المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الأضاحي جمع أُضحية -بضم الهمزة، ويجوز كسرُها، ويجوز حذفُ الهمزة، - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٧

[السفاريني]

الفصل: ‌ ‌باب الأضاحي جمع أُضحية -بضم الهمزة، ويجوز كسرُها، ويجوز حذفُ الهمزة،

‌باب الأضاحي

جمع أُضحية -بضم الهمزة، ويجوز كسرُها، ويجوز حذفُ الهمزة، فتفتح الضاد، كسَرِيَّة-، والجمع ضحايا، وهي: أضحاة، والجمع أضحى، وبه سمي يوم الأضحى، وهو يذكر ويؤنث، وكأن تسميتها اشتُقت من اسم الوقت الذي تشرع فيه (1).

وقد ترجم له في البُخاري كتاب: سنة الأضاحي.

قال في "الفتح": وكأنه ترجم بالسنة إشارة إلى مخالفة من قال بوجوبها.

قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة (2)، وصح أنها غير واجبة عن الجمهور، ولا خلاف في أنها من شرائع الدين.

وهي عندنا كالشافعية والجمهور سنّة مؤكدة لكل مسلم، ولو

(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 55)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 76)، و"المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 204). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 3)، وعنه نقل الشارح رحمه الله.

(2)

انظر: "المحلى" لابن حزم (7/ 355).

ص: 33

مكاتَبًا، بإذن سيده، وبغير إذن، فلا؛ لنقصان ملكه، ويكره تركُها لقادرٍ عليها.

وعند الشّافعيّة سنّة على الكفاية، وفي وجه للشّافعيّة: أنها من فروض الكفاية (1).

ومعتمد مذهبنا: أنها ليست بواجبة إلَّا أن ينذرها، وكانت واجبة على النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.

وذكر في "الفروع" رواية عن الإمام أحمد بوجوبها.

قال: ذكرها جماعة، قال: وذكره الحلواني عن أبي بكر، وخرجها أبو الخطاب، وابن عقيل من التضحية عن اليتيم، وعنه: على حاضر (2).

وقال أبو حنيفة: تجب الأضحية على المقيم الموسر.

وعن مالك مثله في رواية، لكن لم يقيد بالمقيم.

ونُقل عن الأوزاعي، وربيعة، والليث مثلُه.

وخالف أبو يوسف من الحنفية، وأشهب من المالكية، فوافقا الجمهور.

وعن محمد بن الحسن: هي سنّة غير مرخص في تركها.

قال الطحاوي: وبه نأخذ.

وليس في الآثار ما يدل على وجوبها، انتهى (3).

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 3).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 405).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 3).

ص: 34

وأقرب ما يتمسك به للوجوب حديثُ أبي هريرة [رفعه](1): "من وجد سَعَةً، فلم يُضَحِّ، فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانا" أخرجه الإمام أحمد، وابن ماجه (2)، ورجالُ الإمام أحمد ثقات، لكنه اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره. ومع ذلك، فليس صريحًا في الإيجاب (3).

وذكر الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى- في هذا الباب حديثًا واحدًا، وهو:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بيَدِهِ، وَسَمَّى وَكبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صفَاحِهِمَا (4).

(1) ما بين معكوفين سقط من "ب".

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 321)، وابن ماجه (3123)، كتاب: الأضاحي، باب: الأضاحي واجبة هي أم لا؟.

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 3).

(4)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البُخاري (5238)، كتاب: الأضاحي، باب: من ذبح الأضاحي بيده، و (5244)، باب: وضع القدم على صفحة الذبيحة، و (5245)، باب: التكبير عند الذبح، ومسلم (1966/ 17 - 18)، كتاب: الأضاحي، باب: استحباب الضحية، وأبو داود (2794)، كتاب: الضحايا، باب: ما يستحب من الضحايا، والنَّسائي (4385 - 4388)، كتاب: الضحايا، باب: الكبش، و (4415)، باب: وضع الرجل على صفحة الضحية، و (4416) باب: تسمية الله عز وجل على الضحية، و (4417)، باب: التكبير عليها، و (4418)، باب: ذبح الرجل أضحيته بيده، والترمذي (1494)، كتاب: الأضاحي، باب: ما جاء في الأضحية بكبشين، وابن ماجه (3120)، كتاب: الأضاحي، باب: أضاحي رسول الله صلى الله عليه وسلم. =

.

ص: 35

الأَمْلحُ: الأَغْبَرُ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ سوَادٌ وبياضٌ.

* * *

(عن) أبي حمزةَ (أنسِ بنِ مالكٍ) النجَّارِيِّ (رضي الله عنه، قال: ضَحَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بكبشين) تثنية كبش، وهو فحل الضَّأْن في أي سنٍّ كان.

واختُلف في ابتدائه، فقيل: إذا أَثنى، وقيل: إذا أربع، والجمع كُبُش وكِباش (أملحين) الأملح -بالحاء المهملة- الأغبر؛ كما قاله المصنف -رحمه الله تعالى-، وهو الذي فيه سواد وبياض، والبياض أكثر.

وزاد الخطابي: الأبيض هو الذي في خلل صوفه طبقات سود (1).

ويقال: الأبيض الخالص، قاله ابن الأعرابي (2)، وبه تمسك علماؤنا حيث قالوا: وأفضلُها لونًا: الأشهب، وهو الأملح، والأبيض، أو ما بياضُه أكثرُ من سواده، ثم أصفر، ثم أسود.

قال: قال الإمام أحمد: يعجبني البياض، وقال: أكره السواد (3).

وقيل: المراد بالأملح: الذي يعلوه حمرة.

= * مصَادر شرح الحَدِيث:

"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 290)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 411)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 361)، و"شرح مسلم" للنووي (13/ 119)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 207)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1635)، و"فتح الباري" لابن حجر (10/ 10)، و"عمدة القاري" للعيني (21/ 154)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 90)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 211).

(1)

انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 228)، ووقع في المطبوع:"طاقات" بدل "طبقات".

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 10).

(3)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 41).

ص: 36

وقيل: الذي ينظر في سواد، ويأكل في سواد، ويمشي في سواد، ويبرك في سواد؛ أي: إن مواضع هذه منه سواد، وما عدا ذلك أبيض.

وحكى ذلك الماوردي عن عائشة رضي الله عنها، وهو غريب، ولعله أراد الحديث الذي جاء عنها كذلك، لكن ليس فيه وصفه بالأملح (1).

واختُلف في اختيار هذه الصفة، فقيل: لحُسْنِ منظره، وقيل: لشحمه وكثرة لحمه (2)(أقرنين) تثنية أقرن، وهو خلاف الأجَمّ، فيستحب أن يضحي بالأقرن، وهو أفضل من الأجم، مع الاتفاق على جواز التضحية بالأجم، وهو الذي لا قرن له.

واستدل بالحديث على استحسان الأضحية صفة ولونًا.

قال الماوردي: إن اجتمع حسنُ المنظر مع طيبِ المَخْبَر في اللحم، فهو أفضل، وإن انفرد، فطيبُ المخبر أولى من حسن المنظر (3).

قال علماؤنا: وذكر وأنثى سواء (4).

وربما استدل بالحديث على أفضلية الذكر.

قال في "الفتح": وهو قول الإمام أحمد، وعنه رواية: أن الأنثى أولى.

وحكى الرافعي فيه قولين عن الشّافعيّ:

أحدهما: عن نصه في "البويطي": الذكر؛ لأنَّ لحمه أطيب، وهذا هو الأصح.

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 10).

(2)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(3)

المرجع السابق، (10/ 11).

(4)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 41).

ص: 37

والثاني: أن الأنثى أولى.

وقال ابن العربي: الأصحُّ أفضليةُ الذكر على الإناث في الضحايا (1)، وقيل: سواء هما (2)، (ذَبحهما)، وفي لفظ: فذبحهما (3) بزيادة الفاء؛ أي: ذبح الكبشين صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة، (وسمّى) صلى الله عليه وسلم عند ذبحه لأضحيته، (وكبّر)؛ أي: قال على الذبح: باسم الله والله أكبر، (ووضع) صلى الله عليه وسلم (رجله) الشريفه اليمنى (على صفاحهما).

قال أنس رضي الله عنه في رواية عنه عندهما: فرأيته؛ أي: النبيَّ صلى الله عليه وسلم واضعًا قدمَه على صفاحهما (4)؛ أي: على صِفاح كلِّ واحدٍ منهما عند ذبحه، والصِّفاح -بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء وآخره حاء مهملة-: الجوانب.

والمراد: الجانب الواحد من وجه الأضحية، وإنما ثُنِّي؛ إشارةً إلى أنه فعل ذلك في كلٍّ منهما، فهو من إضافة الجمع إلى المثني بإرادة التوزيع.

ففي الحديث: استحبابُ التكبير مع التسمية، واستحبابُ وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن.

واتفقوا على أن إضجاعها يكون على الجانب الأيسر، فتوضع رجلُه على الجانب الأيمن، فيكون أسهلَ على الذابح في أخذ السكين، وإمساكِ رأس الأضحية بيده اليسار (5).

(1) انظر: "عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 293).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 11).

(3)

تقدم تخريجه عند البُخاري برقم (5238).

(4)

تقدم تخريجه عند البُخاري برقم (5238)، وعند مسلم برقم (1966/ 18).

(5)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 18).

ص: 38

وفيه: استحباب ذبح المضحي أضحيته بيده، ولا خلاف في كون ذلك مشروعًا، وإنما الخلاف في وجوب ذلك.

وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها، ولو للقادر، لكن عند المالكية رواية بعدم الإجزاء مع القدرة، وعند أكثرهم: يكره، لكن يستحب أن يشهدَها (1).

ويجوز أن يوكِّل في ذبحها كتابيًا مع الكراهة عند الثلاثة.

وقال مالك: لا يجوز أن يذبحها إلَّا مسلم (2).

وذكر في "الفتح": يُكره أن يستنيب خَصِيًّا، أو صبيًا، أو كتابيًا، وأولهم أولى، ثم ما يليه (3).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويستحب أن يقول إذا ذبح: "وَجَّهْتُ وجهي للذي" إلى قوله: "وأنا من المسلمين".

قال الإمام أحمد: يُسمِّي، ويكبِّر حين يحرك يده بالذبح، ويقول: اللهمَّ هذا منكَ ولكَ، ولا بأس بقوله: اللهم تقبل من فلان، نص عليه.

وذكر بعضهم: يقول: اللهم تَقَبَّلْ مِنِّي كما تقبلت من إبراهيمَ خليلِك (4)؛ لما في حديث جابر عند ابن ماجه، قال: ضَحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد بكبشين، فقال حين وَجَّهَهما: "وَجَّهْتُ وَجْهي للذي فَطَرَ السماواتِ والأرضَ حنيفًا وما أنا منَ المشركين، إنَّ صلاتي ونُسُكي ومَحْياي ومَمَاتي لله رَبِّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمِرْتُ، وأنا من

(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(2)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 307).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 18).

(4)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 400).

ص: 39

المسلمين، اللهم مِنْكَ ولكَ عن محمد وأُمَّتِه" (1).

وفي "مسند الإمام أحمد"، و"صحيح مسلم"، و"سنن أبي داود" عن عائشة رضي الله عنها: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبشٍ أقرنَ يَطَأُ في سواد، ويَبْرُك في سَواد، وينظر في سواد، فأتي به، ليضحي به، وقال لها:"يا عائشة! هَلُمِّي المُدْيَةَ"، ثم قال:"اشْحذيها بِحَجَر"، ففعلت، ثم أخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال:"باسم الله، اللهم تقبلْ من محمدٍ وآلِ محمدٍ، ومن أمةِ محمدٍ"، ثم ضحى (2).

وفي "مسند الإمام أحمد"، وأبي داود، والترمذي عن جابر رضي الله عنه، قال: صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدَ الأضحى، فلما انصرف، أتي بكبشٍ، فذبحه، فقال:"باسم اللهِ واللهُ أكبر، اللهم هذا عَنِّي وعَمَّنْ لم يُضَحِّ من أمتي"(3).

وروى الإمام أحمد من حديث عليّ بن الحسين، عن أبي رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى، اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلّى، وخطب النَّاس، أُتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه، فذبحه بنفسه [بالمدية](4)، ثم يقول: "اللهمَّ هذا عن أُمَّتي جميعًا مَنْ شهدَ لكَ بالتوحيد،

(1) رواه ابن ماجه (3121)، كتاب: الآضاحي، باب: أضاحي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 78)، ومسلم (1967)، كتاب: الأضاحي، باب: استحباب الضحية، وأبو داود (2792)، كتاب: الضحايا، باب: ما يستحب من الضحايا.

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 356)، وأبو داود (2810)، كتاب: الضحايا، باب: في الشاة يضحى بها عن جماعة، والترمذي (1521)، كتاب: الأضاحي، باب:(22).

(4)

[بالمدية] ساقطة من "ب".

ص: 40

وشهدَ لي بالبلاغ"، ثم يؤتى بالآخر، فيذبحه بنفسه، ويقول: "هذا عن محمدٍ وآلِ محمدٍ"، فيعطيهما جميعًا المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي، قد كفاه الله المؤنةَ برسول الله صلى الله عليه وسلم، والغرمَ (1).

قال الحافظ المصنف رحمه الله ورضي عنه-: (الأملح)؛ أي: الواحد من قوله: أملحين: هو (الأغبر) -كما قدمنا- (وهو الذي فيه) أي: في لونه (سواد وبياض).

وقال أكثر الشّافعيّة: أفضل الألوان البيضاء، ثم الصفراء، ثم الغبراء، ثم البلقاء، ثم السوداء (2).

تنبيهات:

الأول: لا يجزىء في الأضحية إلَّا الجَذَعُ من الضَّأْن، وهو ما له ستةُ أشهر، والثَّنِيُّ مما سواه، فثنيُّ الإبل: ما كَمُلَ له خمسُ سنين، وثني البقر: ما له سنتان، وثني المَعز: ما له سنة، وجذعُ الضأن أفضلُ من ثني المعز، وكلٌّ منهما أفضلُ من سبع بَدَنةٍ أو بقرةٍ، وسَبع شِياهٍ أفضلُ من بدنةٍ أو بقرة، وزيادةُ عددٍ في جنسٍ أفضلُ من المغالاة مع عدمه، فبدنتان بتسعةٍ أفضلُ من بدنةٍ بعشرة.

ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية البدنةَ، ورجَّح الموفَّق الكبشَ على سائر النَّعَم، والخصيُّ راجحٌ على النعجة، هذا تحرير مذهب أحمد (3)، فعندنا:

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 391).

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (13/ 120)، وعنه ابن حجر في "فتح الباري"(10/ 11)، وعنه الشارح رحمه الله.

(3)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 41 - 42).

ص: 41

أن الجذعَ من الضأن ما تَمَّ له ستةُ أشهرٍ، وطعنَ في السابع، وهو قول الحنفية أيضًا.

وحكى صاحب "الهداية" منهم عن الزعفراني: أنه ما تم له سبعة أشهر (1).

وحكى التِّرمذيّ عن وكيع: أنه ما تم له ستة أو سبعة (2).

وعند الشافعية: أن جذع الضأن ما تم له سنة، ودخل في الثَّانية، هذا هو الأصح عندهم.

وقال العبادي منهم: لو أجذعَ قبل السنة؛ أي: سقطت أسنانه، أجزأ؛ كما لو تَمَّتْ السنَةُ قبل أن يُجذع، ويكون ذلك كالبلوغ، إما بالسن، وإما بالاحتلام.

وهكذا قال البغوي: الجذع من الضأن: ما استكملَ السنة، أو أجذع قبلها (3).

وعند الشّافعيّة: ثنيُّ المعز: ما تم له سنتان، وطعن في الثالثة؛ كالبقر والإبل: ما تم له خمس سنين، وطعن في السادسة (4)، كمذهبنا، والله أعلم.

الثاني: أول وقت [ذبح](5) الضحية يومَ العيد بعدَ الصلاة، ولو قبل الخطبة، والأفضل بعدها، فإن تعددت الصلاة في البلد، فبعد أول صلاة،

(1) انظر: "الهداية" للمرغيناني (4/ 75).

(2)

انظر: "سنن التِّرمذي"(4/ 88)، عقب حديث (1500).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 16).

(4)

انظر: "روضة الطالبين" للنووي (3/ 193).

(5)

ما بين معكوفين سقط من "ب".

ص: 42

ولو سبقت صلاةَ الإمام، وإذا لم يكن في البلد صلاة، فبعدَ قدرها بعد حلِّها، فإن فاتت الصلاة بالزوال، ضَحَّى إذن، وأجزأه، وآخره: آخر ثاني أيام التشريق، وأفضلُها أول يوم من وقته، ثم ما يليه، ويجزىء في ليلتهما مع الكراهة (1).

وقال أبو حنيفة: لا يجوز لأهل الأمصار الذبحُ حتَّى يصلِّي الإمامُ العيدَ.

فأما أهل القرى، فيجوز لهم بعد طلوع الفجر.

وقال مالك: وقتُه بعدَ الصلاةِ والخطبةِ وذبحِ الإمام.

وقال الشّافعيّ: وقتُ الذبح إذا مضى من الوقت مقدارُ ما يصلِّي فيه ركعتين، ويخطب خطبتين بعدهما (2)، ويمتد عند الشّافعىّ إلى انقضاء التكبير من ثالث أيام التشريق.

ومذهب أبي حنيفة، ومالكٍ كمذهبنا في انتهاء وقت الذبح، إلَّا أن مالكًا لا يجيز ذبحَها ليلًا (3)، ودليل مذهبنا: قولُه صلى الله عليه وسلم في حديث جُنْدُبِ بنِ سُفيانَ البَجَلِيِّ في "الصحيحين": "من ذبحَ قبلَ أن يصليَ، فليذبَحْ مكانَها أُخرى، ومن لم يكنْ ذبحَ حتَّى صلينا، فليذبحْ باسم الله"(4).

وفي حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 45).

(2)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 307).

(3)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(4)

رواه البُخاري (5181)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: "فليذبح على اسم الله"، ومسلم (1960)، كتاب: الأضاحي، باب: وقتها.

ص: 43

النحر: "من كان ذبحَ قبلَ الصلاة، فَلْيُعِدْ" متفق عليه (1).

وللبخاري: "من ذبحَ قبلَ الصلاة، فإنما يذبحُ لنفسه، ومن ذبحَ بعدَ الصلاة، فقد تَمَّ نسكُه، وأصاب سنّة المسلمين"(2). وتقدم ذلك في باب العيدين.

الثالث: يجوز الأكل من الأضحية، والادخار من لحمها فوقَ ثلاثة أيام، ونسخ تحريم الادخار فوق ثلاث كما في حديث جابر وغيره: كنا لا نأكل من لحوم بُدْننا فوق ثلاث بمنًى، فرخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"كلوا وتَزَوَّدوا وادَّخِروا" رواه مسلم، والنَّسائي (3).

وفي "الصحيحين" من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: دَفَّ أهلُ أبياتٍ من البادية حضرةَ الأضحى زمانَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"ادَّخِروا ثلاثًا، ثم تصدَّقوا بما بقي"، فلما كان بعد ذلك، قالوا: يا رسول الله! إن النَّاس يتخذون الأسقيةَ من ضحاياهم، ويحملون فيها الوَدَك، فقال:"وما ذاك؟ "، قالوا: نهيتَ أن تؤكل لحومُ الضحايا بعد ثلاث، فقال:"إِنَّما نهيتُكم من أجلِ الدافَّةِ، فكلوا، وادَّخروا، وتصدَّقوا"(4).

(1) رواه البُخاري (911)، كتاب: العيدين، باب: الأكل يوم النحر، ومسلم (1962)، كتاب: الأضاحي، باب: وقتها.

(2)

تقدم تخريجه عند البُخاري برقم (5236)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما.

(3)

رواه مسلم (1972/ 29)، كتاب: الأضاحي، باب: بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام، والنَّسائي (4426)، كتاب: الضحايا، باب: الإذن في ذلك.

(4)

رواه البُخاري (5250)، كتاب: الأضاحي، باب: ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها، مختصرًا، ومسلم (1971)، كتاب: الأضاحي، باب: بيان =

ص: 44

قال في "المطالع": دَفَّ ناسٌ، ومن أجل الدافَّةِ، ودَفَّتْ دافَّةٌ، كله من الدَّفِّ، وهو سير ليس بالشديد في جماعة (1).

وفي "القاموس": الدافة: الجيش يدفون نحو العدو (2).

وفي "الصحيحين" من حديث سلمة بن الأكوع، قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "من ضَحَّى منكم، فلا يُصبحنَّ بعد ثالثةٍ في بيته منه شيءٌ"، فلما كان العام المقبل، قالوا: يا رسول الله! نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: "كلوا وأطعموا وادخروا؛ فإن ذلك العام كان بالناس جهدٌ، فأردت أن تُعينوا فيها"(3).

وفي "مسند الإمام أحمد"، و"صحيح مسلم"، و"سنن التِّرمذيُّ" عن بريدة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنتُ نهيتُكم عن لحوم الأضاحي فوقَ ثلاث ليتسعَ ذَوو الطَّوْلِ على مَنْ لا طَوْلَ له، فكلوا ما بدا لكم، وأطعموا وادَّخِروا"(4).

= ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام، واللفظ له.

(1)

وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 261).

(2)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1047)، (مادة: دفف).

(3)

رواه البُخاري (5249)، كتاب: الأضاحي، باب: ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها، ومسلم (1974)، كتاب: الأضاحي، باب: بيان ما كان من المنهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام.

(4)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 356)، ومسلم (1977)، كتاب: الأضاحي، باب: بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام، والترمذي (1510)، كتاب: الأضاحي، باب: ما جاء في الرخصة في أكلها بعد ثلاث، واللفظ له.

ص: 45

فمعتمد مذهب الإمام أحمد: إن أكل المضحي أكثرَها، أو أكلَها كلَّها، أو أهداها كلَّها إلَّا أوقيةً تصدقَ بها، جاز؛ لأنَّه تجب الصدقة ببعضها نِيئًا على فقيرٍ مسلم، فإن لم يتصدق بشيء، ضمنَ أقلَّ ما يقع عليه الاسمُ بمثله لحمًا، ويعتبر تمليك الفقير، فلا يكفي إطعامه.

والسنّة أكلُ ثلثها، وإهداء ثلثها، ولو لغنيٍّ، ولا يجبان.

ويجوز الإهداء منها لكافر إن كانت تطوعًا، والصدقة بثلثها، ولو كانت منذورة، أو معينة.

ويُستحب أن يتصدق بأفضلها، ويهدي الوسط، ويأكل الأدون.

وكان من شعائر الصالحين تناولُ لقمةٍ من الأضحية من كبدِها أو غيرِها تبركًا.

وإن كانت الأضحية ليتيم، فلا يتصدق الوليُّ ولا يهدي منها شيئًا، بل يوفِّرها له (1).

ومذهب أبي حنيفة: يأكل من أضحيته، ويطعم الأغنياء والفقراء، ويدَّخر، ويستحب له أَلَّا ينقص الصدقة عن الثلث.

وقال مالك: يأكل منها، ويطعم غنيًا وفقيرًا، وحرًا وعبدًا، ونيئًا ومطبوخًا، ويكره أن يطعم منها يهوديًا أو نصرانيًا، وليس لِما يأكل منها ويطعم حَدٌّ، والاختيار أن يأكل الأقلَّ، ويقسم الأكثر، ولو قيل: يأكل الثلث، ويقسم الباقي، لكان حسنًا.

وقال الشافعي في أحد قوليه: المستحب أن يأكل ثلثها، ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 52).

ص: 46

وقال في الآخر: يأكل النصف، ويتصدق بالنصف؛ كما في "الإفصاح" لابن هبيرة (1).

قلت: معتمد مذهب الشّافعيّة: له أكلٌ من أضحيةِ تطوعٍ، وله إطعام أغنياء، ويجب تصدقٌ بلحم منها، وهو ما ينطلق عليه الاسم منه، والأفضل التصدقُ بكلها، إلَّا لقمًا يأكلها، وأما المنذورة، فلا يأكل منها شيئًا (2)، والله أعلم.

الرابع: لا يجزىء في الأضحية مَعيبٌ يُنقص عيبُه لحمَه؛ كالعمياء، والعوراء، والعرجاء البينِ عرجُها، والمريضةِ، والعجفاءِ، وتجزىء ما خلقت بلا أذن أو قرن أو ذنب، وما ذهب نصف قرنها أو أذنها فأقل، أو قطع ذنبها عندنا (3).

وعند الحنفية: إن كان الذاهب الأقل، جاز.

وجوز الشّافعيّة فاقدة قرن ومكسورتَه كسرًا لم ينقص المأكول، لا مخلوقة بلا أذن، ولا مقطوعتها، ولو بعضها.

وقال مالك في مكسورة القرن: إن كان يَدْمَى، فلا تجزىء (4).

ومنع الشّافعيّة التضحيةَ بالحامل، وصحح ابن الرفعة منهم الإجزاء (5).

وتصح الأضحية بالخَصِيِّ، وهو ما قطعت خصيتاه، أو سُلَّتا، أو

(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 311).

(2)

انظر: "فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب" للشيخ زكريا الأنصاري (2/ 329).

(3)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 43).

(4)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 308).

(5)

انظر: "فتح الوهاب" للشيخ زكريا الأنصاري (2/ 328).

ص: 47

رُضَّتا، فإن قُطع ذكره مع ذلك، وهو الخصي المجبوب، ويقال له: الممسوح، لم يجزىء (1).

وقد أخرج أبو داود من حديث جابر رضي الله عنه: ذبح النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كبشين أقرنين أملحين مَوْجوءَيْن (2).

قال الخطابي: الموجوء؛ يعني: -بضم الجيم وبالهمز-: منزوع الأُنثيين، والوجاء: الخصاء (3).

وفيه: جوازُ الخصيِّ في الضحية، وقد كرهه بعضُ أهل العلم لنقص العضو، لكن ليس هذا عيبًا؛ لأنَّ الخصي يُفيد اللحمَ طيبًا، وينفي عنه الزُّهومةَ وسوءَ الرائحة (4).

وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراءُ البيِّنُ عَوَرُها، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها، والعرجاءُ البيِّنُ ضلعُها، والكبيرةُ التي لا تُنْقي" رواه الإمام أحمد، وأصحاب السنن، وصححه التِّرمذيّ (5).

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 43 - 44).

(2)

رواه أبو داود (2795)، كتاب: الضحايا، باب: ما يستحب من الضحايا.

(3)

انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 228).

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 10).

(5)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 284)، وأبو داود (2802)، كتاب: الضحايا، باب: ما يكره من الضحايا، والنَّسائي (4369)، كتاب: الضحايا، باب: ما نهي عنه من الأضاحي العوراء، والترمذي (1497)، كتاب: الأضاحي، باب: ما لا يجوز من الأضاحي، وابن ماجه (3144)، كتاب: الأضاحي، باب: ما يكره أن يضحى به.

ص: 48

وعن عليّ -رضوان الله عليه-، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُضَحى بأَعضبِ القرنِ والأذنِ.

قال قتادة: فذكرتُ ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: العضب: النصف فأقل من ذلك، رواه الإمام أحمد، وأصحاب السنن، وصححه التِّرمذيّ. لكن ابن ماجه لم يذكر قول قتادة إلخ (1).

ولا يجزىء في الأضحية الهَتْماءُ، وهي التي ذهبت ثناياها من أصلها (2).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الهتماء: التي سقط بعضُ أسنانها، تجزىء في أصح الوجهين (3).

واتفق العلماء على أنه لا يجوز بيعُ شيء من الأضاحي بعدَ ذبحها، ثم اختلفوا في جلودها، فقال أبو حنيفة: يجوز بآلة البيت؛ كالغربال، والمنخل، فإن باعها بدنانير ودراهم وفلوس، كره ذلك، وجاز، إلَّا أن يبيعها بذلك، ويتصدق به، فلا يكره إذًا.

وقال الإمام أحمد، وكذا الإمام مالك، والشّافعيّ: لا يجوز ذلك (4).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 127)، وأبو داود (2804)، كتاب: الضحايا، باب: ما يكره من الضحايا، والنَّسائي (4377)، كتاب: الضحايا، باب: العضباء، والترمذي (1504)، كتاب: الأضاحي، باب: في الضحية بعضباء القرن والأذن، وابن ماجه (3145)، كتاب: الأضاحي، باب: ما يكره أن يضحى به.

(2)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 43).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 398).

(4)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 309).

ص: 49

فائدة:

تجزىء الأضحية الواحدة عن الواحد.

ونص الإمام أحمد: وعن أهل بيته وعياله مثل امرأته وأولاده ومماليكه.

والبدنةُ والبقرةُ عن سبعة فأقل.

قال الزركشي: يعتبر أن تشترى للجميع دفعة، فلو اشترك ثلاثة في بقرة أضحية، وقالوا: من جاء يريد أضحية، شاركناه، فجاء قوم فشاركوهم، لم تجزىء إلَّا عن الثلاثة، قاله الشيرازي، انتهى.

والمراد: إذا أوجبها الثلاثةُ على أنفسهم، نصّ عليه الإمام أحمد رضي الله عنه (1).

ودليل إجزاء الأضحية عن الواحد وعن أهل بيته: ما رواه ابن ماجه، والتِّرمذيُّ، وصححه من حديث عطاء بن يسار، قال: سألت أبا أيوبَ الأنصاريَّ: كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان الرجل في عهد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون حتَّى تناهى النَّاس، فصار كما ترى (2)، والله تعالى الموفق.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 42).

(2)

رواه التِّرمذيُّ (1505)، كتاب: الأضاحي، باب: ما جاء أن الشاة الواحدة تجزىء عن أهل البيت، وابن ماجه (3147)، كتاب: الأضاحي، باب: من ضحى بشاة عن أهله. وفي الأصل: "تباهى" بدل "تناهى"، والصواب ما أثبت. وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (10/ 6).

ص: 50