المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[النوع الأول علم التوحيد والصفات] - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ١

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ

- ‌ أُصُولَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ

- ‌ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً

- ‌[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]

- ‌[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْعَامُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُؤَوَّلُ]

- ‌[الفرق بَيْن التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُفَسَّرُ]

- ‌[تَعْرِيف المحكم]

- ‌[تَعْرِيف الخفي]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُجْمَلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُتَشَابِه]

- ‌[بَيَان الْحِكْمَة فِي إنْزَال الْآيَات الْمُتَشَابِهَات]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُوه اسْتِعْمَال النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الْحَقِيقَةَ]

- ‌[أَقْسَام الْحَقِيقَة]

- ‌ تَعْرِيفِ الْمَجَازِ

- ‌[تَعْرِيف الصَّرِيحُ]

- ‌[تَعْرِيف الْكِنَايَةُ]

- ‌ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

- ‌[الْقَسْم الرَّابِع وُجُوه وُقُوف السَّامِع عَلَى مُرَاد الْمُتَكَلِّم ومعانى الْكَلَام]

- ‌[الِاسْتِدْلَال بِإِشَارَةِ اللَّفْظِ]

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ

- ‌ الثَّابِتُ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ:

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ)

- ‌[تَعْرِيف الْأَمْر]

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ)

- ‌[الْأَمْر إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ) :فِي مَعْنَى الْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ

- ‌[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

- ‌[الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ]

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ

- ‌[الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل كَامِلٌ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي قَاصِر]

- ‌ الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ

- ‌[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مَا حَسَن لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

- ‌الصَّلَاةِ حَسُنَتْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا

- ‌[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]

- ‌[الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ شَرْطُ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ]

- ‌[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

- ‌(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

- ‌[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ

- ‌[النَّوْع الثَّالِث الْوَقْتُ الَّذِي جُعِلَ مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ

- ‌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي

- ‌(بَابُ النَّهْيِ) :

- ‌[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ]

- ‌ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدُلُوكِهَا

- ‌[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ]

- ‌ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ

- ‌ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ

- ‌ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ

- ‌[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]

- ‌ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ

- ‌(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

- ‌ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

- ‌ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ خُصُوصُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ

- ‌[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

- ‌ كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا

الفصل: ‌[النوع الأول علم التوحيد والصفات]

وَأُصَلِّي عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَأَصْحَابِهِمْ أَجْمَعِينَ

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزْدَوِيُّ رحمه الله:‌

‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَعِلْمُ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَصْلُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ هُوَ التَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمُجَانَبَةُ الْهَوَى وَالْبِدْعَةِ وَلُزُومُ طَرِيقِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَضَى عَلَيْهِ الصَّالِحُونَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَدْرَكْنَا مَشَايِخَنَا، وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ سَلَفُنَا أَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا وَعَامَّةَ أَصْحَابِهِمْ رحمهم الله وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ كِتَابَ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ وَذَكَرَ فِيهِ إثْبَاتَ الصِّفَاتِ

ــ

[كشف الأسرار]

قَوْلُهُ (وَأُصَلِّي عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ) أَيْ ذُرِّيَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ أَيْ مُتَابِعِيهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الْآلِ الْأَتْقِيَاءُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا قَالَ عليه السلام «آلِي كُلُّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ» وَتَخْصِيصُ الْأَصْحَابِ بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِي ذَلِكَ الْعُمُومِ لِزِيَادَةِ التَّعْظِيمِ وَتَقْدِيمِ الْآلِ وَالْأَصْحَابِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَامَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ لِتَكْمِيلِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ لَا لِتَفْضِيلِهِمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ إذْ لَا فَضْلَ لِوَلِيٍّ عَلَى نَبِيٍّ قَطُّ.

[الْعِلْم نَوْعَانِ]

[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

قَوْلُهُ (الْعِلْمُ نَوْعَانِ) اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَا يُمْكِنُ تَعْرِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ وُجُودَهُ ضَرُورَةً؛ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْعِلْمِ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالْعِلْمِ فَلَوْ عُلِمَ الْعِلْمُ بِغَيْرِهِ كَانَ دَوْرًا وَقِيلَ إنَّهُ صِفَةٌ تُوجِبُ فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ وَقَوْلُهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ احْتِرَازٌ عَنْ الظَّنِّ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ هُوَ صِفَةٌ يَنْتَفِي بِهَا عَنْ الْحَيِّ الْجَهْلُ وَالشَّكُّ وَالظَّنُّ وَالسَّهْوُ وَمُخْتَارُ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ رحمه الله أَنَّهُ صِفَةٌ يَتَجَلَّى بِهَا الْمَذْكُورُ لِمَنْ قَامَتْ هِيَ بِهِ ثُمَّ أَنَّهُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ عِلْمَ النَّحْوِ وَالطِّبِّ وَالنُّجُومِ وَسَائِرِ عُلُومِ الْفَلْسَفَةِ كَمَا يَتَنَاوَلُ عِلْمَ التَّوْحِيدِ وَالشَّرَائِعِ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَقْسِيمُهُ بِالنَّوْعَيْنِ وَاكْتِفَاؤُهُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَا يَسْتَقِيمُ تَقْسِيمُ الْحَيَوَانِ بِأَنَّهُ نَوْعَانِ: إنْسَانٌ وَفَرَسٌ مُنْحَصِرًا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَقْيِيدٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ الْعِلْمُ الْمُنْجِي أَوْ الْعِلْمُ الَّذِي اُبْتُلِينَا بِهِ نَوْعَانِ، وَكَانَ الشَّيْخ رحمه الله أَخْرَجَ بِقَوْلِهِ الْعِلْمُ نَوْعَانِ غَيْرَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ عَنْ كَوْنِهِ عِلْمًا لِعَدَمِ ظُهُورِ فَائِدَتِهِ فِي الْآخِرَةِ وَانْحِصَارِ الْفَائِدَةِ فِيهَا عَلَى النَّوْعَيْنِ فَكَانَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ قَوْلِك الْعَالِمُ فِي الْبَلَدِ زَيْدٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّك لَا تَعُدُّهُمْ عُلَمَاءَ فِي مُقَابَلَتِهِ عِلْمُ التَّوْحِيدِ هُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَعِلْمُ الصِّفَاتِ هُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى صِفَاتٍ ثُبُوتِيَّةً قَائِمَةً بِذَاتِهِ قَدِيمَةً غَيْرَ مُحْدَثَةٍ مِثْلُ الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَوْصَافِ الْكَمَالِ لَا كَمَا زَعَمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ نَفْيِ الصِّفَاتِ، وَلَا كَمَا زَعَمَتْ الْكَرَّامِيَّةُ مِنْ حُدُوثِ بَعْضِ الصِّفَاتِ وَعِلْمُ الشَّرَائِعِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْمَشْرُوعَاتِ مِنْ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالْجَوَازِ وَالْفَسَادِ وَالْأَحْكَامِ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الْمَشْرُوعَاتِ لَكِنَّهَا لِكَوْنِهَا مَقْصُودَةً أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ وَالْأَصْلُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ التَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْ بِمُحْكَمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ.

وَهَذَا فِي الْمُبَاحَثَةِ مَعَ النَّفْسِ أَوْ مَعَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِرِسَالَةِ النَّبِيِّ عليه السلام وَبِحَقِّيَّةِ الْقُرْآنِ وَانْتَحَلُوا نِحْلَةَ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُمْ بِسَبَبِ أَهْوَائِهِمْ خَرَجُوا عَنْ حَوْزَةِ الْإِسْلَامِ وَنَبَذُوا التَّوْحِيدَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَأَنْكَرُوا الصِّفَاتِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ زَاعِمِينَ أَنَّ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ هُوَ عَيْنُ الْحَقِّ وَمَحْضُ التَّوْحِيدِ، فَأَمَّا فِي الْمُبَاحَثَةِ مَعَ مَنْ أَنْكَرَ الرِّسَالَةَ وَالْقُرْآنَ مِثْلُ الْمَجُوسِ وَالثَّنَوِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ فَلَا يَنْفَعُ التَّمَسُّكُ فِيهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِإِنْكَارِ الْخَصْمِ حَقِيَتَهُمَا فَيُتَمَسَّكُ إذَنْ بِالْمَعْقُولِ الصِّرْفِ. وَمُجَانَبَةُ الْهَوَى وَالْبِدْعَةِ الْهَوَى مَيَلَانُ النَّفْسِ إلَى مَا تَسْتَلِذُّهُ مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةِ الشَّرْعِ وَالْبِدْعَةُ الْأَمْرُ الْمُحْدَثُ فِي الدِّينِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ يَعْنِي يَتَمَسَّكُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُجَانِبًا لِهَوَى نَفْسِهِ وَمُجَانِبًا لِمَا أَحْدَثَهُ غَيْرُهُ فِي الدِّينِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَلَا يُحْمَلُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى مَا تَهْوَاهُ نَفْسُهُ وَلَا عَلَى مَا يُوَافِقُ مَا أَبْدَعَهُ غَيْرُهُ مِثْلُ مَا قَالَتْ الرَّافِضَةُ الْمُرَادُ مِنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْأَنْصَابِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَمِنْ الظُّلْمِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27] أَبُو بَكْرٍ وَمِنْ قَوْلِهِ {لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا} [الفرقان: 28] عُمَرَ وَمِثْلُ

ص: 7

وَإِثْبَاتَ تَقْدِيرِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنْ اللَّهِ وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِمَشِيئَتِهِ وَأَثْبَتَ الِاسْتِطَاعَةَ مَعَ الْفِعْلِ، وَإِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهَا كُلَّهَا وَرَدَّ الْقَوْلَ بِالْأَصْلَحِ وَصَنَّفَ كِتَابَ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ وَكِتَابَ الرِّسَالَةِ وَقَالَ فِيهِ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ بِذَنْبٍ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْإِيمَانِ

ــ

[كشف الأسرار]

مَا قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِشَرْطِ التَّوْبَةِ لِيَسْتَقِيمَ قَوْلُهُمْ بِالتَّخْلِيدِ فِي النَّارِ لِأَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَمِثْلُ حَمْلِهِمْ الْمَشِيئَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} [الرعد: 27] وَنَظَائِرُهُ عَلَى مَشِيئَةِ الْقَسْرِ لِيَسْتَقِيمَ قَوْلُهُمْ بِعَدَمِ دُخُولِ الشُّرُورِ وَالْقَبَائِحِ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ، وَلُزُومُ طَرِيقِ السُّنَّةِ أَيْ عَقِيدَةِ الرَّسُولِ وَالْجَمَاعَةِ أَيْ عَقِيدَةِ الصَّحَابَةِ، أَدْرَكْنَا مَشَايِخَنَا أَيْ أُسْتَاذِيّنَا وَالسَّلَفُ جَمْعُ سَالِفٍ مِنْ سَلَفَ يَسْلُفُ سَلَفًا إذَا مَضَى وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِمْ أَيْ أَكْثَرُهُمْ.

وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ مَوْسُومًا بِالْبِدْعَةِ مِثْلُ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ غَرَضَ الشَّيْخِ مِنْ تَقْرِيرِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ إبْطَالُ دَعْوَى مَنْ زَعَمَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ اسْتِدْلَالًا بِمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَدَفْعُ طَعْنِ مَنْ طَعَنَ فِيهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ الرَّأْيَ عَلَى السُّنَّةِ فَبَدَأَ أَوَّلًا بِإِبْطَالِ دَعْوَى الْمُعْتَزِلَةِ فَقَالَ وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي عِلْمِ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ كِتَابَ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ سَمَّاهُ أَكْبَرَ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ وَعَظَمَتَهُ بِحَسَبِ شَرَفِ الْمَعْلُومِ وَلَا مَعْلُومَ أَكْبَرُ مِنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ أَكْبَرَ وَذَكَرَ فِيهِ إثْبَاتَ الصِّفَاتِ فَقَالَ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ بِصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ صِفَةٌ وَلَا اسْمٌ لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِعِلْمِهِ وَالْعِلْمُ صِفَتُهُ فِي الْأَزَلِ وَقَادِرًا بِقُدْرَتِهِ وَالْقُدْرَةُ صِفَتُهُ فِي الْأَزَلِ وَخَالِقًا بِتَخْلِيقِهِ وَالتَّخْلِيقُ صِفَتُهُ فِي الْأَزَلِ وَفَاعِلًا بِفِعْلِهِ وَفِعْلُهُ صِفَتُهُ فِي الْأَزَلِ فَالْفَاعِلُ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَفِعْلُهُ صِفَتُهُ فِي الْأَزَلِ وَالْمَفْعُولُ مَخْلُوقٌ وَفِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَصِفَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ وَلَا مُحْدَثَةٍ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا مَخْلُوقَةٌ أَوْ مُحْدَثَةٌ أَوْ وَقَفَ فِيهَا أَوْ شَكَّ فِيهَا فَهُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِثْبَاتُ تَقْدِيرِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنْ اللَّهِ عز وجل أَيْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِيهِ أَيْضًا فَقَالَ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ آمَنْت بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِمَشِيئَتِهِ أَيْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا فَقَالَ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ كَسْبُهُمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى خَالِقُهَا.

وَهِيَ كُلُّهَا بِمَشِيئَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَالطَّاعَاتُ كُلُّهَا بِمَحَبَّتِهِ وَرِضَائِهِ وَالْمَعَاصِي كُلُّهَا بِتَقْدِيرِهِ وَعِلْمِهِ وَقَضَائِهِ وَمَشِيئَتِهِ لَا بِمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَأَمَّا مَسْأَلَتَا الِاسْتِطَاعَةِ وَالْأَصْلَحِ فَمَا وَجَدْتُهُمَا فِي النُّسَخِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدِي مِنْ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَيْضًا مَا يُوجِبُ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهُمَا فِيهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْطِفْ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَإِثْبَاتُ الِاسْتِطَاعَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَيْضًا وَأَثْبَتَ فِيهِ الِاسْتِطَاعَةَ وَرَدَّ فِيهِ الْقَوْلَ بِالْأَصْلَحِ بَلْ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ وَقَالَ وَأَثْبَتَ الِاسْتِطَاعَةَ وَرَدَّ الْقَوْلَ بِالْأَصْلَحِ مُطْلَقًا فَلَعَلَّهُ أَثْبَتَهُمَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ فِي مَبَاحِثِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَقَالَ فِيهِ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ بِذَنْبٍ) أَيْ قَالَ فِيهِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ لِلَّهِ عَدُوًّا، وَإِنْ رَكِبَ جَمِيعَ الذُّنُوبِ بَعْدَ أَنْ لَا يَدَعَ التَّوْحِيدَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ يَرْتَكِبُ الْعَظِيمَ مِنْ الذَّنْبِ فَاَللَّهُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ، فَإِنَّهُ لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَلْبِهِ لَكَانَ الِاحْتِرَاقُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْإِيمَانِ ذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا قَالَ الْمُتَعَلِّمُ رحمه الله فَمَا قَوْلُك فِي أُنَاسِ رَوَوْا أَنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا زَنَى يُخْلَعُ عَنْهُ الْإِيمَانُ كَمَا يُخْلَعُ عَنْهُ الْقَمِيصُ ثُمَّ إذَا تَابَ أُعِيدَ إلَيْهِ إيمَانُهُ أَتُكَذِّبُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ أَوْ تُصَدِّقُهُمْ

ص: 8

وَيَتَرَحَّمُ لَهُ وَكَانَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ إمَامًا صَادِقًا وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ نَاظَرْت أَبَا حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَاتَّفَقَ رَأْيِي وَرَأْيُهُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ كَافِرٌ وَصَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله

ــ

[كشف الأسرار]

فَإِنْ صَدَّقْت قَوْلَهُمْ فَقَدْ دَخَلْت فِي قَوْلِ الْخَوَارِجِ، وَإِنْ كَذَّبْت قَوْلَهُمْ قَالُوا أَنْتِ مُكَذِّبٌ لِلنَّبِيِّ عليه السلام، فَإِنَّهُمْ رَوَوْا ذَلِكَ عَنْ رِجَالٍ شَتَّى حَتَّى انْتَهَى إلَى النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ الْعَالِمُ رحمه الله أُكَذِّبُ هَؤُلَاءِ وَلَا يَكُونُ تَكْذِيبِي لَهُمْ تَكْذِيبًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَلْ يَكُونُ تَكْذِيبًا لِلرِّوَايَةِ عَنْهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ بِكُلِّ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ عَمَّ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْجَوْرِ وَلَمْ يُخَالِفْ الْقُرْآنَ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ تَصْدِيقًا بِالنَّبِيِّ وَبِالْقُرْآنِ وَتَنْزِيهًا لَهُ مِنْ الْخِلَافِ عَلَى الْقُرْآنِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء: 16] فَقَوْلُهُ مِنْكُمْ لَمْ يَعْنِ بِهِ الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى، وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَذَكَرَ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ أَيْضًا وَلَا نُكَفِّرُ مُسْلِمًا بِذَنْبٍ مِنْ الذُّنُوبِ.

وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّهَا وَلَا نُزِيلُ عَنْهُ اسْمَ الْإِيمَانِ وَنُسَمِّيهِ مُؤْمِنًا حَقِيقَةً، وَيُتَرَحَّمُ لَهُ أَيْ يُدْعَى لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَيُقَالُ رحمه الله «قَالَ عليه السلام لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لَوْ كَانَ أَبُوك إسْلَامِيًّا لَتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ» أَيْ لَقُلْنَا لَهُ رحمه الله وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا قَالَ الْمُتَعَلِّمُ أَخْبِرْنِي عَنْ الِاسْتِغْفَارِ لِصَاحِبِ الْكَبِيرَةِ أَهُوَ أَفْضَلُ أَمْ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ بِاللَّعْنَةِ قَالَ الْعَالِمُ رحمه الله الذَّنْبُ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ غَيْرِ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ فَأَيُّ الذَّنْبَيْنِ رَكِبَ هَذَا الْعَبْدُ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ لَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَالدُّعَاءُ لِأَهْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِالْمَغْفِرَةِ أَفْضَلُ لِحُرْمَةِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ إذَا لَيْسَ شَيْءٌ يُطَاعُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِقْرَارِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَجَمِيعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَرَائِضِهِ فِي جَنْبِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَصْغَرُ مِنْ بَيْضَةٍ فِي جَنْبِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا بَيْنَهُنَّ فَكَمَا أَنَّ ذَنْبَ الْإِشْرَاكِ أَعْظَمُ كَذَلِكَ أَجْرُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَعْظَمُ، وَكَانَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ إمَامًا صَادِقًا أَيْ إمَامًا عَلَى التَّحْقِيقِ وَالشَّيْءُ إذَا بُولِغَ فِي وَصْفِهِ يُوصَفُ بِالصِّدْقِ يُقَالُ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلِلْفَرَسِ الْجَوَادِ إنَّهُ لَذُو صِدْقٍ أَيْ صَادِقِ الْحَمْلَةِ وَصَادِقِ الْجَرْيِ كَأَنَّهُ ذُو صِدْقٍ فِيمَا يَعُدُّك مِنْ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: فِي قَوْله تَعَالَى {قَدَمَ صِدْقٍ} [يونس: 2] ، وَفِي إضَافَتِهِ إلَى صِدْقٍ دَلَالَةٌ عَلَى زِيَادَةِ فَضْلٍ، وَإِنَّهُ مِنْ السَّوَابِقِ الْعَظِيمَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَبَحُّرِهِ فِيهِ مَا رَوَى يَحْيَى بْنُ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ كُنْت رَجُلًا أُعْطِيت جَدَلًا فِي الْكَلَامِ فَمَضَى دَهْرٌ فِيهِ أَتَرَدَّدُ وَبِهِ أُخَاصِمُ وَعَنْهُ أُنَاضِلُ.

وَكَانَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْخُصُومَاتِ بِالْبَصْرَةِ فَدَخَلْتهَا نَيِّفًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً أُقِيمُ سَنَةً وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَكُنْت قَدْ نَازَعْت طَبَقَاتِ الْخَوَارِجِ مِنْ الْإِبَاضِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَطَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ وَسَائِرِ طَبَقَاتِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَكُنْت بِحَمْدِ اللَّهِ أَغْلِبُهُمْ وَأَقْهَرُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي طَبَقَاتِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَحَدَّ جَدَلًا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ مُمَوَّهٌ يَقْبَلُهُ الْقُلُوبُ وَكُنْت أُزِيلُ تَمْوِيهَهُمْ بِمَبْدَأِ الْكَلَامِ وَأَمَّا الرَّوَافِضُ وَأَهْلُ الْإِرْجَاءِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ فَكَانُوا بِالْكُوفَةِ أَكْثَرَ وَكُنْت قَهَرْتهمْ بِحَمْدِ اللَّهِ أَيْضًا وَكُنْت أَعُدُّ الْكَلَامَ أَفْضَلَ الْعُلُومِ وَأَرْفَعَهَا فَرَاجَعْت نَفْسِي بَعْدَمَا مَضَى لِي فِيهِ عُمْرٌ وَتَدَبَّرْت فَقُلْت إنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَضِّي اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ لَمْ يَكُنْ يَفُوتُهُمْ شَيْءٌ مِمَّا نُدْرِكُهُ نَحْنُ وَكَانُوا عَلَيْهِ أَقْدَرَ وَبِهِ أَعْرَفَ وَأَعْلَمَ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ ثُمَّ لَمْ يَتَهَايَئُوا فِيهِ مُتَنَازِعِينَ وَلَا مُجَادِلِينَ وَلَمْ يَخُوضُوا فِيهِ بَلْ أَمْسَكُوا عَنْ ذَلِكَ وَنُهُوا أَشَدَّ النَّهْيِ وَرَأَيْت خَوْضَهُمْ فِي الشَّرَائِعِ وَأَبْوَابِ الْفِقْهِ وَكَلَامَهُمْ فِيهِ، عَلَيْهِ تَجَالَسُوا وَإِلَيْهِ دَعَوْا وَكَانُوا يُطْلِقُونَ الْكَلَامَ وَالْمُنَازَعَةَ فِيهِ

ص: 9

وَدَلَّتْ الْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّقَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِ الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَمِيلُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ مَذَاهِبِ الِاعْتِزَالِ وَإِلَى سَائِرِ الْأَهْوَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَيَتَنَاظَرُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ مَضَى الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنْ السَّابِقِينَ وَتَبِعَهُمْ التَّابِعُونَ فَلَمَّا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أُمُورِهِمْ ذَلِكَ تَرَكْنَا الْمُنَازَعَةَ وَالْخَوْضَ فِي الْكَلَامِ وَرَجَعْنَا إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَشَرَعْنَا فِيمَا شَرَعُوا وَجَالَسْنَا أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ مَعَ أَنِّي رَأَيْت مَنْ يَنْتَحِلُ الْكَلَامَ وَيُجَادِلُ فِيهِ قَوْمًا لَيْسَ سِيمَاهُمْ سِيمَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا مِنْهَاجُهُمْ مِنْهَاجَ الصَّالِحِينَ رَأَيْتهمْ قَاسِيَةً قُلُوبُهُمْ غَلِيظَةً أَفْئِدَتُهُمْ لَا يُبَالُونَ مُخَالَفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ فَهَجَرْتهمْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

قَوْلَهُ (وَدَلَّتْ الْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّقَةُ إلَى آخِرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ تَفَرَّقُوا أَوَّلًا عَلَى سِتِّ فِرَقٍ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْخَارِجِيَّةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَالْمُرْجِئَةِ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً فَصَارَ الْكُلُّ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً عَلَى مَا عُرِفَ فَفِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَمِيلُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فَقَالُوا فِي قَوْمٍ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ بِالتَّحَرِّي فَوَقَعَ تَحَرِّي كُلِّ أَحَدٍ إلَى جِهَةٍ إنَّ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِحَالِ إمَامِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ إمَامَهُ فِي زَعْمِهِ مُخْطِئٌ فَلَوْ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا عِنْدَهُمْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ لَمَا صَحَّ الْقَوْلُ مِنْهُمْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ كَمَا لَوْ صَلَّوْا كَذَلِكَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا حَكَمُوا بِفَسَادِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ حَقِّيَّةَ كُلِّ جِهَةٍ مُخْتَصَّةٌ بِمُتَحَرِّيهَا إذْ اجْتِهَادُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ حَقٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَحِلِّ الْمَيْتَةِ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ دُونَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، فَإِنَّ كُلَّ جِهَةٍ فِيهَا حَقٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ النَّاسِ قُلْنَا إذَا كَانَ اجْتِهَادُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ حَقًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْتَقِدَ الْغَيْرُ الْحَقِّيَّةَ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ كَحِلِّ الْمَيْتَةِ لِمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْتَقِدَ غَيْرُ الْمُضْطَرِّ الْحِلَّ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُضْطَرِّ وَهَهُنَا اعْتَقَدَهُ مُخْطِئًا مُطْلَقًا فَأَوْجَبَ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوا لَمَا أَوْجَبَ فَسَادَ الصَّلَاةِ كَالْمُتَوَضِّئِ إذَا اقْتَدَى بِالْمُتَيَمِّمِ صَحَّ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.

وَإِنْ كَانَ جَوَازُ الْأَدَاءِ بِالتَّيَمُّمِ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَإِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي مِيرَاثٍ قُسِّمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْوَرَثَةِ لَا آخُذُ كَفِيلًا مِنْ الْغَرِيمِ وَلَا مِنْ الْوَارِثِ هُوَ شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ، وَهُوَ جَوْرٌ سَمَّى اجْتِهَادَ ذَلِكَ الْبَعْضِ جَوْرًا وَلَوْ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا عِنْدَهُ لَمَا صَحَّ وَصْفُهُ بِالْجَوْرِ وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ إنْ لَمْ آتِك غَدًا إنْ اسْتَطَعْت فَكَذَا إنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ لِلْعُرْفِ فَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ اسْتِطَاعَةَ الْقَضَاءِ صُدِّقَ دِيَانَةً حَتَّى لَا يَحْنَث وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ فَدَلَّ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَقَالُوا بِجَوَازِ إمَامَةِ الْفَاسِقِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَذْهَبِ الْخَوَارِجِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِكُفْرِ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً وَإِمَامَةُ الْكَافِرِ لَا تَجُوزُ وَلِمَذْهَبِ الرَّافِضَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ شَرَطُوا لِصِحَّةِ الْإِمَامَةِ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ وَقَالُوا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَذْهَبِ الْخَوَارِجِ وَالِاعْتِزَالِ وَقَالُوا بِفَرْضِيَّةِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَذْهَبِ الرَّوَافِضِ وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الدُّعَاءِ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك

ص: 10

وَأَنَّهُمْ قَالُوا بِحَقِّيَّةِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِبْصَارِ فِي دَارِ الْآخِرَةِ وَحَقِّيَّةِ عَذَابِ الْقَبْرِ لِمَنْ شَاءَ وَحَقِّيَّةِ خَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ الْيَوْمَ حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِجَهْمٍ اُخْرُجْ عَنِّي يَا كَافِرُ وَقَالُوا بِحَقِّيَّةِ سَائِرِ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهَذَا فَصْلٌ يَطُولُ تَعْدَادُهُ

ــ

[كشف الأسرار]

بِمَقْعَدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك مِنْ الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى التَّمَكُّنِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ بِقَوْلِهِ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ الْعَقْدِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رحمهم الله لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْعِزِّ بِالْعَرْشِ وَيُوهِمُ حُدُوثَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ أَوْصَافِهِ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ وَالْحَدِيثُ شَاذٌّ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَذْهَبِ الْمُشَبِّهَةِ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْحَلِفِ بِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الذَّاتِ قَالَ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَأَنَّهُ مِنْ إيمَانِ السَّفَلَةِ أَيْ الْجَهَلَةِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَهُ بِمَعْنَى الْعُضْوِ الْجَارِحَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَذْهَبِ الْمُشَبِّهَةِ أَيْضًا.

وَقَالُوا إذَا ارْتَكَبَ الْعَبْدُ ذَنْبًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَا يَحْصُلُ لَهُ التَّطْهِيرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَنَدَمٍ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ إلَيْهِ أُشِيرُ فِي سَرِقَةِ الْمَبْسُوطِ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَذْهَبِ الْمُرْجِئَةِ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا يَضُرُّ ذَنْبٌ مَعَ الْإِيمَانِ كَمَا لَا يَنْفَعُ طَاعَةٌ مَعَ الْكُفْرِ وَبَنَوْا مَسَائِلَ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى عَلَى اخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَفِيهَا رَدٌّ لِمَذْهَبِ الْمُجْبِرَةِ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ لَمْ يَمِيلُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَخَصَّ نَفْيَ الِاعْتِزَالِ عَنْهُمْ بِالذِّكْرِ أَوَّلًا ثُمَّ عَمَّمَ نَفْيَ جَمِيعِ الْأَهْوَاءِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ هُمْ الْمُدَّعُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَذْهَبِهِمْ لَا غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ.

قَوْلُهُ (وَإِنَّهُمْ قَالُوا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَا بِفَتْحِهَا عَطْفًا عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَمِيلُوا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمَسَائِلِ مَا يَدُلُّ عَلَى حَقِّيَّةِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّيَّةِ مَا ذُكِرَ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ بِأَعْيُنِ رُءُوسِهِمْ بِلَا شَبِيهٍ وَلَا كَيْفِيَّةٍ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ مَسَافَةٌ، وَحَقِّيَّةُ عَذَابِ الْقَبْرِ لِمَنْ شَاءَ ذَكَرَ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ وَإِعَادَةُ الرُّوحِ إلَى الْعَبْدِ فِي قَبْرِهِ حَقٌّ وَضَغْطَةُ الْقَبْرِ حَقٌّ كَائِنٌ وَعَذَابُهُ حَقٌّ كَائِنٌ لِلْكُفَّارِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ وَلِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت أَبِي عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَحَقُّ هُوَ فَقَالَ هُوَ حَقٌّ أَتَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، وَحَقِّيَّةُ خَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يَعْنِي أَقَرُّوا بِخَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَبِأَنَّهُمَا مَوْجُودَتَانِ الْيَوْمَ كَذَا ذُكِرَ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ أَيْضًا أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ لَا تَفْنَيَانِ أَبَدًا وَلَا تَمُوتُ الْحُورُ أَبَدًا وَلَا يَفْنَى عَذَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا ثَوَابُهُ سَرْمَدًا، حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِجَهْمٍ بَعْدَمَا طَالَ مُنَاظَرَتُهُمَا وَظَهَرَ مُكَابَرَتُهُ اُخْرُجْ عَنِّي يَا كَافِرُ، وَهُوَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ رَئِيسُ الْجَبْرِيَّةِ، وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِمَوْجُودَتَيْنِ الْيَوْمَ.

وَإِنَّمَا تُخْلَقَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ كَذَا سَمِعْت مِنْ بَعْضِ الثِّقَاتِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ سِيَاقُ كَلَامِ الشَّيْخِ مِنْ مَذْهَبِهِ أَيْضًا أَنَّهُمَا مَعَ أَهَالِيِهِمَا تَفْنَيَانِ، وَإِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ فَقَطْ دُونَ الْإِقْرَارِ وَأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِأَحَدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّ الْعِبَادَ فِيمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ مِنْ الْأَفْعَالِ كَالشَّجَرَةِ تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ وَالْإِنْسَانُ مُجْبَرٌ فِي أَفْعَالِهِ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا إرَادَةَ وَلَا اخْتِيَارَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْكِفَايَةِ وَتَسْمِيَتُهُ إيَّاهُ كَافِرًا إمَّا بِاعْتِبَارِ غُلُوِّهِ فِي هَوَاهُ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الشَّتْمِ، وَقَالُوا بِحَقِّيَّةِ سَائِرِ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مِنْ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقِرَاءَةِ الْكُتُبِ وَوَزْنِ الْأَعْمَالِ وَالصِّرَاطِ وَالشَّفَاعَةِ كُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ، عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7]

ص: 11