الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني عشر
عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ عَبْدَ الرّحمَنِ بْنَ عَوْفٍ، والزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ، شَكَيا القَمْلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزاةٍ لَهُما، فَرَخَّصَ لَهُما في قَمِيصِ الحَرِيرِ، وَرَأَيْتُه عَلَيْهِما (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2762 - 2764)، كتاب: الجهاد، باب: الحرير في الحرب، و (5501)، كتاب: اللباس، باب: ما يرخص للرجال من الحرير للحكة، ومسلم (2076/ 24 - 26)، كتاب: اللباس والزينة، باب: إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة أو نحوها، وأبو داود (4056)، كتاب: اللباس، باب: في لبس الحرير لعذر، والنسائي (5310 - 5311)، كتاب: الزينة، باب: الرخصة في لبس الحرير، والترمذي (1722)، كتاب: اللباس، باب: ما جاء في الرخصة في لبس الحرير في الحرب، وابن ماجه (3592)، كتاب: اللباس، باب: من رخص له في لبس الحرير.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 585) و"المفهم" للقرطبي (4/ 398)، و"شرح مسلم" للنووي (14/ 52)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 236)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1697)، و"فتح الباري" لابن حجر (6/ 101)، و"عمدة القاري" للعيني (14/ 195)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (5/ 103)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 85)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 81).
(عن) أبي حمزةَ (أنسِ بنِ مالك رضي الله عنه: أنَّ) أبا محمَّد (عبدَ الرحمن بنَ عوفِ) بنِ عبد الحارث بنِ زهرة بنِ كلاب بنِ مرة بنِ كعب بنِ لؤي بنِ غالب القرشيَّ الزهريَّ، كان اسمه في الجاهلية عبدَ عمرو، وقيل: عبد الكعبة، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: عبد الرحمن، وأمُّه الشفاءُ بنتُ عوفِ بنِ عبد الحارث بنِ زهرة، أسلمت وهاجرت.
أسلم عبد الرحمن بن عوف قديمًا على يد أبي بكر الصديق.
وقدّم البرماوي أن أم عبد الرحمن صفيةُ بنتُ عبد مناف بن زهرة، ثمَّ ذكر بقيل: أنها الشفاء -بكسر الشين المعجمة وبالفاء- بنتُ عوف، قال: ويقال: إن الشفاء بنتَ عوف إنما هي أختُهُ.
وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحابِ الشورى، هاجر للحبشة، وشهد المشاهد كلها، وثبت يوم أحد، وصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم وراءهُ في غزوة تبوك؛ كما في "صحيح مسلم"(1)، وأتَمَّ ما فاته، وبعثه صلى الله عليه وسلم إلى دومة الجندل، وعَمَّمَه بيده، وسَدَلَها بين كتفيه، وقال:"إن فتحَ الله عليك، فتزوج بنتَ ملكِهم أو عريفِهم"(2)، فتزوجَ بنتَ شريفهم، وهي تُماضِرُ بنتُ الأصبغِ بنِ ثعلبةَ بنِ ضَمْضَم، فولدت له أبا سلمة الفقيه، وهي أولُ كلبيةٍ نكحها قرشيٌّ.
أصاب عبدَ الرحمن يوم أحد نحوُ العشرين من الجراحة، أو أكثر، وبعضها في رجله، فعرج.
ولد بعد عام الفيل بعشر سنين، قاله المدائني وغيره، ومات سنة اثنتين
(1) رواه مسلم (274)، كتاب: الصلاة، باب: تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(2)
انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (69/ 79 - 80).
أو إحدى، أو ثلاث وثلاثين، وصلَّى عليه عثمانُ بن عفان، ودُفن في البقيع وله اثنتان وسبعون سنة، وقيل: خمس، وقيل: ثمان.
كان رضي الله عنه طفلًا رقيقَ البشرة أبيضَ مشربًا بحمرة، ضخمَ الكتفين، أقنى، وقيل: كان ساقط الثنيتين، أعرجَ؛ لما أصابه من الجراحة يومَ أحد، ويجتمع نسبُه مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة.
روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة عشر حديثًا، اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بخمسة.
وقال الحافظ ابن الجوزي في "مشكل الصحيح": روى خمسة وستين حديثًا، اتفقا على سبعة.
قلت: وكذا في "منتخب المنتخب" له، إلا أنَّه قال: أخرج له في "الصحيحين" سبعة أحاديث، المتفق عليه منها حديثان، وباقيهما للبخاري.
قال ابن الأثير في "جامع الأصول": روى عنه ابن عباس، وابنه إبراهيم، وبجالة بن عبيد (1)، ويقال: ابن عبدة التميمي، كان كاتبَ جَزْءِ بنِ معاويةَ عمِّ الأحنفِ بن قيس، مكيّ ثقةٌ، ويعد في أهل البصرة (2).
(1) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير (14/ 129 - قسم التراجم).
(2)
قلت: قد تقدم للشارح رحمه الله ترجمة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فيما سبق، وتقدم هناك بيان مصادر ترجمته. وقد جاء على هامش الأصل المخطوط عند قوله. "بجالة بن عبيد" ما يلي: كان كاتب جزء بن معاوية، وهو -بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة على الصحيح، وكذا يرويه أهل اللغة، وأما أهل الحديث، فيقولونه: بكسر الجيم وسكون الزاي وبعدها ياء، قاله في "جامع الأصول"(14/ 266)، وهو جزء بن معاوية بن حصين بن عبادة من تيم سعد بن زيد بن مناة بن تميم عم الأحنف بن قيس. =
(و) أبا عبد الله (الزُّبَير) -بضم الزاي- (بنَ العَوَّام) -بفتح العين المهملة والواو المشددة فألف فميم- بن خُوَيْلِد -بضم الخاء المعجمة وفتح الواو- بن أسد بن عبدِ العزى بنِ قصيِّ بنِ كلابِ بنِ مرةَ القرشيَّ الأسديَّ المدنيَّ، أُمه صفيةُ بنتُ عبد المطلب عمةُ المصطفى صلى الله عليه وسلم، أسلمت، وهاجرت إلى المدينة.
أسلم الزبير رضي الله عنه قديمًا، وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: ست عشرة، وقيل: إنه أسلم وهو ابن ثمان سنين، وكان إسلامه بعد إسلام الصديق بقليل، قيل: إنه كان رابعًا أو خامسًا، على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فعذبه عمه بالدخان ليترك الإسلام، فلم يفعل، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة.
هاجر رضي الله عنه الهجرتين، وهو أول من سَلَّ سيفًا في سبيل الله، وثبتَ مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وشهد اليرموكَ وفتحَ مصر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لكل نبيٍّ حَوارِيُّ، وحَوارِيَّ الزبيرُ"(1).
وكان أبيضَ طويلًا، ويقال: إنه لم يكن بالطويل ولا بالقصير، يميل إلى الخفة في اللحم. ويقال: كان أسمر خفيف العارضين.
كان الزبير يومَ الجمل قد تركَ القتال، وانصرفَ لأمرٍ ذَكَّرَه به أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، فلما ذكره، اعترف به، وانصرف، فلحقه عُمير بن جرموز بسفوان من أرض البصرة، فقتله بوادي السباع، وقبرُه هناك مشهور، وذلك في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، وكان عمره يومئذٍ
= قلت: لا أدري معنى استطراد الشارح رحمه الله فيما ذكر؛ إذ لا مناسبة له، والله أعلم.
(1)
تقدم تخريجه.
أربعًا وستين سنة، وقيل: سبعًا، وقيل: ستًا وستين سنة، وقيل غيرُ ذلك.
روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية وثلاثون حديثًا، منها في "الصحيحين" تسعةُ أحاديث، المتفق عليه منها حديثان، وباقيها للبخاري (1).
ومالُ الزبيرِ وعبدِ الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وكثرتُه وشهرتُه وسعةُ تركتهما وعظيم نفقتهما معلومٌ مشهور، وهو في تواريخ الإِسلام وكتبهم مسطور ومذكور، فلا حاجة إلى ذكره (شكيا)؛ أي شكا كلُّ واحد منهما (القمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ أي: ما يلقاه من كثرته، والتألم به.
والقملُ واحدته قملة، وهو يتولد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوبًا أو ريشًا أو شعرًا حتى يصير عفنًا (2).
قال الجاحظ: وربما كان الإنسان قَمِلَ الطباع، وإن تنظَّف وتعطَّر وبدَّل الثياب (3)، واستدل بالزبير، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، وكان ذلك (في غزاة لهما).
وفي رواية: شكوا بالواو (4)، وهي لغة، يقال: شكوت وشكيت -بالواو والياء (5) -. (فرخص) صلى الله عليه وسلم (لهما)؛ أي: لكل واحد منهما (في) لبس
(1) تقدم للشارح رحمه الله أيضًا ذكر ترجمة الزبير بن العوام رضي الله عنه فيما سبق من شرحه هذا، ويجدر التنبيه هنا: أن الشارح أصبح يكثر من تكرار ما تقدم له ذكره من تراجم وأحكام وتنبيهات وغيرها في القسم الأخير من شرحه، ولعل طول هذا الشرح كان له النصيب في وقوع هذا التكرار، والعصمة لله وحده.
(2)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 720).
(3)
انظر: "الحيوان" للجاحظ (5/ 372).
(4)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2763).
(5)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (14/ 196).
(قميص الحرير)؛ لأجل القمل والحكة، فلبساه.
قال أنس رضي الله عنه: (ورأيته)؛ أي: قميص الحرير (عليهما)؛ أي: على كل واحد منهما. من الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف قميصًا من الحرير.
فيستفاد من الحديث: جواز لبس الحرير للرجال للقمل، وكذا للحكة؛ لأن في لفظ من حديث أنس عندهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف وللزبير بن العوام في قميص من حرير من حكة كانت بهما (1).
قال علماؤنا: يباح لبس الحرير لحكة، ولو لم يؤثر لبسه في زوالها، وكذا لقمل، ومرض.
وفي حربٍ، مباحٌ إذا تراءى الجمعان إلى انقضاء القتال، ولو لغير حاجة (2).
وقد ترجم البخاري في "صحيحه" لذلك باب: الحرير في الحرب (3).
قال أكثر الشراح: -بالحاء المهملة-، وقيل: -بالجيم-، لكن ذكر ذلك في أبواب الجهاد يؤيد الأول (4).
وكذا ذكر الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى-[له] في كتاب الجهاد يشعر به.
وترجم الترمذي باب: ما جاء في لبس الحرير في الحرب (5).
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2762)، وعند مسلم برقم (2076/ 24).
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 142).
(3)
انظر: "صحيح البخاري"(3/ 1069).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (6/ 101).
(5)
انظر: "سنن الترمذي"(4/ 218).
والحاصل: أنَّه حصل من مجموع الروايات ثلاث علل: الحكة، والقمل، والحرب -المفهوم من قوله: في غزاة- تصلح كل واحدة منها أن تكون علة للإباحة، فأباح علماؤنا لبس الحرير لكل واحد من الثلاثة كما مر في اللباس.
قال القرطبي: يدل الحديث على جواز لبس الحرير للضرورة.
وبه قال بعض أصحاب مالك.
فأما مالك، فمنعه في الحكة والضرورة، والحديث واضح الدلالة عليه، إلا أن يدعي الخصوصية لهما، [ولا يصح](1)، ولعل الحديث لم يبلغه (2)، انتهى.
وقال ابن العربي: اختلف العلماء في لباسه على عشرة أقوال:
الأول: حرام بكل حال.
الثاني: يحرم إلا في الحرب.
الثالث: يحرم إلا في السفر.
الرابع: يحرم إلا في المرض.
الخامس: يحرم إلا في الغزو.
السادس: يحرم إلا في العَلَم.
السابع: يحرم على الرجال والنساء.
الثامن: يحرم لبسُه من فوق دون لبسه من أسفل، قاله أبو حنيفة، وابن الماجشون.
(1) ما بين معكوفين سقط من "ب".
(2)
انظر: "المفهم" للقرطبي (4/ 398).
التاسع: مباح بكل حال، وهذا ساقط بالمرة.
العاشر: محرم، وإن خلط مع غيره؛ كالخز (1)، وتقدم ذلك في اللباس بما فيه غُنية.
وقال ابن بطال: اختلف السلف في لباس الحرير في الحرب، فكرهته طائفة، منهم: عمر بن الخطاب، وابن سيرين، وعكرمة، وغيرهم، وقالوا: الكراهة في الحرب أشدُّ؛ لما يرجون من الشهادة، وهو قول مالك، وأبي حنيفة.
وممن أباحه في الحرب: أنس.
قال ثابت: رأيت أنس بن مالك رضي الله عنه لبس الديباج في فزعة فزعَها الناس (2).
وقال عطاء: الديباج في الحرب سلاح (3).
وأجازه محمَّد بن الحنفية، وعروة، والحسن البصري.
وهو قول الإمام أحمد، والشافعيُّ، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف.
وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون: أنه استحب الحرير في الجهاد، والصلاة به حينئذٍ؛ لترهيب العدو، والمباهاة على العدو (4)، والله أعلم.
(1) انظر: "عارضة الأحوذي" لابن العربي (7/ 220 - 221).
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(19942)، ومن طريقه: البيهقي في "شعب الإيمان"(6113).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(24672 - 24673).
(4)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (14/ 196).