الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر
عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا جَمَعَ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، يُرفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَيُقَالُ: هذِهِ غدرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ"(1).
* * *
(عنه)؛ أي أبي عبد الرحمن بن عمر رضي الله عنهما (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: إذا جمع الله الأولين) من خلقِه (والآخرين) منهم لفصل
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (3016)، كتاب: الجزية، باب: إثم الغادر للبر والفاجر، و (5823 - 5824)، كتاب: الأدب، باب: ما يدعى الناس بآبائهم، و (6565)، كتاب: الحيل، باب: إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت .. ، و (6694)، كتاب: الفتن، باب: إذا قال عند قوم شيئًا ثم خرج فقال بخلافه، ومسلم (1735/ 9)، واللفظ له، و (1735/ 10 - 11)، كتاب: الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر، وأبو داود (2756)، كتاب: الجهاد، باب: في الوفاء بالعهد، والترمذي (1581)، كتاب: السير، باب: ما جاء أن لكل غادر لواء يوم القيامة.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 39)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 520)، و"شرح مسلم" للنووي (12/ 43)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 235)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1694)، و"فتح الباري" لابن حجر (6/ 284)، و"عمدة القاري" للعيني (15/ 106).
القضاء والحساب والجزاء (يُرفع)؛ أي: يأمر بعض ملائكته أن يرفع (لكل غادر)؛ أي: مغتال لذي عهد أو أمان.
وفي رواية: "يُنصب"(1) بدل يُرفع (لواءٌ)؛ أي: علمٌ لأجل الاشتهار.
(فيقال): أي يُنادى عليه يوم القيامة، ويُصاح خلفَه في ذلك المقام العظيم؛ تشهيرًا له بالغدر، وفضيحةً له على رؤوس الأشهاد: ألا (هذه) الفعلةُ والفضيحةُ (غدرةُ فلان بن فلان).
قال في "النهاية": فلان وفلانة كناية عن الذكر والأنثى من الناس، فإن كنيت بهما عن غير الناس، قلت: الفلان والفلانة (2).
قال بعض العلماء: ويُرفع الغادر عن غيره حتى يتميز ويشتهر، وسرُّ ذلك أنّ العقوبة تقع غالبًا بضد الذنب، والغدر خفي، فاشتهرت عقوبته بإشهار النداء عليه في ذلك الجمع العظيم (3).
وفي رواية لمسلم: "لكل غادر لواءٌ يوم القيامة يُعرف به"(4).
وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمُهم يومَ القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غَدَرَ، ورجل باعَ حُرًّا ثم أكلَ ثمنَهُ، ورجل استأجرَ أَجيرًا، فاستوفى منه العمل، ولم يُوَفِّهِ أجرَه"(5).
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (6694).
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 474).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 235).
(4)
رواه مسلم (1736/ 13)، كتاب: الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(5)
رواه البخاري (2114)، كتاب: البيوع، باب: إثم من باع حرًا.
وفي مسلم وغيره من حديث علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذِمَّةُ المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم، فمن أَخْفَرَ مسلمًا، فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعينَ، لا يقبلُ الله منه يومَ القيامة عدلًا، ولا صَرْفًا"، الحديث (1).
يقال: أخفر بالرجل: إذا غدره ونقض عهده (2).
وروى أبو داود عن صفوانَ بن سليم، عن عدة من [أبناء](3) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن آبائهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ظلمَ معاهدًا، أو تَنَقَّصَه، أو كَلَّفَه فوقَ طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيبِ نفسٍ، فأنا حَجيجُه يومَ القيامة"(4). والأبناء مجهولون.
وعن عمرو بن الحمق رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَيما رجلٍ أمن رجلًا على [دمه] (5)، ثم قتله، فأنا من القاتل بريءٌ، وإن كان المقتول كافرًا" رواه ابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له (6). ورواه ابن ماجه، وقال:"فإنه يحمل لواءَ غدر يومَ القيامة"(7).
وعن أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل نفسًا
(1) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1370)، وكذا عند البخاري برقم (1771).
(2)
انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (4/ 7)، عقب حديث (4555).
(3)
ما بين معكوفين سقط من "ب".
(4)
رواه أبو داود (3052)، كتاب: الخراج والإمارة والفيء، باب: في تعشير أهل الذمة، إذا اختلفوا بالتجارات.
(5)
في الأصل: "ذمة"، والصواب ما أثبت.
(6)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(5982).
(7)
رواه ابن ماجه (2688)، كتاب: الديات، باب: من أمن رجلًا على دمه فقتله.
معاهدة بغير حَقِّها، لم يرَح رائحةَ الجنة، وإنَّ ريح الجنة ليوجدُ من مسيرة مئة عام" (1).
وفي رواية: "من قتل معاهدًا في عهده، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لَيوجدُ من مسيرة خمس مئة عام" رواه ابن حبان في "صحيحه"(2).
وهو عند أبي داود والنسائي بلفظ غير هذا (3).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من قتل نفسًا معاهدة له ذمةُ الله وذمةُ رسوله، فقد أخفرَ بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحَها ليوجدُ من سبعين خريفًا" رواه ابن ماجه، والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح (4).
وفي "الصحيحين" من حديث أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لكل غادر لواءٌ يومَ القيامة يُعرف به"(5)، وتقدم قريبًا من حديث ابن عمر.
وفي "المسند"، و"صحيح مسلم" عن أبي سعيد مرفوعًا:"لكلِّ غادرٍ لواءٌ عندَ اسْتِهِ يومَ القيامة"(6).
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"(7382).
(2)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(7383).
(3)
رواه أبو داود (2760)، كتاب: الجهاد، باب: في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته، والنسائي (4747)، كتاب: القسامة، باب: تعظيم قتل المعاهد، بلفظ:"من قتل معاهدًا في غير كنهه، حرم الله عليه الجنة".
(4)
رواه الترمذي (1403) كتاب: الديات، باب: ما جاء فيمن يقتل نفسًا معاهدة، وابن ماجه (2687)، كتاب: الديات، باب: من قتل معاهدًا.
(5)
رواه البخاري (3015)، كتاب: الجزية والموادعة، باب: إثم الغادر للبر والفاجر، ومسلم (1737)، كتاب: الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر.
(6)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 35)، ومسلم (1738/ 15)، كتاب: الجهاد =
وفي رواية: "لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة يُرفع له بقدرِ غدرته، أَلا ولا غادرَ أعظمُ غدرًا من أميرِ عامَّةٍ"(1).
تنبيهات:
الأول: يصير دم حربي حرامًا علينا بأحد ثلاثة أمور: بالأمان، أو الهدنة، أو عقد الذمة.
إذا علمت هذا، فاعلم أن الأمان يصح من كل مسلم عاقل مختار، ولو مميزًا، حتى من عبد وأنثى وهرمٍ وسَفيهٍ، لا من كافر، ولو ذميًا، ولا من مجنونٍ وسكرانَ وطفلٍ ومغمًى عليه، وأَلَّا يكون ثَمَّ ضررٌ علينا، وأَلَّا تزيد مدته على عشر سنين، ويصح منجَّزًا، أو معلَّقًا، ويصح من إمام وأمير لأسير كافر بعد الاستيلاء عليه، وليس ذلك لأحد الرعية، إلا أن يجيزه الإمام، ويصح من إمام لجميع المشركين، وأمان أمير لأهل بلدة جُعل بإزائهم، وأما في حق غيرهم، فهو كآحاد المسلمين.
ويحرم بالأمان قتلٌ ورقٌّ وأسر وأخذُ مال، ويكون ذلك أو شي منه من الغدر.
ويصح أمان آحاد الرعية لواحد وعشرة، وقافلة وحصن صغيرين عرفًا؛ كمئة فأقل.
وليس للإمام نقضُ أمانِ مسلم إلا أن يخاف خيانة من أُعطيه.
ويصح بأنت آمن ونحوه، وإن قيل لكافر: أنت آمن، فرد الأمان، لم
= والسير، باب: تحريم الغدر.
(1)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 19)، ومسلم (1738/ 16)، كتاب: الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر.
ينعقد، وإن قبله ثمَّ رده، ولو بصوْلهِ على المسلم أو جرحه، انتقض.
ومن طلب الأمان ليسمعَ كلام الله، ويعرف شرائع الإسلام، لزمت إجابتُه، ثمَّ يُرَدُّ إلى مأمنه، وإذا أمنه، سرى الأمان إلى مَنْ معه من أهل ومال، إلا أن يقال: أمنتك وحدك ونحوه.
ويجوز عقدُ الأمان لرسول ومستأمن، ويقيمون مدة الهدنة بغير جزية.
ومن دخل منا دارهم بأمانهم، حرمت عليه خيانتهم، فإن خانهم، أو سرق منهم شيئًا ونحوه، وجب رده إلى أربابه.
ومن جاءنا منهم بأمان، فخاننا، كان ناقصًا لأمانه، ومن دخل منهم دارنا بغير أمان، فادعى أنَّه رسول أو تاجر، ومعه متاع يبيعه، قُبل منه إن صدقتهم عادة؛ كدخول تجارهم إلينا ونحوه، وإلا، فكأسير.
وليس لأحد منهم أن يدخل إلينا بلا إذن، ولو تاجرًا أو رسولًا.
ويجوز نبذُ الأمان إليهم إن توقع شرهم، وإذا أمن العدو في دار الإسلام إلى مدة، صحّ، فإذا بلغها، واختار البقاء في دارنا، أدى الجزية، وإن لم يختر، فهو على أمانه حتى يخرج إلى مأمنه (1).
الثاني: الهُدنة، وهي العقدُ على ترك القتال مدةً معلومة بعِوَضٍ وبغيرِ عوض، وتسمى: مهادنة، وموادعة، ومعاهدة، ومسالمة، ولا يصحُّ عقدها إلا من إمام، أو نائبه، ويكون العقد لازمًا، ويلزمه الوفاء به.
ولا تصح إلا حيث صحَّ تأخيرُ الجهاد، فمتى رأى المصلحة في عقدها؛ لضعف المسلمين عن القتال، أو مشقة الغزو، أو لطمعه في إسلامهم، أو
(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 117 - 122)، وعنه نقل الشارح رحمه الله هذا التنبيه.
أدائهم الجزية، أو غير ذلك، جاز، ولو بمال منا ضرورة مدة معلومة، ولو فوق عشر سنين.
وإن نقضوا العهد بقتال، أو مظاهرة، أو قتل مسلم، أو أخذ مال، انتقضَ عهدُهم، وحلت دماؤهم وأموالهم وسبيُ ذراريهم، وإن نقض بعضُهم دونَ بعض، فسكت باقيهم عن الناقض، ولم يوجد منهم إنكار، ولا مراسلة الإمام، ولا تبرأ، فالكل ناقض (1).
الثالث: عقدُ الذِّمَّة، ولا يصح عقدُها إلا من إمام أو نائبه، ويجب عقدُها إذا اجتمعت الشروط، ما لم يخف غائلة منهم، وصفةُ عقدِها: أقررتكم بجزية واستسلام، أو يبذلون ذلك، فيقول: أقررتكم على ذلك، ونحوهما، ولا يجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين:
* أحدهما: التزامُ إعطاء الجزية كلَّ حول، وهي مالٌ يؤخذ منهم على وجه الصَّغار كلَّ عام بدلًا عن قتلهم وإقامتهم بدارنا.
* الثاني: التزامُ إحكام الإسلام، وهو قبول ما يُحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم.
ولابد من كون المعقود لهم الذمةُ من أهل الكتابين اليهودِ والنصارى، ومن وافقهم بالتدين بالتوراة؛ كالسامرة، فإنهم فرقة من اليهود، ومن تدين بالإنجيل؛ كالفرنج، وتُعقد الذمةُ أيضًا لمن لهم شبهةُ كتاب؛ كالمجوس، والصابئين، وهم -يعني: الصابئين- جنس من النصارى، نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه.
وأما مَنْ عداهم من بقية الكفار، فلا تُعقد لهم ذمة، ولا تؤخذ منهم
(1) المرجع السابق، (2/ 123).
جزية، بل لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.
قال علماؤنا: ومن انتقل إلى أحد الأديان الثلاثة من غير أهلها، فإن تهوَّدَ أو تنصَّرَ أو تمجَّس قبل بعثة نبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم، ولو بعد التبديل، فله حكمُ الدين الذي انتقل إليه؛ من إقراره بالجزية وغيره.
وقالوا: وكذا بعد بعثته صلى الله عليه وسلم (1).
التنبيه الثاني:
اعتبر الشافعية كونَ مدة الأمان أربعةَ أشهر فأقلَّ، وشرطوا في المعقود له الذمةُ، كونَهُ متمسكًا بكتاب؛ كتوراةٍ وإنجيلٍ، وصُحُفِ إبراهيمَ وشيثٍ، وزَبورِ داودَ، سواء كان المتمسِّكُ كتابيًا أو مجوسيًا.
وعندهم في الهدنة إذا لم يكن بنا -معشرَ المسلمين- ضعفٌ، جازت، ولو بلا عوض إلى أربعة أشهر؛ لآية:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2]، وإلا، فإلى عشر سنين بحسب الحاجة (2)، كمذهبنا.
الثالث:
اتفقت الأئمة الأربعة على أن الجزية تُضرب على أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، وكذلك على المجوس، وإن اختلفوا فيهم.
والمعتمد عندهم: أنهم ليسوا بأهل كتاب، وإنما لهم شبهة كتاب. وأما من ليس من أهل الكتاب، ولا له شبهة كتاب؛ كعبدة الأوثان من العرب والعجم، فعندنا كالشافعية: لا تعقد له الذمة مطلقًا.
وعند أبي حنيفة: تعقد للعجمي منهم دون العربي.
(1) المرجع السابق، (2/ 127 - 128).
(2)
انظر: "فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب" للشيخ زكريا الأنصاري (2/ 311).
وعند مالك: تعقد لكل كافر، عربيًا كان أو عجميًا، إلا من مشركي قريش خاصة (1).
الرابع: من انعقدت له، وجب حفظُه، وحفظُ ماله وعياله؛ كالمعاهد والمستأمن.
واختلفوا فيما ينتقض به عهده:
فقال أحمد، ومالك، والشافعيُّ: ينتقض عهده بمنع الجزية، وبإبائه أن تَجري عليه أحكام الإسلام.
وقال أبو حنيفة: لا ينقض عهدُ أهل الذمة إلا أن تكون لهم منعةٌ يحاربونا بها، أو يلحقوا بدار الحرب، وأما إذا فعل آحادُ أهل الذمة ما يجب عليه تركُه والكفُّ عنه مما فيه ضررٌ على المسلمين أو آحادِهم في مالٍ أو عرضٍ أو نفس، وذلك أحد ثمانية أشياء:
الاجتماع على قتال المسلمين، وأن يزني بمسلمة أو يصيبها باسم نكاح، أو يفتن مسلمًا عن دينه، أو يقطع عليه الطريق، أو يؤوي إلى المشركين جاسوسًا، أو يعاون على المسلمين بدلالة، أو أن يكاتب المشركين بأخبار المسلمين، أو يقتل مسلمًا أو مسلمة عمدًا.
فمعتمد مذهب الإمام أحمد: أنه ينتقض عهدُه بذلك كله، وبذكر الله أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء.
وكذا لو امتنع من الصَّغار، أو لحق بدار الحرب مقيمًا بها، ولو لم يُشترط عليهم.
وقال أبو حنيفة: لا ينتقض عهدُهم إلا بما ذكرناه عنه آنفًا.
(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 292).
وقال الشافعي: متى قاتل المسلمين، انتقض عهده، سواء شُرط عليهم تركُه في العقد، أو لا، وأما إن فعل شيئًا مما سوى ذلك، فإن امتنعوا من الجزية، أو إجراءِ حكمنا عليهم، انتقض، وإن كان غير ذلك؛ من زنا ذميٍّ بمسلمة، أو إصابتِها بنكاح، أو دلَّ أهل حرب على عورة لنا، أو دعا مسلمًا لكفر، أو سب الله، أو نبيًا له، أو الإسلام، أو القرآن، انتقض عهده به إن شُرط انتقاضُه به، وإلا، فلا، هذا معتمد مذهبهم؛ كما في "شرح المنهج"(1) وغيره.
وقال مالك: لا ينتقض من ذلك بالزنا بالمسلمات، ولا بإصابةٍ لهن باسم النكاح، وينتقض بما سوى ذلك، إلا في قطع الطريق؛ فإن ابن القاسم خاصة من أصحابه قال: لا ينتقض عهده بذلك.
وقال الإمام مالك فيمن ذكر الله تعالى بما لا يليق بجلاله، أو ذكرَ كتابه المجيدَ، أو ذكرَ دينه القويمَ، أو رسولَه الكريم بما لا ينبغي، إذا فعلوا ذلك بغير ما كفروا به، فإنَّه ينتقض عهدهم بذلك، سواء اشترط عليهم ذلك، أو لم يشترط (2)، والله أعلم.
(1) انظر: "فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب" للشيخ زكريا الأنصاري (2/ 316).
(2)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 298 - 299).