المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ

- ‌ أُصُولَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ

- ‌ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً

- ‌[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]

- ‌[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْعَامُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُؤَوَّلُ]

- ‌[الفرق بَيْن التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُفَسَّرُ]

- ‌[تَعْرِيف المحكم]

- ‌[تَعْرِيف الخفي]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُجْمَلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُتَشَابِه]

- ‌[بَيَان الْحِكْمَة فِي إنْزَال الْآيَات الْمُتَشَابِهَات]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُوه اسْتِعْمَال النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الْحَقِيقَةَ]

- ‌[أَقْسَام الْحَقِيقَة]

- ‌ تَعْرِيفِ الْمَجَازِ

- ‌[تَعْرِيف الصَّرِيحُ]

- ‌[تَعْرِيف الْكِنَايَةُ]

- ‌ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

- ‌[الْقَسْم الرَّابِع وُجُوه وُقُوف السَّامِع عَلَى مُرَاد الْمُتَكَلِّم ومعانى الْكَلَام]

- ‌[الِاسْتِدْلَال بِإِشَارَةِ اللَّفْظِ]

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ

- ‌ الثَّابِتُ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ:

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ)

- ‌[تَعْرِيف الْأَمْر]

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ)

- ‌[الْأَمْر إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ) :فِي مَعْنَى الْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ

- ‌[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

- ‌[الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ]

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ

- ‌[الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل كَامِلٌ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي قَاصِر]

- ‌ الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ

- ‌[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مَا حَسَن لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

- ‌الصَّلَاةِ حَسُنَتْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا

- ‌[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]

- ‌[الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ شَرْطُ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ]

- ‌[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

- ‌(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

- ‌[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ

- ‌[النَّوْع الثَّالِث الْوَقْتُ الَّذِي جُعِلَ مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ

- ‌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي

- ‌(بَابُ النَّهْيِ) :

- ‌[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ]

- ‌ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدُلُوكِهَا

- ‌[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ]

- ‌ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ

- ‌ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ

- ‌ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ

- ‌[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]

- ‌ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ

- ‌(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

- ‌ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

- ‌ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ خُصُوصُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ

- ‌[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

- ‌ كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا

الفصل: ‌ القضاء الذي بمعنى الأداء

وَهَذَا وَقْتٌ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى أَدَاءِ مِثْلِ الْأَصْلِ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ الْخُلْفُ كَمَا فِي الْفِدْيَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَصْلًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ لَمْ يَنْقَضِ بِالشَّكِّ أَيْضًا

أَمَّا‌

‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

فَمِثْلُ رَجُلٍ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْعِيدِ رَاكِعًا كَبَّرَ فِي رُكُوعِهِ وَهَذَا قَدْ فَاتَ مَوْضِعُهُ فَكَانَ قَضَاءً وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى مِثْلِ مَنْ عِنْدَهُ قُرْبَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ إلَّا أَنَّهُ قَضَاءٌ يُشْبِهُ الْأَدَاءَ

ــ

[كشف الأسرار]

أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْقَابِلُ أَيْ أَيَّامُ النَّحْرِ مِنْهُ لَمْ يَنْتَقِلْ الْحُكْمُ إلَى الْأُضْحِيَّةِ وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا وَقْتٌ يُقَدَّرُ فِيهِ عَلَى مِثْلِ الْأَصْلِ أَيْ عَلَى مِثْلِ أَصْلِ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْإِرَاقَةُ إذْ الْإِرَاقَةُ لِلْإِرَاقَةِ مِثْلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَوْ مَعْنَاهُ عَلَى الْمِثْلِ الْأَصْلِيِّ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ الْخَلَفُ وَهُوَ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ، كَمَا فِي الْفِدْيَةِ يَعْنِي مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إذَا قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفِدْيَةُ وَيَنْتَقِلُ الْحُكْمُ إلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ الْمِثْلُ الْأَصْلِيُّ فِي الْبَابِ، إلَّا أَنَّهُ أَيْ التَّصَدُّقَ لَمَّا ثَبَتَ أَصْلًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقُرُبَاتِ الْمَالِيَّةِ التَّصَدُّقُ، وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ أَيْ حُكْمُ الشَّرْعِ بِوُجُوبِهِ، لَمْ يَبْطُلْ بِالشَّكِّ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ التَّصَدُّقَ إنْ كَانَ أَصْلًا لَا يَبْطُلُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْإِرَاقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِرَاقَةُ أَصْلًا يَبْطُلُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمِثْلِ الْأَصْلِيِّ كَمَا فِي الْفِدْيَةِ وَقَدْ صَارَ كَوْنُهُ أَصْلًا مَحْكُومًا بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِهَذَا الشَّكِّ كَمَا لَمْ يُبْطِلْ الْإِرَاقَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِاحْتِمَالِ كَوْنِ التَّصَدُّقِ أَصْلًا.

وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَيْضًا وَذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَنَّهُ إذَا عَادَ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ إنَّمَا لَا يَسْقُطُ التَّصَدُّقُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلٌ أَصْلِيٌّ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَانَ أَصْلًا فَنُقِلَ مِنْهُ إلَى التَّضْحِيَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِثْلًا أَصْلِيًّا لَعَادَتْ الْأُضْحِيَّةُ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّ الْمِثْلَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ إذَا فَاتَ وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَادَ حَقُّهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمِثْلِ وَهَا هُنَا لَمَّا لَمْ يَعُدْ الْفَائِتُ دَلَّ أَنَّهُ مِثْلٌ أَصْلِيٌّ.

وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا رحمهم الله قَالُوا: إنَّمَا لَا تَعُودُ الْأُضْحِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ وَجَبَ وَتَأَكَّدَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْفَائِتِ كَمَا فِي الْمِثْلِيَّاتِ إذَا انْقَطَعَتْ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ ثُمَّ عَادَ الْمِثْلُ لَا يَعُودُ حَقُّهُ إلَيْهِ كَذَا هَذَا، وَقَدْ وَقَعَ لَفْظُ إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كُلِّهَا بِمَعْنَى لَكِنَّ، فَالْأَوَّلُ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ التَّصَدُّقُ أَصْلًا وَفِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ تَحْقِيقُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، وَالثَّانِي اسْتِدْرَاكٌ عَمَّا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ مَعَ اسْتِدْرَاكِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا وَالنَّقْلُ بِعَارِضٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يَجُوزَ التَّصَدُّقُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَقَالَ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّضْحِيَةُ أَصْلًا وَفِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ رَفْعُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ.

وَالثَّالِثُ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمَوْهُومِ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِدْرَاكًا مِنْ قَوْلِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ أَرَادَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ لَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، أَوْ هُوَ تَبَيَّنَ بِالتَّاءِ أَيْ ظَهَرَ، وَقَوْلُهُ فَنُقِلَ إلَى هَذَا أَيْ الذَّبْحِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ نُقِلَ مِنْ الْأَصْلِ إلَى التَّضْحِيَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِعَادَةِ لِطُولِ الْكَلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْقَضَاء الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاء]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ إلَى آخِرِهِ) رَجُلٌ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ قَائِمًا إنْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ لِيَكُونَ التَّكْبِيرَاتُ فِي الْقِيَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ كَانَ هَذَا اشْتِغَالًا بِقَضَاءِ مَا سَبَقَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ كَيْ لَا يَفُوتَ أَصْلًا، فَإِنْ خَافَ إنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَهُوَ فَرْضٌ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَهُوَ وَاجِبٌ ثُمَّ يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ سُنَّةٌ وَوَضْعَ الْأَكُفِّ عَلَى الرُّكْبَةِ سُنَّةٌ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِسُنَّةٍ فِيهَا تَرْكُ سُنَّةٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا فِي الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ مَوْضِعُهَا وَهُوَ الْقِيَامُ

ص: 157

لِأَنَّ الرُّكُوعَ يُشْبِهُ الْقِيَامَ وَهَذَا الْحُكْمُ قَدْ ثَبَتَ بِالشُّبْهَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ يُحْتَسَبُ مِنْهَا وَلَيْسَ فِي حَالِ مَحْضِ الْقِيَامِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يُلْحِقَ بِهِ نَظَائِرَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ اعْتِبَارًا بِشُبْهَةِ الْأَدَاءِ احْتِيَاطًا

ــ

[كشف الأسرار]

وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى مِثْلِ مَنْ عِنْدَهُ قُرْبَةٌ فِي الرُّكُوعِ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا فِيهِ كَالْقِرَاءَةِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرِ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهُ إذَا أُنْسِيَ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ لَا يَأْتِي بِهَا فِي الرُّكُوعِ وَكَذَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ وَخَشِيَ أَنَّهُ لَوْ قَنَتَ قَائِمًا يَفُوتُهُ الرُّكُوعُ فَرَكَعَ فَإِنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِي الرُّكُوعِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ لَا يَأْتِي بِهَا فِي الرُّكُوعِ.

وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّكْبِيرَاتِ شُرِعَتْ فِي الْقِيَامِ الْمَحْضِ وَشُرِعَ مِنْ جِنْسِهَا فِيمَا لَوْ شَبَهٌ بِالْقِيَامِ فَإِنَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ حُسِبَ مِنْهَا حَتَّى أَنَّ مَنْ سَهَا عَنْهُ وَهُوَ إمَامٌ أَوْ مَسْبُوقٌ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ سَهَا عَنْهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي ذَلِكَ الرُّكُوعِ كَبَّرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَدْ بَقِيَ مَحَلُّهُ الْخَالِصُ وَإِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهَا مَا شَرَعَ فِي حَالِ الِانْحِنَاءِ وَلَهُ شَبَهٌ بِالْقِيَامِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَائِرُهَا مُلْحَقَةً بِهَذِهِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَاحْتَمَلَتْ الْمُفَارَقَةُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي فِعْلِهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ، وَكَانَ هَذَا احْتِيَاطًا لَا تَعْلِيلًا وَمُقَايَسَةً كَمَا قُلْنَا فِي الْفِدْيَةِ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرِ الِافْتِتَاحِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فِيمَا لَهُ شَبَهُ الْقِيَامِ بِوَجْهٍ.

وَبِخِلَافِ الْإِمَامِ إذَا سَهَا عَنْ التَّكْبِيرَاتِ حَتَّى رَكَعَ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَدَاءِ فَلَا يَعْمَلُ بِشَبَهِهِ وَهَذَا عَجْزٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ فَيَعْمَلُ بِشَبَهِهِ كَذَا فِي جَامِعِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (لِأَنَّ الرُّكُوعَ يُشْبِهُ الْقِيَامَ أَيْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا) أَمَّا حَقِيقَةً فَلِأَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ إلَّا الِانْتِصَابُ وَهُوَ بَاقٍ بِاسْتِوَاءِ النِّصْفِ الْآخَرِ؛ إذْ الْمُضَادَّةُ أَوْ الْمُفَارَقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُعُودِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِفَوَاتِ الِاسْتِوَاءِ فِي النِّصْفِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَ النِّصْفِ الْأَعْلَى مَوْجُودٌ فِيهِمَا لَكِنْ فِيهَا نُقْصَانٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِانْحِنَاءِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قِيَامُ بَعْضِ النَّاسِ هَكَذَا كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ.

وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَشَارَكَهُ فِيهِ يَصِيرُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ قَالَ عليه السلام، «مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» ، وَهَذَا الْحُكْمُ أَيْ وُجُوبُ التَّكْبِيرِ قَدْ ثَبَتَ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَيُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهَا فَتَثْبُتُ بِشُبْهَةِ الْأَدَاءِ قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى) قِيلَ تَقْرِيرٌ وَتَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ الرُّكُوعُ يُشْبِهُ الْقِيَامَ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ آخَرُ اسْتَوْضَحَ بِهِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَتْ أَيْ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فِي حَالِ مَحْضِ الْقِيَامِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله قَالَ: يُكَبِّرُ وَهُوَ يَهْوِي قَالُوا وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَهْوِي؛ لِأَنَّهُ يَخْلُو إذًا حَالَةُ الِانْحِنَاءِ عَنْ الذِّكْرِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.

وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُكَبِّرُ وَهُوَ يَهْوِي» وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» وَلِهَذَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ.

إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا قَرَأَ فِي الْآخَرَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَإِنْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ السُّورَةَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَمْ يَقْرَأْ بَعْدَهَا فِي الْآخَرَيْنِ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ يَقْضِيهَا فِي الْآخَرَيْنِ وَإِنْ تَرَكَ السُّورَةَ لَا يَقْضِيهَا؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ وَقِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَمَسَّكَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ وَطَعَنَ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهَا أَمَّا السُّورَةُ فَلَمَّا تَذَكَّرَ وَأَمَّا الْفَاتِحَةُ فَلَمَّا قَالَ عِيسَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَمَّا الْفَاتِحَةُ فَلِمَا يُذْكَرُ وَأَمَّا السُّورَةُ فَلِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ وَمَا كَانَ سُنَّةً

ص: 158

وَكَذَلِكَ السُّورَةُ، فَإِذَا فَاتَتْ عَنْ أُولَيَيْنِ وَجَبَتْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقِرَاءَةِ جُمْلَةُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي يُوجِبُ الْعَمَلَ وَقَدْ بَقِيَ لِلشَّفْعِ الثَّانِي شُبْهَةُ كَوْنِهِ مَحَلًّا وَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِفَائِتٍ فَوَجَبَ أَدَاؤُهَا اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ وَإِنْ كَانَ قَضَاءً فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ مِنْ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنَّمَا شُرِعَ احْتِيَاطًا فَلَمْ يَسْتَقِمْ صَرْفُهَا إلَى مَا عَلَيْهِ

ــ

[كشف الأسرار]

فِي وَقْتِهِ كَانَ بِدْعَةً فِي غَيْرِ وَقْتِهِ فَلَا يَقْضِي.

وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا يَذْكُرُ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ السُّورَةُ يَعْنِي كَمَا أَنَّ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ تُقْضَى فِي الرُّكُوعِ بِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْأَدَاءِ فَكَذَلِكَ السُّورَةُ) إذَا فَاتَتْ عَنْ الْأُولَيَيْنِ يُؤْتَى بِهَا فِي الْآخِرَيْنِ لِشَبَهِهِ الْأَدَاءَ وَإِنْ كَانَتْ قَضَاءً ظَاهِرًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقِرَاءَةِ جُمْلَةُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام، «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى، {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] .

إذْ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ لَكِنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ لِلْقِرَاءَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي يُوجِبُ الْعَمَلَ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه الْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَيَيْنِ قِرَاءَةٌ فِي الْآخِرَيْنِ أَيْ تَنُوبُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا كَمَا يُقَالُ لِسَانُ الْوَزِيرِ لِسَانُ الْأَمِيرِ وَقَدْ تَعَيَّنَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَفِي الْآخِرَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» كَذَا فِي مَبْسُوطِ الشَّيْخِ فَبَقِيَ لِلشَّفْعِ الثَّانِي شُبْهَةُ كَوْنِهِ مَحَلًّا؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي الْآخِرَيْنِ مِثْلُ الْقِيَامِ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي كَوْنِهِ رُكْنَ الصَّلَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمُعَيَّنِ غَيْرُ قَطْعِيٍّ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَوَاتُ فَوَجَبَ أَدَاؤُهَا اعْتِبَارًا بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ قَضَاءٌ بِالنَّظَرِ إلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ.

وَمَا ذَكَرْنَا مُؤَيَّدٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَضَاهَا فِي الثَّالِثَةِ وَجَهَرَ وَعُثْمَانُ رضي الله عنه تَرَكَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَقَضَاهَا فِي الْآخِرَيْنِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ قَضَاءُ السُّورَةِ الَّتِي هِيَ دُونَ الْفَاتِحَةِ فِي الْوُجُوبِ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمِثْلِ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْأَدَاءِ فَلَأَنْ يَجِبَ قَضَاءُ الْفَاتِحَةِ الَّتِي هِيَ آكَدُ فِي الْوُجُوبِ مِنْ السُّورَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمِثْلِ لِشَرْعِيَّةِ الْفَاتِحَةِ فِي الْآخِرَيْنِ نَفْلًا كَانَ أَوْلَى، فَقَوْلُهُ وَلِهَذَا جَوَابٌ عَنْهُ أَيْ وَلِكَوْنِ قَضَاءِ السُّورَةِ لِشَبَهِهِ الْأَدَاءَ لَا لِمَعْنَى الْقَضَاءِ قُلْنَا: لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَدَاءِ كَمَا لَا يُمْكِنُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقَضَاءِ.

أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لَهُ قِرَاءَتُهَا فِي الْآخَرَيْنِ نَفْلًا ابْتِدَاءً حَقًّا لَهُ لِيَصْرِفَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شُرِعَتْ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ كَمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ أَدَاءً عَمَلًا بِقَوْلِهِ عليه السلام، «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ، فَلَمَّا كَانَتْ شَرْعِيَّتُهَا بِهَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَسْتَقِمْ صَرْفُهَا إلَى مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَغْيِيرًا لِلْمَشْرُوعِ وَذَلِكَ لَيْسَ فِي وِلَايَةِ الْعَبْدِ إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الْآخِرَيْنِ لَيْسَتْ بِنَفْلٍ مُطْلَقٍ بَلْ فِيهِ جِهَةُ الْوُجُوبِ نَظَرًا إلَى الِاحْتِيَاطِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ صَرْفُهَا إلَى مَا عَلَيْهِ.

وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ فَلِأَنَّ الْفَاتِحَةَ شُرِعَتْ فِي الْآخِرَيْنِ أَدَاءً فَإِنْ قَرَأَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَعَتْ عَنْ الْوَاجِبِ أَوْ الْمَسْنُونِ الَّذِي فِيهِ جِهَةُ الْوُجُوبِ وَإِنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ كَانَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلِذَلِكَ تَسْقُطُ، وَلَا يُقَالُ: لَمَّا انْتَقَلَتْ إحْدَاهُمَا إلَى الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْقَ تَكْرَارًا مَعْنًى، لِأَنَّا نَقُولُ يَبْقَى صُورَةً وَرِعَايَةُ الصُّورَةِ وَاجِبَةٌ أَيْضًا وَلِأَنَّ النَّفَلَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَضَاءِ وَكَلَامُنَا عَلَى تَقْدِيرِ الْأَدَاءِ، وَقَوْلُهُ وَالسُّورَةُ لَمْ تَجِبْ

ص: 159

وَلَمْ يَسْتَقِمْ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعُ أَدَاءً فَيَتَكَرَّرُ فَلِذَلِكَ قِيلَ يَسْقُطُ وَالسُّورَةُ لَمْ تَجِبْ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ يَصْرِفُهَا إلَى مَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِاعْتِبَارِ الْأَدَاءِ.

وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَهِيَ تَنْقَسِمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، أَمَّا الْأَدَاءُ الْكَامِلُ فَهُوَ رَدُّ الْعَيْنِ فِي الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ، وَالْقَاصِرُ مِثْلُ أَنْ يَغْصِبَ عَبْدًا فَارِغًا ثُمَّ يَرُدُّهُ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ أَوْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ أَوْ الدَّيْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حَتَّى إذَا هَلَكَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ انْتَقَضَ التَّسْلِيمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَعِنْدَهُمَا هَذَا تَسْلِيمٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ عَيْبٌ عِنْدَهُمَا وَأَدَاءُ الزُّيُوفِ فِي الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ أَدَاءٌ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ وَلَيْسَ بِأَدَاءٍ بِوَصْفِهِ لِعَدَمِهِ فَصَارَ قَاصِرًا وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رضي الله عنهما إنَّهَا إذَا هَلَكَتْ

ــ

[كشف الأسرار]

قَضَاءً جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ الْمَنْعِ يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السُّورَةَ وَجَبَتْ قَضَاءً بَلْ وَجَبَتْ بِاعْتِبَارِ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، ثُمَّ إذَا قَضَى السُّورَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ يُقَدِّمُ السُّورَةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْقِرَاءَةِ فَكَانَ تَقْدِيمُ السُّورَةِ أَوْلَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤَخِّرُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّغْيِيرِ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (عَلَى هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ عَلَى الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ مُنْقَسِمًا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أَقْسَامِ ثَلَاثَةٍ كَمَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا الْأَدَاءُ الْكَامِلُ فَهُوَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ وَالْبَيْعُ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ أَيْ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي وَجَبَ.

ثُمَّ عَدَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَإِنْ كَانَتْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِأَدَاءِ الدَّيْنِ سِوَى هَذَا وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَقْبُوضِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ حُكْمُ عَيْنِ الْحَقِّ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَصَارَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنَّهُ حَرَامٌ، وَكَذَا لَهُ حُكْمُ عَيْنِ الْحَقِّ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ حَقِّهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتِبْدَالًا ح وَأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّرَاضِي فَعَرَفْنَا أَنَّهُ عَيْنُ مَا وَجَبَ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ عَلَى تَصَوُّرِهِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِي انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْقَضَاءِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ أَدَاءً وَلَا قَضَاءً وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَعْقُولِ وَالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ أَنَّ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ فِي حُكْمِ تَسْلِيمِ الدَّيْنِ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ الْمَحْضِ وَلَمْ يَجْعَلْ مِنْ الْأَدَاءِ الْقَاصِرِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ أَصْلًا وَوَصْفًا فَكَانَ أَدَاءً كَامِلًا قَوْلُهُ (مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ) بِأَنْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ جِنَايَةً يَسْتَحِقُّ بِهَا رَقَبَتَهُ أَوْ طَرَفَهُ أَوْ بِالدَّيْنِ بِأَنْ اُسْتُهْلِكَ فِي يَدِهِمَا مَالُ إنْسَانٍ فَتَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَيْ الْجِنَايَةَ وَالدَّيْنَ بِأَنْ رَدَّهُ مَرِيضًا أَوْ مَجْرُوحًا أَوْ رَدَّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ أَوْ الْمَغْصُوبَةَ مَشْغُولَةً بِالْحَبَلِ.

، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ بَعْضِهَا وَالْبَعْضِ فَنَقُولُ إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَارِغًا فَرَدَّهُ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ أَوْ بِالدَّيْنِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمَالِكِ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ بَرِئَ الْغَاصِبُ وَإِنْ دَفَعَ أَوْ قَتَلَ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِيعَ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ رَجَعَ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ فَبِيعَ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ يَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ سَلَّمَهُ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ فَهَلَكَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ يَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِأَنْ قَوَّمَ حَلَالَ الدَّمِ وَحَرَامَ الدَّمِ فَيَرْجِعُ بِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ.

فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَصْلُ الْأَدَاءِ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُ رَدُّ عَيْنِ مَا غَصَبَ أَوْ بَاعَ لَكِنَّهُ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ لَا عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ مُبَاحَ الدَّمِ فِي الْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا فَلَا يَمْنَعُ تَمَامَ التَّسْلِيمِ وَعِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ وَكَوْنُهُ عَيْبًا لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي حَلَّ دَمُهُ أَوْ طَرَفُهُ لَا يُشْتَرَى بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى أَشَدُّ مِنْ الْمَرَضِ وَهُوَ عَيْبٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي كَوْنِهِ اسْتِحْقَاقًا فَوْقَ الْعَيْبِ فَقَالَا: إنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِحْقَاقٍ؛ لِأَنَّ تَلَفَ الْمَالِيَّةِ الَّتِي وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ بِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا يَتَعَلَّقُ بِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا لَا بِالْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ لَا يَسْتَحِقُّ عُقُوبَةً كَالْبَهَائِمِ

ص: 160

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

وَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ وَإِنَّهَا سَبَبُ سُقُوطِ الْخِطَابِ الَّذِي تَوَقَّفَ وُجُوبُ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَوَلِيُّ الْقِصَاصِ يَأْبَاهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَمَلَكَهُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ حَقَّهُ فِيمَا اشْتَرَى لَمَا صَحَّ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَنَحْوِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْبَيْعَ وَرَدَ عَلَى مَحَلٍّ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ وَالْمُسْتَحَقُّ بِهَا النَّفْسُ وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ الْمَالِيَّةُ وَبِحِلِّ الدَّمِ لَا تَفُوتُ الْمَالِيَّةُ وَلَا تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً وَإِنَّمَا تَلِفَتْ الْمَالِيَّةُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَذَلِكَ فِعْلُ إنْشَاءِ الْمُسْتَوْفِي بِاخْتِيَارِهِ بَعْدَمَا دَخَلَ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَيَقْتَصِرُ الْفَوَاتُ عَلَى زَمَانِ وُجُودِ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ التَّسْلِيمُ، وَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَلَّمَهُ زَانِيًا فَجُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَاتَ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالثَّمَنِ لِاقْتِصَارِ الْفَوَاتِ عَلَى زَمَانِ الْجَلْدِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بِمِلْكٍ أَوْ حَقِّ رَهْنٍ أَوْ دَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُنَاكَ هُوَ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ فَيَنْتَقِضُ بِهِ قَبْضُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَصْلِ.

وَبِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ عَبْدًا ثُمَّ رَدَّهُ حَلَالَ الدَّمِ فَقُتِلَ عِنْدَ الْمَوْلَى حَيْثُ يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَا يَتِمُّ مَعَ قِيَامِ سَبَبِ الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ عَلَى سَبِيلِ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْغَصْبِ وَذَلِكَ بِإِعَادَةِ يَدِهِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْغَصْبِ فَكَانَ سُقُوطُ الضَّمَانِ بِهَذَا الرَّدِّ مَوْقُوفًا عَلَى سُقُوطِ حُكْمِ هَذَا السَّبَبِ الطَّارِئِ عِنْدَ الْغَاصِبِ، فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ عَدَمُ الرَّدِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ الَّذِي يُبْرِئُهُ عَنْ عُهْدَةِ الضَّمَانِ فَبَقِيَ تَحْتَهُ، فَأَمَّا التَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ فَقَدْ تَمَّ مَعَ السَّرِقَةِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعَيْبُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ، وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ إنَّمَا يَكُونُ بِالِانْتِقَاضِ بِعَدَمِ التَّمَامِ وَذَلِكَ بِالْفَوَاتِ وَالْفَوَاتُ كَانَ بِسَبَبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْقَبْضُ.

(فَإِنْ قِيلَ) يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ مَا إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَةَ حَامِلًا فَهَلَكَتْ بِالْوِلَادَةِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَا بِالْقِيمَةِ عِنْدَهُمَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَةَ حَامِلًا فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِالْوِلَادَةِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَا بِالثَّمَنِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ فِي الْحَمْلِ وَفَرَّقَا بَيْنَهُمَا فِي الْجِنَايَةِ (قُلْنَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَمْلِ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْهَلَاكُ مُضَافٌ إلَى أَلَمِ الطَّلْقِ الَّذِي هُوَ حَادِثٌ وَلَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الِانْغِلَاقِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الرَّدِّ كَمَا لَوْ حُمَّتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ إلَّا النُّقْصَانَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَكُنْ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِضَعْفِ الطَّبِيعَةِ عَنْ دَفْعِ آثَارِ الْحُمَّى الْمُتَوَالِيَةِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِأَوَّلِ الْحُمَّى الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِمَا كَانَ بَعْدَهُ.

وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ زَالَتْ يَدُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْمَبِيعِ بِسَبَبٍ كَانَتْ إزَالَتُهَا بِهِ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ مَالِكٌ أَوْ مُرْتَهِنٌ أَوْ صَاحِبُ دَيْنٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ لَمَّا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي يَنْتَقِضُ بِهِ قَبْضُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ مُسْتَحَقٌّ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَبِسَبَبِ الْقِصَاصِ مُسْتَحَقٌّ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُنْشِئَ مَنْ لَهُ حَقُّ عَفْوٍ بِاخْتِيَارِهِ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ يَرِدُ عَلَى الْمَالِيَّةِ وَلَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِ بِسَبَبِ الْقَتْلِ وَالْقَتْلُ مُتْلِفٌ لِلْمَالِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَكَانَ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ تُقَامُ مَقَامَ الْعِلَّةِ فِي الْحُكْمِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْمُسْتَحَقُّ كَأَنَّهُ الْمَالِيَّةُ، وَلِأَنَّهُ لَا تَصَوُّرَ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِدُونِ النَّفْسِيَّةِ وَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَيُجْعَلُ

ص: 161

عِنْدَ الْقَابِضِ بَطَلَ حَقُّهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَدَاءً بِأَصْلِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَبَطَلَ الْوَصْفُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ صُورَةً وَلَا مَعْنًى وَلَمْ يَجُزْ إبْطَالُ الْأَصْلِ لِلْوَصْفِ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ وَأَوْجَبَ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ إحْيَاءً لِحَقِّهِ فِي الْوَصْفِ

ــ

[كشف الأسرار]

ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ الشَّيْءِ بِحَالٍ فَكَأَنَّهُ هُوَ إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِيَّةِ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ وَانْعِقَادُ الْبَيْعِ صَحِيحًا وَرَاءَ ذَلِكَ وَإِذَا مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَتِمَّ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ فَلِهَذَا هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَإِذَا قَتَلَ فَقَدْ تَمَّ الِاسْتِحْقَاقُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَظْهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ دُونَ غَيْرِهِ كَمِلْكِ الزَّوْجِ فِي زَوْجَتِهِ وَمِلْكِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي نَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ حَتَّى إذَا وُطِئَتْ الْمَنْكُوحَةُ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا وَإِذَا قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ خَطَأً كَانَتْ الدِّيَةُ لِوَرَثَتِهِ دُونَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ.

وَهَذَا بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّ بِزِنَا الْعَبْدِ لَا يَصِيرُ نَفْسُهُ مُسْتَحَقَّةً إذْ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ وَاسْتِيفَاءُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فِي الْمَحَلِّ وَالتَّلَفُ حَصَلَ لِخَرْقِ الْجَلَّادِ أَوْ لِضَعْفِ الْمَجْلُودِ فَلَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى الزِّنَا بِوَجْهٍ.

وَإِذَا اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِحِلِّ دَمِهِ فَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ أَيْضًا إذَا قُتِلَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ حِلَّ الدَّمِ مِنْ وَجْهٍ كَالِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ وَجْهٍ كَالْعَيْبِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ صِحَّةَ الْبَيْعِ فَلِشَبَهِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قُلْنَا عِنْدَ الْجَهْلِ بِهِ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلِشَبَهِهِ بِالْعَيْبِ قُلْنَا لَا يَرْجِعُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ كَالِاسْتِحْقَاقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ انْدَفَعَ حِينَ عَلِمَ بِهِ، فَأَمَّا الْحَامِلُ فَهُنَاكَ السَّبَبُ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ يُوجِبُ انْفِصَالَ الْوَلَدِ لَا مَوْتَ الْأُمِّ بَلْ الْغَالِبُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ السَّلَامَةُ فَهِيَ مِثْلُ الزَّانِي إذَا جُلِدَ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ نَسْخُ فِعْلِهِ وَهُوَ أَنْ يَرُدَّ الْمَغْصُوبَ كَمَا غُصِبَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حِينَ رَدَّهَا حَامِلًا، وَهَهُنَا الْوَاجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ كَمَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ ثُمَّ إنْ تَلِفَ بِسَبَبٍ كَانَ الْهَلَاكُ بِهِ مُسْتَحَقًّا عِنْدَ الْبَائِعِ يَنْتَقِضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَا يَنْتَقِضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ.

وَإِذَا حَقَّقْت مَا ذَكَرْنَا عَلِمْت أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ الدَّيْنُ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ مُخْتَصٌّ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ قِيلَ انْتَقَضَ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا هَذَا تَسْلِيمٌ كَامِلٌ وَالتَّسْلِيمُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْغَصْبِ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي مُسَابَقَةَ الْأَخْذِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ فَرَدَّهُ مَشْغُولًا وَفِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَعُلِمَ بِاسْتِعْمَالِ لَفْظَةِ التَّسْلِيمِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْغَصْبِ إذْ لَوْ كَانَ فِيهِمَا لَقِيلَ انْتَقَضَ الرَّدُّ وَالتَّسْلِيمُ وَهَذَا رَدٌّ وَتَسْلِيمٌ كَامِلٌ.

وَقَوْلُهُ إذَا هَلَكَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّيْنِ خَارِجَةٌ عَنْ الْخِلَافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْجِنَايَةِ لَا فِي الدَّيْنِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْبَيْعُ فَحَيْثُ قِيلَ هَلَكَ وَلَمْ يَقُلْ هَلَكَ أَوْ بِيعَ عُلِمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّيْنِ عَلَى الْوِفَاقِ، وَقَوْلُهُ تَسْلِيمٌ كَامِلٌ أَيْ تَامٌّ أَرَادَ بِهِ لَيْسَ بِمَوْقُوفٍ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله لَا أَنَّهُ أَدَاءٌ كَامِلٌ؛ إذْ الْعَيْبُ يَمْنَعُ الْكَمَالَ فِي الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا قَوْلَهُ (وَأَدَاءُ الزُّيُوفِ) هُوَ جَمْعُ زَيْفٍ أَيْ مَرْدُودٌ يُقَالُ زَافَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُهُ أَيْ صَارَتْ مَرْدُودَةً عَلَيْهِ لِغِشٍّ وَدِرْهَمٌ زَيْفٌ وَزَائِفٌ وَدَرَاهِمُ زُيُوفٌ وَزَيْفٌ وَهُوَ دُونَ النَّبَهْرَجِ فِي الرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّ الزَّيْفَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ يُرَوَّجُ فِيمَا بَيْنَ التُّجَّارِ وَالنَّبَهْرَجُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ وَرُبَّمَا

ص: 162

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

تَسَامَحَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْمَدْيُونِ دَرَاهِمُ جِيَادٌ فَأَدَّى زُيُوفًا مَكَانِهَا فَهُوَ أَدَاءٌ قَاصِرٌ لِوُجُودِ تَسْلِيمِ أَصْلِ الْوَاجِبِ إذْ الزُّيُوفُ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَوْ تَجُوزُ بِهَا فِي السَّلَمِ وَالصَّرْفِ تَجُوزُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ فِيهِمَا حَرَامٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَكِنَّهُ قَاصِرٌ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْجَوْدَةُ، ثُمَّ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ رَبِّ الدَّيْنِ وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ حَالَةَ الْقَبْضِ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْأَدَاءَ وَيُطَالِبَهُ بِالْجِيَادِ إحْيَاءً لِحَقِّهِ فِي الْوَصْفِ وَفِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ يُشْتَرَطُ مَجْلِسُ الْعَقْدِ، وَإِذَا هَلَكَ عِنْدَهُ بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْجَوْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ " رح " فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَى الْمَدْيُونِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ وَيُطَالِبَهُ بِالْجِيَادِ، لَهُمَا أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ قَدْرًا حَصَلَ بِالزُّيُوفِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مُسَاوٍ لَهُ قَدْرًا وَإِنَّمَا بَقِيَ حَقُّهُ فِي الْجَوْدَةِ الَّتِي لَا مِثْلَ لَهَا وَلَا قِيمَةَ وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا إلَّا بِضَمَانِ الْأَصْلِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْقَابِضِ حَقًّا لَهُ مُمْتَنِعٌ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ وَكَيْفَ يَضْمَنُ وَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا بِالْقَبْضِ، وَحَقًّا لِغَيْرِهِ وَلَا طَالِبَ لَهُ مُمْتَنِعٌ أَيْضًا، فَإِذَا تَعَذَّرَ التَّدَارُكُ سَقَطَ لِلْعَجْزِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ.

وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله فَقَالَ يَضْمَنُ مِثْلَ مَا قَبَضَ لِيُحْيِيَ حَقَّهُ فِي الْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُرَاعًى فِي الْوَصْفِ كَمَا فِي الْقَدْرِ وَلَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ دُونَ حَقِّهِ قَدْرًا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ فَكَذَا إذَا كَانَ دُونَ حَقِّهِ وَصْفًا إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى الرِّبَا فَيَرُدُّ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ كَمَا يَرُدُّ عَيْنَهُ إذَا كَانَ قَائِمًا؛ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ يَحْكِي عَيْنَهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الزُّيُوفُ حَقًّا لَهُ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْجَوْدَةِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُسْقِطْ فَهِيَ غَيْرُ حَقِّهِ وَتَضْمِينُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ إنَّمَا يَبْطُلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَقَدْ حَصَلَ هَهُنَا فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ تَدَارُكُ حَقِّهِ فِي الصِّفَةِ فَيَصِحُّ، نَظِيرُهُ شِرَاءُ الْإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ بَاطِلٌ وَإِذَا تَضَمَّنَ فَائِدَةً صَحَّ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ أَوْ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ أَوْ مَالَهُ مَعَ مَالِ غَيْرِهِ فَكَذَا هَذَا، كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُصَنِّفِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

(وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ) لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ أَدَاءً قَاصِرًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ بَلْ هُوَ أَدَاءٌ قَاصِرٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَكِنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَيْنِ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَرَدُّ الْمِثْلِ إذَا كَانَتْ هَالِكَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ بِهِ عِنْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ، وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِهِ أَدَاءً بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ أَيْ لِلْوَصْلِ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَصْلِ وَلَمْ يَجُزْ إبْطَالُ الْأَصْلِ أَيْ أَصْلِ الْأَدَاءِ، لِلْوَصْفِ أَيْ لِأَجْلِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ تَبَعٌ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ كَلَامِ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ الْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ رحمه الله بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَنَّهُ أَمْكَنَ تَضْمِينُ الْوَصْفِ هُنَاكَ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا وَأَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ وَهَهُنَا لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْوَصْفِ لِجَرَيَانِ الرِّبَا فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ فَلِهَذَا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ.

وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا قَبَضَهُ الْفَقِيرُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْبِضُهُ فِي الْحُكْمِ كِفَايَةً لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ الْمُعْطِي وَبِدُونِ رَدِّ الْمِثْلِ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْجَوْدَةِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ قَائِمًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ وَطَلَبِ الْجِيَادِ وَكَذَا

ص: 163