المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث عشر - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٧

[السفاريني]

الفصل: ‌الحديث الثالث عشر

‌الحديث الثالث عشر

عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: كانَتْ أَمْوالُ بَني النَّضِيرِ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بخَيْلٍ وَلَاْ رِكابٍ، وَكانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً، فَكانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يعْزِلُ نفَقَةَ أَهْلِهِ سَنة، ثُمَّ يَجْعَلُ ما بقِيَ في الكُراعِ والسِّلَاحِ عُدَّةً في سَبِيلِ اللهِ عز وجل (1).

* * *

(عن) أمير المؤمنين (عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه، قال: كانت

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2748)، كتاب: الجهاد، باب: المجن، ومن يتترس بترس صاحبه، و (4603)، كتاب: التفسير، باب: قوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7]، ومسلم (1757/ 48 - 50)، كتاب: الجهاد والسير، باب: حكم الفيء، وأبو داود (2965)، كتاب: الخراج، باب: في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال، والنسائيُّ (4140)، كتاب: قسم الفيء، والترمذي (1719)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في الفيء.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"عارضة الأحوذي" لابن العربي (7/ 215)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 75)، و"شرح مسلم" للنووي (12/ 69)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 237)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1698)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 503)، و"عمدة القاري" للعيني (14/ 185)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 63)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (8/ 230).

ص: 219

أموال بني النَّضِير) -بفتح النون وكسر الضاد المعجمة فياء مثناة تحت ساكنة فراء-: حيّ من يهود دخلوا في العرب، وهم على نسبهم إلى هارون عليه السلام، وكانوا من سبطٍ لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله تعالى قد كتب عليهم ذلك (1).

وسبب جلائهم من أرضهم: أنهم هَمُّوا بالفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم ومكيدتِه والغدرِ به، فسار عليه الصلاة والسلام في أصحابه إليهم، واستخلف على المدينة ابنَ أمِّ مكتوم، فلما رأوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قاموا على جدر حصونهم معهم النبلُ والحجارة، واعتزلهم بنو قريظة، فلم يعينوهم بسلاح ولا رجال، ولم يقربوهم، وجعلت بنو النضير يرمون بالنبل والحجارة، فحاصرهم صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يومًا.

وقال ابن إسحاق، وابن عبد البر: ستَّ ليال.

وقال سليمان التيمي: قريبًا من عشرين ليلة.

وقال ابن الطَّلاع: ثلاثًا وعشرين ليلة.

وعن عائشة: خمسة وعشرين، حتى أجلاهم، ووليَ إخراجَهم محمدُ بن مسلمة رضي الله عنه، فلما أجلاهم، كانت أموالهم من الأرض والنخيل وكل شيء من الحلقة والسلاح والكراع (مما أفاء الله) سبحانه وتعالى به (على رسوله) محمَّد صلى الله عليه وسلم (2).

وأصل الفيء: الرجوع، يقال: فاء يفيء فيئة وفَيْئًا (3)، كأنه كان في الأصل له صلى الله عليه وسلم، فرجع إليه؛ لأنَّ الله لم يبح النعم للخلق إلا بشرط الشكر،

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (7/ 330).

(2)

وانظر: "زاد المعاد" لابن القيم (3/ 127 - 128)، و"السيرة الحلبية" للبرهان الحلبي (2/ 560) وما بعدها.

(3)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 165).

ص: 220

فإذا لم يشكروا، لم يُبِح لهم من نعمه شيئًا، فيكونون قد استولوا على ما ليس لهم به حق (مما لم يوجف المسلمون) من أصحابه الكرام -عليهم الرضوان والسلام- (عليه)؛ أي: مال بني النضير؛ أي: لم يسرعوا؛ لأنَّ الإيجاف: سرعة السير.

وقد أوجف دابته يوجفها إيجافًا: إذا حثها (1)(بخيل) مسومة (ولا ركاب) من الإبل.

قال في "المطالع ": الركاب: الإبل، وتجمع على ركائب (2)، (وكانت) أموالُ بني النضير التي جلوا عنها وخلَّوها (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) خصَّه بها الله تعالى (خاصة) دون غيره من الصحابة الكرام.

(فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل) في كل سنة (نفقةَ أهله)؛ أي: من أزواجه وخدمهن وما يلحق بذلك (سنة) عند حصول التمر والبر والشعير، (ثم) بعد ادخاره لأهله نفقة سنتهم، (يجعل ما بقي) من الغلال والثمار (في) تحصيل (الكراع).

قال في "النهاية": الكراع: اسم لجميع الخيل (3).

وكذا قال في "القاموس"(4).

(والسلاح) من السيوف والرماح والدروع وسائر آلات الحرب، يَتَّخِذُ ذلك، وُيِعُّده (عدة في سبيل الله عز وجل)؛ نصرة لأوليائه، وعونًا على أعدائه من أهل الكفر والشرك والنفاق.

(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 156).

(2)

وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 289).

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 167).

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 980)(مادة: كرع).

ص: 221

قال أهل السير: لما قَبض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير والحلقةَ، وجدَ خمسين درعًا، وخمسين بيضة، وثلاث مئة وأربعين سيفًا، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! لا تخمس ما أصبت، فقال صلى الله عليه وسلم:"لا أجعلُ شيئًا جعلَه الله تعالى لي دون المؤمنين بقوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] الآية كهيئة ما وقع فيه السهمان"، فكانت أموال بني النضير من صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلها حبيسًا لنوائبه، وكانت له خاصة، فأعطى مَنْ أعطى منها، وحبس ما حبس.

ولما تحول صلى الله عليه وسلم في ابتداء هجرته من بني عمرو بن عوف إلى المدينة، تحول المهاجرون معه، فتنافست فيهم الأنصار رضي الله عنهم أن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسهمان، فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة بينهم، فكان المهاجرون في دور الأنصار وأموالهم، فلما غنم صلى الله عليه وسلم بني النضير، دعا ثابتَ بنَ قيس بن شماس، فقال:"ادعُ لي قومَكَ"، قال ثابت: الخزرج يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأنصار كلها"، فدعا الأوسَ والخزرجَ، فتكلم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فحَمِدَ الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، ثمَّ ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم وأموالهم، وأثرتهم على أنفسهم، ثمَّ قال:"إن أحببتم، قسمتُ بينكم وبينَ المهاجرين ما أفاء الله عليَّ من بني النضير، وكان المهاجرون على ما هُمْ عليه من السُّكنى في مساكِنِكم وأموالِكم، وإن أحببتم، أعطيتهم، وخرجوا من دورِكم، ورَدُّوا عليكم أموالَكم".

فتكلم سعدُ بنُ عبادة، وسعدُ بنُ معاذ رضي الله عنهما، وجزاهما الله خيرًا-، فقالا: يا رسول الله! بل تقسمه بين المهاجرين، ويكونون في دورنا كما كانوا، ونادت الأنصار رضي الله عنهم: رضينا وسلَّمنا يا رسول الله.

ص: 222

فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارحم الأنصار، وأبناءَ الأنصار".

فقسم صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله تعالى عليه من أموال بني النضير، فأعطى المهاجرين، ولم يعط أحدًا من الأنصار من ذلك الفيء شيئًا، إلا رجلين كانا محتاجين: سهلَ بنَ حُنيف، وأبا دجانة، وأعطى سعدَ بنَ معاذ رضي الله عنه سيفَ أبي الحقيق، وكان سيفًا له ذِكْر عندهم (1).

وذكر البلاذري في "فتوح البلدان": أنَّه صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: "ليس لإخوانكم من المهاجرين أموال"، وذكر نحو ما تقدم، وأجابوه بنحو ما تقدم، قال: فنزل قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (2)[الحشر: 9].

وروى الآجري في كتاب "الشريعة" عن قيس بن أبي حازم، قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: جزاكم الله يا معشرَ الأنصار خيرًا، فوالله! ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوي -وهو بالغين المعجمة والنون-:

[من الطويل]

جَزَى اللهُ عَنَّا جَعْفَرًا حِين أَزْلَقَتْ

بِنا نَعْلُنا في الواطِئِينَ فَزَلَّتِ

أَبَوْا أَنْ يَمَلُّونا وَلَوْ أَنَّ أُمَّنَا

تُلَاقي الَّذِي يَلْقَوْنَ مِنَّا لَمَلَّتِ (3)

والله الموفق.

(1) ذكر ذلك الواقدي في "مغازيه" كما عزاه الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف"(3/ 441).

(2)

انظر: "فتوح البلدان" للبلاذري (1/ 21).

(3)

رواه الآجري في "الشريعة"(1107).

ص: 223