المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٧

[السفاريني]

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ

‌الحديث الخامس

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اصطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهبٍ، وَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَصَنَعَ النَّاسُ كَذلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ، فَنَزَعَهُ، وَقَالَ:"إِنِّي كُنتُ أَلْبَسُ هذَا الخَاتَمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ"، فَرَمَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ:"وَاللهِ! لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا"، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُم (1).

وَفِي لَفْظٍ: جَعَلَهُ فِي يَدِهِ اليُمنَى (2).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (5527)، كتاب: اللباس، باب: خواتيم الذهب، و (5528 - 5529)، باب: خاتم الفضة، و (6275)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: من حلف على الشيء وإن لم يحلف، و (6868)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم (2091/ 53)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم خاتم الذهب على الرجال، وأبو داود (4218 - 4220)، كتاب: الخاتم، باب: ما جاء في اتخاذ الخاتم، والنسائي (5164)، كتاب: الزينة، باب: خاتم الذهب، و (5214 - 5218)، باب: نزع الخاتم عند دخول الخلاء، و (5275)، باب: صفة خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ونقشه، و (5290، 5292، 5293)، باب: طرح الخاتم وترك لبسه، والترمذي (1741)، كتاب: اللباس، باب: ما جاء في لبس الخاتم في اليمين.

(2)

رواه البخاري (5538)، كتاب: اللباس، باب: من جعل فص الخاتم في بطن كفه، ومسلم (2091)(3/ 1655)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم خاتم الذهب على الرجال. =

ص: 125

(عن) أبي عبد الرحمن (عبدِ الله بنِ) أمير المؤمنين (عمرَ رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع)؛ أي: أمر أن يصنع له (خاتمًا من ذهب) كما تقول: اكتتب؛ أي: أمر أن يكتب له، والطاء في اصطنع بدل من تاء الافتعال لأجل الصاد (1).

وفي لفظ: أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتمًا من ذهب (2)؛ أي: أمر بصياغته، فصُنع له، فلبسه (3).

(وكان) عليه السلام (يجعل فَصَّه)، أي: الخاتم الذي اتخذه، والفَصُّ -بفتح الفاء-، والعامة تكسرها (4)، وأثبتها غير الجوهري لغةً.

وزاد بعضهم: الضم، وعليه جرى ابن مالك في "مثلثه"(5).

وفي "القاموس": الفص للخاتم مثلثة، والكسرُ غيرُ لحن، ووهم الجوهريُّ، والجمع فصوص (6)، انتهى.

(في باطن كفه) الشريف.

= * مصَادر شرح الحَدِيث:

"عارضة الأحوذي" لابن العربي (7/ 248)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 603)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 409)، و"شرح مسلم" للنووي (14/ 66)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 220)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1167)، و"فتح الباري" لابن حجر (10/ 319)، و"عمدة القاري" للعيني (22/ 30).

(1)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 56).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5527).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 319).

(4)

قاله الجوهري في "الصحاح"(3/ 1048)، (مادة: فصص).

(5)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 322).

(6)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 807)، (مادة: فصص).

ص: 126

قال بعضهم: والسرّ في ذلك أن جعلَه في باطن الكف أبعدُ من أن يُظن أنه فعله للتزيُّن به.

قال ابن بطال: قيل لمالك: يُجعل الفصُّ في باطن الكف؟ قال: ما جاء في بطنها ولا ظهرها أمرٌ ولا نهيٌ (1).

قال في "الإنصاف"(2) وغيرِه، وكذا في "الفروع" (3): والأفضلُ جعلُ فصه يلي باطنَ كَفِّه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.

وكان ابن عباس وغيره يجعلُه يلي ظهرَ كفه.

فقد أخرجه أبو داود من طريق ابن إسحاق، قال: رأيت على الصَّلْتِ بنِ عبد الله خاتمًا في خنصره اليمنى، فسألته، فقال: رأيتُ ابن عباس يلبس خاتمَه هكذا، وجعل فَصَّه على ظهرها، ولا أخال ابنَ عباس إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم (4).

وأورده الترمذي من هذا الوجه مختصرًا (5).

(إذا لبسه)؛ أي: في وقت لبسه له صلى الله عليه وسلم، (فصنع الناس) من الصحابة؛ أي: ذوي الثروة منهم (كذلك)؛ أي: خواتيمَ من ذهب.

قال الخطابي: لم يكن لباسُ الخاتم من عادة العرب، فلما أراد

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 325 - 326).

(2)

انظر: "الإنصاف" للمرداوي (3/ 142).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 354).

(4)

رواه أبو داود (4229)، كتاب: الخاتم، باب: ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار.

(5)

رواه الترمذي (1742)، كتاب: اللباس، باب: ما جاء في لبس الخاتم في اليمين.

ص: 127

النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الملوك، اتخذ الخاتمَ، واتخذه من ذهب، ثم رجع عنه لِما فيه من الزينة، ولِما يخشى منه من الفتنة، وجعلَ فَصَّه مما يلي باطنَ كفه ليكونَ أبعدَ من التزين.

قال الزينُ العراقي في "شرح الترمذي": دعوى الخطابي أن العرب لا تعرف الخاتم عجيبة، فإنه عربيٌّ، وكانت العرب تستعمله.

قال في "الفتح": يحتاج إلى ثبوت لبسه، وإلا فكونُه عربيًا، واستعمالُهم له في ختم الكتب لا يرد على عبارة الخطابي (1).

وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن أبي ريحانة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان (2).

قال الطحاوي: قد ذهب قوم إلى كراهة لبس الخاتم إلا لذي سلطان، وخالفهم آخرون، فأباحوه، ومن حجتهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا ألقى خاتمَه، ألقى الناس خواتيمَهم، فإنه يدل على أنه كان يلبس الخاتم في العهد النبوي من ليس ذا سلطان، فإن قيل: هو منسوخ، فالجواب: أن الذي نُسخ منه لبسُ خاتم الذهب.

ثم أورد الطحاوي عن جماعة من الصحابة والتابعين ممن ليس لهم سلطان: أنهم كانوا يلبسون الخواتيم (3).

(ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (جلس على المنبر، فنزعه).

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 325).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 134)، وأبو داود (4049)، كتاب: اللباس، باب: من كرهه، والنسائي (5091)، كتاب: الزينة، باب: النتف.

(3)

انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (4/ 265). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 325).

ص: 128

وفي لفظ: فرقي المنبر، فحمِدَ الله، وأثنى عليه (1)، (وقال: إني كنتُ ألبسُ هذا الخاتمَ، وأجعلُ فَصَّه من داخِل) كفي؛ لأن ذلك أبعدُ من إرادة التزين به، (فرمى به)، فلا يدرى ما فعل.

(ثم قال) بعدَ رميه: (والله لا ألبسُه)؛ أي: خاتم الذهب (أبدًا)، فجمع بين القول والفعل، ولم يجتزىء بمجرد رمي الخاتم ونبذه حتى أقسم على نفسه أنه لا يلبسه أبدًا.

قال علماء السير: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب للملوك، قيل له: يا رسول الله! إنهم لا يقرؤون كتابًا إلا إذا كان مختومًا، فاتخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب، فاقتدى به ذوو اليسار من أصحابه، فصنعوا خواتيم من ذهب، فلما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، لبسوا خواتيمهم، فجاءه جبريلُ من الغد، فأخبره بأن لبسَ الذهب حرام على ذكور أمته، فطرح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلك الخاتمَ، فطرح أصحابُه خواتيمَهم (2).

وهذا يوافق رواية الزهري من حديث أنس: أنه رآه في يده يومًا واحدًا (3).

وقيل: بل لبسه ثلاثة أيام؛ لما روى النسائي من حديث ابن عمر: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب، فلبسه ثلاثة أيام (4).

وطريق الجمع بين هذا وبين حديث أنس: بأن قول أنس: يومًا واحدًا

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5538).

(2)

انظر: "السيرة الحلبية" للبرهان الحلبي (3/ 281).

(3)

رواه البخاري (5530)، كتاب: اللباس، باب: خاتم الفضة، ومسلم (2093)، كتاب: اللباس والزينة، باب: في طرح الخواتم.

(4)

رواه النسائي (5217)، كتاب: الزينة، باب: نزع الخاتم عند دخول الخلاء.

ص: 129

ظرفٌ لرؤيته له في يده، وقول ابن عمر: ثلاثة أيام ظرفٌ لمدة اللبس، أو يُحمل على يوم كامل، وطرفي يومين. فابن عمر راعى الجميع، وأنسٌ ألغى ما سوى الكامل، والله أعلم (1).

(فنبذ الناس) ممن كان قد اتخذ من خواتيم الذهب شيئًا اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم (خواتيمَهم) تبعًا له عليه الصلاة والسلام.

قال ابن سيد الناس أبو الفتح اليعمري: اتخاذُه صلى الله عليه وسلم الخاتمَ كان في السنة السابعة، وجزم غيره بأنه كان في السادسة، ويجمع بأنه كان في أواخر السادسة، وأوائل السابعة؛ لأنه إنما اتخذه عند إرادته مكاتبةَ الملوك، وكان إرسالهُ الكتبَ في مدة الهدنة، وكانت في ذي القعدة سنة ست، ورجع إلى المدينة في ذي الحجة، ووجَّه الرسلَ في المُحَرَّم من السابعة، وكان اتخاذُ الخاتم قبل إرساله الرسلَ إلى الملوك (2).

(وفي لفظ) عند مسلم: و (جعله)؛ أي: الخاتمَ في (يده اليمنى)، ولفظه عند البخاري: قال جويرية: ولا أحسبه إلا قال: في يده اليمنى (3).

قال أبو ذر في روايته: لم يقع في "البخاري" موضع الخاتم من اليدين إلا في هذا.

وقال الداودي: لم يجزم به جويرية، وتواطؤ الروايات على خلافه يدلُّ على أنه لم يحفظه. قال: وعملُ الناس على لبس الخاتم في اليسار يدلُّ على أنه المحفوظ، انتهى.

وتعقبه في "الفتح" بأن الظن فيه من موسى شيخ البخاري؛ فقد أخرجه

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 321).

(2)

المرجع السابق، (10/ 325).

(3)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5538).

ص: 130

ابن سعد عن مسلم بن إبراهيم، وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن أسماء، كلاهما عن جويرية، وجزما بأنه لبسه في يده اليمنى، وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر، وفيه: فتختم به في يمينه، ثم جلس على المنبر، فقال:"إني كنت اتخذتُ هذا الخاتمَ في يميني"، ثم نبذه، الحديث (1).

وهذا صريح من لفظه عليه السلام رافعٌ لِلَّبْس، [و] موسى بن عقبة أحد الثقاتِ والأثبات (2).

وقد قال علماؤنا: إن كونَ الخاتم في خنصر يساره أفضلُ (3).

وفي مسلم من حديث أنس رضي الله عنه، قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى (4).

قال علماء السير، وهو في "الصحيحين"، و"السنن" و"المسانيد"، وغيرِها: إنه صلى الله عليه وسلم لما طرح خاتم الذهب، وطرحه مَنْ كان قد اتخذه من أصحابه تبعًا له، اتخذ خاتمًا من الفضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة.

قال الإمام أحمد رضي الله عنه في خاتم الفضة للرجل: ليس به بأس.

قال في "الفروع": باتفاق الأئمة الأربعة، واحتج الإمام أحمد بأن ابن

(1) تقدم تخريجه عند الترمذي برقم (1741).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 326).

(3)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 440).

(4)

رواه مسلم (2095)، كتاب: اللباس والزينة، باب: في لبس الخاتم في الخنصر من اليد.

ص: 131

عمر كان له خاتم؛ كما رواه أبو داود وغيرُه (1).

وأخرج ابنُ عدي من طريق محمدِ بنِ عبد الرحمن بنِ أبي ليلى، وأبو داود من طريق عبد العزيز بن أبي رواد، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يساره.

لكن قال أبو داود: رواه ابن إسحاق، وأسامةُ بن زيد عن نافع: في يمينه (2).

وأخرجه أبو الشيخ، والبيهقي في "الشعب" عن أنس (3)، ولأبي الشيخ أيضًا عن أبي سعيد: كان صلى الله عليه وسلم يلبس خاتمه في يساره (4).

وأخرجه البيهقي في "الأدب" من طريق أبي جعفر الباقر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعلي، والحسن، والحسين يتختمون في اليسار (5)، وأخرجه الترمذي موقوفًا على الحسن والحسين حَسْبُ (6).

قال في "الفتح": ودعوى الداودي العملَ على التختم باليسار، فكأنه توهمه من استحباب مالكٍ التختمَ في اليسار، وهو يرجِّحُ عملَ أهل المدينة، فظن أنه عملُ أهل المدينة، ثم نظر فيه بأنه جاء عن أبي بكر،

(1) رواه أبو داود (4428)، كتاب: الخاتم، باب: ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار. وانظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 353).

(2)

رواه أبو داود (4227)، كتاب: الخاتم، باب: ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(1/ 380).

(3)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(6369).

(4)

كذا عزاه الحافظ ابن حجر في "الفتح"(10/ 327) وقال: في سنده لين.

(5)

رواه البيهقي في "الآداب"(541).

(6)

رواه الترمذي (1743)، كتاب: اللباس، باب: ما جاء في لبس الخاتم في اليمين.

ص: 132

وعمر، وجمعٍ جَمٍّ من الصحابة والتابعين بعدهم من أهل المدينة وغيرهم التختمُ في اليمين (1).

وفي "الآداب" للبيهقي: يجمع بين الأحاديث بأن الذي لبسه في يمينه هو خاتمُ الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر، والذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة.

قال: وأما رواية الزهريّ عن أنس التي فيها التصريح بأنه كان فضة، ولبسه في يمينه، فكأنها خطأ (2).

وجمع غيرُه بأنه لبس الخاتم أولًا في يمينه، ثم حوله إلى يساره، واستدل له بما أخرجه أبو الشيخ، وابن عدي من رواية عبد الله بن عطاء، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه، ثم إنه حوله في يساره (3)، فلو صحّ، لكان قاطعًا للنزاع، ولكن سنده ضعيف.

وأخرجه ابن سعد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه، قال: طرح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خاتمه الذهب، ثم تختم خاتمًا من وَرِق، فجعله في يساره (4).

وقد جزم البغويُّ في "شرح السنة" بذلك، وأنه تختم أولًا في يمينه، ثم تختم في يساره، فكان ذلك آخرَ الأمرين (5).

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 327).

(2)

انظر: "الآداب" للبيهقي (ص: 371 - 372)، عقب حديث (540).

(3)

رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(3/ 261).

(4)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(4/ 36).

(5)

انظر: "شرح السنة" للبغوي (12/ 66). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 327).

ص: 133

وفي المسألة خلافٌ بين العلماء، والأصحُّ عند الحنابلة اليسار، وكذا عند المالكية.

قال في "الفروع"، و"الآداب الكبرى"، وغيرِهما: الصحيحُ من المذهب: أن التختم في اليسار أفضلُ، نصّ عليه في رواية صالح والفضل بن زياد.

قال الإمام أحمد رضي الله عنه: هو أقربُ وأثبتُ وأحبُّ إليّ، وجزم به في "المستوعب"، و"التلخيص" وغيرهما (1).

قال الحافظ ابن رجب في كتاب "الخواتيم" له: وقد أشار بعض أصحابنا إلى أن التختم في اليمين منسوخ، وأن التختم في اليسار آخرُ الأمرين (2).

قال الدارقطني وغيره: المحفوظُ أنه كان يتختم في يساره، وأنه إنما كان في الخنصر؛ لكونه طرفًا، فهو أبعدُ من الامتهان فيما تتناوله اليد، ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله.

قال في "الفروع": وقيل: في اليمين أفضل؛ وفاقًا للشافعي؛ لأنها أحق بالإكرام (3).

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد، فإن كان اللبس للتزين به، فاليمنى، وإن كان للتختم به، فاليسرى أولى؛ لأنه يكون كالمودَع فيها، ويحصل تناولُه منها باليمين، وربما ترجح

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 354)، و"الإنصاف" للمرداوي (3/ 143).

(2)

انظر: "أحكام الخواتم" لابن رجب (ص: 162).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 354).

ص: 134

كونه في اليمين مطلقًا؛ لأن اليسار آلة الاستنجاء، فيصان الخاتم -حيث كان مكتوبًا- بوضعه في اليمين عن أن تصيبه نجاسة.

وقد نقل النووي وغيره الإجماع على جواز الأمرين، قال: ولا كراهة فيه، وإنما الاختلاف في الأفضل (1)، والله تعالى الموفق.

فوائد:

الأولى: استحب في "المنتهى"(2) تبعًا لـ"المستوعب"، و"التلخيص"، وابن تميم، وما قدمه في "الرعاية"، و"الآداب"(3)، و"الفروع" (4) [التختم] (5) بالعقيق؛ كأمير: خرز أحمر يكون باليمين، وسواحل بحر رومية، جنس كَدِرٌ كما يَجْري من اللحم المُمَلَّح، وفيه خطوط خفيفة، من تَخَتَّم به، سكنت روعتُه عند الخصام، وانقطع [عنه](6) الدمُ من أي موضع كان؛ كما في "القاموس"(7).

وقد ورد بالتختمِ به وفضائلِ ذلك عدةُ أحاديث، رَدَّها كلَّها الحافظُ ابنُ رجب، وأعلَّها (8)، ولهذا جزم في "الإقناع" بالإباحة دون الاستحباب (9).

(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (14/ 72 - 73)، وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (10/ 327).

(2)

انظر: "منتهى الإرادات" للفتوحي (1/ 490).

(3)

انظر: "الآداب الشرعية" لابن مفلح (4/ 183).

(4)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 361).

(5)

ما بين معكوفين سقط من "ب".

(6)

ما بين معكوفين سقط من "ب".

(7)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1174 - 1175)، (مادة: عقق).

(8)

انظر: "أحكام الخواتم" لابن رجب (ص: 92)، وما بعدها.

(9)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 440).

ص: 135

ويلزم مَنْ قال باستحباب التختم بالعقيق القولُ باستحبابِ التختم بالفضة.

وقد جزم به في "الآداب الكبرى" وغيره من علمائنا.

ومثل العقيق: الياقوتُ، والزبرجدُ، والزمردُ، والفيروزج، ونحوها، فيباح الخاتم من هذه المعادن ونحوها.

وأما ما يروى من التختم ببعضها من الفضائل، فباطل لا يثبت شيء من ذلك.

الثانية: يكره اتخاذُ الخاتم من صُفْر، وهو ضَربٌ من النحاس، وقيل: ما صفر منه، ورصاصٍ، وحديدٍ، وكذا يكره كونُ خاتم الرجل في إصبعه الوسطى والسبابة (1)؛ لما في "صحيح مسلم" من حديث علي رضي الله عنه: نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أتختَّمَ في إصبعي هذه، أو هذه، فأومأ إلي الوسطى، والتي تليها (2).

وفي غير "مسلم": السبابة والوسطى (3).

الئالثة: ذكر علماؤنا أنه يكره أن يكتب على الخاتم ذكرُ الله تعالى؛ من قرآنٍ أو غيره، ولم يقيده في "الإقناع"(4)، و"الغاية"(5) بدخول الخلاء.

(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(2)

رواه مسلم (2078/ 65)، كتاب: اللباس والزينة، باب: النهي عن التختم في الوسطى والتي تليها.

(3)

تقدم تخريجه عند النسائي برقم (5211)، وعند الترمذي برقم (1786)، وعند غيرهما.

(4)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 440).

(5)

انظر: "غاية المنتهى" للشيخ مرعي (2/ 95).

ص: 136

وعبارة "الفروع": ويُكره أن يُكتب على الخاتم ذكرُ الله؛ قرآنٌ أو غيرُه.

نقل إسحاق -أظنه ابن منصور-: لا يُكتب فيه ذكر الله.

قال إسحاق بن راهويه: لما يدخل الخلاء فيه، هذا لفظه (1).

قال ابن قندس في [حواشِي الفروع](2): يحتمل أن تكون "ما" مصدرية، ويكون المعنى: لدخول الخلاء فيه، قاله في "الفروع "(3).

ولعل الإمام أحمد كرهه لذلك.

ومثل الخاتم الدراهم.

وعن الإمام أحمد رواية ثانية بعدم كراهة دخول الخلاء بذلك، ومال صاحب "الفروع" إلى تصحيح هذا، وصوّب في "الإنصاف" عدمَ الكراهة (4)، والله أعلم.

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 355).

(2)

ما بين معكوفين سقط من "ب".

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 355).

(4)

انظر: "الإنصاف" للمرداوي (3/ 145).

ص: 137