المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٧

[السفاريني]

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ

‌الحديث الأول

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِركًا لَهُ في عَبْدٍ، فَكانَ لَهُ مالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدلٍ، فَأَعْطَى شُرَكاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ العَبْدُ، وَإلا، فَقَد عَتَقَ مِنْهُ ما عَتَقَ"(1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2359)، كتاب: الشركة، باب: تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل، و (2369)، باب: الشركة في الرقيق، و (2385 - 2389)، كتاب: العتق، باب: إذا أعتق عبدًا بين اثنين، أو أمةً بين الشركاء، و (2415)، باب: كراهية التطاول على الرقيق، ومسلم (1501)، كتاب: العتق، وأبو داود (3940، 3943)، كتاب: العتق، باب: فيمن روى أنَّه لا يستسعي، والنسائيُّ (4698)، كتاب: البيوع، باب: الشركة بغير مال، و (4699)، باب: الشركة في الرقيق، والترمذي (1346)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه، وابن ماجه (2528)، كتاب: العتق، باب: من أعتق شركًا له في عبد.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 92)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 97)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 309)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 135)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 249)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1723)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 152)، و"عمدة القاري" للعيني (13/ 51)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 207).

ص: 263

(عن) أبي عبدِ الرحمن (عبدِ الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شِركًا له في عبد).

وفي رواية في "الصحيحين": "من أعتق عبدًا بين اثنين"(1)، والشِّركُ -بكسر الشين المعجمة-: النصيب، (فكان له)؛ أي المعتِق (مالٌ يبلغ ثمنَ العبد) الذي أعتقَه.

وفي لفظ: "فكان له ما يبلغ"(2)؛ أي شيءٌ يبلغ، وإنما قيد بقوله:"يبلغ"؛ لأنه إذا كان له مال لا يبلغ ثمنَ العبد، لا يقوم عليه مطلقًا؛ يعني: عند بعض أهل العلم، ومنهم الحنفية.

ومعتمد مذهبنا كالشافعية: أن العتق يسري إلى القدر الذي هو موسر به، فتفيد العتق بحسب الإمكان، وهو قول مالك أيضًا.

والمراد بقوله: ثمن العبد؛ أي: ثمن بقيته؛ لأنه موسر بحصته (3).

وقد أوضح ذلك النسائي في رواية عن نافع، عن ابن عمر، بلفظ:"وله مالٌ يبلغُ قيمةَ أَنْصِباءِ شركائِه، فإنَّه يضمَنُ لشركائِه أنصباءَهم، ويعتقُ العبدُ"(4)، والمراد بالثمن هنا: القيمة، (قُوِّمَ) على صيغة المجهول (عليه)؛ أي: الذي أعتقَ نصيبَه (قيمةَ عدلٍ)، وهو أَلَّا يُزاد على قيمته، ولا يُنقص.

وفي رواية لمسلم والنسائيُّ: "قُوِّمَ عليه قيمةَ عدلٍ لا وَكْسَ ولا شَطَطَ"(5)، والوَكْس -بفتح الواو وسكون الكاف، وبالسين المهملة-:

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2385).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2359).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (5/ 153).

(4)

رواه النسائي في "السنن الكبرى"(4951).

(5)

رواه مسلم (1501/ 50)، (3/ 1287)، كتاب: الأيمان، باب: من أعتق شركًا =

ص: 264

النقص، والشطط: الجور (1)، (فأعطى) الذي باشرَ العتقَ (شركاءه) كذا في رواية الأكثرين أن لفظ "أَعْطَى" علي بناء الفاعل، و"شركاءَه" بالنصب على المفعولية.

وروي "فأُعطي" على صيغة المجهول، و"شركاؤه" بالرفع نائب فاعل (2) (حصصهم)؛ أي: قيمتها (وعَتَقَ عليه) أي: على المعتِق (العبدُ)، وفهم من كونه يعتق عليه: أن ولاءه له دون غيره.

وسواء كان العبد والشركاء مسلمينَ أو كافرينَ، أو بعضُهم مسلمًا وبعضهم كافرًا، فلو أعتقه الشريكُ بعد ذلك، ولو قبل أخذِ القيمة، أو تصرَّفَ فيه، لم ينفذ، وإن اختلفوا في القيمة، رجع إلى قول المقوِّمين، فإن كان العبد المعتَق قد مات، أو غاب، أو تأخر تقويمُه زمنًا تختلف فيه القيمُ، ولم يكن بَيِّنة، فالقولُ قولُ المعتِق؛ لأنه غارم، وإن اختلفوا في صناعة في العتيق توجب زيادةَ القيمة، فقول المعتِق، إلا أن يكون العبدُ يحسن الصناعة في الحال، ولم يمض زمن يمكن تعلُّمها فيه، فقول الشريك، كما لو اختلفوا في عيب ينقصه (3)، (وإلا) بأن لم يكن للمعتِق مالٌ يبلغُ قيمةَ باقي العبد؛ بأن لم يكن موسرًا، (فقد عتقَ منه)؛ أي: من العبد (ما)؛ أي: نصيبُه الذي (عتق)، دون نصيب شريكه؛ لعدم إيساره بقيمته.

وبهذا الحديث قال ابنُ أبي ليلى، ومالك، والثوري، والشافعيُّ،

= له في عبد، والنسائيُّ في "السنن الكبرى"(4942).

(1)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 138).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (5/ 153).

(3)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 257).

ص: 265

وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن في أن وجوب الضمان إنما هو في الموسِرِ خاصة، دون المعسِرِ؛ لقوله:"وإلا فقد عتق منه".

وقال زفر من الحنفية: يضمنُ قيمةَ شريكه، موسِرًا كان أو معِسرًا، أو يخرج العبد كلُّه حرًا؛ لأنه جنى على مال غيره، فوجب عليه ضمانُ ما أتلف بجنايته، ولا يفترق الحكم فيه بالإيسار والإعسار (1)، وهذا قياس مع النص، فلا يُعَوَّل عليه، وأيضًا هو قياس منظور فيه.

والأحاديث في هذا كثيرة جدًا.

وفي "البخاري" عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّه كان يُفتي في العبد أو الأَمَة يكون بين شركاء، فيعتق أحدُهم نصيبه منه، يقول: قد وجب عليه عتقه إذا كان للذي أَعتقَ من المال ما يبلغ أن يُقَوَّم من ماله قيمةَ العدل، ويَدفع إلى الشركاء أنصباءهم، ويخلِّي سبيلَ المعتَق، يخبر بذلك ابنُ عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).

وقال أبو حنيفة: إذا كان المعتِق موسِرًا، فالشريكُ بالخيار، إن شاء أعتق، والولاء بينهما، وإن شاء استسعى العبدَ في نصف القيمة، فإذا أداها، عتق، والولاء بينهما نصفين، وإن شاء ضمن المعتِقُ نصفَ القيمة، فإذا أداها، عتق، ورجع بها المضمن على العبد، فاستسعاه فيها، وكان الولاء للمعتق، وإن كان المعتق معسِرًا، فالشريك بالخيار، إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى العبدَ في نصف قيمته، فأيّهما فعل، فالولاء بينهما نصفين.

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 83).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2389).

ص: 266

وحاصل مذهب أبي حنيفة: أنَّه يرى تجزيء العتق، وأن يسار المعتِق لا يمنعُ السعاية (1).

قال ابن مفلح في "فروعه" في تعليل العتق على المذهب، قال: للخبر، ولأن الرق لا يتجزأ؛ كنكاح، فلو قال إمام لأسير: أرقيت نصفك، لم يصح (2)، والله أعلم.

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 82 - 83).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (5/ 63).

ص: 267