الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَيْنٌ مِنَ المُشْرِكِينَ، وَهُوَ فِي سَفرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ أَصحَابهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ"، فَقَتَلْتُهُ، فَنَفَّلَنِي سَلَبهُ (1).
وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: "مَنْ قَتلَ الرَّجُلَ؟ "، فَقَالُوا: سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ، فَقَالَ:"لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ"(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2886)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان، وأبو داود (2653)، كتاب: الجهاد، باب: في الجاسوس المستأمن، وابن ماجه (2836)، كتاب: الجهاد، باب: المبارزة والسلب.
(2)
رواه مسلم (1754)، كتاب: الجهاد والسير، باب: استحقاق القاتل سلب القتيل، وأبو داود (2654)، كتاب: الجهاد، باب: في الجاسوس المستأمن.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 276)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 69)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 545)، و"شرح مسلم" للنووي (12/ 66)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 233)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1689)، و"فتح الباري" لابن حجر (6/ 168)، و"عمدة القاري" للعيني (14/ 296)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (5/ 167)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (8/ 96).
(عن) أبي مسلمٍ (سلَمَةَ) -بفتح اللام- بنِ عمرِو (بنِ الأكوع) -بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الواو، ونُسِبَ لجده مجازًا، واسم الأكوع: سنانُ بنُ عبدِ الله بنِ قُشَير -بضم القاف وفتح الشين المعجمة وسكون الياء- بنِ خزيمةَ الأسلميُّ المدنيُّ، كان ممن بايع تحتَ الشجرة، وبايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاثَ مرات، في أول الناس، وأوسطهم، وآخرهم، وكان (رضي الله عنه) من أشد الناس وأشجعهم رَاجِلًا، ويُقالُ: إنه الذي كلمه الذئب.
قال سلمةُ: رأيت الذئبَ قد أخذ ظَبْيًا، فطلبته حتى نزعتُه منه، فقال: وَيْحَكَ! مالي ومالك؟! عمدتَ إلى رزقٍ رزقنيهِ اللهُ تعالى تنزعُه مني قال: فقلت: يا عبدَ الله! إن هذا لعجيب، ذئب يتكلم! فقال الذئب: أعجبُ من هذا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في أصول النخل يدعوكم إلى عبادة الله تعالى، وتأبون إلَّا عبادة الأوثان، قال: فلَحِقْت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت (1).
قال ابن عبد البر وغيرُه: كلَّمَ الذئبُ من الصحابة ثلاثةً: رافعَ بنَ عَميرة، وسلمةَ بنَ الأكوع، وأهبان بن أوس.
قال أبو بكر عبدُ الله بنُ أبي داود السجستاني الحافظ: فيقال لأهبان: مكلم الذئب، وأولاده: أولاد مكلم الذئب.
قال ابن عدي: ولذلك تقول العرب: هو كذئب أهبان، يتعجبون منه، وذلك أن أهبان بن أوس [كان] في غنم له، فشدَّ الذئب على شاة منها، فصاح بن أهبان، فأقعى الذئب، وقال له: أتنتزعُ مني رزقًا رزقنيه الله تعالى؟! قال أهبان: ما سمعتُ ولا رأيتُ أعجبَ من هذا الذئب الذي يتكلم، فقال الذئب: أتعجب من هذا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينَ هذه النخلات -
(1) تقدم تخريجه.
وأومأ بيده إلى المدينة- يحدِّثُ بما كان ويكون، ويدعو إلى الله تعالى، وإلى عبادته، ولا يجيبونه؟! قال: فجئت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بالقصة، فأسلمت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"فحدِّثْ به"(1).
واتفق مثلُ ذلك لرافعِ بنِ عميرةَ.
سكن سلمةُ رضي الله عنه الرَّبَذَةَ، وتزوَّج هناك، ووُلد له، ولم يزلْ بها إلى قبل وفاته بليالٍ، فعاد إلى المدينة، وتُوفي بها سنة أربع وسبعين، وهو ابنُ ثمانين سنة.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وتسعون حديثًا، اتفقا على ستة عشر، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلمٌ بتسعة.
وروى عنه: ابنه إياس، والحسنُ بن محمدِ بن الحنفية، وعبدُ الله، وعبد الرحمن ابنا كعب بن مالك، وأبو سلمةَ بنُ عبد الرحمن، ومولاه يزيدُ بنُ عبيد، وغيرُهم (2).
(قال) سلمة رضي الله عنه (أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم) هو منصوبٌ مفعولُ أتى مقدَّم، والفاعل قوله:(عينٌ)؛ أي: جاسوس، واعتَانَ له: إذا أتاه بالخبر؛ كما في "النهاية"(3)، وقال في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الحديبية:"كان الله قد قطعَ عينًا من المشركين"(4)؛ أي: كفى الله منهم مَنْ كان يرصُدُنا ويتجَسَّسُ
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم للشارح رحمه الله في كتاب: الصلاة ترجمة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وتقدم هناك بيان مصادر ترجمته.
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 331).
(4)
رواه البخاري (3944)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.
علينا أخبارَنا (1)(من المشركين، وهو) صلى الله عليه وسلم (في سفر) من أسفاره، أي: في غزوة حنين، كما أفصح به مسلم في "صحيحه" عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازنَ -يعني: حنينًا-، فبينما نحن نتضحَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: نأكل وقتَ الضُّحى، إذ جاء رجل على جملٍ أحمرَ، فأناخه، ثم انتزعَ طَلَقًا؛ أي: وهو بالتحريك: قيد من جلود (2) من حَقْبه -بفتح الحاء المهملة والقاف-: حبل يشدُّ به الرجل بطنه، والحِزامُ يلي حقوَ البعير (3)، فقيَّدَ به الجملَ، ثم تقدَّم فتغدى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورِقَّة من الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يَشتدُّ، فأتى جملَه، فأطلقَ قيدَه، ثم قعدَ عليه، فاشتدَّ به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء؛ أي: في لونها بياضٌ إلى سواد، كما في "القاموس"(4)، قال: وهو من أطيب الإبل لحمًا .. الحديث (5).
قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (فجلس) ذلك الرجل الذي هو العين من المشركين (عند أصحابه)؛ أي: النبيِّ صلى الله عليه وسلم (يتحدث) معهم.
وفي حديث مسلم: أنه تغدى معهم، (ثم) بعد غدائه وحديثه معهم (انفتل)؛ أي: انصرف من عندهم.
وفي حديث مسلم: فأتى جمله، فأطلق قيدَه، ثم أناخه، ثم قعد عليه فأثاره، فاشتد به الجمل، (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اطلبوه)؛ أي: الرجل، (و) إذا أدركتموه، (اقتلوه).
(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 331).
(2)
المرجع السابق، (3/ 134).
(3)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 97)، (مادة: حقب).
(4)
المرجع السابق، (ص: 1198)، (مادة: ورق).
(5)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1754).
وفي رواية أبي نعيم في "المستخرج": أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أدركوه؛ فإنه عين". انتهى (1).
وفي مسلم: واتبعه رجل من أسلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة ورقاء.
قال سلمة: فطلبتُه، وخرجت أشتدُّ، فكنت عندَ وَرِكِ الناقة، ثم تقدَّمْتُ حتى كنت عند وَرِكِ الجمل، ثم تقدمتُ حتى أخذتُ بخِطام الجمل، فأنخته، فلما وضعَ ركبته بالأرض، اخترطْتُ سيفي، فضربت رأس الرجل، فندر، (فقتلته)، ثم جئت بالجمل أقوده، وعليه رحلُه، وسلاحه، فاستقبلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، والناسُ معه، (فنفلني)؛ أي: أعطاني (سلَبَهُ)، وهو مركوبُه، وثيابه، وسلاحه، وما معه على الدابة، كما تقدم.
والنفل: ما يعطيه الإمام بعدَ الخمس الذي لله ورسوله، فيكون من أربعة أخماس الغنيمة، وهو الزيادة على السهم لمصلحة، وهو المجعول لمن عمل عملًا؛ كتنفل السرايا بالثلث والربع ونحوه.
وقول الأمير: مَنْ طلعَ حصنًا، أوْ نَقَبَهُ، ومن جاء بأسيرٍ ونحوِه، فله كذا (2). ويأتي في الحديث السابع عشر، واختلاف الفقهاء في ذلك.
(وفي رواية) عند مسلم في "صحيحه"، وهي تكملة الحديث الذي سقناه عن سلمة رضي الله عنه عند مسلم في "صحيحه"، (فقال) النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(من قتل الرجل؟)؛ أي: الذي أمر بطلبه وقتله، (فقالوا)؛ أي: بعض الصحابة رضي الله عنهم: قتله (سلمة بنُ الأكوع، فقال) -عليه
(1) وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (6/ 169).
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 101).
الصلاة والسلام-: (له)؛ أي: لسلمة بن الأكوع (سَلَبُهُ)، أي: الذي عليه، وعلى راحلته (أَجْمَعُ).
وفي رواية: قام رجل من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر أنه عين من المشركين، فقال عليه السلام:"من قتله، فله سلبه"(1).
تنبيه:
جاسوس الكفار إن كان مسلمًا، يُعاقب عقوبةً تردعه وأمثالَه عن مثل ذلك، وإن كان ذميًا أو معاهدًا، انتقض عهده.
وكذا لو آوى جاسوسًا لهم، وهذا مذهب مالك، والأوزاعي.
وعند الشافعية: لا ينتقض العهد من الذميِّ بكونه جاسوسًا للكفار، إلا إن شرط عليهم انتقاضه به، وهو مذهب الحنفية.
وأما الجاسوس المسلم، فقال مالك: يجتهد فيه الإمام.
وقال عياض: قال كبار أصحابه: يُقتل (2).
وعند الحنفية، والشافعية: يُعَزَّر؛ كمذهبنا (3).
(1) هي رواية الإسماعيلي، كما ذكرها الحافظ ابن حجر في "الفتح"(6/ 169)، وعنه أخذ الشارح رحمه الله.
(2)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 71).
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (12/ 67)، وعنه العيني في "عمدة القاري"(14/ 297).