الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ مَمْلُوكٍ، فَعَلَيهِ خَلَاصُه في مالِهِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ، قُوِّمَ المَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2360)، كتاب: الشركة، باب: تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل، و (2370)، كتاب: الشركة، باب: الشركة في الرقيق، و (2390)، كتاب: العتق، باب: إذا أعتق نصيبًا في عبد وليس له مال، ومسلم (1503/ 3 - 4)، كتاب: العتق، باب: ذكر سعاية العبد، وأبو داود (3937 - 3938)، كتاب: العتق، باب: من ذكر السعاية في هذا الحديث، والترمذي (1348)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه، وابن ماجه (2527)، كتاب: العتق، باب: من أعتق شركًا له في عبد.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 69)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 98)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 310)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 137)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 256)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1740)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 156)، و"عمدة القاري" للعيني (13/ 54)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 140)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 208).
(عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه قال: مَنْ) أَيُّ بالغ عاقلٍ راشدٍ (أعتق شِقْصًا)، وهو -بكسر الشين المعجمة وسكون القاف فصاد مهملة-: السهم، والنصيب؛ أي: أعتق نصيبه (من مملوك) له فيه شريك فأكثر، (فعليه)؛ أي: المعتِقِ (خلاصُه) من الرق بإعتاق باقيه (في ماله) إن كان له مالٌ يفي بعتق جميعِ بقيته، وإن كان موسِرًا ببعضه، يعتق بقدره؛ كما نص عليه الإمام أحمد، وتقدم.
وهذا الحديث يقتضي أن نصيب شريكه إنما يعتق بدفع قيمته؛ كمذهب أبي حنيفة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية بينهما، فعليه: لو أعتق شريكُه نصيبَه قبلَ الدفع: أنه يعتق عليه، ويكون ولاؤه بينهما.
ولنا فيه وجهان: أصحهما: الذي قدمناه أولًا: أنَّه يعتق جميعُه لمجردِ عتقِ الموسرِ لنصيبه، ولشريكه نصفُ قيمته، قاله الإمام أحمد، لا النصف (1).
تنبيه:
قال في "المغني": المعتبر في الإيسار في هذا الباب: أن يكون له فضلٌ عن قوت يومه وليلته، وما يحتاج إليه من حوائجه الأصلية؛ من الكسوة والمسكن وسائرِ ما لابدَّ له منه؛ كما ذكره الإمام أحمد في رواية ابن منصور، وهو قول الإمام مالك.
وقال الإمام أحمد: لا يباعُ فيه دار، ولا رباع، ومقتضى ذلك: أَلَّا يباع له أصل مال.
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (5/ 63).
وقال مالك، والشافعيُّ: يباع عليه سِوارُ بنته، وما لَهُ مالٌ من كسوته (1). انتهى.
قال العلامة ابنُ نصر الله في "حواشي الكافي": ومقتضى هذا اشتراط كفاية يومه وليلته اعتبار ذلك بزكاة الفطر؛ فلا يعتبر كون ذلك فاضلًا عن وفاء دينه، إلا أن يكون مطالبًا له.
ولو كان مالُه غائبًا عن بلد العِتْق، فهل يسري عتقه؟
قال ابن نصر الله: لم أر فيه نصًا.
قال: والظاهرُ عدمُ السراية، ودليلُه: المشتري إذا كان الثمن غائبًا، فللبائع الفسخُ.
وظاهر الحديث: السراية؛ لقوله فيه: "فكان له مال يبلغ ثمن العبد"، وهذا مالَهُ مالٌ يبلغُ ذلك.
ولم يفرق في الحديث بين كونِ ماله حاضرًا، أو غائبًا. انتهى (2).
(فإن لم يكن له)؛ أي: المُعْتِقِ الشقصَ (مال)؛ بأن كان معسرًا، عتق نصيبه الذي أعتقه فقط، و (قُوِّمَ) بالبناء للمجهول (المملوكُ) بالرفع نائب الفاعل (قيمةَ عدلٍ) لا نقصَ فيها ولا جَوْرَ، (ثمَّ اسْتُسْعِيَ) المملوكُ؛ أي: كَلَّفه من العمل ما يؤدِّي به بقيةَ قيمةِ نفسه ليعتقَ به ما بقي.
يقال: سعى سعيًا؛ كرمى: قصد، وعمل، ومشى، وأسعاه: جعله يسعى، والسعاية -بالكسر-: ما كلف من ذلك العمل (3)(غيرَ مشقوق)؛
(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (10/ 285).
(2)
وانظر: "الإنصاف" للمرداوي (7/ 405 - 406).
(3)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1670)، (مادة: سعي).
أي: غيرَ مضيَّق (عليه)، بحيثُ لا يوقعه في المشقة مما يصعُب عليه ويُجهضه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم شفيق رفيق، وقد أوصى بالمملوك خيرًا.
فعلى مقتضى هذا الحديث: أنَّه إذا كان المعتق معسِرًا، عتقَ كلُّه، أما نصيبُ المعتِق، فبإعتاقه له، وأما باقيه، فيعتق أيضًا؛ لأنَّ الحرية كالرق لا تتجزأ.
ويُلزم العبدُ بالاستسعاء في قيمة بقيته، فيدفعها لمالكه، وهو رواية أبي داود عن الإمام أحمد، نصر هذا القول في "الانتصار"، واختاره أبو محمَّد الجوزي، وشيخ الإسلام ابن تيمية.
وفي كونه قبلَ أداء قيمةِ باقيه كحرٍّ أو معتَقٍ بعضُه وجهان:
أصحهما على القول بالاستسعاء: أن حكمَه حكمُ الأحرار، فلو مات وبيده مال، كان لسيده ما بقي من السعاية فقط، والباقي إرث، ولا يرجع العبد على أحد، قدمه في "الرعاية".
وقال الزركشي: هو ظاهر كلام الأكثرين، وصوبه في "الإنصاف".
والوجه الثاني اختاره أبو الخطاب في "الانتصار"، وقدمه ابن رزين في "شرحه"(1).
قال البدر العيني: وعند أبي يوسف، ومحمد: يسعى العبدُ في نصيب شريكه الذي لم يعتق إذا كان المعتِقُ معسرًا، ولا يرجع على العبد شيء.
قال: وهو قول الشعبي، والحسن البصري، والأوزاعي، وسعيد بن المسيب، وقتادة، واحتجوا في ذلك بحديث أبي هريرة المذكور. انتهى (2).
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (5/ 64).
(2)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 82).
قال الإمام موفق الدين في "الكافي": والأول -يعني: أنه إن كان الشريك المعتِقُ موسرًا، عتق، وإلا لم يعتق منه إلا نصيبُه، ويكون باقيه رقيقًا يقاسم السيدُ العبدَ في كسبه؛ لأنه مُبَعَّض، أو يخدمه يومًا، ويخلَّى لنفسِه يومًا -أصحُّ من القول بعتقه كلِّه في حال إعسار المعتِق لبعضِه، وإلزامِه بالاستسعاء.
قال: لأنَّ خبر ابن عمر رضي الله عنهما أصحُّ، ولأن الإحالة على السعاية إحالةٌ على وهم، وفيه ضرر بالعبد بإجباره على الكسب من غير اختياره. انتهى (1).
تنبيه:
حديثُ ابن عمر رواه الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2)، وغيرهم، وقد تعددت طرقُه، وتباينت مخارجُه، وأفتى به ابن عمر.
وقد روى الإمام أحمدُ عن إسماعيلَ بنِ أميةَ، عن أبيه، عن جده، قال: كان له غلام يقال له: طهمان، أو ذكوان، فأعتقَ جدُّه نصفَه، فجاء العبدُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تعتق في عِتْقِكَ، وترقُّ في رِقِّكَ"، قال: فكان يخدم سيدَه حتى مات (3).
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فرواه الإمام أحمد (4)،
(1) انظر: "الكافي" لابن قدامة (2/ 577).
(2)
كما تقدم تخريجه عندهم.
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 412).
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 426).
والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1)، لكنه ضعفه الإمام أحمد وغير واحد من الحفاظ؛ لانفراد سعيد بن أبي عروبة بزيادة الاستسعاء عن قتادة وغيره، ومشاهيرُ أصحاب قتادة لم يذكروا الاستسعاء؛ كشعبةَ، وهشامٍ الدستوائيِّ، وهمّام، وهم أقعد في قتادة، وذكر همام: أن ذكر الاستسعاء من فتيا قتادة، لا من الحديث (2).
وفي حديث ابن عمر من رواية الدارقطني زيادة ليست في غيره، وهي:"وإلَّا فقد عتقَ عليه ما عتق، ورقّ ما بقي"(3).
فعلى كل حال: مذهبُ الجمهور على مقتضى حديث ابن عمر، والله الموفق.
(1) تقدم تخريجه عندهم.
(2)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 55).
(3)
رواه الدارقطني في "سننه"(4/ 123).