الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في استعمال السفن البحرية وفيه فصول ذكر من استعمل فيها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي الموطأ «2» عن أبي هريرة: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا الماء القليل، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر قال:
هو الطهور ماؤه الحل ميتته، وهو في جامع الترمذي وغيره أيضا.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ناسا من أمتي يركبون البحر غزاة في سبيل الله، ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة، قال ذلك في بيت أم حرام بنت ملحان كما في الموطأ «3» ، فقالت أدع الله إن يجعلني منهم فقال أنت من الأولين، فركبت البحر في زمن معاوية، ونزلت في جزيرة قبرس ودفنت هناك» .
الحديث الأخير بوّب عليه البخاري في كتاب الجهاد «4» : باب غزو المرأة في البحر، وساقه بلفظ: ناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله، مثلهم مثل الملوك على الأسرة، فقالت ابنة ملحان يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم فال: أنت مع الأولين ولست من الآخرين قال أنس فتزوجت عبادة بن الصامت فركبت البحر مع بنت قرظة، فلما قفلت ركبت دابتها فوقصت بها، فسقطت عنها فماتت.
نقل الحافظ عن موطأ ابن وهب عن ابن لهيعة: أن معاوية أول من ركب البحر للغزاة اهـ ونحوه للحافظ أيضا على باب ركوب البحر من كتاب الجهاد أيضا، انظره وفي جامع العتبية قال مالك: استأذن معاوية بن أبي سفيان عمر بن الخطاب في ركوب البحر فأبى أن يأذن له، فلما ولي عثمان كتب إليه يستأذنه فأبى، ثم رد عليه فكتب إليه عثمان: إن كنت
(1) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة ص 1946/ 2.
(2)
رواه في كتاب الطهارة ورقمه 12 ص 22/ 1.
(3)
رواه في كتاب الجهاد ورقمه 39 ص 464.
(4)
رواه في كتاب الجهاد باب 3 ص 201/ 3.
تركب بأهلك وولدك فاركب فقد أذنت لك، فركب معاوية ومعه امرأته بنت قرظة [بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف]، وفيها أيضا قال مالك: أمّر عثمان بن عفان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان: «عمرا على البر، ومعاوية على البحر وإذا اجتمعا فمعاوية الأمير، فلما بلغا رأس مغزا هما أرسل معاوية إلى عمرو أن يأتيه فأبى، فأرسل يعزم عليه فقال عمرو: أنا أعزم على نفسي أن لا آتيك. فقال معاوية: أدن مني على شاطىء البحر فأتى عمرو على قوس فكلمه ما شاء الله، فقال له معاوية: أفشات أنت فقال: قافلون.
قال ابن رشد في البيان والتحصيل: وقع هذا في موطأ ابن وهب، وإنما لم يأت عمرو ومعاوية إذ عزم عليه في الإتيان إليه، من أجل أنه من حيث لم يجعل له عليه عثمان أمرا، ولعله قد كانت له في الإتيان إليه مشقة، ولما سأله أن يدنو منه أجابه لذلك لخفة الأمر اهـ وفي الخطط للمقريزي، لم يكن البحر يركب للغزو في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وعمر، وأول من ركب البحر للغزو العلاء بن الحضرمي، وكان على البحرين من قبل أبي بكر وعمر، فأحب أن يؤثر في الأعاجم أثرا يعز الله به الإسلام على يديه، فندب أهل البحرين إلى فارس فبادروا إلى ذلك، وفرقهم أجنادا على أحدهم الجارود بن المعلّى، وعلى الثاني سوار بن همّام، وعلى الثالث خليد بن المنذر بن ساوى، وجعل على عامة الناس خليدا فحملهم في البحر إلى فارس، بغير إذن عمر بن الخطاب، وكان عمر لا يأذن لأحد في ركوب البحر غازيا كراهية للتغرير بجنده، فلما فتح الله الشام ألحّ معاوية بن أبي سفيان، وهو يومئذ على جند دمشق والأردن- على عمر في ركوب البحر، ثم لما كانت خلافة عثمان غزا المسلمون في البحر. وكان أول من غزا فيه معاوية بن أبي سفيان، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الحارثي حليف «1» بني فزارة، فغزا خمسين غزوة من بين شاتية وصائفة في البر والبحر، ولم ينكب فيه.
وغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح في البحر، لما أتاه قسطنطين بن هرقل عام 34، في ألف مركب يريد الإسكندرية، فسار عبد الله في مائتي مركب أو يزيدون شيئا، وحاربه فكانت وقعة ذات الصواري فهزم قسطنطين وقتل جنده.
وأغزى معاوية عقبة بن عامر الجهني في البحر، وأمره أن يتوجه إلى رودس فأتى إليها.
وقد ذكر شيخنا ولي الدين ابن خالدون تعليل امتناع المسلمين من ركوب البحر للغزو في أول الأمر: أن العرب لم يكونوا أول الأمر مهرة في ثقافته وركوبه، فلما استقر الملك للعرب وشمخ سلطانهم، وصارت أمم العجم خولا لهم، وتحت أيديهم وتقرّب كل ذي صنعة إليهم، تاقت أنفسهم إلى الجهاد فيه، وانشأوا السفن وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح، وأمدوها بالعساكر والمقاتلة لمن وراء البحر من أمم الكفر، واختصوا لذلك من
(1) ذكره في الإصابة ج 933. وذكره أيضا الطبري ج 3/ 317 من الطبعة 19309 مطبعة الاستقامة والمكتبة التجارية لمصطفى محمد من حوادث سنة 28 هـ.
ممالكهم وثغورهم، ما كان أقرب إلى هذا البحر، وعلى ضفته مثل: الشام وأفريقية والمغرب والأندلس الخ.
وقال الشيخ أبو راس المعسكري في الحلل السندسية: على قوله عليه السلام لأم حرام: أنت من الأولين أي وهم من الآخرين، وهم الذين ركبوا لغزو الأندلس مثل:
طريف، وطارق بن زياد، ويوسف بن تاشفين وابنه علي، وعبد المؤمن بن علي، وابنه وابن ابنه ويعقوب بن عبد الحق. فقد أعطي عليه السلام جوامع الكلم اهـ.
وقال الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالته التي ذكر فيها فضائل علماء الأندلس: لو لم يكن لأندلسنا إلا ما رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّر به ووصف أسلافنا المجاهدين فيه بصفات الملوك على الأسرة في الحديث، الذي رويناه من طريق أنس بن مالك أن خالته أم حرام حدثته عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أخبرها بذلك، لكفى شرفا بذلك، يسرّ عاجلة ويغبط آجله، فإن قال قائل: لعله صلى الله عليه وسلم إنما عنى بذلك أهل صقلية واقريطش [كريت] وما الدليل على ما ادعيته من أنه صلى الله عليه وسلم عنى الأندلس حتما، ومثل هذا من التأويل لا يتساهل فيه ذو ورع؟ فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم: قد أوتي جوامع الكلم، وفصل الخطاب، وأمر بالبيان لما أوحي إليه، وقد أخبر في ذلك الحديث المتصل سنده بالعدول عن العدول بطائفتين من أمته يركبون ثبج البحر، غزاة واحدة بعد واحدة، فسألته أم حرام أن يدعو ربه أن يجعلها منهم، فأخبرنا صلى الله عليه وسلم، وخبره الحق أنها من الأولين. وهذا من إعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وهو إخباره بالشي قبل كونه، وصح البرهان على رسالته بذلك، وكانت من الغزاة إلى قبرس، وخرّت عن بغلتها فتوفيت هناك. وهي أول غزاة ركب فيها المسلمون البحر، فثبت يقينا الغزاة إلى قبرس هم الأولون الذين بشر بهم صلى الله عليه وسلم، وكانت أم حرام منهم، كما أخبر صلوات الله عليه، ولا سبيل أن يظن به، وقد أوتي من البلاغة والبيان أن يذكر طائفتين قد سمى إحدا هما أولي إلّا والتالية لها ثانية، فهذا من باب الإضافة وتركيب العدد وهذا مقتضى طبيعة صناعة المنطق، إذ لا تكون الأولى أولى إلا لثانية، ولا الثانية ثانية إلا لأولى، فلا سبيل لذكر ثالث، إلا بعد ثان ضرورة الخ. كلامه. وانظر بقيته في الرسالة المذكورة، وهي مثبوته في نفح الطيب أول المجلد الثاني.
وفي تاريخ الخميس للديار بكري: لما تكلم على ما نقم الناس على سيدنا عثمان قال: السادس زعموا أنه حمى البحر؛ أن لا تخرج منه سفينة إلا في تجارته. جوابه: أما حمى البحر فعلى تقدير صحته يحمل على أنها كانت ملكا له، لأنه كان منبسطا في التجارات متسع الحال في الجاهلية والإسلام، فما حمى البحر وإنما حمى سفنه أن يحمل فيها متاع غير متاعه هـ ففيه أن عثمان كانت له سفن بحرية للتجارة.
وترجم في الإصابة لبسر بن أرطاة فذكر أنه ولي البحر لمعاوية، فأخذ من ذلك أن إمارة البحر في زمن معاوية ضبطت وتوسع أمرها.
وفي صناجة الطرب في تقدمات العرب: لما كان عهد معاوية بن أبي سفيان أذن