَأَشْبَهُ بِمَرَامِهِ إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي مُبَاشَرَةِ هَذَا السَّبَبِ وَتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ كَمَا لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي وُجُودِ الْوَقْتِ وَثُبُوتِ الْوُجُوبِ بِهِ فَأَمَّا الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ فَلَهُ فِي مُبَاشَرَتِهِمَا اخْتِيَارٌ تَامٌّ.

قَوْلُهُ (وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُوجَدْ الْمُطَالَبَةُ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْمُطَالَبَةُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّأْخِيرِ

ص: 217

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَالتَّأْخِيرُ يُنَافِي الْمُطَالَبَةَ فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَقَدْ انْتَهَى التَّخْيِيرُ " فح " يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لِتَحَقُّقِ الْمُطَالَبَةِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى النِّصَابِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُطَالَبًا بِالْأَدَاءِ مَعَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ النِّصَابُ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ فَثَبَتَ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يُنَافِي الْمُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ عَلَى الْفَوْرِ تَحَقَّقَتْ بَلْ ثَبَتَتْ بِصِفَةِ التَّرَاخِي بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ عَنْ الْعُمُرِ عَلَى مَا عُرِفَ وَفِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْعُمُرِ تَعَيَّنَ الْمُطَالَبَةُ كَمَا فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ هَهُنَا كَذَا قِيلَ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) تَأْثِيرُ الْمَذْهَبِ أَيْ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَنَا قُلْنَا إذَا مَاتَ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى انْفِكَاكِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ بِمَسْأَلَةٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا فَقَالَ وَهُوَ أَيْ تَرَاخِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ الْوُجُوبِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ نَظِيرُ تَرَاخِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا مَرَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَزْدَدْ الْإِغْمَاءُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيْثُ ثَبَتَ أَصْلُ الْوُجُوبِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا وَتَرَاخِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ بِزَوَالِ الْفَهْمِ.

(فَإِنْ قِيلَ) السَّبَبِيَّةُ تَثْبُتُ بِالْخِطَابِ أَيْضًا فَإِنَّ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ السَّبَبِيَّةُ ثَابِتَةً لِلْوَقْتِ فَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يُخَاطَبُ.

(قُلْنَا) بِالْخِطَابِ عُرِفَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْوَقْتَ سَبَبًا فَبَعْدَ ذَلِكَ يُفْتَى بِالْوُجُوبِ فِي حَقِّ كُلِّ أَهْلٍ ثَبَتَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُشْتَرَطُ خِطَابُ كُلِّ فَرْدٍ لِصَيْرُورَةِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ سَبَبًا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْوُجُوبِ كَمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِهِ جَبْرًا فَكَذَا بِسَبَبِ الْوُجُوبِ بَلْ الْحَاجَةُ فِي الْجُمْلَةِ تَقَعُ إلَى جَعْلِ الشَّرْعِ إيَّاهُ سَبَبًا وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ بَلْ إذَا عَرَفَ الْفَقِيهُ بِالسَّبَبِيَّةِ يُفْتِي بِالْوُجُوبِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ ثَبَتَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ هُنَاكَ بِالسَّبَبِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عِلْمُ كُلِّ شَخْصٍ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْإِتْلَافُ جُعِلَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ وَالنِّكَاحُ لِلْحِلِّ وَالْبَيْعُ لِلْمِلْكِ وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِطَابُ فِي حَقِّهِمْ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ رحمه الله فِي طَرِيقَتِهِ.

(فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِدْلَال وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهُ وَالْخَلَفُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَصْلِ وَقَدْ تَمَحَّلْتُمْ فِي إثْبَاتِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ وَنَظَائِرِهِ لَا يُجَابُ الْقَضَاءُ كَمَا مَرَّ الْكَلَامُ مَعَ زُفَرَ رحمه الله فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَهَهُنَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ فَمَعَ وُجُوبِهِ تَعَذَّرَ الْقَوْلُ بِانْتِفَاءِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْهُمَا، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَالْأَدَاءُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْخِطَابِ فَوَجَبَ هَهُنَا أَمَّا سُقُوطُ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ أَوْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ قَبْلَ الِانْتِبَاهِ وَالْإِفَاقَةِ " وح " لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال.

(قُلْنَا) قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يَكُونُ الْفِعْلُ فِيهِ بِنَفْسِهِ مَطْلُوبًا مِنْ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَأْثَمَ فِيهِ بِتَرْكِ الْفِعْلِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اسْتِطَاعَةِ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَنَوْعٌ لَا يَكُونُ فِعْلُ الْأَدَاءِ فِيهِ مَطْلُوبًا حَتَّى لَا يَأْثَمُ فِيهِ بِتَرْكِ الْأَدَاءِ بَلْ الْمَطْلُوبُ ثُبُوتُ خَلَفِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَيُكْتَفَى فِيهِ بِتَصَوُّرِ ثُبُوتِ الِاسْتِطَاعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حَقِيقَةُ الِاسْتِطَاعَةِ فَفِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِمَعْنَى كَوْنِ الْفِعْلِ فِيهِ مَطْلُوبًا عَلَى وَجْهٍ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لَمْ يُوجَدْ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ اسْتِطَاعَةُ سَلَامَةِ الْآلَاتِ فَأَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهٍ يَصْلُحُ وَسِيلَةً إلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ فِيهِ مَقْصُودًا فَمَوْجُودٌ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ تَصَوُّرُ حُدُوثِ الِاسْتِطَاعَةِ بِالِانْتِبَاهِ وَالْإِفَاقَةِ فَوَجَبَ

ص: 218

وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَحْصُلُ بِأَوَّلِ الْجُزْءِ خِلَافًا لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا وَأَنَّ الْخِطَابَ بِالْأَدَاءِ لَا يَتَعَجَّلُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله.

ــ

[كشف الأسرار]

الْقَضَاءُ بِنَاءً عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْوُجُوبِ وَعَدَمُ الْإِثْمِ بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَهَذَا هُوَ التَّخْرِيجُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ تَصَوُّرَ الْقُدْرَةِ كَافٍ فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لِيَنْعَقِدَ السَّبَبُ سَبَبًا فِي حَقِّ الْخَلَفِ قَائِمًا مَقَامَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ مُتَصَوَّرًا لَصَارَ الْخَلَفُ فِي حَقِّ كَوْنِهِ حُكْمًا لِلسَّبَبِ أَصْلًا وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ احْتِمَالِهِ وَتَصَوُّرِهِ لِيُجْعَلَ فِي الْأَصْلِ كَأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ تَقْدِيرًا وَدَلَالَةً أَنَّ التَّصَوُّرَ كَافٍ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ عَلَى النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا انْتَبَهَ وَأَفَاقَ وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الْأَدَاءِ لَهُمَا حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِمَا قُلْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى نَفْسِ الْوُجُوبِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْوُجُوبَ إذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَإِنْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَدَاءِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ ثَابِتًا أَوْ لَا ثُمَّ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِفَوَاتِهِ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَصْلُحَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِإِفْضَائِهِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لِمَانِعٍ ظَهَرَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْخَلَفِيَّةِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ وَهُوَ الْوَقْتُ يَصْلُحُ لِلْإِفْضَاءِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي نَفْسُ الْأَمْرِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْتَيْقِظِ وَالْمُفِيقِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْقَضَاءِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ.

قَوْلُهُ (فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوُجُوبَ بِأَوَّلِ الْجُزْءِ) أَيْ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ وَاللَّامُ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي

أَوْ بَدَلٌ مِنْ الْإِضَافَةِ.

قَوْلُهُ (خِلَافًا لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا) نَفْيٌ لِقَوْلِ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا حَيْثُ قَالُوا الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَقَوْلُهُ إنَّ الْخِطَابَ بِالْأَدَاءِ لَا يَتَعَجَّلُ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله إنَّ الْوُجُوبَ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ عِبَارَتَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَتَبَيَّنَ كُلُّ فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَنَقُولُ الْوَاجِبُ إذَا تَعَلَّقَ بِوَقْتٍ يَفْضُلُ عَنْ أَدَائِهِ يُسَمَّى وَاجِبًا مُوَسَّعًا كَمَا يُسَمَّى ذَلِكَ الْوَقْتُ ظَرْفًا وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَمَعْنَى التَّوَسُّعِ أَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَقْتٌ لِأَدَائِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ وَيَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى أَنْ يَتَضَيَّقَ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ عَنْهُ فَاتَ الْأَدَاءُ " فح " يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ.

، وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّوَسُّعَ فِي الْوُجُوبِ وَقَالَ إنَّهُ يُنَافِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَا لَا يَسَعُ تَرْكُهُ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ بِالتَّوَسُّعِ فِيهِ يُوجِبُ أَنْ يَجُوزَ تَرْكُهُ وَلَا يُعَاقَبَ عَلَيْهِ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنْ أَخَّرَهُ فَهُوَ قَضَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِهِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنْ قَدَّمَهُ فَهُوَ نَفْلٌ يَمْنَعُ لُزُومَ الْفَرْضِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَمَوْقُوفٌ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِهِ عِنْدَ آخَرِينَ فَإِنْ بَقِيَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ كَانَ الْمُؤَدَّى وَاجِبًا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ كَذَلِكَ كَانَ نَفْلًا، فَمَنْ جَعَلَ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقًا بِأَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ الْوَاجِبُ الْمُوَقَّتُ لَا يَنْتَظِرُ لِوُجُوبِهِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ شَرَائِطِهِ سِوَى دُخُولِ الْوَقْتِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَكَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مَعَ أَسْبَابِهَا وَإِذَا ثَبَتَ الْوُجُوبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ امْتِنَاعِ التَّوَسُّعِ، وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

لَوْ أَتَى بِالْفِعْلِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً بِخِلَافِ الصَّوْمِ إذَا فَاتَ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِهِ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ بَعْدَ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ الْإِمْسَاكُ فِيمَا بَقِيَ قَضَاءً، وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَتَضَيَّقَ الْوَقْتُ وَامْتَنَعَ التَّوَسُّعُ لِمَا ذَكَرْنَا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِآخِرِهِ.

، ثُمَّ الْمُؤَدَّى قَبْلَهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْلًا كَمَا قَالَ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّرْكِ فِي أَوَّلِ وَقْتٍ لَا إلَى بَدَلٍ وَإِثْمٍ وَهَذَا حَدُّ النَّفْلِ إلَّا أَنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْصُلُ بِأَدَائِهِ وَهُوَ إظْهَارُ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ فَيُمْنَعُ لُزُومُ الْفَرْضِ كَمَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ يَقَعُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِلصَّلَاةِ فَمَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُهَا لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ وَمَعَ هَذَا يُمْنَعُ لُزُومُ الْفَرْضِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ إذَا عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ إلَى السَّاعِي ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَفِي يَدِهِ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ كَانَ السَّاعِي تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ تَطَوُّعًا وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَفِي يَدِهِ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ كَانَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً وَكَالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِبَاقِي أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ اتَّصَلَ بِمَجْمُوعِهَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ وَإِلَّا فَلَا.

وَتَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى، {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] ، وَقَوْلَ جَبْرَائِيلُ لِلنَّبِيِّ عليهما السلام فِي حَدِيثِ الْإِمَامَةِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِك، وَقَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا» ، أَيْ لِوَقْتِهَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهَا وَقْتُ الْأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَطْبِيقُ فِعْلِ الصَّلَاةِ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ وَلَا فِعْلُهَا فِي كُلِّ جُزْءٍ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ صَالِحٌ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ فِيهِ وَيَكُونُ الْمُكَلَّفُ مُخَيَّرًا فِي إيقَاعِهِ فِي أَيِّ جُزْءٍ أَرَادَ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ قِسْمٍ آخَرَ فَثَبَتَ أَنَّ التَّوَسُّعَ ثَابِتٌ شَرْعًا، وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ عَقْلًا أَيْضًا كَمَا زَعَمُوا فَإِنَّ السَّيِّدَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ خُطَّ هَذَا الثَّوْبَ فِي بَيَاضِ النَّهَارِ إمَّا فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ كَيْفَ مَا أَرَدْت فَمَهْمَا فَعَلْت فَقَدْ امْتَثَلْت إيجَابِي كَانَ صَحِيحًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَالَ مَا أَوْجَبَ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ أَوْجَبَ مُضَيَّقًا وَهُمَا مُحَالَانِ فَلَا يَبْقَى إلَّا أَنْ يُقَالَ أَوْجَبَ مُوَسَّعًا.

، وَكَذَا الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الظُّهْرِ وَلَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَوْ كَانَ نَفْلًا كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ لَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَلَوْ كَانَ مَوْقُوفًا كَمَا زَعَمَ الْبَاقُونَ مِنْهُمْ لَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَاسْتَوَتْ فِيهِ نِيَّةُ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ.

وَقَوْلُهُمْ قَدْ وُجِدَ فِي الْمُؤَدَّى فِي أَوَّلِ وَقْتِ حَدِّ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ تَرْكٌ بَلْ هُوَ تَأْخِيرٌ ثَبَتَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَكَذَا الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ طَهُرَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ أَوْ فِي آخِرِهِ وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِأَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ الْبَعْضُ لَمَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ فَوَاتِ أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي حَالِ الصَّبِيِّ وَالْكُفْرِ وَالْحَيْضِ كَمَا لَوْ فَاتَ جَمِيعُ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله أَنَّ الْأَقْسَامَ فِي الْفِعْلِ ثَلَاثَةٌ فِعْلٌ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْوَاجِبُ، وَفِعْلٌ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ النَّدْبُ وَفِعْلٌ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَجْمُوعِ الْوَقْتِ لَكِنْ لَا يُعَاقَبُ بِالْإِضَافَةِ إلَى بَعْضِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَهَذَا قِسْمٌ ثَالِثٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى عِبَارَةٍ ثَالِثَةٍ وَحَقِيقَتُهُ لَا تَعْدُو النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ فَأَوْلَى الْأَلْقَابِ بِهِ

ص: 220

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ أَوْ النَّدْبُ الَّذِي لَا يَسَعُ تَرْكُهُ وَقَدْ وَجَدْنَا الشَّرْعَ يُسَمِّي هَذَا الْقِسْمَ وَاجِبًا بِدَلِيلِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَعَلَى أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ ثَوَابَ الْفَرْضِ لَا ثَوَابَ النَّدْبِ فَإِذًا الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ لَا يُنْكِرُهَا الْعَقْلُ وَالنِّزَاعُ يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى.

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فَنَقُولُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ مُنْفَصِلٌ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ لَمْ يُوجَدْ وَعِنْدَهُ إنْ أَدْرَكَتْ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ مِقْدَارَ مَا تُصَلِّي فِيهِ ثُمَّ حَاضَتْ يَلْزَمُهَا قَضَاؤُهَا قَوْلًا وَاحِدًا لِتَحَقُّقِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَإِنْ أَدْرَكَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَأَصْحَابُهُ مُخْتَلِفُونَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الْوُجُوبِ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ بَعْدَ وُجُودِ الْوَقْتِ.

، وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ الْوَاجِبَ فِي الْبَدَنِيَّاتِ لَيْسَ إلَّا الْفِعْلَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اسْمٌ لِحَرَكَاتٍ وَسَكَنَاتٍ مَعْلُومَةٍ وَهِيَ فِعْلٌ وَكَذَا الصَّوْمُ اسْمٌ لِلْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ وَهُوَ فِعْلٌ وَلَيْسَ مَعْنَى الْأَدَاءِ إلَّا الْفِعْلَ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْأَدَاءِ وَاسِطَةٌ كَانَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ عِبَارَتَيْنِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ لُزُومُ إخْرَاجِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ فَلَا مَعْنًى لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَدَاءِ مَالٌ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ بِالْوُجُوبِ قَبْلَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَنَظِيرُهُمَا الشِّرَاءُ مَعَ الِاسْتِئْجَارِ فَإِنَّ بِشِرَاءِ الْعَيْنِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَيَتِمُّ السَّبَبُ قَبْلَ فِعْلِ التَّسْلِيمِ وَبِالِاسْتِئْجَارِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهَا بَعْدَ وُجُودِهَا بَلْ يَقْتَرِنُ التَّسْلِيمُ بِالْوُجُودِ فَإِنَّمَا تَصِيرُ مَعْقُودًا عَلَيْهَا مَمْلُوكًا بِالْعَقْدِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَكَذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يُفْصَلُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَوَجْهُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ الْوُجُوبَ حُكْمُ إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا بِسَبَبِهِ وَالْوَاجِبُ اسْمٌ لِمَا لَزِمَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْأَدَاءُ فِعْلُ الْعَبْدِ الَّذِي يُسْقِطُ الْوَاجِبَ عَنْهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ قَمِيصًا بِدِرْهَمٍ فَيَلْزَمُ الْخَيَّاطَ فِعْلُ الْخِيَاطَةِ بِالْعَقْدِ وَالْأَدَاءُ الْخِيَاطَةُ نَفْسُهَا وَبِهَا يَقَعُ تَسْلِيمُ مَا لَزِمَهُ بِالْعَقْدِ فَكَانَ الْفِعْلُ الْمُسَمَّى وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ الْمَوْجُودِ مُؤَدًّى حَالًا بِالْقَمِيصِ، وَاعْتُبِرَ بِالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّ هُنَاكَ أَصْلُ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ وَالْإِفَاقَةِ، وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ غَيْرُ ثَابِتٍ لِزَوَالِ الْخِطَابِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى الْمُغَايِرَةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ التَّمْيِيزُ يَتَعَذَّرُ بَيْنَهُمَا بِالْعِبَارَةِ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ عِبَادَةٍ يَلْزَمُ بَعْدَ حُدُوثِ الْأَهْلِيَّةِ بِالِانْتِبَاهِ وَالْإِفَاقَةِ بِخِطَابٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ الْقَضَاءِ تُرَاعَى فِيهِ كَالنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ابْتِدَاءَ فَرْضٍ لَمَا رُوعِيَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْقَضَاءِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ أَدَاءً فِي نَفْسِهِ كَالْمُؤَدَّى فِي الْوَقْتِ لَوْلَا النَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ.

وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ الْوَقْتَ لَوْ مَضَى عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ ثُمَّ حَدَثَتْ الْأَهْلِيَّةُ لَمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا فِي الْوَقْتِ ثُمَّ حَدَثَتْ الْأَهْلِيَّةُ بِالْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَحَيْثُ وَجَبَ هَا هُنَا وَمَعَ الْوُجُوبِ رُوعِيَتْ شَرَائِطُ الْقَضَاءِ دَلَّ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ أَصْلِ الصَّوْمِ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ حَتَّى لَوْ صَامَ الْمُسَافِرُ عَنْ الْوَاجِبِ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ مُتَرَاخٍ إلَى حَالِ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ

ص: 221

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ أَوْ الصِّحَّةِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ رحمه الله، وَسَيَأْتِي بَيَانُ فَسَادِ فَرْقِهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل، ثُمَّ اعْتَرَضَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ رحمه الله عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَقَالَ مَا ذَكَرْنَا طَرِيقَةُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَهِيَ وَاهِيَةٌ بِمَرَّةٍ بَلْ هِيَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّوْمِ هُوَ عَيْنُ الصَّوْمِ لَا غَيْرُهُ فَإِنَّ الصَّوْمَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَلَا فِعْلَ لَهُ إلَّا الْأَدَاءُ وَهَذَا شَيْءٌ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالدَّلِيلِ لِثُبُوتِ صِحَّتِهِ فِي الْبِدَايَةِ، قَالَ ثُمَّ يَقُولُ الصَّوْمُ مَا هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ نَهَارًا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ غَيْرُهُ فَإِنْ قَالَ غَيْرُهُ بَانَ بَهْتُهُ وَمُكَابَرَتُهُ لِكُلِّ مُنْصِفٍ وَإِنْ قَالَ هُوَ الْإِمْسَاكُ فَنَقُولُ الْإِمْسَاكُ فِعْلُك أَمْ هُوَ مَعْنًى وَرَاءَ فِعْلِك فَإِنْ قَالَ هُوَ مَعْنًى وَرَاءَ فِعْلِي فَيُقَالُ أَيُوجَدُ بِفِعْلِك أَمْ بِغَيْرِ فِعْلِك؟ فَإِنْ قَالَ يُوجَدُ بِغَيْرِ فِعْلِي فَقَدْ جَعَلَ الصَّوْمَ مِمَّا يُوجَدُ بِلَا فِعْلِ الْعَبْدِ وَاخْتِيَارِهِ وَذَا فَاسِدٌ، وَإِنْ قَالَ يُوجَدُ بِفِعْلِي فَيُقَالُ لَهُ بِأَيِّ فِعْلٍ يُوجَدُ وَمَا ذَلِكَ الْفِعْلُ الَّذِي يُوجَدُ بِهِ الْإِمْسَاكُ الَّذِي هُوَ صَوْمٌ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ.

، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَك وَبَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ الضَّرْبُ لَيْسَ بِفِعْلٍ لِلرَّجُلِ وَلَكِنَّهُ يُوجَدُ بِفِعْلِهِ؟ وَكَذَا الْجُلُوسُ وَالْقِيَامُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَفِي ارْتِكَابِ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْمَعَارِفِ وَجَحْدٌ لِلضَّرُورَاتِ، وَإِنْ قَالَ الْإِمْسَاكُ فِعْلِي فَنَقُولُ إذَا حَصَلَ مِنْك الْإِمْسَاكُ فَقَدْ حَصَلَ مِنْك الْفِعْلُ فَمَا الْأَدَاءُ فِعْلٌ آخَرُ هُوَ، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَإِذَا صَارَ الصَّائِمُ فَاعِلًا بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْإِمْسَاكُ وَالْآخَرُ أَدَاءُ الْإِمْسَاكِ وَكَذَا كُلُّ فَاعِلٍ فَعَلَ فِعْلًا كَالْآكِلِ وَالشَّارِبِ وَالْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ كَانَ فَاعِلًا فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ الْفِعْلُ وَالْآخَرُ أَدَاؤُهُ وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ عَظِيمَةٌ.

ثُمَّ هَذَا الْكَلَامُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبٍ لِأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ مِنْ شَيَاطِينِ الْقَدَرِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْحَجَّ لَيْسَتْ بِحَرَكَاتٍ وَلَا سُكُونٍ وَهِيَ مَعَانٍ تُقَارِنُ الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونَ حَكَى الْمَذْهَبَ عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَعْبِيُّ وَهُوَ مَذْهَبٌ لَمْ يَقْدِرْ أَبُو الْهُذَيْلِ تَصْوِيرَهُ فَضْلًا عَنْ تَحْقِيقِهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ إنَّ الْكَوْنَ مَعْنًى وَرَاءَ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَأَرَادَ تَصْوِيرَهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ مَكَانَ الْقَوْلِ بِجَعْلِ أَصْلِ الْوُجُوبِ غَيْرَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ هُوَ حَرَكَاتٌ وَسَكَنَاتٌ وَالصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ مَعَانٍ وَرَاءَهَا فَيَجِبُ تِلْكَ الْمَعَانِي وَتَشْتَغِلُ الذِّمَّةُ بِهَا ثُمَّ تَحْصُلُ عِنْدَ وُجُودِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ أَوْ بِهَا فَكَانَ التَّحَرُّكُ وَالسُّكُونُ مِنْ الْعَبْدِ أَدَاءً لَهَا وَتَحْصِيلًا لَهَا فَتَحْصُلُ هِيَ بِهَا أَوْ مَعَهَا ثُمَّ مَعَ هَذَا هَذِهِ الْعِبَادَاتُ عِنْدَهُ أَفْعَالٌ لِلْعَبْدِ فَكَذَا عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ أَفْعَالٌ لِلْعَبْدِ وَهِيَ مَعَانٍ وَرَاءَ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فَيَجِبُ بِالْأَسْبَابِ ثُمَّ بِالْأَمْرِ يَجِبُ الْحَرَكَاتُ وَالسُّكُونُ الَّتِي بِهَا أَوْ مَعَهَا تَحْصُلُ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ الْوَاجِبَةُ فَكَانَتْ الْحَرَكَاتُ وَالسُّكُونُ الَّتِي هِيَ أَغْيَارُهَا وَهِيَ مِنْ قَرَائِنِهَا أَدَاءً لَهَا لِحُصُولِهَا بِحُصُولِ الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونِ.

فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ إنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ هِيَ هَذِهِ الْحَرَكَاتُ وَالسُّكُونُ وَهِيَ بِنَفْسِهَا أَدَاءٌ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ أَصْلَ الْوُجُوبِ غَيْرَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْأَصْلِ وُجُوبُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَهِيَ بِأَنْفُسِهَا أَدَاءٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَدَاءُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ فِعْلٍ مَا مَعَ وُجُوبِهِ مُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ وَذَا لَا يَقُولُهُ مَنْ لَهُ لُبٌّ، قَالَ وَقَوْلُهُمْ إنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ إلَى آخِرِهِ كَلَامٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَا يَحِلُّ بِالثَّوْبِ مِنْ آثَارِ الْخِيَاطَةِ الَّتِي هِيَ فِعْلُهُ

ص: 222

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

وَهُوَ مَا يَحْصُلُ فِي الثَّوْبِ مِنْ التَّرَكُّبِ عَلَى صُوَرٍ مَخْصُوصَةٍ فَأَمَّا الْفِعْلُ فَلَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ ذَرِيعَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ بِهَا التَّسْلِيمُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْلِيمُهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ التَّسْلِيمَ وَهُوَ الْفِعْلُ قَائِمٌ بِالْخَيَّاطِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَا يَصِيرُ مُسَلَّمًا بِفِعْلِهِ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ حُصُولُ صِفَةِ التَّرَكُّبِ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ هُوَ غَيْرُ الْفِعْلِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْخِيَاطَةَ فِعْلُ الْخَيَّاطِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّرَكُّبُ الْحَاصِلُ فِي الثَّوْبِ لَيْسَ بِفِعْلٍ لَهُ حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ فِيمَا وَرَاءَ حَيِّزِهِ بَلْ هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ حُكْمًا لِإِجْرَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَادَةَ بِتَخْلِيقِهِ تِلْكَ الصِّفَةَ فِي الثَّوْبِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْخِيَاطَةِ.

فَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَبِخِلَافِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَدَاءَ الصَّوْمِ لَيْسَ بِغَيْرٍ لِلصَّوْمِ وَالصَّوْمُ فِعْلُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ هُوَ الصَّائِمُ كَمَا أَنَّهُ هُوَ الْمُؤَدِّي فَأَمَّا التَّرَكُّبُ الْحَاصِلُ فِي الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِفِعْلٍ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَرَكِّبٍ بَلْ الْمُتَرَكِّبُ هُوَ الثَّوْبُ وَلَوْ كَانَتْ صِفَةُ التَّرَكُّبِ فِعْلًا لَهُ لَكَانَ هُوَ الْمُتَرَكِّبَ فَدَلَّ أَنَّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ تَفَاوُتًا عَظِيمًا، عَلَى أَنَّ مِنْ سَاعِدِهِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْخِيَاطَةُ يَقُولُ هِيَ الْوَاجِبَةُ بِنَفْسِهَا وَأَدَاؤُهَا نَفْسُهَا لَا غَيْرُهَا وَوُجُوبُهَا بِالْعَقْدِ وُجُوبُ أَدَائِهَا لَا غَيْرُ بِدَلَالَةِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ أَدَاءَ الْفِعْلِ نَفْسُهُ لَا غَيْرُ.

وَقَوْلُهُمْ إنَّ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ أَصْلُ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ مُنْتَفٍ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَدَاءَ هُوَ نَفْسُ الصَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الشَّيْءِ مَعَ انْتِفَاءِ وُجُوبِهِ مُحَالٌ فَإِذًا لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ أَصْلِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَلْ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ عِنْدَ زَوَالِ الْإِغْمَاءِ بِخِطَابٍ مُبْتَدَأٍ، مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184] ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَرِيضٌ، وَمِنْ قَوْلِهِ عليه السلام، «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» ، وَالْإِغْمَاءُ مِثْلُ النَّوْمِ.

، قَوْلُهُمْ هَذَا يُسَمَّى قَضَاءً وَلَوْ كَانَ ابْتِدَاءَ فَرْضٍ لَزِمَهُ لَكَانَ أَدَاءً قُلْنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بَلْ هُمَا لَفْظَانِ مُتَوَالِيَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ يُقَالُ قَضَيْت الدَّيْنَ وَأَدَّيْته وَقَضَيْت الصَّلَاةَ وَأَدَّيْتهَا عَلَى أَنَّ الْمُغَايِرَةَ بَيْنَهُمَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ دُونَ اقْتِضَاءِ اللُّغَةِ، قَوْلُهُمْ يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْقَضَاءِ قُلْنَا عِنْدَ الْخَصْمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي حَقِّ النِّيَّةِ لَا فِي الصَّوْمِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَنْوِيَ صَوْمًا وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَلَوْلَا الْعُذْرُ وَجَبَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَهُ شَرْعًا وَبِهَذَا لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الصَّوْمَ أَوْ الصَّلَاةَ كَانَا يَجِبَانِ فِي حَالَةٍ سَقَطَ عَنْ الْإِنْسَانِ أَدَاؤُهُمَا.

وَقَوْلُهُمْ لَوْ مَضَى الْوَقْتُ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ ثُمَّ حَدَثَتْ الْأَهْلِيَّةُ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إلَى آخِرِهِ فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا بِالدَّلِيلِ أَنَّ هَذَا مُحَالٌ وَالِاشْتِغَالُ بِإِثْبَاتِ الْمُسْتَحِيلِ بِمَا يَتَحَايَلُ أَنَّهُ دَلِيلٌ ضَرْبٌ مِنْ السَّفَهِ، عَلَى أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ عَلَى مَنْ مَضَى عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ نَائِمٌ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ مَا كَانَ يُوجِبُهُ فِي الْوَقْتِ لَوْلَا الْعُذْرُ وَفِي بَابِ الصِّبَا وَالْكُفْرِ مَا فَعَلَ هَكَذَا وَالْأَمْرُ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيْحُكُمْ مَا يُرِيدُ.

قَالَ وَلَا نَقُولُ يَتَحَقَّقُ وُجُوبُ أَصْلِ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَتَأَخُّرُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُحَالٌ بَلْ نَقُولُ إنَّ هُنَاكَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّوْمَ عَلَى الْعَبْدِ مُعَلَّقًا بِاخْتِيَارِهِ الْوَقْتَ تَخْفِيفًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَرْحَمَةً عَلَيْهِمْ فَإِنَّ اخْتِيَارَ الْأَدَاءِ فِي الشَّهْرِ كَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا فِيهِ وَإِنْ أَخَّرَ إلَى حَالَتَيْ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ بَلْ كَانَ وَاجِبًا بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ حَتَّى

ص: 223

ثُمَّ إذَا انْقَضَى الْجُزْءُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يُؤَدَّ انْتَقَلَتْ السَّبَبِيَّةُ إلَى الْجُزْءِ الثَّانِي ثُمَّ كَذَلِكَ يَنْتَقِلُ لِمَا قُلْنَا مِنْ ضَرُورَةِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَكَانَ مَا يَلِي الْأَدَاءَ بِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ نَقْلُ السَّبَبِيَّةِ عَنْ الْجُمْلَةِ إلَى الْأَقَلِّ لَمْ يَجُزْ تَقْرِيرُهُ عَلَى مَا يَسْبِقُ قُبَيْلَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّخَطِّي عَنْ الْقَلِيلِ بِلَا دَلِيلٍ.

ــ

[كشف الأسرار]

أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ بِأَنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ فِي سَفَرِهِ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَدْرَكَ بَعْضَ الْأَيَّامِ دُونَ الْبَعْضِ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ بِوُجُوبِ الْأَصْلِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَكُلًّا، وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْوَاجِبُ هُوَ الْمَالُ وَالْأَدَاءُ فِعْلٌ فِي ذَلِكَ فَيَجِبُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْأَمْوَالُ فِي ذِمَمِ الصِّبْيَانِ وَجَعَلَ ذَلِكَ شَرْعًا كَمَا لَوْ وُضِعَ عِنْدَ الصَّبِيِّ مَالٌ مُعَيَّنٌ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَدَاءُ مَا وُضِعَ فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ مِنْ الْمَالِ وَتَفْرِيغُهَا عَنْهُ كَمَا لَوْ وُضِعَ فِي بَيْتِ الصَّبِيِّ مَالٌ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ فِي الْأَفْعَالِ، هَذَا كَلَامُهُ أَوْرَدْته بِلَفْظِهِ وَحَاصِلُهُ مَنْعُ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ وَدَعْوَى اسْتِحَالَتِهَا فِي الْوَاجِبِ الْبَدَنِيِّ.

، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ عَلَى مَا زَعَمَ فَإِنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الصَّوْمَ أَوْ الصَّلَاةَ هُوَ الْفِعْلُ وَأَدَاءَ الصَّوْمِ هُوَ الْفِعْلُ أَيْضًا لَكِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ وُجُودًا فِي الذِّهْنِ وَيُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ وَيُسَمَّى مَاهِيَّةً وَوُجُودًا فِي الْخَارِجِ وَيُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْحِسِّ فَنَفْسُ الْوُجُوبِ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِغَالِ الذِّمَّةِ بِوُجُوبِ الْفِعْلِ الذِّهْنِيِّ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ إخْرَاجِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ إخْرَاجَهُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ غَيْرُ ذَلِكَ التَّصَوُّرِ الْمَوْجُودِ فِي الذِّهْنِ وَإِنْ كَانَ مُطَابِقًا لَهُ وَلِهَذَا لَا يَتَبَدَّلُ ذَلِكَ التَّصَوُّرُ بِتَبَدُّلِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ بِالْعَدَمِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ.

وَالْبَدَنِيُّ كَالْمَالِيِّ بِلَا فَرْقٍ فَإِنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ فِي الْمَالِ عِبَارَةٌ عَنْ لُزُومِ مَالٍ مُتَصَوَّرٍ فِي الذِّمَّةِ، وَلُزُومُ الْأَدَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْرَاجِهِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ أُقِيمَ مَالٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِهِ مَقَامَ ذَلِكَ الْمَالِ الْوَاجِبِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْأَدَاءِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ ذَلِكَ الْمَالُ الْوَاجِبُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِحَالَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ إذَا انْقَضَى الْجُزْءُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يُؤَدَّ) أَيْ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْأَدَاءِ، انْتَقَلَتْ السَّبَبِيَّةُ إلَى الْجُزْءِ الثَّانِي، ثُمَّ كَذَلِكَ تَنْتَقِلُ أَيْ مَا انْتَقَلَ مِنْ السَّبَبِيَّةِ إلَى الثَّانِي يَنْتَقِلُ إلَى آخِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ جُزْءًا فَجُزْءًا مِثْلُ انْتِقَالِهَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ الْوَقْتِ لَيْسَ بِسَبَبٍ بَلْ السَّبَبُ جُزْءٌ مِنْهُ وَالْبَاقِي ظَرْفٌ وَشَرْطٌ كَانَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ أَوْلَى بِالسَّبَبِيَّةِ مِنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَيُجْعَلُ الْقَائِمُ خَلَفًا عَنْ الْفَائِتِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا إلَى أَنْ يَبْلُغَ آخِرَ الْوَقْتِ فَيَصِيرَ ذَلِكَ الْجُزْءُ هُوَ السَّبَبَ عَيْنًا لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَالْوُجُوبُ يُضَافُ إلَى كُلِّ الْوَقْتِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ لِلْمُصَنِّفِ رحمه الله، وَلَا يُقَالُ لَا ضَرُورَةَ فِي نَقْلِ السَّبَبِيَّةِ وَجَعْلِ الْقَائِمِ خَلَفًا عَنْ الْفَائِتِ إذْ الْفَوَاتُ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَقَرُّرِ السَّبَبِيَّةِ كَمَا إذَا فَاتَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ تَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ وَالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَنَحْوِهَا بَعْدَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَوْ تَقَرَّرَتْ عَلَيْهِ لَمَا تَغَيَّرَتْ الْأَحْكَامُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَمْنَعْ تَقَرُّرُ السَّبَبِيَّةِ فَوَاتَ الْوَقْتِ لِعَدَمِ مَا يُعَارِضُهُ بَعْدَهُ وَأَمَّا هَهُنَا فَالْجُزْءُ الثَّانِي يُعَارِضُ الْأَوَّلَ وَهُوَ مَوْجُودٌ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَوَّلِ فَكَانَ أَوْلَى بِالسَّبَبِيَّةِ.

قَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ضَرُورَةِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ) يَعْنِي كَمَا أَنَّ

ص: 224

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

ضَرُورَةَ كَوْنِ السَّبَبِ مُتَقَدِّمًا عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ أَيْ عَلَى الزَّمَانِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْأَدَاءُ أَوْجَبَتْ انْتِقَالَ السَّبَبِيَّةِ مِنْ الْكُلِّ إلَى الْجُزْءِ فَكَذَلِكَ تُوجِبُ انْتِقَالَهَا إلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَكُونُ مُتَقَدِّمًا بِصِفَةِ الِاتِّصَالِ بِالْمُسَبِّبِ لَا بِصِفَةِ الِانْفِصَالِ إذْ الِانْفِصَالُ بِعَارِضٍ وَصِفَةُ الِاتِّصَالِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالِانْتِقَالِ إلَى مَا بَعْدَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَكَانَ هَذَا الِانْتِقَالُ مِنْ ضَرُورَاتِ التَّقَدُّمِ أَيْضًا كَالِانْتِقَالِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ (وَكَانَ مَا يَلِي الْأَدَاءَ بِهِ أَوْلَى) كَأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الضَّرُورَةِ فِي الِانْتِقَالِ إلَى مَا بَعْدَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْأَدَاءِ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ سَبَبًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَهُوَ تَقَدُّمُ السَّبَبِ مَعَ صِفَةِ الِاتِّصَالِ بِالْمُسَبَّبِ فَقَالَ مَا يَلِي الْأَدَاءَ بِهِ أَوْلَى أَيْ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ أَوْلَى بِالسَّبَبِيَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ نَقْلُ السَّبَبِيَّةِ عَنْ كُلِّ الْوَقْتِ إلَى الْجُزْءِ الْأَدْنَى لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ، لَمْ يَجُزْ تَقْدِيرُهُ أَيْ لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ لِجَمِيعِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّخَطِّي أَيْ التَّجَاوُزِ، عَنْ الْقَلِيلِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ بِلَا دَلِيلٍ، يُوجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ سَبَبٌ أَوْ الْجُزْءَ الْأَدْنَى سَبَبٌ فَإِثْبَاتُ السَّبَبِيَّةِ لِمَا وَرَاءَ الْكُلِّ وَالْأَدْنَى يَكُونُ إثْبَاتًا بِلَا دَلِيلٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ الضَّرُورَةُ فِي الِانْتِقَالِ إلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ بَاقِيَةً.

(فَإِنْ قِيلَ لَا ضَرُورَةَ فِي الِانْتِقَالِ إلَى مَا بَعْدَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ السَّبَبِ الْوُجُوبُ فِي الذِّمَّةِ لَا حَقِيقَةُ الْأَدَاءِ وَقَدْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ) مُتَّصِلًا بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى انْتِقَالِ السَّبَبِيَّةِ عَنْهُ.

(قُلْنَا) الْأَمْرُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْأَدَاءَ لَمَّا كَانَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءُ ذَلِكَ الْوَاجِبِ كَانَ مِنْ نَتِيجَةِ ذَلِكَ السَّبَبِ أَيْضًا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ بَاقٍ حُكْمًا إلَى زَمَانِ الْأَدَاءِ شَرْعًا إذْ الْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ مَوْصُوفَةٌ بِالْبَقَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيَثْبُتُ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ حُكْمُهُ، فَأَمَّا الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هَهُنَا فَقَدْ انْقَضَى حَقِيقَةً وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي إبْقَائِهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ أَمْثَالَهُ الَّتِي تَصْلُحُ لِلسَّبَبِيَّةِ تُوجَدُ بَعْدَهُ فَلَا يَثْبُتُ الِاتِّصَالُ فَلِهَذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى الِانْتِقَالِ، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَكَانَ مَا يَلِي الْأَدَاءَ بِهِ أَوْلَى أَنَّ الْجُزْءَ الْمُتَّصِلَ بِالْأَدَاءِ أَوْلَى بِالسَّبَبِيَّةِ مِنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْمُتَّصِلَ بِالْأَدَاءِ لَمَّا صَلَحَ لِلسَّبَبِيَّةِ لَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ وَجَعْلُ مَا قَبْلَهُ سَبَبًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّخَطِّي عَنْ الْقَلِيلِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِلَا دَلِيلٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ فَانْصَرَفَ وَاسْتَقْبَلَهُ نَهْرٌ وَوَرَاءَهُ نَهْرٌ آخَرُ فَتَرَكَ الْأَقْرَبَ وَمَشْي إلَى أَبْعَدَ لَا يَجُوزُ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهِ فَكَذَلِكَ هَذَا.

(قُلْت هَذَا مَعْنًى حَسَنٌ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ) وَلَمْ يَجُزْ تَقْرِيرُهُ عَلَى مَا سَبَقَ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ يُؤَدِّي إلَى التَّخَطِّي عَنْ الْقَلِيلِ لَا يَنْقَادُ لَهُ وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَ لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ يُؤَدِّي إلَى التَّخَطِّي عَنْ الْقَرِيبِ إلَى الْبَعِيدِ بِلَا دَلِيلٍ، وَقَوْلُهُ بِلَا دَلِيلٍ احْتِرَازٌ عَنْ انْتِقَالِ السَّبَبِيَّةِ عَنْ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ إلَى الْكُلِّ إنْ لَمْ يُوجَدْ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَخَطِّيًا عَنْ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ وَلَكِنَّهُ بِالدَّلِيلِ.

وَحَاصِلُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَوْ لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَإِمَّا أَنْ تُضَمَّ إلَيْهِ الْأَجْزَاءُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى الْأَدَاءِ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ تُضَمَّ إلَيْهِ يَلْزَمُ تَرْجِيحُ الْمَعْدُومِ عَلَى الْمَوْجُودِ مَعَ صَلَاحِيَةِ الْمَوْجُودِ لِلسَّبَبِيَّةِ وَاتِّصَالِ الْمَقْصُودِ

ص: 225

وَإِذَا انْتَهَى إلَى آخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى تَعَيَّنَ الْأَدَاءُ لَازِمًا اسْتَقَرَّتْ السَّبَبِيَّةُ لِمَا يَلِي الشُّرُوعَ فِي الْأَدَاءِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ صَحِيحًا كَمَا فِي الْفَجْرِ وَجَبَ كَامِلًا فَإِذَا اعْتَرَضَ الْفَسَادُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ بَطَلَ الْفَرْضُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ فَاسِدًا اُنْتُقِصَ الْوَاجِبُ كَالْعَصْرِ يُسْتَأْنَفُ فِي وَقْتِ الِاحْمِرَارِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَلَمْ وَلَا يَلْزَمُ إذَا ابْتَدَأَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ مَدَّهُ إلَى أَنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهَا فَإِنَّهُ نَصُّ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ وَقَدْ كَانَ الْوُجُوبُ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ

ــ

[كشف الأسرار]

بِهِ وَأَنَّهُ فَاسِدٌ وَإِنْ ضُمَّتْ إلَيْهِ يَلْزَمُ التَّخَطِّي عَنْ الْقَلِيلِ بِلَا دَلِيلٍ وَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا فَتَعَيَّنَ الِانْتِقَالُ، وَقَدْ اسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا فَإِنَّ الْأَهْلِيَّةَ لَوْ حَدَثَتْ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ بِأَنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ لَزِمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ اسْتَقَرَّتْ السَّبَبِيَّةُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ جُزْءًا فَجُزْءًا لَمَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ حَدَثَتْ الْأَهْلِيَّةُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ أَدَاءُ الْعَصْرِ وَقْتَ الِاحْمِرَارِ جَائِزٌ نَصًّا وَإِجْمَاعًا وَلَوْلَا الِانْتِقَالُ لَمْ يَجُزْ كَمَا إذَا قَضَى عَصْرَ الْأَمْسِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَهَذِهِ الضَّرُورَةُ دَعَتْهُمْ إلَى الْقَوْلِ بِالِانْتِقَالِ.

وَقَوْلُهُ (وَإِذَا انْتَهَى إلَى آخِرِ الْوَقْتِ) اعْلَمْ أَنَّ خِيَارَ تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ يَثْبُتُ إلَى أَنْ يَتَضَيَّقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ فِيهِ إلَّا فَرْضَ الْوَقْتِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ عَنْهُ يَأْثَمُ فَأَمَّا انْتِقَالُ السَّبَبِيَّةِ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ إلَى تَضَيُّقِ الْوَقْتِ أَيْضًا عِنْدَ زُفَرَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ وَعِنْدَنَا الِانْتِقَالُ ثَابِتٌ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ صَالِحٌ لِلسَّبَبِيَّةِ وَأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُعَارِضُ الْمَوْجُودَ وَإِنَّمَا لَا يَسَعُهُ التَّأْخِيرُ لِكَيْ لَا يَفُوتَ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْوَقْتُ.

وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا انْتَهَى أَيْ الِانْتِقَالُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ إنْ حُمِلَ عَلَى وَقْتِ التَّضْيِيقِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ حَتَّى تَعَيَّنَ الْأَدَاءُ لَازِمًا كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ زُفَرَ؛ لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ التَّضْيِيقِ مَذْهَبُهُ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ كَمَا هُوَ حَقِيقَتُهُ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ حَتَّى تَعَيَّنَ الْأَدَاءُ لَازِمًا فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ قَبْلَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مِنْ اسْتِقْرَارِ السَّبَبِيَّةِ اسْتِقْرَارُهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِقَالِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْكَلَامِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

، أَوْ يُقَالَ الْمُرَادُ مِنْ تَعَيُّنِ الْأَدَاءِ تَقَرُّرُ الْوَاجِبِ يَعْنِي وَإِذَا انْتَهَى الِانْتِقَالُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ حَتَّى تَقَرَّرَ الْوَاجِبُ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ اسْتَقَرَّتْ السَّبَبِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ الْجُزْءِ إنْ اتَّصَلَ الشُّرُوعُ بِهِ وَلَا يُنْتَقَلُ إلَى غَيْرِهِ إذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَيْهِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ حَالُ الْمُكَلَّفِ عِنْدَ ذَلِكَ الْجُزْءِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالصِّبَا وَالْبُلُوغِ وَالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى مَا عُرِفَ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الشُّرُوعُ فَيَنْتَقِلُ السَّبَبِيَّةُ إلَى كُلِّ الْوَقْتِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، فَصَارَ الْحَامِلُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لِلسَّبَبِيَّةِ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَإِنْ اتَّصَلَ بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ كَانَ هُوَ السَّبَبَ وَإِلَّا فَيَنْتَقِلُ إلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُجَاوَرَةِ عَنْ الْجُزْءِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ فِي جَعْلِهِ سَبَبًا لَا ضَرُورَةً وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَدْنَى وَالْكُلِّ مِقْدَارٌ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله.

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ صَحِيحًا) بَيَانُ اسْتِقْرَارِ السَّبَبِيَّةِ وَاعْتِبَارِ صِفَةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا كَانَ الْوَاجِبُ كَامِلًا كَمَا فِي الْفَجْرِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا أَيْ نَاقِصًا كَانَ الْوَاجِبُ نَاقِصًا، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فِي خِلَالِ الْعَصْرِ لَا يَفْسُدُ الْعَصْرُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ نَاقِصًا لِنُقْصَانٍ فِي سَبَبِهِ وَبِالْغُرُوبِ يَنْتَفِي النُّقْصَانُ فَيَتَأَدَّى كَامِلًا، وَلَوْ طَلَعَتْ فِي خِلَالِ الْفَجْرِ تَفْسُدُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا تَفْسُدُ اعْتِبَارًا بِالْغُرُوبِ وَاسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» ، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا أَنَّ الطُّلُوعَ بِظُهُورِ حَاجِبِ الشَّمْسِ وَبِهِ لَا يَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بَلْ يَتَحَقَّقُ فَكَانَ مُفْسِدًا لِلْفَرْضِ وَالْغُرُوبُ بِآخِرِهِ وَبِهِ يَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ فَلَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا لِلْعَصْرِ

ص: 226

وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْوَقْتَ مُتَّسِعًا وَلَكِنْ جَعَلَ لَهُ حَقَّ شَغْلِ كُلِّ الْوَقْتِ بِالْأَدَاءِ فَإِذَا شَغَلَهُ بِالْأَدَاءِ جَازَ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَّصِلُ مِنْ الْفَسَادِ بِالْبِنَاءِ جُعِلَ عَفْوًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ مَعَ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ مُتَعَذِّرٌ وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله فِيمَنْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي الْعَصْرِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ ثَبَتَ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْفَسَادُ صَارَ فِي الْحُكْمِ عَفْوًا فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَدَّى فِي وَقْتِ الصِّحَّةِ بِخِلَافِ حَالَةِ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِقَصْدِهِ ثَبَتَ الْفَسَادُ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَخْتَارَ وَقْتًا لَا فَسَادَ فِيهِ.

ــ

[كشف الأسرار]

وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْوُجُوبِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَكِنْ يَأْبَى هَذَا التَّأْوِيلَ مَا رُوِيَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَإِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» ، وَالتَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْآثَارِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ قَبْلَ نَهْيِهِ عليه السلام عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَلَا يُقَالُ كَانَ ذَلِكَ نَهْيًا عَنْ التَّطَوُّعِ خَاصَّةً كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَلَا يُوجِبُ نَسْخَ هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَإِنَّ قَضَاءَ الْفَوَائِتِ فِيهَا لَا يَجُوزُ، أَلَا تَرَى أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ انْتَظَرَ فِي قَضَائِهَا إلَى أَنْ ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ» فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ مَا رَوَاهُ نُسِخَ بِهِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ الْفَجْرَ لَا يَفْسُدُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُ يَصْبِرُ حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَكَأَنَّهُ اسْتَحْسَنَ هَذَا لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا بَعْضَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ أَفْسَدَهَا كَانَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْوَقْتِ وَأَدَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ أَوْلَى مِنْ أَدَاءِ الْكُلِّ خَارِجَ الْوَقْتِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَوْلُهُ بَطَلَ الْفَرْضُ إشَارَةً إلَى نَفْيِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْجِهَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ (جُعِلَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا) الشَّارِعُ جَعَلَ جَمِيعَ الْوَقْتِ مَحَلًّا لِأَدَاءِ فَرْضِ الْوَقْتِ وَأُثْبِتَتْ لَهُ وِلَايَةُ شَغْلِ الْكُلِّ بِالْأَدَاءِ وَهُوَ الْعَزِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَشْغُولًا بِخِدْمَةِ رَبِّهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْعَبْدِ وِلَايَةَ صَرْفِ بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إلَى حَوَائِجِ نَفْسِهِ رُخْصَةً فَثَبَتَتْ أَنَّ شَغْلَ كُلِّ الْوَقْتِ بِالْعِبَادَةِ هُوَ الْعَزِيمَةُ، وَلِهَذَا جَعَلْنَا الْوَقْتَ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْعُذْرِ مَقَامَ الْأَدَاءِ لِحَاجَتِهِ إلَى شَغْلِ الْوَقْتِ بِالْأَدَاءِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْأَقْبَالُ عَلَى الْعَزِيمَةِ هَهُنَا إلَّا بِأَنْ يَقَعَ بَعْضُ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ فَيَصِيرَ ذَلِكَ الْبَعْضُ نَاقِصًا وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ حُكْمًا لَا قَصْدًا فَإِنَّهُ بِنَاءً عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ إنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الْخَامِسَةِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَيَكُونُ الرَّكْعَتَانِ تَطَوُّعًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْعَصْرِ مَكْرُوهٌ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ بِنَاءً عَلَى الْأَوَّلِ وَقَدْ حَصَلَ حُكْمًا لَا قَصْدًا لَمْ يُعْتَبَرْ حَتَّى لَمْ تَثْبُتْ صِفَةُ الْكَرَاهَةِ كَذَا هَذَا كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ رحمه الله.

وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْمَعْرُوفُ بِالْغَنِيِّ فِي مُخْتَلَفَاتِهُ أَنَّهُ السَّبَبُ إنَّمَا هُوَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ لَا جُمْلَةُ الْوَقْتِ وَنَعْنِي بِالْجُزْءِ الْقَائِمِ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ يَنْتَقِلُ السَّبَبِيَّةُ جُزْءًا فَجُزْءًا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَعَلَى هَذَا الْحَرْفِ يُخَرَّجُ الْفَرْقُ بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَإِنَّ الْفَجْرَ يَفْسُدُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِي خِلَالِهِ وَالْعَصْرَ لَا يَفْسُدُ بِالْغُرُوبِ، ثُمَّ قَالَ وَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ فُقَهَائِنَا أَنَّا نَعْنِي بِالْجُزْءِ الْقَائِمِ الْجُزْءَ الَّذِي هُوَ قُبَيْلَ الشُّرُوعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَطَوَّلَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ الْوَقْتُ الْمَكْرُوهُ يَجُوزُ وَلَوْ جَعَلَ الْوُجُوبَ مُضَافًا إلَى الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ قُبَيْلَ الشُّرُوعِ لَكَانَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ كَامِلٌ بَلْ نَقُولُ بَعْدَ الشُّرُوعِ

ص: 227

وَأَمَّا إذَا خَلَا الْوَقْتُ عَنْ الْأَدَاءِ أَصْلًا فَقَدْ ذَهَبَ الضَّرُورَةُ الدَّاعِيَةُ عَنْ الْكُلِّ إلَى الْجُزْءِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شَغْلِ الْأَدَاءِ فَانْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ الْوَقْتِ سَبَبًا فَإِذَا فَاتَتْ الْعَصْرُ أَصْلًا أُضِيفَ وُجُوبُهَا إلَى جُمْلَةِ الْوَقْتِ دُونَ الْجُزْءِ الْفَاسِدِ فَوَجَبَتْ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَلَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهَا بِصِفَةِ النُّقْصَانِ وَلَا يَلْزَمُ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَقَدْ نَسِيَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عِنْدَ احْمِرَارِ الشَّمْسِ

ــ

[كشف الأسرار]

كُلُّ جُزْءٍ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ وَمَحِلٌّ لِأَدَائِهِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَيَتَقَرَّرُ السَّبَبِيَّةُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ إنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا إذَا خَلَا الْوَقْتُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ) جَوَابُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَمَّا انْتَقَلَتْ السَّبَبِيَّةُ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ لَزِمَ أَنْ يَجُوزَ الْأَدَاءُ فِي الْأَوْقَاتِ النَّاقِصَةِ إذَا كَانَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ نَاقِصًا كَالْعَصْرِ إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ قَضَاؤُهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ بَيَانِ النَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ الْوُجُوبَ يُضَافُ إلَى كُلِّ الْوَقْتِ إذَا فَاتَ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا جَعَلْنَا جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ سَبَبًا ضَرُورَةَ وُقُوعِ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ بِعَيْنِهِ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ سَبَبٌ أَيْضًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ الْوَاحِدُ ظَرْفًا وَسَبَبًا فَجَعَلْنَا جُزْءًا مِنْهُ سَبَبًا وَالْبَاقِيَ ظَرْفًا وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ فِيمَا إذَا جَعَلَهُ ظَرْفًا مُتَحَقِّقَةٌ فَإِذَا لَمْ يَجْعَلْهُ ظَرْفًا بِأَنْ لَمْ يُؤَدِّ فِي الْوَقْتِ حَتَّى فَاتَ سَقَطَتْ الضَّرُورَةُ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ الْوَقْتُ سَبَبًا لِكَمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ وُجِدَتْ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ يُقَالُ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالظُّهْرُ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْوَقْتِ وَلَمَّا جُعِلَ الْكُلُّ سَبَبًا وَلَا فَسَادَ فِي كُلِّ الْوَقْتِ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى وَقْفِهِ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهُ فِي وَقْتٍ نَاقِصٍ كَمَا فِي الْفَجْرِ وَقْتَ الطُّلُوعِ.

وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ مُضَافًا إلَى الْكُلِّ بَعْدَ الْفَوَاتِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوُجُوبُ ثَابِتًا فِي الْوَقْتِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ إنَّمَا بِتَرْكِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَنْتَقِلُ السَّبَبِيَّةُ إلَى الْكُلِّ بَعْدَ الْيَأْسِ عَنْ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْوُجُوبِ فِي الْوَقْتِ، وَلِأَنَّهُ لَمَا كَانَ مَأْمُورًا بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ جَعْلُ بَعْضِ الْوَقْتِ سَبَبًا فِي حَقِّهِ فَكَانَ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى أَنْ يُقَرِّرَ بَعْضَ الْوَقْتِ لِلسَّبَبِيَّةِ بِأَنْ يَصِلَ الْأَدَاءَ بِهِ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَتَقْصِيرِهِ.

(فَإِنْ قِيلَ) لَوْ أُضِيفَ الْوُجُوبُ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ وَبَعْضُهُ نَاقِصٌ فِي الْعَصْرِ يَكُونُ الْوَاجِبُ نَاقِصًا ضَرُورَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ قَضَاؤُهُ فِي وَقْتٍ مِثْلِهِ.

(قُلْنَا) السَّبَبُ الْكَامِلُ مِنْ وَجْهٍ نَاقِصٌ مِنْ وَجْهٍ الْوَاجِبُ يَكُونُ كَذَلِكَ فَلَا يَتَأَدَّى فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي مُخْتَلَفَاتِ الْقَاضِي الْغَنِيِّ، إلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَوَقَعَ بَعْضُهُ فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ كَانَ جَائِزًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ وَقْتَ التَّغَيُّرِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِقَضَاءِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رحمه الله فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِالْأَدَاءِ حَتَّى تَحَقَّقَ التَّفْوِيتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَثْبُتُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَإِنَّمَا يَتَأَدَّى بِصِفَةِ النُّقْصَانِ عِنْدَ ضَعْفِ السَّبَبِ إذَا لَمْ يَصِرْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَيْرُورَتَهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ.

، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النُّقْصَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ إنَّمَا يُمْكِنُ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ إذْ هُوَ وَقْتٌ كَسَائِرِ الْأَوْقَاتِ لَكِنْ فِي الِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ تَشَبُّهٌ بِعِبَادَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَتَعْظِيمِهِمْ مَا يَعْتَقِدُونَهُ آلِهَةً فِي هَذَا الْوَقْتِ فَإِذَا مَضَى مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ نُقْصَانٌ وَصَارَ كَسَائِرِ الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ مَا يَرْجِعُ إلَى الْإِيجَابِ فِي الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّ النُّقْصَانَ الَّذِي ذَكَرْنَا كَانَ مُتَحَمَّلًا فِي الْوَقْتِ لِلْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ فَإِذَا مَضَى لَمْ يَبْقَ مُتَحَمَّلًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَحَقَّقَ فِي الذِّمَّةِ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى بِصِفَةِ النُّقْصَانِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَمَّا إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ بَلَغَ

ص: 228

لِأَنَّ هَذَا لَا يُرْوَى وَمِنْ حُكْمِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيَّنًا شَرْعًا وَالِاخْتِيَارُ فِيهِ لِلْعَبْدِ لَمْ يُقْبَلْ التَّعَيُّنُ بِتَعْيِينِهِ قَصْدًا وَنَصًّا وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ ضَرُورَةَ تَعَيُّنِ الْأَدَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ تَعْيِينَ الشَّرْطِ أَوْ السَّبَبِ ضَرْبُ تَصَرُّفٍ فِيهِ وَلَيْسَ إلَى الْعَبْدِ وِلَايَةُ وَضْعِ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ فَصَارَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّعْيِينِ قَصْدًا يَنْزِعُ إلَى الشَّرِكَةِ فِي وَضْعِ الْمَشْرُوعَاتِ وَإِنَّمَا إلَى الْعَبْدِ أَنْ يَرْتَفِقَ بِمَا هُوَ حَقُّهُ ثُمَّ يَتَعَيَّنُ بِهِ الْمَشْرُوعُ حُكْمًا وَنَظِيرُ هَذَا الْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْحَانِثَ فِيهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ وَإِنْ شَاءَ كَسَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ حَرَّرَ رَقَبَةً وَلَوْ عَيَّنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَصْدًا لَمْ يَصِحَّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ضَرُورَةُ فِعْلِهِ لِمَا قُلْنَا وَمِنْ حُكْمِهِ أَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْوَقْتِ يُوجِبُ الْفَوَاتَ لِذَهَابِ شَرْطِ الْأَدَاءِ مِنْ حُكْمِ كَوْنِهِ ظَرْفًا لِلْوَاجِبِ أَنَّهُ لَا يَنْفِي غَيْرَهُ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ أَفْعَالًا مَعْلُومَةً فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ فَبَقِيَ الْوَقْتُ خَالِيًا وَبَقِيَتْ مَنَافِعُهُ عَلَى حَقِّهِ فَلَمْ يَنْتَفِ غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ

ــ

[كشف الأسرار]

أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ قَضَوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَضَى الْوَقْتُ صَارَ الْوَاجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَلَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ سَافَرَ فِي آخِرِهِ وَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ السَّفَرِ مَعَ أَنَّ الْوُجُوبَ مُضَافٌ إلَى كُلِّ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النُّقْصَانُ مِنْ الْأَرْبَعِ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ قِبَلِ السَّبَبِ بَلْ يَثْبُتُ مِنْ قِبَلِ حَالِ الْمُصَلِّي فَلَا يَتَفَاوَتُ بِأَنْ يُضَافَ إلَى الْجُزْءِ أَوْ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النُّقْصَانَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ السَّبَبِ فَيَتَفَاوَتُ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْوَقْتِ النَّاقِصِ وَالْكَامِلِ، وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ بِاعْتِبَارِ السَّفَرِ وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ السَّفَرُ بَاقٍ فَبِمُضِيِّ الْوَقْتِ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَبْقَ فَيَعُودُ إلَى الْكَمَالِ.

قَوْلُهُ (لِأَنَّ هَذَا لَا يُرْوَى) أَيْ عَنْ السَّلَفِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رحمهم الله فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا نُسَلِّمُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَلْ يَجُوزُ بِأَنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا.

، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ عَنْ الْوَقْتِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ فِي وَقْتِ نَاقِصٍ بِخِلَافِ الْأَدَاءِ كَمَا قَالُوا فِي قَضَاءِ اعْتِكَافِ رَمَضَانَ إذَا صَامَهُ وَلَمْ يَعْتَكِفْ لَا يَجُوزُ فِي الرَّمَضَانِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ جَائِزًا فِي الرَّمَضَانِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ (لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا) يَعْنِي لِكَوْنِ الْوَقْتِ مُتَّسِعًا وَكَوْنِ الْعَبْدِ مُخْتَارًا فِي الْأَدَاءِ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَالِاخْتِيَارُ لِلْحَالِ، وَالضَّمِيرُ فِي فِيهِ رَاجِعٌ إلَى الْأَدَاءِ أَوْ إلَى التَّعْيِينِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، قَصْدًا أَيْ بِالْقَلْبِ بِأَنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجُزْءُ سَبَبًا، وَنَصًّا أَيْ بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَقُولَ عَيَّنْت هَذَا الْجُزْءَ لِلسَّبَبِيَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ وَيَجُوزُ الْأَدَاءُ بَعْدَهُ، وَهَذَا أَيْ عَدَمُ قَبُولِهِ التَّعْيِينَ قَصْدًا وَنَصًّا، وَلَيْسَ إلَى الْعَبْدِ وِلَايَةُ تَعْيِينِ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيضٍ إلَيْهِ وَهَهُنَا كَذَلِكَ، يَنْزِعُ إلَى الشَّرِكَةِ أَيْ يَقْضِي وَيَذْهَبُ إلَيْهَا يُقَالُ فُلَانٌ نَزَعَ إلَى أَبِيهِ فِي الشَّبَهِ أَيْ ذَهَبَ، وَالتَّعْيِينُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ وَهُوَ نَسْخٌ لِإِطْلَاقِهِ، ثُمَّ يَتَعَيَّنُ بِهِ الْمَشْرُوعُ أَيْ بِارْتِفَاقِهِ تَعَيَّنَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَرْتَفِقَ) يَعْنِي لَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ فَلَوْ ثَبَتَ التَّعْيِينُ بِالْقَوْلِ كَانَ اخْتِيَارًا مُطْلَقًا فَإِنَّهُ خَالٍ عَنْ الرِّفْقِ وَالنَّفْعِ وَإِنَّمَا جَعَلَ إلَى الْعَبْدِ اخْتِيَارَ مَا فِيهِ رِفْقٌ وَلَا رِفْقَ لَهُ فِي اخْتِيَارِ جُزْءٍ مِنْ الْجُمْلَةِ قَوْلًا بَلْ فِيهِ نَوْعُ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الْأَدَاءُ فِيهِ فَيَفُوتُهُ الْأَدَاءُ أَصْلًا مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا إلَيْهِ التَّعْيِينُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ فَائِدَةٌ بِأَنْ يَخْتَارَ الْأَدَاءَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي تَيَسَّرَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ كَذَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلْمُصَنِّفِ رحمه الله.

قَوْلُهُ (أَنْ لَا يَنْفِيَ غَيْرَهُ) أَيْ لَا يَمْنَعَ صِحَّةَ صَلَاةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِعْيَارًا لَا يَصِيرُ مُسْتَغْرِقًا بِالْوَاجِبِ فَلَا يَنْفِي مَشْرُوعِيَّةَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقَعْدَةِ وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ وَالْأَدَاءُ يَحْصُلُ بِمَنَافِعِ بَدَنِهِ فَكَانَ الْوَقْتُ خَلَفًا عَنْهَا فَبَقِيَ غَيْرُهَا مَشْرُوعًا فِيهِ وَالْمَنَافِعُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ يَصْرِفُهَا إلَى أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ كَالرَّجُلِ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَهُ مَالٌ لَا يَنْفِي وُجُوبَ دَيْنٍ آخَرَ وَلَا قَضَاءَ دَيْنٍ آخَرُ عَنْ ذَلِكَ

ص: 229