المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ

- ‌ أُصُولَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ

- ‌ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً

- ‌[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]

- ‌[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْعَامُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُؤَوَّلُ]

- ‌[الفرق بَيْن التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُفَسَّرُ]

- ‌[تَعْرِيف المحكم]

- ‌[تَعْرِيف الخفي]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُجْمَلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُتَشَابِه]

- ‌[بَيَان الْحِكْمَة فِي إنْزَال الْآيَات الْمُتَشَابِهَات]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُوه اسْتِعْمَال النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الْحَقِيقَةَ]

- ‌[أَقْسَام الْحَقِيقَة]

- ‌ تَعْرِيفِ الْمَجَازِ

- ‌[تَعْرِيف الصَّرِيحُ]

- ‌[تَعْرِيف الْكِنَايَةُ]

- ‌ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

- ‌[الْقَسْم الرَّابِع وُجُوه وُقُوف السَّامِع عَلَى مُرَاد الْمُتَكَلِّم ومعانى الْكَلَام]

- ‌[الِاسْتِدْلَال بِإِشَارَةِ اللَّفْظِ]

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ

- ‌ الثَّابِتُ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ:

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ)

- ‌[تَعْرِيف الْأَمْر]

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ)

- ‌[الْأَمْر إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ) :فِي مَعْنَى الْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ

- ‌[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

- ‌[الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ]

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ

- ‌[الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل كَامِلٌ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي قَاصِر]

- ‌ الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ

- ‌[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مَا حَسَن لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

- ‌الصَّلَاةِ حَسُنَتْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا

- ‌[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]

- ‌[الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ شَرْطُ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ]

- ‌[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

- ‌(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

- ‌[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ

- ‌[النَّوْع الثَّالِث الْوَقْتُ الَّذِي جُعِلَ مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ

- ‌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي

- ‌(بَابُ النَّهْيِ) :

- ‌[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ]

- ‌ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدُلُوكِهَا

- ‌[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ]

- ‌ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ

- ‌ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ

- ‌ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ

- ‌[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]

- ‌ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ

- ‌(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

- ‌ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

- ‌ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ خُصُوصُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ

- ‌[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

- ‌ كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا

الفصل: ‌[حكم الأمر يوصف بالحسن]

وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ لَا يَتَحَقَّقُ أَدَاؤُهُ إلَّا بِتَعَيُّنِهِ وَلَا تَعْيِينَ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ صَارَ التَّقْوِيمُ أَصْلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَصَارَتْ الْقِيمَةُ مُزَاحِمَةً لِلْمُسَمَّى بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِدُونِ التَّقْوِيمِ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قَضَاءً مَحْضًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْ قَضِيَّةِ الشَّرْعِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ حُكْمَ الْأَمْرِ مَوْصُوفٌ بِالْحُسْنِ

ــ

[كشف الأسرار]

الثَّوْبَ أَوْ الدَّابَّةَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا جَهَالَةُ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَعْنَى كُلِّ جِنْسٍ يُعْدَمُ فِي الْجِنْسِ الْآخَرِ فَلَا يَتَحَمَّلُ فَأَمَّا الْعَبْدُ هَهُنَا فَمَعْلُومُ الْجِنْسِ وَلَكِنَّهُ مَجْهُولُ الْوَصْفِ وَهِيَ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ فَتَتَحَمَّلُ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَهُوَ النِّكَاحُ دُونَ مَا بُنِيَ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْوَسَطُ فَإِذَا أَتَى بِهِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَيْنَ الْوَاجِبِ، وَلَوْ أَتَى بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ تَسْلِيمُ قِيمَةِ الشَّيْءِ قَضَاءً لَهُ لَا مَحَالَةَ إذْ هُوَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِيمَةُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَصْلِ وَلَكِنَّ هَذَا الْأَصْلَ وَهُوَ الْمُسَمَّى لَمَّا كَانَ مَجْهُولًا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَمَعْلُومًا بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِ صَحَّ تَسْلِيمُهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَعْلُومًا كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدًا لَهُ بِعَيْنِهِ، وَاحْتَمَلَ الْعَجْزَ بِاعْتِبَارِ جَهَالَةِ الْوَصْفِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمَجْهُولِ فَيَجِبُ الْقِيمَةُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَمَا إذَا سَمَّى عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَبَقَ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى لَا يَتَحَقَّقُ أَدَاؤُهُ لِجَهَالَةِ وَصْفِهِ، إلَّا بِتَعْيِينِهِ أَيْ بِتَعَيُّنِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمُسَمَّى وَهُوَ إضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ.

وَلَا تَعْيِينَ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ، صَارَ التَّقْوِيمُ أَيْ الْقِيمَةُ أَصْلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إذْ هِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ قَبْلَ الْعَبْدِ الَّذِي يَقْضِي بِهِ فَكَانَ تَسْلِيمُهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَدَاءً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ خَلَفٌ عَنْ الْأَدَاءِ فَيَثْبُتُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَصْلِ لَا قَبْلَهُ، فَصَارَتْ الْقِيمَةُ مُزَاحِمَةً لِلْمُسَمَّى أَيْ مُسَاوِيَةً لَهُ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَصْلًا فِي الْإِيفَاءِ اعْتِبَارًا وَالْعَبْدُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ فَكَأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ فَلِهَذَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ هُوَ دُونَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ إنَّمَا وَجَبَ لِإِمْكَانِ التَّسْلِيمِ وَهُوَ عَلَيْهِ دُونَ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْلُومٌ جِنْسًا وَوَصْفًا فَكَانَتْ قِيمَتُهُ قَضَاءً خَالِصًا فَلَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ.

(فَإِنْ قِيلَ) فَعَلَى مَا ذَكَرْتُمْ يَصِيرُ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ قِيمَتِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ الْعَبْدَ فَقَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ قِيمَتِهِ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ فَعِنْدَ جَهَالَةِ الْعَبْدِ أَوْلَى.

(قُلْنَا) إنَّمَا يُفْسِدُ التَّسْمِيَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ عَبْدٌ وَقِيمَتُهُ صَارَتْ الْقِيمَةُ وَاجِبَةً بِالتَّسْمِيَةِ ابْتِدَاءً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَرَاهِمُ مُخْتَلِفَةُ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافٍ يَقَعُ بَيْنِ الْمُقَوِّمِينَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ عَبْدٌ أَوْ دَرَاهِمُ فَيَفْسُدُ لِلْجَهَالَةِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَيَّ عَبْدٌ فَقَدْ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَمْ تَجِبْ الْقِيمَةُ بِهَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَا سَمَّاهَا فِيهِ لَكِنَّهَا اُعْتُبِرَتْ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ تَسْلِيمِ الْمُسَمَّى لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِمَعْرِفَتِهَا، وَلَمَّا كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى تَسْمِيَةِ مُسَمًّى مَعْلُومٍ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَاسْتُحِقَّ أَوْ هَلَكَ فَإِنَّ الْقِيمَةَ تَجِبُ وَيَنْتَصِفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِنَاءً عَلَى مُسَمًّى مَعْلُومٍ لَا ابْتِدَاءً كَذَا فِي الْأَسْرَارِ

[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

قَوْلُهُ (وَمِنْ قَضِيَّةِ الشَّرْعِ) أَيْ وَمِنْ حُكْمِ الشَّرِيعَةِ، فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ بَابِ الْأَمْرِ، أَنَّ حُكْمَ الْأَمْرِ أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ ثُبُوتَ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ قَضَايَا الشَّرْع لَا مِنْ قَضَايَا اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَتَحَقَّقُ فِي الْقَبِيحِ كَالْكُفْرِ وَالسَّفَهِ وَالْعَبَثِ كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحُسْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ السُّلْطَانَ الْجَائِرَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ

ص: 182

عُرِفَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ لَا بِالْعَقْلِ نَفْسِهِ إذْ الْعَقْلُ غَيْرُ مُوجِبٍ بِحَالٍ وَهَذَا الْبَابُ لِتَقْسِيمِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

ــ

[كشف الأسرار]

وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ أَمْرًا حَقِيقَةً حَتَّى إذَا خَالَفَهُ الْمَأْمُورُ وَلَمْ يَأْتِ بِمَا أَمَرَ بِهِ يُقَالُ خَالَفَ أَمْرَ السُّلْطَانِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَنَّ الْحُسْنَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْأَمْرِ أَمْ مِنْ مَدْلُولَاتِهِ فَعِنْدَنَا هُوَ مِنْ مَدْلُولَاتِ الْأَمْرِ وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي الْأَفْعَالِ الْخَارِجَةِ عَنْ الِاضْطِرَارِ هَلْ يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُمْ لَا حَظَّ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَكُونُ الْحُسْنُ ثَابِتًا بِنَفْسِ الْأَمْرِ لَا أَنَّ الْأَمْرَ دَلِيلٌ وَمَعْرُوفٌ عَلَى حُسْنِ سَبَقَ ثُبُوتُهُ بِالْعَقْلِ، وَعِنْدَنَا لَمَّا كَانَ لِلْعَقْلِ حَظٌّ فِي مَعْرِفَةِ حُسْنِ بَعْضِ الْمَشْرُوعَاتِ كَالْإِيمَانِ وَأَصْلِ الْعِبَادَاتِ وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ كَانَ الْأَمْرُ دَلِيلًا وَمَعْرُوفًا لِمَا ثَبَتَ حُسْنُهُ فِي الْعَقْلِ وَمُوجِبًا لِمَا لَمْ يُعْرَفْ بِهِ كَذَا فِي الْمِيزَانِ، وَذُكِرَ فِي الْقَوَاطِعِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّ الْعَقْلَ بِذَاتِهِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى تَحْسِينِ شَيْءٍ وَلَا تَقْبِيحِهِ وَلَا يُعْرَفُ حُسْنُ الشَّيْءِ وَقُبْحُهُ حَتَّى يَرِدَ السَّمْعُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا الْعَقْلُ آلَةٌ تُدْرَكُ بِهِ الْأَشْيَاءُ فَيُدْرَكُ بِهِ مَا حَسُنَ وَمَا قَبُحَ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالسَّمْعِ.

، وَذَهَبَ إلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله، قَالَ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ ضَرْبَانِ، ضَرْبٌ عُلِمَ بِالْعَقْلِ كَحُسْنِ الْعَدْلِ وَالصِّدْقِ النَّافِعِ وَشُكْرِ النِّعْمَةِ وَقُبْحِ الظُّلْمِ وَالْكَذِبِ الضَّارِّ وَكُفْرَانِ النِّعْمَةِ، وَضَرْبٌ عُرِفَ بِالسَّمْعِ كَحُسْنِ مَقَادِيرِ الْعِبَادَاتِ وَهَيْئَاتِهَا وَقُبْحِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، قَالُوا وَسَبِيلُ السَّمْعِ إذَا وَرَدَ بِمُوجِبِ الْعَقْلِ أَنْ يَكُونَ وُرُودُهُ مُؤَكِّدًا لِمَا فِي الْعَقْلِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَالْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ خُصُوصًا الْعِرَاقِيُّونَ مِنْهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَسْرِهِمْ.

، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ عُرِفَ ذَلِكَ أَيْ كَوْنُهُ مَوْصُوفًا بِالْحُسْنِ، بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا لَا بِالْعَقْلِ نَفْسِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْأَمْرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَعَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَلَا نَقُولُ أَنَّهُ أَيْ حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ ثَابِتٌ عَقْلًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ عِنْدَنَا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ نَفْسَهُ إلَى أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ بِمُهْدَرٍ أَصْلًا بَلْ هُوَ آلَةٌ يُعْرَفُ بِهِ الْحُسْنُ بَعْدَ مَا ثَبَتَ بِالْأَمْرِ كَالسِّرَاجِ لِلْأَبْصَارِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ بِحَالٍ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا زَعَمَ الْخَصْمُ أَنَّهُ مُدْرَكٌ بِالْعَقْلِ قَبْلَ الشَّرْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَمَسْأَلَةُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ مَسْأَلَةٌ كَلَامِيَّةٌ عَظِيمَةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُطْلَبَ تَحْقِيقُهَا مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ وَأَنْ يَقْتَصِرَ هَهُنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا كَانَ الْحُسْنُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى طَلَبُ تَحْصِيلِ الْمَأْمُورِ بِأَبْلَغ الْجِهَاتِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الطَّلَبُ إذَا كَانَ الْفِعْلُ حَسَنًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكِيمٌ لَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ طَلَبُ مَا هُوَ قَبِيحٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28] .

فَدَلَّ الْأَمْرُ عَلَى كَوْنِهِ حَسَنًا وَالْعَقْلُ إلَيْهِ هَادٍ لَا أَنَّهُ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ؛ إذْ لَوْ كَانَ حُسْنُ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالْعَقْلِ لَمَا جَازَ وُرُودُ النَّسْخِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ الْعَقْلِيَّ حَقِيقِيٌّ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّبْدِيلُ فَثَبَتَ أَنَّ حُسْنَ الْمَشْرُوعَاتِ بِالْأَمْرِ، وَالْعَقْلُ يُدْرِكُ الْحُسْنَ فِي بَعْضِهَا فِي ذَاتِهِ وَفِي بَعْضِهَا فِي غَيْرِهِ كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ (فَإِنْ قِيلَ) الْفِعْلُ عَرَضٌ وَأَنَّهُ صِفَةٌ وَالصِّفَةُ لَا تَقُومُ بِهَا الصِّفَةُ فَكَيْفَ يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْحُسْنِ

ص: 183