الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ؛ فَإنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ"(1).
* * *
(عن) أبي حفصٍ أميرِ المؤمنين (عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبَسُوا الحرير) معروف، وهو عربي، سمي بذلك؛ لخلوصه، يقال لكل شيء خالص: محرور، وحَرَّرْتُ الشيء:
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البُخاري (5492، 5496)، كتاب: اللباس، باب: لبس الحرير وافتراشه للرجال، وقدر ما يجوز منه، ومسلم (2069/ 11)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، واللفظ له، والنَّسائيُّ (5305)، كتاب: الزينة، باب: التشديد في لبس الحرير، والترمذي (2817)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في كراهية الحرير والديباج.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 574)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 385)، و"شرح مسلم" للنووي (14/ 38)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 213)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1651)، و"فتح الباري" لابن حجر (10/ 287)، و"عمدة القاري" للعيني (22/ 12)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 72).
خَلَّصته من الاختلاط بغيره، وقيل: هو فارسيٌّ معرَّب، والمراد بالنهي: الذكورُ دون النساء (1)؛ لما روى الإمام أحمد، وأصحاب السنن، وصححه ابن حبان، والحاكم من حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا وذهبًا، فقال:"هذان حرامانِ على ذكورِ أمتي، حِلٌّ لإناثهم"(2).
وأخرج الإمام أحمد، والطحاوي، وصححه من حديث مَسْلَمة بن مُخَلَّد: أنه قال لعقبةَ بن عامر: قم فحدِّثْ بما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعتُه يقول: "الذهبُ والحريرُ حرام على ذُكور أمتي، حِلٌّ لإناثهم"(3).
قال ابن أبي حمزة: حكمةُ تخصيص النهي بالرجال: أنه سبحانه وتعالى علم قلةَ صبرهن عن التزين، فلطفَ بهن في إباحته، ولأن تزينهن غالبًا إنما هو للأزواج، وقد ورد: أن حُسنَ التَّبَغُّل من الإيمان، قال: ويستنبط من هذا أن الفحلَ لا يصلح له أن يبالغ في استعمال الملذوذات؛ لكون ذلك من صفات الإناث (4).
قال ابن بطال: اختُلف في الحرير، فقال قومٌ: يحرم لبسُه في كل
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 285).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 96)، وأبو داود (4057)، كتاب: اللباس، باب: في الحرير للنساء، والنَّسائيُّ (5144)، كتاب: الزينة، باب: تحريم الذهب على الرجال، وابن ماجه (3595)، كتاب: اللباس، باب: لبس الحرير والذهب للنساء، وابن حبان في "صحيحه"(5434).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 156)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 251).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 296).
الأحوال، حتَّى على النساء، نقل ذلك عن عليّ، وابن عمر، وحذيفة، وأبي موسى، وابن الزُّبير رضي الله عنهم، ومن التابعين عن الحسن، وابن سيرين.
وقال قومٌ: يجوز لبسه مطلقًا، وحملوا الأحاديث الواردة في النهي عن لبسه خيلاء، أو على التنزيه، وهذا ساقط؛ لثبوت الوعيد على لبسه.
وقد قال القاضي عياض: انعقد الإجماعُ بعدَ ابن الزُّبير ومن وافقه على تحريم الحرير على الرجال، وإباحته للنساء (1). ذكر ذلك في الكلام على قوله ابن الزُّبير في الطريق التي أخرجها مسلم: ألا لا تُلْبِسوا نساءكم الحرير، فإني سمعت عمر، فذكر الحديث.
واختُلف في علة تحريم الحرير على رأيين مشهورين: أحدهما: الخيلاء، والثاني: كونه ثوبَ رفاهية وزينة، فيليق بزي النساء دون شهامة الرجال، ويحتمل علة ثالثة، وهي التشبُّه بالمشركين.
وأما قوله الشّافعيّ في "الأم": لا أكره لباس اللؤلؤ إلَّا للأدب؛ فإنّه زيُّ النساء (2)، فقد استشكل بثبوت اللعن للمتشبهين من الرجال بالنساء، فإنّه يقتضي منعَ ما كان مخصوصًا بالنساء في جنسه وهيئته.
وذكر بعضهم علة أخرى، وهي السرف. (3)
وفي رواية: نهى عن الحرير (4)؛ أي: عن لبسه، (فإنّه)؛ أي: الشأن والأمر (مَنْ لبسَه)؛ أي: الحريرَ من الرجال (في الدنيا، لم يلبسه في
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 582).
(2)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 221).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 285).
(4)
سيأتي تخريجه في الحديث الأخير من كتاب: اللباس.
الآخرة)، وأخرجه النَّسائي، وزاد في آخره: ومن لم يلبسه في الآخرة، لم يدخل الجنة، قال الله تعالى:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (1)[فاطر: 33].
قال في "الفتح": وهذه الزيادة مُدْرَجة في الخبر، وهي موقوفة على ابن الزُّبير، بَيَّنَ ذلك النسائيُّ أيضًا من طريق شعبة، وفي آخره: قال ابن الزُّبير، فذكر الزيادة.
ورواه الإسماعيلي من طريق عليّ بن الجعد، عن شعبة، ولفظه في آخره: فقال ابن الزُّبير من رأيه: ومن لم يلبس الحرير في الآخرة، لم يدخل الجنة، وذلك لقوله تعالى:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر: 33].
وقد جاء مثلُ ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه أيضًا، أخرجه النَّسائي، ولفظه: فقال ابن عمر: إذًا واللهِ لا يدخلُ الجنة، قال الله تعالى:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (2)[فاطر: 33].
وأخرج الإمام أحمدُ، والنَّسائيُّ، وصححه الحاكم من طريق داود السَّرَّاج، عن أبي سعيد، فذكر الحديث المرفوع مثل حديث ابن عمر هذا، وزاد: وإن دخل الجنة، لبسه أهلُ الجنة، ولم يلبسه هو (3).
قال في "الفتح": وهذا يحتمل أن يكون أيضًا مُدْرَجًا، وعلي تقدير أن يكون رفعُه محفوظًا، فهو من العام المخصوص بالمكلفين من الرجال؛ للأدلة الأخرى بجوازه للنساء.
(1) رواه النَّسائي في "السنن الكبرى"(9585).
(2)
رواه النَّسائي في "السنن الكبرى"(9586).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 23)، والنَّسائيُّ في "السنن الكبرى"(9607)، والحاكم في "المستدرك"(7404).
وفي لفظ: "من لبسه في الدنيا، لا يُكساه في الآخرة"(1).
وفي آخر: "فلا كساه الله في الآخرة"(2).
وفي آخر: "من لبس الحرير في الدنيا، فلا خَلاقَ له في الآخرة"(3).
وفي هذه الأحاديث وأضعافها من الوعيد الشديد والزجر والتهديد بيانٌ واضحٌ لحرمة لبس الحرير على الرجال.
وحاصله: أن الفعل المذكور مقتضٍ للعقوبة المذكورة، وقد يتخلف ذلك لمانع؛ كالتوبة، والحسنات الموازية، والمصائب المكفِّرَة، وكذا دعاءُ نحو الولد، وشفاعةُ من يؤذن له في الشفاعة، وأعمُّ من ذلك كله عفوُ أرحمِ الراحمين (4).
(1) رواه النَّسائي في "السنن الكبرى"(9587).
(2)
رواه الإسماعيلي، كما عزاه الحافظ ابن حجر في "الفتح"(10/ 290).
(3)
رواه النَّسائي (5306)، كتاب: الزينة، باب: التشديد في لبس الحرير، والإمام أحمد في "المسند" (1/ 46). وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (10/ 289 - 290).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 290).