الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله صلى الله عليه وسلم روى كلامه وموقفه على جمله بعكاظ، وموعظته وعجب من حسن كلامه، وأظهر تصويبه فهذا أشرف تعظيم، تعجز عنه الأماني وتنقطع دون الآمال. وإنما وفق الله ذلك لقس لاحتجاجه للتوحيد، وإظهاره الإخلاص وإيمانه بالبعث، ومن ثم كان قس خطيب العرب قاطبة اهـ.
باب في كتاب الجيش وفيه فصول
فصل: في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتب الناس، وثبوت العمل بذلك في عصره صلى الله عليه وسلم.
«في صحيح البخاري «1» بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس، فكتبت له ألفا وخمسمائة رجل، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال ارجع فحجّ مع امرأتك، وهو في الصحيح أيضا بلفظ إني كتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة» [قال فانطلق فحج مع امرأتك. كتاب الحج باب 74 ج 1/ 978] .
قلت: قال الحافظ في الفتح على ترجمة باب كتابة الإمام الناس، أي من المقاتلة وغيرهم، والمراد ما هو أعم من كتابته هو نفسه أو بأمره، ثم قال: وفي الحديث مشروعية كتابة دواوين الجيوش. وقال على قول الرجل: إني كتبت في كذا مشعر بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج في المغازي اهـ.
قال التقي المقريزي في الخطط: إعلم أن كتابة الديوان على ثلاثة أقسام: كتابة الجيوش، وكتابة الإنشاء والمكاتبات، ولا بدّ لكل دولة من استعمال هذه الأقسام الثلاثة، وقد أفرد العلماء في كتابة الخراج، وكتابة الإنشاء عدة مصنفات، ولم أر أحدا جمع شيئا في كتابة الجيوش والعساكر، وكانت كتابة الديوان في صدر الإسلام أن يجعل ما يكتب فيه صحفا مدرجة اهـ منها.
فصل في البيعة ومعناها المعاقدة والمعاهدة
وهي شبيهة بالبيع الحقيقي، قال ابن الأثير في النهاية: كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته، ودخيلة أمره. والأصل في ذلك:
أنه كان من عادة العرب أنه إذا تبايع اثنان صفق أحدهما بيده على صاحبه، وقد عظم الله شأن البيعة، وحذّر من نكثها فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ، فَسَيُؤْتِيهِ
(1) كتاب الجهاد ح 4/ 34.
أَجْراً عَظِيماً [الفتح: 10]«1» وأمر بمبايعة المؤمنات في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الممتحنة: 12] وبايع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بيعتين، قال المرجاني: ومعنى البيعة في عرف اللغة ومقصود الشرع: العهد على الطاعة، على أنهم يسلمون لربها النظر في أمور أنفسهم، لا ينازعونه في شيء من ذلك، ويطيعونه فيما يكلفهم به من الأمر، على المنشط والمكره شبهت حالهم في مصافحتهم بأيديهم، تأكيدا لعهدهم بفعل البائع والمشتري، وسميت بيعة. وعلى هذا النحو؛ كانت بيعة النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وعند الشجرة، وحيثما وردت هذه اللفظة.
وقد ترجم البخاري: كيف يبايع الإمام الناس؛ والمراد الصيغ القولية لا الفعلية، فذكر فيها البيعة على السمع والطاعة، وعلى الهجرة، وعلى الجهاد، وعلى الصبر، وعلى عدم الفرار، ولو وقع الموت، وعلى بيعة النساء، وعلى الإسلام، وكل ذلك وقع عند البيعة بينهم فيه بالقول.
وقال الحافظ بن الجوزي: جملة من أحصي من المبايعات له عليه السلام من النساء أربعمائة وسبع وخمسون امرأة، لم يصافح على البيعة امرأة، وإنما بايعهن بالكلام اهـ.
ثم إنه عليه السلام لم يكن يشترط في المبايعين البلوغ، فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن الزبير، وهو ابن سبع سنين. قال القرطبي: كانت مبايعته صلى الله عليه وسلم لأصحابه بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر اهـ.
وكان أول ما يشترط في البيعة بعد التوحيد إقامة الصلاة، ثم الزكاة، ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمسّ.
وفي الصحيح عن جابر «2» : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، وإنما بايع جابرا على النصيحة لأنه كان سيد قومه، فأرشده إلى تعليمهم، والنصح لهم. وقد بوّب البخاري باب من بايع مرتين، وباب بيعة الاعراب، وباب بيعة الصغير، وباب من بايع ثم استقال البيعة، وباب من بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا، وباب بيعة النساء، وباب من نكث بيعته فانظره.
وكان الخلفاء من بني أمية وبني العباس يؤكدون البيعة بالاستحلاف، واستيعاب أنحاء الإيمان، وربما كانت على الإكراه، ولما أفتى مالك بسقوط يمين المكره ناله من المحنة ما
(1) قراءة نافع: فسنؤتيه. وأما قراءة حفص وغيره: فسيؤتيه. مصححه.
(2)
رأيت في البخاري اسم جرير بن عبد الله البجلي مرتين: في كتاب الصلاة ج 1 ص 133 وفي كتاب الزكاة ج 2 ص 110. وفي مسلم كتاب الايمان باب 23: عن جرير: ج 1/ ص 75.