الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ اقْتنَى كلْبًا إلَّا كلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ"(1).
قَالَ سَالِمٌ: وَكانَ أَبُو هُرَيْرَةْ يَقُولُ: أَوْ كلْبَ حَرْثٍ، وَكانَ صَاحِبَ حَرْثٍ (2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البُخاريّ (5163 - 5165)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد أو ماشية، ومسلم (1574/ 51) واللفظ له، و (1574/ 50 - 53، 55 - 56) كتاب: المساقاة، باب: الأمر بقتل الكلاب، والنَّسائيُّ (4284)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: الرخصة في إمساك الكلب للماشية، و (4286 - 4287)، باب: الرخصة في إمساك الكلب للصيد، و (4291)، باب: الرخصة في إمساك الكلب لحرث، والترمذي (1487)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في قتل الكلاب.
(2)
رواه مسلم (1574/ 54)، كتاب: المساقاة، باب: الأمر بقتل الكلاب.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 282)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 240)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 237)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 200)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1621)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 609)، و"عمدة القاري" للعيني (21/ 98)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 260)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (9/ 2).
(عن) أبي عمرٍو، ويقال له: أبو عبد الله (سالمِ بنِ عبد الله بن) أمير المؤمنين (عمرَ رضي الله عنهم).
وسالمٌ أحدُ فقهاء المدينة السبعة، ومن سادات التابعين وعلمائهم، سمع أبا هريرة، وأبا أيوب الأنصاريَّ، ورافعَ بَن خَديجٍ، وعائشةَ، وأباه، وغيرَهم، ومن التابعين كثيرًا.
روى عنه: عمرُو بنُ دينار، والزهري، [ونافع مولى أبيه، وموسى بنُ عقبة، وغيرهم، وكان أشبهَ ولدِ عبدِ الله به](1)، وهو إمامٌ جليل، روي له الجماعة، توفي في آخر ذي الحجة سنة ست ومئة، وقيل: سنة ثمان ومئة (2).
(عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، (قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اقتنى)؛ أي: اتخذ (كلبًا) للقُنية، يقال: اقتنى الشيء: إذا اتخذه للادخار (3)، ويشمل سائر أنواع الكلاب (إلا كلبَ صيد)، وفي رواية:"إلَّا كلبًا ضاريًا لصيد"(4)، (أو) كلب (ماشية)، وفي رواية:"ليس بكلب ماشية"(5)؛ أي: من غنم ونحوها، لا اتخاذُه لها قبل
(1) ما بين معكوفين ساقط من "ب".
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 195)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 115)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 184)، و"الثقات" لابن حبان (4/ 305)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (2/ 193)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (20/ 48)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (2/ 90)، و"تهذيب الكمال" للمزي (10/ 145)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 203)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 457)، و"تذكرة الحفَّاظ" له أيضًا (1/ 88)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (3/ 378).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 609).
(4)
تقدم تخريجه عند البُخاريّ برقم (5164).
(5)
تقدم تخريجه عند البُخاريّ برقم (5163).
أن يشتريها، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم:"أو كلب زرع"(1)، وفي لفظ:"حرث"(2)، وكذا وقعت الزيادة في حديث عبد الله بن مغفل عند الترمذيّ (3).
قال في "الآداب الكبرى": يجوز اقتناء كلبٍ كبيرٍ لصيدٍ يعيش به، أو لحفظ ماشية يروح معها إلى المرعى، ويتبعها، أو لحفظ زرعٍ، ولا يجوز اتخاذه لغير ذلك.
وقيل: يجوز اقتناؤه لحفظ البيوت، وهو قول بعض الشّافعيّة.
وفي "الرعاية": قيل: وبستان، فإن اقتنى كلبَ الصيد مَنْ لا يصيد، احتمل الجوازُ والمنع، وهكذا الاحتمالان فيمن اقتنى كلبًا يحفظ به ماشية، أو حرثًا إن حصلت، أو يصيد به إن احتاج، ويجوز تربيةُ الجَرْوِ الصغير لأجل الثلاثة في أقوى الوجهين، والثاني: لا يجوز.
وفي "الرعاية": لا يكره -على الأصح- اقتناءُ جروٍ صغيرٍ حيث يقتنى الكبير (4).
وأما اقتناء الكلاب لغير ما ذكرنا، فلا يجوز.
وحكى الدميري: أن أصحَّ الوجهين عند الشّافعيّة جوازُ اتخاذ الكلاب لحفظ الدرب، والدور (5)، فإن اقتنى شيئًا من الكلاب غير ما ذكرنا، (فإنّه ينقص من أجره كلَّ يوم قيراطان)، وفي رواية:"قيراط"، وهي في
(1) رواه مسلم (1575/ 58)، كتاب: المساقاة، باب: الأمر بقتل الكلاب.
(2)
رواه مسلم (1575/ 59)، كتاب: المساقاة، باب: الأمر بقتل الكلاب.
(3)
رواه التِّرمذيُّ (1489)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء: من أمسك كلبًا ما ينقص من أجره.
(4)
انظر: "الآداب الشرعية" لابن مفلح (3/ 526).
(5)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 770).
"الصحيحين" أيضًا. وفي رواية البُخاريّ: "ينقص من عمله"(1)، وحُمل على نوعٍ من الكلاب كان بعضُها أشدَّ من بعض في الأذى، أو لمعنى فيها، أو يكون ذلك مختلفًا باختلاف المواضع، فتكون القيراطان في المدن ونحوها، والقيراط في البوادي، أو ذكر القيراط أولًا، ثم زاد في التغليظ، فذكر القيراطين.
والمراد بالنقص: أن الإثم الحاصل باتخاذ الكلب يوازن قدرَ قيراط أو قيراطين من أجر متخذه، فينقص من ثواب عمل المتخذ قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه، وهو قيراطان.
وقيل: سببُ النقصان: امتناعُ الملائكة؛ أي: ملائكة الرحمة والبركة من دخول بيته، أو ما يلحق المارين من الأذى.
كما يروى أن المنصورَ ثانيَ خلفاء بني العباس سأل عمرَو بنَ عُبيد عن سبب هذا الحديث، فلم يعرفه، فقال المنصور: لأنَّه ينبحُ الضيف، ويروِّعُ السائل.
أو سببُ النقصان؛ لأنَّ بعضها شياطين، أو عقوبة لمخالفة النهي، أو لولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها، فربما ينجس الطاهر منها، فإذا استعمل في العبادة، لم يقع موقعَ الطاهر.
وقال ابن التين: المراد: أنه لو لم يتخذه، لكان عمله كاملًا، فإذا اقتناه، نقص من ذلك العمل.
وقد اختلف العلماء في محل نقصان القيراطين، فقيل: من عمل النهار
(1) رواه البُخاريّ (3146)، كتاب: بدء الخلق، باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، وتقدم تخريجه عند مسلم برقم (1575/ 58).
قيراط، ومن عمل الليل آخر، وقيل: قيراط من الفرض، وآخر من النفل (1).
وفي "بدائع الفوائد": يحتمل أن يراد بهذا: نسبة القيراطين إلى عمل متخذ الكلب كلَّ يوم، ويكون صغرُ هذا القيراط وكِبَرُه بحسب قلة عمله وكثرته.
قال: فإذا كانت له أربعة وعشرون ألف حسنة مثلًا، نقص منها كل يوم ألفا حسنة، وعلى هذا الحساب (2).
وتقدم ذلك [مستوفًى](3) في: الجنائز، فراجعه تظفرْ بما تريد.
(قال سالم) بنُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: (وكان أبو هريرة) عبدُ الرحمن بن صخر أكثرُ المكثرين من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين- (يقول: أو كلبَ حرث)؛ يعني: يزيد على جواز اقتناء الكلب [الصيد] والماشية: جواز اتخاذه للحرث والزراعة -كما قدمنا-.
قال سالم: (وكان) أبو هريرة رضي الله عنه (صاحبَ حرثٍ)، فكان قد جوّز اتخاذ الكلب لأجل الحرث (4)، ويستدل بالنص الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حافظ الأمة، فصار العلماء إلى جواز اتخاذه للزراعة والحرث؛ أي: لحفظ ذلك، اعتمادًا على حديث أبي هريرة.
وقد ذكرنا أنه روي أيضًا من حديث عبد الله بن مغفل، وسفيان بن أبي زهير، والله أعلم.
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (5/ 6 - 7).
(2)
انظر: "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/ 657).
(3)
في الأصل: "مستوفيًا"، والصواب ما أثبت.
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (5/ 6).