الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ جابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: دَبَّرَ رَجلٌ مِنَ الأَنْصارِ غُلَامًا لَهُ (1).
وَفِي لَفْظٍ: بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصحابِهِ أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ غَيْرُهُ، فَباعَهُ بِثَمانِ مِئَةِ دِرهَمٍ، ثُمَّ أَرسَلَ ثَمَنَهُ إلَيْهِ (2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه مسلم (997/ 59)، (3/ 1289)، كتاب الأيمان، باب: جواز بيع المدبر، وابن ماجه (2513)، كتاب: العتق، باب: المدبر.
(2)
رواه البخاري (6763)، كتاب: الأحكام، باب: بيع الإمام على الناس أموالَهم وضياعَهم، ومسلم (997/ 58)، (3/ 1289)، كتاب: الأيمان، باب: جواز بيع المدبر، وأبو داود (3957)، كتاب: العتق، باب: في بيع المدبر، والنسائيُّ (2546)، كتاب: الزكاة، باب: أي الصدقة أفضل، و (4652 - 4653)، كتاب: البيوع، باب: بيع المدبر، و (5418)، كتاب: آداب القضاة، باب: منع الحاكم رعيته من إتلاف أموالهم وبهم حاجة إليها.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 75)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 444)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 358)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 141)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 263)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1743)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 421)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 260)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 9)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 212).
(عن) أبي عبد الله (جابرِ بنِ عبدِ الله) الأنصاريِّ الخزرجيِّ (رضي الله عنهما، قال: دَبَّرَ) من التدبير، وهو أن يعلِّق عتقَ عبده بموته؛ لأنه يعتق بعد ما يدبره سيده، والممات دبر الحياة، يقال: أعتقه عن دُبُر؛ أي: بعد الموت، ولا يستعمل في كل شيء بعد الموت من قضية وقف وغيره، فهو لفظ خُصَّ به العتقُ بعد الموت (1).
وفي لفظ: أعتق (رجل من الأنصار).
قال النوويّ: يقال له: أبو مذكور (2)، ونقله ابن بشكوال عن رواية مسلم (3)، (غلامًا له)، وهو يعقوب القبطي.
(وفي لفظ) من حديث جابر عندهما: (بلغَ النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّ رجلًا من أصحابه)، وهو أبو مذكور (أعتق غلامًا له) قبطيًا مات في إمارة ابن الزبير (عن دُبُرٍ) من حياته.
(ولم يكن له)؛ أي: لأبي مذكور (مالٌ غيرُه)، أي: غير يعقوبَ القبطيِّ.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يشتريه مني؟ "، فاشتراه نعيم بن عبد الله رضي الله عنهما، (فباعه) له النبي صلى الله عليه وسلم (بثمان مئة درهم)، الظاهرُ: بالدراهم البغلية، أو الطبرية؛ لأنَّ الدراهم كانت مختلفة:
بغلية: منسوبة إلى ملك يُقال له: رأس البغل، كلُّ درهم ثمانية دوانق.
وطبرية: منسوبة إلى طبريا الشام، كل درهم أربعةُ دوانق، فجمعوا
(1) انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 315 - 316).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 141).
(3)
انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (1/ 474 - 475).
الوزنين، وهما اثنا عشر، وقسموها على الاثنين، فجاء الدرهم ستةَ دوانق، وأجمعَ أهل العصر الأول على هذا.
قيل: كان ذلك في زمن بني أمية، وقيل: في زمن عمر، والأول أكثر وأشهر (1).
(ثمَّ أرسل) النبي صلى الله عليه وسلم (ثمنه)؛ أي ثمن ذلك العبد الذي دَبَّرَه، وهو القبطي؛ يعني: الثمان مئة درهم (إليه)؛ أي: إلى أبي مذكور المذكور.
ونعيم المشتري هو ابنُ عبدِ الله بنِ أسد بنِ عبد يغوث القرشيُّ العدويُّ من ولد عديِّ بن كعب بن لؤي النحام، وسمي النحام؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"دخلتُ الجنةَ فسمعتُ نَحمَةً من نعيم"(2).
والنّحمَة -بفتح النون وسكون الحاء المهملة وفتح الميم-: صوتٌ يخرج من الجوف، وهو السعلة، وقيل: النحنحة (3).
ووقع في بعض طرق البخاري: نعيم بن النحام (4).
قال القاضي عياض: والصواب إسقاط ابن (5).
يقال: إنه أسلم بعد عشرة أنفس قبلَ إسلامِ عمرَ بن الخطّاب، وكان يكتُم إسلامه، ومنعه قومه لشرفه فيهم، ولأنه كان ينفق على آرامل بني عدي
(1) انظر: "الإنصاف" للمرداوي (3/ 131)، و"كشاف القناع" للبهوتي (2/ 229).
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(4/ 138)، والحاكم في "المستدرك"(5128).
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 29)، وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (5/ 166).
(4)
رواه البخاري (2284)، كتاب: الخصومات، باب: من رد أمر السفيه والضعيف العقل.
(5)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 94).
وأيتامهم، ويمونهم، فقالوا: أقمْ عندنا على أي دين شئت، وأَقِمْ في رَبْعك، واكفِنا ما أنت كافٍ من أمر أراملِنا، فوالله! لا يتعرض لك أحد إلا ذهبتْ أنفسُنا جميعًا دونك.
وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين قدم عليه: "قومُك يا نعيم كانوا خيرًا لكَ، من قومي لي".
قال: بل قومُك يا رسول الله.
قال: "قومي أخرجوني، وأقرك قومُك".
زاد في رواية: فقال نعيم: يا رسول الله! قومك أخرجوك إلى الهجرة، وقومي حبسوني عنها.
وكانت هجرة نعيم رضي الله عنه عامَ خيبر، وقيل: أيام الحديبية، وقيل: أقام بمكة إلى يوم الفتح، واستشهد بأجنادين سنة ثلاث عشرة في آخر خلافة الصديق.
وقيل: يوم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة في خلافة عمر رضي الله عنهم أجمعين (1) -.
تنبيهات:
الأول: معتمد مذهب الإمام أحمد كمذهب الشافعي: القول بمضمون هذا الحديث من صحة بيع المُدَبَّر، ولو أمةً، ولو في غير دين، وله هبتُه، ووقفُه، وسواء كان التدبيرُ مقيدًا؛ كإن متُّ من مرضي هذا، فأنت حر، أو مطلقًا (2).
(1) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1507 - 1508).
(2)
انظر: "روضة الطالبين" للنووي (12/ 187)، و"الإقناع" للحجاوي (3/ 268).
وقال أبو حنيفة: لا يصح بيعه إذا كان التدبير مطلقًا، وإن كان مقيدًا من سفر أو مرض بعينه، فبيعه جائز.
وقال مالك: لا يجوز بيعه في حال الحياة، ويجوز بيعُه بعدَ الموت إن كان على السيد دَيْن، وإن لم يكن عليه دَيْن، وكان يخرج من الثلث، عَتَقَ جميعُه، وإن لم يحتملْه الثلث، عتقَ ما يحتملُه، ولا فرق عند مالك بين المطلق والمقيد (1).
الثاني: يعتبر خروجُ المُدَبَّر من الثلث بعدَ الديون ومُؤَنِ التجهيز يومَ موت السيد، سواء دَبَّرَه في الصحة، أو في المرض.
فإن لم يفِ الثلثُ بها، أو بولدها، أقرع بينهما، فأيهما خرجت القرعة له، عتقَ إن احتملت الثلث، وإلا عتقَ منه بقدره، فإن فضل من الثلث بعد عتقه شيء، كمل من الآخر.
وإن اجتمع العتق والتدبير في المرض، قُدِّمَ العتقُ (2).
الثالث: لو باع المدبرَ، أو زال ملكه عنه بنحو هبة مثلًا، ثمَّ عاد إلى ملكه، عاد التدبير بحاله؛ لأنه علّق العتق بصفة، فلم يبطل هذا التعليق بالبيع حيث عاد إلى ملكه؛ كالتعليق بدخول الدار (3).
وعند الشافعية: لا يعود التدبير بعَوْده إلى ملكه (4)، والله سبحانه الموفق.
(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 373).
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 267).
(3)
المرجع السابق، (3/ 268).
(4)
انظر: "روضة الطالبين" للنووي (12/ 194).
قال شارحه العلامة الشيخ المحرر السفاريني: هذا آخر ما قصدت جمعه على عمدة الأحكام.
وكان الفراغ من جمعه في نابلس المحمية لليلتين بقيتا من شعبان سنة سبع وستين ومئة وألف، وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة المباركة في اليوم الثالث عشر من ذي القعدة الحرام سنة تسع وستين ومئة وألف، أحسن الله ختامها (*).
(*) جاء في آخر النسخة الخطية "ظ": "نقلت من مسودة بخط المؤلف -فسح الله في مدته-، وذلك بقلم العبد الفقير الراجي عفو ربه القدير، حسن بن السيد هاشم بن السيد عثمان بن السيد سليمان بن السيد حسن، الحنبلي، الجعفري، النابلسي، غفر الله له ولوالديه ولإخوانه المسلمين بمنه وكرمه، وصلَّى الله على سيدنا محمَّد وآله وصحبه وسلم".
وجاء في آخر النسخة الخطية "ب": "وكان الفراغ من كتابته على يد الفقير المعترف بذنبه عبدِه: محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن محمَّد النجدي الحنبلي، غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ومعلميه، ولمن دعا له بالمغفرة، ولكل المسلمين، في يوم السبت تاسع شهر رجب، سنة أربعين ومئتين وألف من الهجرة النبوية، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على محمَّد".