المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الخامس عشر - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٧

[السفاريني]

الفصل: ‌الحديث الخامس عشر

‌الحديث الخامس عشر

وَعَنْهُ، قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنا ابنُ أَربَعَ عَشْرَةَ سَنةً، فَلَمْ يُجِزْني، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنا ابنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجازَني (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2521)، كتاب: الشهادات، باب: بلوغ الصبيان وشهادتهم، و (3871)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الخندق، ومسلم (1868)، كتاب: الإمارة، باب: بيان سن البلوغ، وأبو داود (2957)، كتاب: الخراج، باب: متى يفرض للرجل في المقاتلة، و (4406)، كتاب: الحدود، باب: في الغلام يصيب الحد، والنسائيُّ (3431)، كتاب: الطلاق، باب: متى يقع طلاق الصبي، والترمذي (1361)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في حدّ بلوغ الرجل والمرأة، و (1711)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في حدّ بلوغ الرجل ومتى يفرض له، وابن ماجه (2543)، كتاب: الحدود، باب: من لا يجب عليه الحد.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 280)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 696)، و"شرح مسلم" للنووي (13/ 12)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 240)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1706)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 277)، و"عمدة القاري" للعيني (13/ 240)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 57)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 370).

ص: 231

ما أشار إليه بقوله: (وعنه)؛ أي: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، (قال: عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم) لأخرجَ للجهاد وقتال الكفار (يوم أحد) -بضم الهمزة والحاء والدال المهملتين-.

قال ياقوت في "معجمه": هو جبل أحمر ليس بذي شناخب، بينه وبين المدينة أقل من فرسخ، وهو في شمالها (1).

وقد قال صلى الله عليه وسلم في أحد: "هذا جبل يُحِبُّنا ونُحِبُّهُ" رواه الشيخان وغيرُهما من حديث أنسٍ (2)، وغيرِه.

وقال صلى الله عليه وسلم عنه: "إنه ركنٌ من أركانِ الجنةِ" رواه الطبراني من حديث سهل بن سعد (3)، وقال:"إنه على باب من أبواب الجنة"(4).

قال ياقوت: وهو اسمٌ مرتَجَل لهذا الجبل (5).

وقال السهيلي: يسمى أُحدًا؛ لتوحُّده وانقطاعه عن جبال أُخر هناك، أو لِما وقع لأهله من نصرة التوحيد (6)، والمراد: الواقعةُ المشهورة في أُحد، وكانت في شوال سنة ثلاث من الهجرة باتفاق الجمهور.

(1) انظر: "معجم البلدان" لياقوت (1/ 109).

(2)

رواه البخاري (2732)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل الخدمة في الغزو، ومسلم (1393)، كتاب: الحج، باب: أحد جبل يحبنا ونحبه.

(3)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(5813)، وكذا أبو يعلى في "مسنده"(7516).

(4)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(6505)، من حديث عبد المجيد بن أبي عبس بن جبر، عن أبيه، عن جده.

(5)

انظر: "معجم البلدان" لياقوت (1/ 109).

(6)

انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (3/ 240، 242).

ص: 232

وقال في "الفتح": كانت الوقعة لإحدى عشرةَ ليلة خلت في شوال نهار السبت.

قال الإمام مالك: أول النهار.

وشذّ من قال: سنة أربع (1).

(وأنا) يومئذٍ (ابنُ أربع عشرة سنة)؛ أي: كَمُلَ لي من السن منذ ولدت ذلك، (فلم يُجزني) صلى الله عليه وسلم، بل رَدَّني.

قال الإمام الشافعي فيما نقله الشيخ نجم الدين القَمُولي -بفتح القاف وضم الميم- في "بحره"(2): إنه صلى الله عليه وسلم رد يومئذٍ سبعةَ عشرَ شابًا عُرضوا عليه، وهم أبناء أربع عشرة سنة؛ لأنه لم يرهم بلغوا، وعرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة، فأجازهم. انتهى (3).

وهم: عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، ورافع بن خديج، وأُسيد بن ظُهير -بضم الهمزة، وأبوه بضم الظاء المعجمة-، وعَرابة بن أوس -بفتح العين المهملة وتخفيف الراء والموحدة-، ووقع عند بعضهم: أوسُ بن عَرابة، والصواب الأول، وأبو سعيد الخدري، وأوسُ بن ثابت الأنصاري، وسعد بن بَحِيرة -بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة-، قاله الدارقطني، وقال ابن سعد:

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (7/ 346).

(2)

للإمام أحمد بن محمَّد أبي العباس القمولي المكي المخزومي الشافعي، المتوفى سنة (727 هـ) كتاب:"البحر المحيط في شرح الوسيط للغزالي"، ثم لخصه وسماه:"جواهر البحر" في ستة أجزاء. وانظر: "هدية العارفين" للبغدادي (1/ 55).

(3)

نقله الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج"(2/ 166).

ص: 233

-بضم الموحدة وفتح الجيم- بنُ معاويةَ البجليِّ حليف الأنصار، وهو سعد بن حَبْتَةَ -بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة بعدها مثناة فوقية مفتوحة فتاء تأنيث-، وهي أمه (1).

ولما رآه يوم الخندق قاتل قتالًا شديدًا، فدعاه، ومسح على رأسه، ودعا له بالبركة في نسلهِ وولده، فكان عمًا لأربعين، وخالًا لأربعين [(2) وأبًا لعشرين، ومن ولده أبو يوسف القاضي -يعقوب صاحب الإمام أبي حنيفة-، وسعد بن عُقيب -وزان زبير-، وزيد بن جارية -بالجيم والمثناة التحتية-، وجابر بن عبد الله، وليس هو بالذي يروى عنه الحديث، وسمرة بن جندب (3).

ثم إنه صلى الله عليه وسلم أجاز رافعَ بن خَديِجِ لمَّا قيل له: إنه رام، فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مُرَيِّ -بالتصغير- بن سنان: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعَ بنَ خَديج، وردّني، وأنا أصرعه، فأعْلَم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"تصارعا"، فصرع سَمُرَةُ رافعًا، فأجازه (4).

وذَكرُوا النعمان بن بشير، ولا يصح ذلك، لأنه ولد في الثانية قبل أحد بسنة.

وذكروا أيضًا أوس بن قَيْظِي -بفتح القاف وسكون التحتية وبالظاء

(1) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 52).

(2)

من قوله: "وأبًا لعشرين. . ." إلى قوله: "للفرس سهمان وللرجل" من الحديث السادس عشر، سقط من الأصل المحفوظ بالظاهرية، والاستدراك من النسخة "ب".

(3)

انظر: "الأنساب" للسمعاني (3/ 228).

(4)

رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 219).

ص: 234

المعجمة المشالة-، وهذا معدود من المنافقين.

قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (وعرضت عليه)؛ أي: على النبي صلى الله عليه وسلم (يومَ) وقعة (الخندق) الذي خندق به رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وعلى أصحابه من أعداء الله لما ساروا إليه، وهم الأحزاب، وكانوا عشرة آلاف، وكان الذي أشار بحفر الخندق سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: يا رسول الله! إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل، خندقنا علينا، فأعجبهم ذلك (1)، وأحبوا الثبات في المدينة، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجدِّ، ووعدهم النصرَ إن هم صبروا واتقوا، وأمرهم بالطاعة، ولم تكن العرب تُخنْدِقُ عليها. ثمَّ إنه صلى الله عليه وسلم ارتادَ له موضعًا ينزله، فكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سَلْعًا الجبل خلفَ ظهره، ويخندق من المَذَادِ إلى ذُباب إلى راتج.

فالمَذاد: أطمٌ بني حرام غربي مسجد الفتح -وهو بميم مفتوحة فذال معجمة فألف فدال مهملة-. والذِبَاب: -كغراب وكتاب-: اسم جبل بالمدينة.

وراتِج: -براء فألف ففوقية مكسورة فجيم-: أطم سميت به الناحية.

فعمل الصحابة في الخندق مستعجلين يبادرون قدوم العدو عليهم، واستعاروا آلة للحفر من بني قريظة، ووكل صلى الله عليه وسلم بكل جانب من الخندق قومًا يحفرونه، فكان المهاجرون من ناحية راتِج إلى ذباب، وكانت الأنصار يحفرون من ذباب إلى جبل أبي عبيدة.

وتنافس المهاجرون والأنصار في سلمان رضي الله عنه وعنهم

(1) انظر: "تاريخ الطبري"(2/ 91)، و"السيرة الحلبية" للبرهان الحلبي (2/ 631)، و"فتح الباري" لابن حجر (7/ 392 - 393).

ص: 235

أجمعين-، وكان رجلًا قويًا، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سلمانُ مِنَّا أهلَ البيت"(1)، وكان سلمان يعمل عمل عشرة رجال، فعمل المسلمون في الخندق حتى أحكموه.

قال محمَّد بن عمر الواقدي، وابن سعد: في ستة أيام، وكان بسطة أو نحوها.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: (وأنا ابن خمس عشرة) سنة؛ أي: وسنِّي يوم الخندق المقدار المذكور.

(فأجازني) يومئذ، ولم يردَّني.

قال محمَّد بن عمر، عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض الغلمان، وهو يحفر الخندق، فأجاز من أجاز، وردَّ من رد، وكان الغلمان الذين لم يبلغوا يعملون معه، ولم يجزهم، ولكنه لما لحم الأمر، أمر من لم يبلغ أن يرجع إلى أهله إلى الآطام مع الذراري والنساء (2)، وممن أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن عمر بن الخطّاب، وزيد بن ثابت، وأبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب رضي الله عنهم، وهم أبناء خمس عشرة سنة.

وكانت غزوة الخندق -كما قال ابن إسحاق ومتابعوه- في شوال.

وقال محمَّد بن عمر، وابن سعد: في ذي القعدة (3).

(1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(4/ 82 - 83)، من حديث كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده، به.

(2)

وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (7/ 393).

(3)

انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2/ 65).

ص: 236

قال الجمهور: سنة خمس.

قال الإمام ابن القيم في "الهدي": إنه الأصح (1).

قال الذهبي: وهو المقطوع به.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": وهو المعتمد (2).

وقال مالك: إنها كانت سنة أربع، وصححه النووي في "الروضة"(3)، وهو عجيب.

واحتجوا بظاهر حديث ابن عمر هذا؛ ولا حجة فيه؛ لاحتمال أن يكون ابن عمر في أُحُد كان هو أول ما طعن في الرابعة عشرة، وكان في الأحزاب قد استكمل الخمس عشرة، وبهذا أجاب البيهقي، وقد بيّن البيهقي سبب هذا الاختلاف: وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة، ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول (4)، وعلى ذلك جرى الحافظ يعقوب بن سفيان في "تاريخه"، فذكر أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى، وأن غزوة أحد كانت في الثانية، والخندق كانت في الرابعة (5)، وهذا عمل صحيح على ذلك البناء، لكنه بناء واهٍ، مخالف لما عليه الجمهور من جَعْلِ التاريخ من المحرم سنة الهجرة، وعلى هذا تكون بدر في الثانية، وأحد في الخامسة، وهو المعتمد (6).

(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (3/ 269).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (7/ 393).

(3)

انظر: "روضة الطالبين" للنووي (10/ 207).

(4)

انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (6/ 56).

(5)

انظر: "المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان (3/ 285).

(6)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (7/ 393).

ص: 237

تنبيه:

قال علماؤنا: على الإمام أو الأمير أن يمنع صبيًا لم يشتد من الخروج للقتال (1).

ومفهومه: أنه يأذن لمن اشتد من الصبيان، وكأنهم أخذوا ذلك من إجازته صلى الله عليه وسلم لرافع بن خديج، وسمرة بن جندب -كما تقدم آنفًا-، وصرح به الإمام الموفق في "المغني"(2)، وابن أخيه في "شرح المقنع"(3)، وصحح في "الإنصاف" وغيره: أنه يمنع الصبي (4)، وقدمه في "الفروع"، قال: وذكره جماعة. قال: وفي "المغني" و"الكافي" و"البلغة" وغيرهما طفلًا (5)، وهذا ظاهر كلام الإمام مالك؛ فإنه قال: إذا المراهق أطاق القتال، وأجازه الإمام، كمّل له السهم، وإن لم يبلغ.

وقالت الشافعية: له -أي: الإمام- أو نائبه الاستعانةُ بمراهق بإذن وليه (6).

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 83).

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة (9/ 166).

(3)

انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (10/ 426).

(4)

انظر: "الإنصاف" للمرداوي (4/ 142).

(5)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (6/ 192).

(6)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 286).

ص: 238