الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع عشر
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: أَجْرَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ما ضُمِّرَ مِنَ الخَيْلِ مِنَ الحَفْياءِ إِلَى ثَنِيةِ الوَداعِ، وَأَجْرَى ما لَمْ يُضَمَّر مِنَ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ ابنُ عُمَرَ: وَكنتُ فِيمَنْ أَجْرَى.
قَالَ سُفْيانُ: مِنَ الحَفْياءِ إلَى ثَنِيَّةِ الوَداعِ: خَمْسَةُ أَمْيالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَمنْ ثَنِيَّةِ الوَداعِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ: مِيلٌ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (410)، كتاب: المساجد، باب: هل يقال: مسجد بني فلان، و (2713)، كتاب: الجهاد والسير، باب: السبق بين الخيل، واللفظ له، و (2715)، باب: غاية السبق للخيل المضمرة، و (6905)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم، ومسلم (1870)، كتاب: الإمارة، باب: المسابقة بين الخيل وتضميرها، وأبو داود (2575)، كتاب: الجهاد، باب: في السبق، والنسائيُّ (3583)، كتاب: الخيل، باب: غاية السبق التي لم تضمر، و (3584)، باب: إضمار الخيل للسبق، والترمذي (1699)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في الرهان والسبق، وابن ماجه (2877)، كتاب: الجهاد، باب: السبق والرهان.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 254)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 137)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (7/ 188)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 284)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 700)، و"شرح مسلم" للنووي (13/ 14)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق =
(عن) أبي عبدِ الرحمن (عبد الله بن) أمير المؤمنين (عمرَ رضي الله عنهما قال: أجرى)؛ أي: أمر بالإجراء والمسابقة (النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما ضُمِّر)، والإضمار والتضمير: أن يظاهر على الخيل بالعلف حتى تسمَنَ، ثمَّ لا تُعْلَف إلا قوتًا لتخفَّ، وقيل: تُشَدُّ عليها سروجُها وتُجَلَّلُ بالأَجِلَّةِ حتى تعرقَ تحتَها، فيذهبَ دهنُها، ويشتدَّ لحمُها (1).
ويقال: تضمير الخيل: أن تدخل في بيت، ويُنقص من علفها، وتُجلل حتى يكثر عرقه، فينقص لحمُه ليكون أقوى لجريه.
وقيل: ينتقص علفه، ويجلل بجلٍّ مبلول (2)، فلهذا أجرى عليه السلام ما ضمر (من الخيل من الحفياء) -بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء ممدودًا-.
قال في "المطالع": وضبطه بعضهم -بضم الحاء والقصر-، وهو خطأ (3)، انتهى.
وفي "القاموس": الحفياء، وتقصر، ويقال بتقديم الياء: موضع بالمدينة (4)، انتهى.
(إلى ثنية الوداع) أصل الثنية: الطريق في الجبل.
= (4/ 239)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1702)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 361)، و"فتح الباري" لابن حجر (6/ 71)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 158)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 70)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (8/ 238).
(1)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 99).
(2)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (14/ 159).
(3)
وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 220).
(4)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1646)، (مادة: حفي).
قال في "المطالع": ومنه ثنية الوداع، قال: والثنية أيضًا: على مسيل من رأس الجبل، وأما إضافتها إلى الوداع، فاختلف فيه، فقيل: لأنه موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة، وقيل: لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ودَّع بها بعض من خلفه بالمدينة في آخر خرجاته، وقيل: في بعض سراياه المبعوثة عنه، وقيل: الوداع اسمُ وادٍ بمكة، حكاه ابن المظفر، وزعم أن نساء المدينة قلنه في رجزهم عند لقاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح.
قال في "المطالع": وهذا قلب للمعلوم المشهور من أن نساء المدينة ارتجزنه عند ورود النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهو اسم قديم جاهلي لهذه الثنية؛ لأنه موضع للتوديع كما تقدم (1)، انتهى.
وفي كلامه نظر يظهر بالتأمل.
(وأجرى) عليه الصلاة والسلام؛ أي: أمرَ بإجراء (ما لم يُضمر) من الخيل (من الثنية) المذكورة، وهي ثنية الوداع (إلى مسجد بني زُريق) -بضم الزاي-، والنسبة زُرقي، وزريق هو ابن عبد حارثة بن ثعلبة بن مالك بن غَضْب -بفتح الغين وسكون الضاد المعجمتين- بن جُشَم -بضم الجيم وفتح الشين المعجمة- بن الخزرج الأكبر (2).
(قال) أبو عبد الرحمن عبدُ الله (بنُ عمر) رضي الله عنهما: (وكنتُ) أنا (فيمن أجرى) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
وفي لفظ: كان ابن عمر ممن سابق فيها (3).
(قال سفيان) كما في "البخاري" -يعني: ابن عُيينة-: (من الحفياء إلى
(1) وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 136).
(2)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (4/ 159).
(3)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2715).
ثنية الوداع خمسةُ أميال، أو ستة) أميال (ومن مسجد بني زُريق إلى ثنية الوداع ميلٌ).
قال موسى بن عقبة: من الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال، أو سبعة.
وقد أجمع العلماء على جواز المسابقة بلا عوض.
قال علماؤنا: تجوز المسابقة بلا عوض على الأقدام، وبين سائر الحيوانات من إبل وخيل وبغال وحمير وفيلة وطيور، حتى حَمام، وبين سفن ومزاريق ونحوها، ومجانيق، ورمي أحجار بيد، ومقاليع، ويكره كلُّ ما يسمى لعبًا، إلا ما كان مُعينًا على قتال العدو، فيكره لعب بأرجوحة.
وكلام الشيخ تقي الدين يقتضي تحريم اللعب بالطاب والنقلية.
وقال أيضًا: كلُّ فعل أفضى إلى محرم كثيرًا، حرمه الشَّارع إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة؛ لأنه يكون سببًا للشر والفساد.
وقال أيضًا: ما ألهى وشغل عما أمر الله به، فهو منهي عنه، وإن لم يحرم جنسه؛ كبيع وتجارة ونحوهما.
وأما اللعب بآلة الحرب، فمستحب، وليس من اللهو المحرَّم ولا المكروه تأديبُ فرسِه، وملاعبتُه أهلَه، ورميُه عن قوسه.
وأما اللعب بالنرد والشطرنج، فلا يباح بحال، وهي بالعوض أَحْرَمُ.
وأما المسابقة بعوض، فلا تجوز على معتمد المذهب إلا في الخيل والإبل والسهام بشروطها المذكورة في كتب الفقه (1).
وحكي عن مالك المنعُ؛ لأنه قمار.
(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 541 - 542).
واختلف العلماء في المسابقة على الأقدام بعوض.
فمذهب أحمد، ومالك: عدم الجواز، وهو منصوص الشافعي أيضًا.
ومذهب أبي حنيفة: يجوز، وهو وجه عند الشافعية (1).
وحجة من منع: حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "لا سَبْقَ إلا في خُفٍّ أو حافِرٍ أو نَصْل"؛ أي: لا يسوغ أخذُ السبق الذي هو العِوَضُ المجعولُ في المسابقة إلا في الثلاثة المذكورة، والحديث رواه الإمام أحمد، وأصحاب "السنن" الأربع، إلا أن ابن ماجه لم يذكر فيه:"أو نصل"(2).
وروى الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بالخيل، وراهن (3).
وفي لفظ له: سابق بين الخيل، وأعطى السابق (4).
وروى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه: أنَّه قيل له: أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أكان صلى الله عليه وسلم يراهن؟ قال: نعم، والله! لقد راهن على فرس يقال له: سبحة، فسبق الناس، فابتشَّ لذلك وأعجبه (5).
(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 318).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 474)، وأبو داود (2574)، كتاب: الجهاد، باب: في السبق، والنسائيُّ (3585)، كتاب: الخيل، باب: السبق، والترمذي (1700)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في الرهان والسبق، وابن ماجه (2878)، كتاب: الجهاد، باب: السبق والرهان.
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 67).
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 91).
(5)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 160).
وروى الإمام أحمد، والبخاري عن أنس رضي الله عنه، قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العَضْباء، وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قَعود له، فسبقَها، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سُبقت العضباءُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ حَقًّا على الله أَلَّا يرفعَ شيئًا من الدنيا إلا وَضَعَهُ"(1).
تنبيه:
يشترط لإباحة أخذ الرهن على مسابقة الخيل والإبل خمسة شروط:
الأول: تعيينُ المركوبين بالرؤية، وتساويهما في ابتداء العدو وانتهائه، لا تعيينُ الراكبينِ.
الثاني: كونُ المركوبين من نوع واحد، فلا يصح بين عربيٍّ وهَجينٍ.
الثالث: تحديدُ المسافة والغاية بما جرت به العادةُ.
الرابع: كونُ العوضِ معلومًا بالمشاهدة، أو بالقدر، أو بالصفة، ويجوز أن يكون حالًّا ومؤجلًا، وبعضه حالًّا، وبعضه مؤجلًا.
الخامس: الخروج عن شبهة القمار بأَلَّا يُخْرِجَ جميعُهم، فإن أخرجا معًا، لم يَجُزْ، وكان قمارًا؛ لأنَّ كل واحد لا يخلو عن أن يغنم أو يغرم، وسواء كان ما أخرجاه متساويًا، أو متفاوتًا، إلا بمحلل لا يُخرج شيئًا، ويكفي واحد، ولا تجوز الزيادة عليه، تكافىء فرسُه فرسيهما، أو بعيرُه بعيريهما، فإن سبقهما، أحرزَ السبقين، وإن سبقاه، لم يأخذا منه شيئًا،
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 103)، والبخاري (6136)، كتاب: الرقاق، باب: التواضع.
وإن سبق أحدهما، أحرز السبقين، وإن سبق معه المحلل، أحرز السابق مال نفسه.
وسَبْقُ المسبوقِ بين المحلِّلِ والسابق نصفين.
وإن جاء الغاية دفعة واحدة، أحرز كل واحد منهما سبق نفسه، ولا شيء للمحلل (1).
ولم يعتبر شيخ الإسلام محللًا، وقال: كون السبق من كل واحد منهما أولى بالعدل من كون السبق من أحدهما، وأبلغُ في تحصيل مقصود كل منهما، وهو بيان عجز الآخر.
وقد انتصر تلميذه الإمام المحقق لهذا في كتابه "الفروسية"، وأجلب عليه من الأدِلَّة وأطنب، وأتى من الاستدلال لذلك ما يقضي له بالعجب (2)، والله الموفق.
(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 542 - 544).
(2)
انظر: "الفروسية" لابن القيم (ص: 164)، وما بعدها.