المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٧

[السفاريني]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى

‌الحديث الثالث

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"انْتدبَ اللهُ"، وَلِمُسْلِمٍ:"تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلأَجِهاد فِي سَبِيلِي، وَإِيمَان بِي، وَتَصدِيقُ برَسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِن أَنْ أدخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ أَرجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْر أَوْ غَنِيمَةٍ"(1).

وَلِمُسْلِمٍ: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَاللهُ أَعلَمُ بمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِه بِأَنْ تَوَفَّاهْ أَنْ يُدخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ"(2).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (36)، كتاب: الإيمان، باب: الجهاد من الإيمان، و (2955)، كتاب: الخمس، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحلت لكم الغنائم"، و (7019)، كتاب: التوحيد، باب:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 171]، ومسلم (1876/ 103 - 104)، كتاب: الإمارة، باب: فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، والنسائي (3122 - 3123)، كتاب: الجهاد، باب: ما تكفل الله عز وجل لمن يجاهد في سبيله، و (5029 - 5030)، كتاب: الإيمان، باب: الجهاد، وابن ماجه (2753)، كتاب: الجهاد، باب: فضل الجهاد في سبيل الله.

(2)

قلت: وهم المصنف رحمه الله في عزوه هذا اللفظ لمسلم، وإنما هو للبخاري (2635)، كتاب: الجهاد والسير، باب: أفضل الناس مؤمن يجاهد =

ص: 163

(عن أبي هريرة) عبدِ الرحمنِ بنِ صخرٍ (رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم): أنه (قال: انتدَبَ اللهُ) لمن يخرج في سبيله؛ أي: أجابه إلى غفرانه، يقال: ندبتُه، فانتدبَ؛ أي: بعثتُه ودعوتُه، فأجابَ (1).

وفي "الفتح": انتدب -بالنون-؛ أي: سارعَ بثوابه وحسنِ جزائه، وقيل: معناه: تكفَّلَ بالمطلوب (2).

ويُدلُّ له روايةُ البخاري في آخر الجهاد: "وتكفل الله"(3)، ووقع في البخاري في رواية الأصيلي:"ائتدب" -بياء تحتانية مهموزة بدل النون من المأدبة.

قال في "الفتح": وهو تصحيف، وإنه تكلف توجيهه؛ لأن إطباقَ الرواة على خلافه دليل على أنه خطأ (4).

= بنفسه وماله في سبيل الله، ورواه مسلم بلفظ نحوه (1878)، كتاب: الإمارة، باب: فضل الشهادة في سبيل الله تعالى، والنسائي (3124)، كتاب: الجهاد، باب: ما تكفل الله عز وجل لمن يجاهد في سبيله، و (3127)، باب: مثل المجاهد في سبيل الله عز وجل، والترمذي (1619)، كتاب: فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فضل الجهاد.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 293)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 705)، و"شرح مسلم" للنووي (13/ 19)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 226)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1679)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 354)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 93)، و"عمدة القاري" للعيني (1/ 228).

(1)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثيرِ (5/ 33).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 93).

(3)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2955، 7019).

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 93).

ص: 164

(ولمسلم) في "صحيحه": (تَضَمَّنَ اللهُ).

وفي رواية لمسلم أيضًا: "تكفل الله"(1)(لمن خرج في سبيله).

وفي لفظ: "لمن جاهد في سبيله وتصديق كلمته"(2)(لا يخرجه) من وطنه، ولا يزعجه من سكنه (إلا جهادٌ) -بالرفع- فاعل يخرج، والاستثناء مفرغ، وفي رواية لمسلم -بالنصب (3) -.

قال النووي: هو مفعول له (4).

(في سبيلي) لإعلاء كلمتي، فيه عُدولُ عن ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلم، فهو التفات.

قال ابن مالك: اللائق في الظاهر هاهنا: في سبيله، ولكنه على تقدير اسم فاعل من القول منصوب على الحال؛ أي: انتدب الله لمن خرج في سبيله قائلًا، ويعقب عليه بأن حذف الحال غير جائز، وأن اللائق غير لائق، فالأولى أنه من باب الالتفات (5).

(وإيمان بي)، وبوعدي ووعيدي؛ من خوف ناري، ورغبة في جنتي، (وتصديق برسلي) الذين بعثتهم برسالتي، ومننت بهم على بريتي (فهو علي ضامن)؛ أي: ذو ضمان (أن أدخله الجنة)؛ أي: ضمن الله -جل شأنه- لمن توفي في سبيله أن يدخله الجنة (أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه) إن لم يستشهد (نائلًا)؛ أي: صائبًا (ما نال)؛ أي: ما أصاب؛ أي: الذي

(1) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1876/ 104).

(2)

انظر: رواية مسلم المتقدمة.

(3)

تقدم تخريجه برقم (1876/ 103).

(4)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (13/ 20).

(5)

حكاه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 93) واستوجهه.

ص: 165

صابه (من أجر)؛ أي: ثواب (أو غنيمة) من مال ونحوه.

قال الكرماني: يعني: لا يخلو من الشهادة أو السلامة، فعلى الأول يدخلُ الجنة في الحال، وعلى الثاني: لا ينفك من أجر أو غنيمة، مع جواز الاجتماع بينهما، فهي قضية مانعة الخلو، لا مانعة الجمع (1).

قال العيني في "شرح البخاري": لفظ الضمان والتكفل والتوكُّل والانتداب الذي وقع في الأحاديث كلها بمعنى تحقيق الوعد على وجه الفضل منه، وعبر عليه السلام عن الله سبحانه وتعالى بتفضيله بالثواب بلفظ الضمان ونحوه بما جرت به العادة بين الناس بما تطمئن به النفوس، وتركن إليه القلوب (2).

ومن هذا حديث: "من مات في سبيل الله، فهو ضامنٌ على الله أن يُدخلَه الجنةَ"؛ أي: ذو ضمان؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100].

هكذا أخرجه الهروي، والزمخشري من كلام علي -رضوان الله عليه- كما في "النهاية"(3).

(ولمسلم) في "صحيحه".

قلت: بل هو في البخاري أيضًا (مثلُ المجاهدِ في سبيل الله -واللهُ أعلمُ بمن يجاهد في سبيله) هذه جملة معترضة، يعني: الله أعلمُ بعقد نيته، إن كانت خالصة لإعلاء كلمة الله تعالى، فذلك هو المجاهد في سبيل الله، وإن كان في نيته حبُّ المال والدنيا، وحب الذكر والثناء، وأن يقال: فلان

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (14/ 84).

(2)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 102).

ص: 166

شجاع ومجاهد، فيكون قد أشرك مع سبيل الله سبيلَ الدنيا (1).

وفي "المستدرك" على شرطهما: أَيُّ [المؤمنين](2) أكملُ إيمانًا؟ قال: "الذي يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه"(3).

(كمثل الصائم القائم).

زاد النسائي: "الخاشع الراكع، الساجد"(4).

وفي "الموطأ"، وابن حبان:"كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع"(5).

وفي رواية عند الإمام أحمد من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره، القائم ليله"(6).

(وتوكَّلَ اللهُ)؛ أي: ضمن (للمجاهد في سبيله).

وفي رواية لمسلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة: "تكفل الله لمن جاهد في سبيله، لا يخرجه من بيته إلا جهادٌ في سبيله، وتصديق كلمته"(7).

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (14/ 84).

(2)

في الأصل: "المؤمن"، والصواب ما أثبت.

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك"(2390)، وكذا أبو داود (2485)، كتاب: الجهاد، باب: في ثواب الجهاد، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(4)

تقدم تخريجه عند النسائي برقم (3127).

(5)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"، (2/ 443)، وابن حبان في "صحيحه"(4621).

(6)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 272).

(7)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1876/ 104).

ص: 167

وكذلك أخرجه مالك في "الموطأ" عن أبي الزناد (1).

وفي رواية الدارمي من وجه آخر عن أبي الزناد بلفظ: "لا يخرجه إلا الجهادُ في سبيل الله وتَصْديقٌ بكلماته"(2).

(بأن توفاه)، كذا في جميع النسخ المعتبرة من "الصحيحين"، و"العمدة"، وغيرها.

إلا أن لفظ البخاري: "بأن يتوفاه" بصيغة المضارع (3).

ورأيت في بعض هوامش نسخ "العمدة": "بأن إذا توفاه" بزيادة "إذا"(أن يدخله الجنة).

قال العيني في "شرح البخاري": "أن" في الموضعين مصدرية، تقديره ضمنَ الله بتوفيته بدخوله الجنة.

قال: وفي رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان: "إن توفاه" بالشرطيةِ، والفعلِ الماضي. أخرجه الطبراني (4).

قال البدر العيني في قوله: "أن يدخله الجنة": أي: بغير حساب ولا عذاب، أو المراد: يدخله الجنةَ ساعةَ موته (5).

وقال ابن التين: إدخالهُ الجنةَ يحتمل أن يدخلها إثرَ وفاته تخصيصًا للشهيد، أو بعد البعث، ويكون فائدة تخصيصه أن ذلك كفارة لجميع

(1) رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 443).

(2)

رواه الدارمي في "سننه"(2391).

(3)

وانظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" لابن الملقن (10/ 291).

(4)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7579)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.

(5)

انظر: "عمدة القاري" للعيني (14/ 84).

ص: 168

خطايا المجاهد، فلا توزن مع حسناته (1)، (أو) إن لم يَتَوَفَه في تلك الغَزاة أن (يَرْجِعَه) -بفتح الياء ونصب العين المهملة عطفًا على: أن يتوفاه- (سالمًا) حال من الضمير المنصوب في يرجعه (مع أجر)؛ أي: ثواب عظيمٍ كما يرشد إليه التنكير، (أو غنيمة) إنما أدخل "أو" بين الأجر والغنيمة؛ لأنه قد يرجع مرة بأجر من غير غنيمة.

قيل: وربما رجع بالغنيمة من غير أجر. وتقدم أنها مانعة الخلو دون الجمع.

والحاصل: أنه إن رجع، يرجع بالأجر ولابُدَّ، سواء كانت غنيمة، أو لا، كما أشار إليه ابن بطال.

وقال ابن التين، والقرطبي (2): إن "أو" هنا بمعنى الواو الجامعة على مذهب الكوفيين. وقد سقطت الألف في أبي داود، [و](3) في بعض روايات مسلم (4)، وبه جزم ابنُ عبد البر (5)، ورجحه التوربشتي شارحُ "المصابيح"، والتقدير: أو يرجعه بأجر وغنيمة، وكذا وقع عند النسائي من طريق الزهريّ عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة بالواو (6)، وذهب بعضهم إلى أن "أو" على بابها، وليست بمعنى الواو؛ أي: أجر لمن يغنم،

(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(2)

انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 706).

(3)

رواه أبو داوود (2494)، كتاب: الجهاد، باب: فضل الغزو في البحر، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.

(4)

من رواية يحيى بن يحيى، كما ذكر النووي في "شرح مسلم"(13/ 21).

(5)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 4).

(6)

تقدم تخريجه عند النسائي برقم (3124)، ووقع في المطبوع:"أو" بدل "و".

ص: 169

أو غنيمة ولا أجر، وهذا منظور فيه (1).

وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعًا: "ما من غازية تغزو في سبيل الله، فيصيبون الغنيمةَ، إلا تعجَّلوا ثُلُثَيْ أجرِهم من الآخرة، ويَبْقى لهم الثلثُ، فإن لم يصيبوا غَنيمة، تَمَّ لهم أَجْرُهم" رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2).

وفي رواية لمسلم وغيرِه: "ما من غازيةٍ أو سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ أو تُصابُ، إلا تَمَّ أُجورُهم"(3).

قال أهل اللغة: الإخفاق: أن يغزوا فلا يغنموا شيئًا.

وأصحُّ ما قيل في شرح هذا الحديث: أن معناه: أن الغُزاة إذا سلموا وغَنِموا يكونُ أجرُهم أقلَّ من أجرِ من لم يسلم، أو يسلم ولم يغنم، وتكون الغنيمةُ في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم، فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المرتَّب على الغزو، فتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر (4).

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (6/ 8).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 169)، ومسلم (1906/ 153)، كتاب: الإمارة، باب: بيان قدر ثواب من غزا فغنم، ومن لم يغنم، وأبو داود (2497)، كتاب: الجهاد، باب: في السرية تخفق، والنسائي (3125)، كتاب: الجهاد، باب: ثواب السرية التي تخفق، وابن ماجه (2785)، كتاب: الجهاد، باب: النية في القتال.

(3)

رواه مسلم (1906/ 154)، كتاب: الإمارة، باب: بيان قدر ثواب من غزا فغنم، ومن لم يغنم.

(4)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (13/ 52).

ص: 170