الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن عشر
عَنْ أَبِي مُوسَى عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ حَمَلَ عَلَيْنا السِّلَاحَ، فَلَيْسَ مِنَّا"(1).
* * *
(عن أبي موسى عبد الله بن قيس) الأشعريِّ (رضي الله عنه)، وتقدمت ترجمته في باب: السواك، (عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه قال: من حمل علينا السلاح) لقتالنا، (فليس) هو (مِنَّا)؛ أي: على طريقتنا وتمام شريعتنا؛ لما في ذلك من إدخال الرعب على المسلمين؛ بخلاف ما إذا حمله لحفظهم وحراستهم؛ فإنَّه يحمله لهم لا عليهم.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري: (6660)، كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح، فليس منا"، ومسلم (100)، كتاب: الإيمان، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح، فليس منا"، والترمذي (1459)، كتاب: الحدود، باب: ما جاء فيمن شهر السلاح، وابن ماجه (2577)، كتاب: الحدود، باب: من شهر السلاح.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 245)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 375)، و"شرح مسلم" للنووي (2/ 107)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 245)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1715)، و"فتح الباري" لابن حجر (13/ 24)، و"عمدة القاري" للعيني (24/ 186).
وأطلق اللفظ على احتمال إرادة: أنَّه ليس على الملة؛ للمبالغة في الزجر والتخويف، أو على من استحل ذلك (1).
وقد ورد هذا الحديث من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، رواه مالك، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وغيرهم مرفوعًا (2).
وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لا يُشِر أَحَدُكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنَّه لا يدري لعلَّ الشيطانَ يَنْزِعُ في يده، فيقعُ في حفرةٍ من النار"(3).
ومعنى "يَنْزِع في يده" -بالعين المهملة وكسر الزاي-: أي: يرمي، وروي -بالمعجمة مع فتح الزاي-، ومعناه أيضًا: يرمي ويفسد، وأصلُ النزع: الطعن والفساد (4).
وفي "مسلم" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "من أشار إلى أخيه بحديدةٍ، فإن الملائكةَ تلعَنُه، حتى وإنْ كان أخا لأبيه وأمه"(5).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (12/ 197).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 3)، والبخاري (6480)، كتاب: الديات، باب:{وَمَنْ أَحْيَاهَا} [المائدة: 32]، ومسلم (98)، كتاب: الإيمان، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح، فليس منا". ولم أقف عليه عند الإمام مالك في "الموطأ"، والله أعلم.
(3)
رواه البخاري (6661)، كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح، فليس منا"، ومسلم (2617)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم.
(4)
انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (3/ 319)، عقب حديث (4249).
(5)
رواه مسلم (2616)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم.
ولا ريب أن المحاربين وقطاعَ الطريق الذين يعترضون الناسَ بالسلاح في الطرقات ونحوها ليغصبوا المال مجاهرة؛ من الأعراب، أو التركمان، أو الأكراد، وفسقة الفلاحين، أو فسقة الجند، أو مردة الحاضرة، أو غيرِهم.
وقد روى الإمام الشافعي في "مسنده" في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الآية: عن ابن عباس رضي الله عنهما في قطاع الطريق: إذا قَتَلوا وأخذوا المال، قُتلوا وصلبوا، وإذا قَتَلوا ولم يأخذوا المال، قُتلوا ولم يُصلبوا، وإذا أخذوا المالَ ولم يقتلوا، قُطعت أيديهم وأرجلُهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالًا، نُفوا من الأرض (1).
وهذا قول كثير من أهل العلم؛ كالشافعي، وأحمد، وهو قريب من قول أبي حنيفة.
ومن العلماء من يسوغ للإمام أن يجتهد فيهم، فيقتل من رأى قتلَه مصلحةً منهم، وإن كان لم يقتل؛ مثل أن يكون رئيسًا مُطاعًا فيهم، ويقطع من رأى قطعه مصلحةً، وإن كان لم يأخذ المال، والأولُ قول الأكثر.
فمن كان من المحاربين قد قتل، فإنَّه يتحتَّم على الإمام قتلُه حَدًّا، ولا يجوز العفو عنه بحال، بإجماع العلماء؛ كما ذكره ابن المنذر، وشيخ الإسلام ابن تيمية في "السياسة الشرعية"، فلا يكون أمره إلى ورثة المقتول.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا -يعني: قتلَ القاتل من قطاع الطريق-
(1) تقدم تخريجه.
متفقٌ عليه بين الفقهاء، حتى ولو كان المقتول غيرَ مكافىء للقاتل (1).
قال: والصواب الذي عليه جماهير المسلمين: أن من قاتل على أخذ الأموال بأي نوع كان من أنواع القتال، فهو محارِبٌ قاطعٌ، كما أن من قاتل المسلمين من الكفار بأي نوع كان، فهو حربي، ومَنْ قاتل الكفارَ من المسلمين بسيف أو رمح أو سهم أو حجارة أو عصي، فهو مجاهد في سبيل الله تعالى (2)، والله الموفق.
(1) انظر: "السياسة الشرعية" لشيخ الإِسلام ابن تيمية (ص: 66 - 67).
(2)
المرجع السابق، (ص: 71 - 72).