الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلافة
الخلافة هي الرياسة العظمى، والولاية العامة الجامعة، القائمة بحراسة الدين والدنيا، والقائم بها يسمّى الخليفة، لأنه خليفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإمام لأن الإمامة والخطبة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لازمة له، لا يقوم بها غيره إلا بطريق النيابة عنه؛ كالقضاء والحكومة، ويسمّى أيضا أمير المؤمنين. وهو الوالي الأعظم لا والي فوقه ولا يشاركه في مقامه غيره، وأول خلافة انعقدت على حقيقتها ووجهها في الأرض، خلافة أبي بكر رضي الله عنه. أخرج ابن عديّ عن أبي بكر بن عياش قال: قال لي الرشيد: يا أبا بكر كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون، فقال: والله ما زدتني إلا غما. قال: يا أمير المؤمنين مرض النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أيام، فدخل عليه بلال فقال: يا رسول الله من يصلي بالناس؟ فقال: مر أبا بكر يصلي بالناس فصلى أبو بكر ثمانية أيام والوحي ينزل، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسكوت الله وسكت المسلمون لسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعجبه فقال: بارك الله فيك.
وقد استنبط جماعة من العلماء خلافة أبي بكر من آيات القرآن، فأخرج البيهقي عن الحسن البصري في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] قال: هو والله أبو بكر وأصحابه لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردوهم إلى الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الفتح: 16] قال: هم بنو حنيفة. قال ابن أبي حاتم وابن قتيبة: هذه الآية حجة على خلافة الصديق، لأنه الذي دعا إلى قتالهم، وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري: سمعت أبا العباس بن شريح يقول: خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية، قال: لأن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه إلّا دعاء أبي بكر لهم وللناس إلى قتال أهل الردة، ومن منع الزكاة. قال: فدلّ ذلك على وجوب خلافة أبي بكر وافتراض طاعته، إذ أخبر الله أن المتولي عن ذلك يعذّب عذابا أليما. قال الحافظ بن كثير: ومن فسّر القوم بأنهم فارس
والروم فالصديق هو الذي جهز الجيش إليهم، وتمام أمرهم كان على يد عمر وعثمان، وهما فرعا الصديق، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور: 55] الآية قال ابن كثير: هذه الآية منطبقة على خلافة أبي بكر.
وأخرج البيهقي عن ابن الزعفراني قال: سمعت الشافعي يقول: أجمع الناس على خلافة أبي بكر الصديق، وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم. وفي الفروق لأبي العباس القرافي ص 182 من الجزء الثاني قال العلماء: إن قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف: 44] إنه الخلافة وأنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على القبائل في أول أمره لينصروه، فيقولون له: ويكون لنا الأمر من بعدك: فيقول صلى الله عليه وسلم: إني قد منعت من ذلك، وإنه قد أنزل عليه وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ الزخرف: 44] فلم يكن للأنصار في هذا الشأن شيء، وقد سئل بعض علماء القيروان من كان مستحقا للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سبحان الله إنا بالقيروان نعلم من هو أصلح منا للقضاء، ومن هو أصلح منّا للفتيا، ومن هو أصلح منا للإمامة، أيخفى ذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنما يسأل عن هذه المسائل أهل العراق. وصدق رضي الله عنه فيما قاله اهـ.
وهو رضي الله عنه أول من أسلم، وأول من جمع القرآن وأول من سمّاه مصحفا، وأول من سمّي خليفة. أخرج أحمد عن أبي بكر ابن مليكة قال: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله قال: أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا راض به. وأول من ولي الخلافة وأبوه حي وأول خليفة فرض له رعيته العطاء.
أخرج البخاري عن عائشة قالت: لما استخلف أبو بكر قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين، وأخرج ابن سعد عن عطاء بن السائب قال: لما بويع أبو بكر أصبح وفي ساعده أبراد وهو ذاهب إلى السوق. فقال عمر: أين تريد؟ قال: إلى السوق. قال: أتصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قال:
انطلق يفرض لك أبو عبيدة فانطلقا إلى أبي عبيدة فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين، ليس بأفضلهم ولا أركسهم، وكسوة الشتاء والصيف، إذا أخلقت شيئا رددته وأخذت غيره، ففرض له كل يوم نصف شاة، وما كساه في الرأس والبطن، وأخرج ابن سعد عن ميمون قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين. قال: زيدوني لأن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة فزادوه خمسمائة. وهو أول من اتخذ بيت المال كما سبق. قال الحاكم: أول لقب في الإسلام لقّب أبي بكر عتيقا قال الحافظ السخاوي: وهو أول من لقب بشيخ الإسلام اهـ وقال الشهاب أحمد حلولو في شرحه على «جمع الجوامع» : أما
كون أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد اتفقت الصحابة على إطلاقه، وذلك لما اقتضته الأدلة من الاستخلاف، وهي كثيرة جدا مبسوطة في الكتب المطولّة، متواطئة على معنى واحد، غير أنه ليس فيها نص صريح؛ لأنه لو كان لما وقع التردد منهم أولا في يوم السقيفة، وأما تسمية بقية الخلفاء بأمراء المؤمنين فبإطلاق الصحابة اهـ.
وقال الحافظ ابن حزم في «نقط العروس» : من ولي الخلافة بعهد اختلف الناس في أبي بكر. والذي أدين الله به: أنه ولي الخلافة بعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ونص عليه لإجماع أهل الإسلام على تسميته خليفة رسول الله، ولم يسمّ أحد بهذا الإسم أحدا غيره، ولا ممن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة، ولا ممن استخلفه على الصلوات في غزواته وحجته، وللخبر الثابت «1» الذي رويناه من طرق ثابتة في قصة المرأة التي قالت: يا رسول الله، فإن رجعت ولم أجدك كأنها تريد الموت قال:«فأبو بكر» ، هكذا نص الحديث كما أوردناه، ولغير هذا مما ذكرناه في كتاب «الفيصل» ولله الحمد اهـ وقال ابن جزيّ في «القوانين» : الدليل على إثبات إمامة الخلفاء الأربعة من ثلاثة أوجه: أحدها أن كل واحد منهم جمع شروط الإمامة على الكمال، والآخر أن كل واحد منهم أجمع المسلمون على بيعته والدخول تحت طاعته والإجماع حجة، والثالث ما سبق لكل واحد منهم من الصحبة، والهجرة والمناقب الجليلة، وثناء الله عليهم وشهادة الصادق لهم بالجنة، ثم إن أبا بكر وعمر أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلافتهما وأمر بالإقتداء بهما، وقدم أبا بكر على حجة الوداع وعلى الصلاة بالناس في مرض موته، وذلك دليل على إمامته ثم استخلف أبو بكر عمر، ثم جعل عمر الأمر شورى بين ستة نفر، فاتفقوا على تقديم عثمان. إلى أن قتل مظلوما، ثم كان أحقّ الناس بها بعده علي لمرتبته الشريفة وفضائله المنيفة.
وأول من سمّي بأمير المؤمنين من الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب اتفاقا، وذلك أن أبا بكر لما بويع كانوا يسمونه خليفة رسول الله، فلما بويع عمر كانوا يدعونه خليفة خليفة رسول الله فاستثقلوا ذلك، وكرهوا تزايده داعيا إلى أن يؤدي إلى الاستهجان، ويذهب التمييز المقصود به لكثرتها وطول إضافتها، فاتفق أن دعا بعض الصحابة عمر بن الخطاب بأمير المؤمنين فيما كتبه إليه أبو موسى الأشعري، وفيما خاطبه مشافهة عدي بن حاتم الطائي أو المغيرة بن شعبة أو عمرو بن العاص أو غيرهم، فاستحسنه الناس واستصوبوه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق هذا الاسم قبله على عبد الله بن جحش حين بعثه في سرية.
وقال الحافظ السيوطي كما في «المصباح الوهاج» ، حين ذكر أن أبا بكر بعد موته عليه السلام بعث أسامة على جيش للشام، فكان الصحابة في ذلك السفر يدعونه أمير
(1) رواه البخاري في كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب 5 ص 191/ 4 ونصه: إن لم تجديني فأتي أبا بكر.
المؤمنين. وروي عن سيدنا عمر أنه كان إذا رأى أسامة قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فيقول أسامة: غفر الله لك يا أمير المؤمنين تقول لي هذا فيقول لا أزال أدعوك الأمير ما عشت. مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت عليّ أمير اهـ.
ووقع في الأسئلة التي قدمها الشيخ تاج الدين السبكي للصلاح الصفدي:
من عدّ من أمراء المؤمنين ولم
…
يحكم على الناس من بدو ومن حضر
ولم يكن قرشيا حين عدّ ولا
…
يجوز أن يتولى إمرة البشر؟
ومن جواب الحافظ السيوطي عن الأسئلة المذكورة:
ثم المسمى أمير المؤمنين ولم
…
يحكم على الناس من بدو ومن حضر
أسامة حين ولاه النبي على
…
سرية لقبوه ذاك في السفر
ثم توارث الخلفاء هذا اللقب سمة لا يشاركهم فيها أحد وتنافسوا فيها؛ خصوصا ملوك بني أمية، ثم بني العباس الذين كانوا ببغداد، إلا من رأى أنه أحق منهم بالخلافة ببقية الأقطار، كإمام المغرب أبي العلاء، مولانا إدريس بن عبد الله الكامل، قدس الله روحه الزكيّة، فإنه قام بالأمر هنا، بإيصاء أخيه محمد النفس الزكية له بالأمر، وقد كان بويع في المدينة بالخلافة قبل بيعة أبي جعفر المنصور العباسي، فكان هو الخليفة الشرعي، وفي شرح ابن زكري على همزيته: إن النفس الزكية انعقدت له الإمامة قبل بني العباس، ولهذا كان مالك وأبو حنيفة يجنحان إليه ويرجّحان إمامته على بني العباس ويريان أن إمامته أصحّ من إمامة أبي جعفر لانعقاد هذه البيعة من قبل اهـ وأصله للحافظ التنسي في الدر والعقيان.
وقال غيرهما: بيعة بني العباس هي غير المنعقدة لأنهم خارجون، وبيعة مولانا إدريس ثابتة، ولذلك ثبت أن مولانا إدريس الأكبر قال في خطبته حين بيعته: إن الذي تجدونه عندنا لا تجدونه عند غيرنا، وفي كنز الأسرار للمقري: سبب اشتهار مذهب مالك بالمغرب واقتصارهم عليه وأمر مولانا إدريس لهم باتباعه: رواية مالك في الموطأ عن جده عبد الله الكامل، وفتياه بخلع أبي جعفر المنصور العباسي، وبيعته لمحمد النفس الزكية وعهده لأخيه إدريس الأكبر بالخلافة بعده قاله ابن خالدون.
فكان مالك هو السبب في ولايتهم الملك، فقال إدريس نحن أحق باتباع مذهبه وقراءة كتابه يعني الموطأ، وأمر بذلك في جميع عمالته اهـ وانظر الدر النفيس. وكعبد الرحمن بن محمد الملقب بالناصر الأموي المتوفّى سنة خمسين وثلاثمائة.
قال ابن جزيّ في قوانينه: هو أول من دعي بالأندلس أمير المؤمنين اهـ قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: هو أول من تسمى بالأندلس بالخلافة وبأمير المؤمنين لما وهت الدولة العباسية في أيام المقتدر، وكان الذين قبله إنما يتسمون بالأمير فقط اهـ وفي أزهار الرياض:
والناصر هو من تسمّى بأمير المؤمنين من بني أمية بالأندلس، لأن الدولة عظمت في أيامه، حين اختلط نظام ملك العباسيين بالمشرق وتغلبت عليه الأعاجم اهـ منه. وإنما أعلن الناصر
بذلك لما رأى من ضعف أمر الخلفاء العباسيين ببغداد، إذ لقب نفسه أمير المؤمنين، وأورث من عقبه هذا اللقب، واستهل خطيبه بجامع قرطبة خطبة الجمعة بذلك سنة 316، وأنفذ منشوره بذلك لعماله جاء فيه: وقد رأينا أن تكون الدعوة لنا بأمير المؤمنين، وخروج الكتب عنا وورودها علينا بذلك، إذ كل مدعو لهذا الاسم منتحل له ودخيل ومتسم بما لا يستحقه، وعلمنا أن التمادي على ترك الواجب لنا من ذلك حق أضعناه واسم ثابت أسقطناه، فمر الخطيب لموضعك أن يقول به، وأجر مخاطبتك لنا عليه اهـ.
ولما قام عبيد الله المهدي أول ملوك العبيدين بأفريقية تسمّى بأمير المؤمنين لأنه كان رأى أنه أحق بالخلافة من بني العباس المعاصرين له بالمشرق، قال صاحب تاريخ دول الإسلام: فهو أول من زاحم الخليفة بهذا اللقب اهـ ثم تبعه على ذلك عبد الرحمن الناصر الأموي صاحب الأندلس، ورأى أن له الحق في الخلافة، اقتداء بسلفه الذين كانوا خلفاء بالمشرق، ثم لم يتجاسر أحد لا من ملوك العجم بالمشرق، ولا من ملوك البربر بالمغرب على التلقب بأمير المؤمنين، لأنه لقب الخليفة الأعظم القرشي، إلى أن جاءت دولة المرابطين وكان منهم يوسف بن تاشفين واستولى على المغربين، والأندلس وعظم سلطانه واتسعت مملكته، وخاطب الخليفة العباسي بالمشرق، فولاه على ما بيده وتسمى بأمير المسلمين، أدبا مع الخليفة، وقيل: أول من دعاه بها المعتمد بن عباد صاحب ملك الأندلس، فاستحسن ذلك منه. ثم لقبّه بها صاحب بغداد، ثم جرت على من بعده.
ولما تكلم ابن أبي زرع على وقعة الزلاقة وكانت سنة 479 وما أوتيه فيه من النصر قال:
وفي اليوم نفسه سمّي يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين، ولم يكن يدعى بها قبل ذلك اهـ.
قلت: مثل ما لابن أبي زرع لغير واحد. نعم في كتاب أخبار الدول وآثار الأول للقرماني أن عبد الله بن ياسين ممهد دولة الموحدين، سمّى أبا بكر بن عمر رأس قبيلة اللمتون لما بايعه بأمير المسلمين، ولا شك أن بيعته كانت قبل وقعة الزلاقة بكثير فيحتمل أن يكون الملقب أولا ابن عمر، ثم اشتهر على يوسف المبايع بعده لما لقبه به رسميا في الأندلس المعتمد بن عباد في وقعة الزلاقة، ثم أقره عليه الخليفة العباسي والله أعلم، وصار اللقب بأمير المسلمين شعار المرابطين ففي مكتبتنا طرف من الموطأ انتسخت في الرق لعلي بن يوسف بن تاشفين سنة 530 على أول بعض أجزائها: مما كتب لخزانة أمير المؤمنين وناصر الدين علي بن يوسف بن تاشفين أدام الله تأييده ونصره يحيى بن محمد بن عباد اللخمي اهـ من خطه.
وفي مكتبتنا في قسم السكك دراهم ليوسف بن تاشفين، رسم عليها وصفه بأمير المؤمنين. وهو يؤيد ما في كتاب أخبار الدول وآثار الأول. لأحمد بن يوسف القرماني الدمشقي في ترجمة يوسف بن تاشفين أنه تلقب بأمير المؤمنين اهـ انظر ص 254 طبع بغداد.
ورأيت عياضا وصف ولده علي بن يوسف بن تاشفين مرارا في الغنية بأمير المؤمنين، ولما أعقبت دولة المرابطين الدولة الموحدية أعلنت بما تهوى قال ابن جزيّ في قوانينه عن عبد المؤمن بن علي الموحدي تسمى بأمير المؤمنين اهـ.
وأفاد صاحب تاريخ دول الإسلام أن عبد المؤمن تسمّى بأمير المؤمنين سنة 528 واتسم بوسم الخليفة، وتبعه على ذلك بنوه، ففي مكتبتنا نسخة من اختصار الموطأ للمهدي بن تومرت وأماليه، انتسخت بفاس سنة 588 طالعتها وفيها تحلية أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن بأمير المؤمنين، ولا يستغرب ذلك في الدولة الموحدية، لأنهم تجاوزوا ذلك إلى إدعاء العصمة والمهدوية، في إمامهم ابن تومرت.
ومن العجيب ما وقع في باب الأيمة من قريش من فتح الباري من أن قطري أحد أيمة الخوارج تسمى بأمير المؤمنين قال: وكذا تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج؛ ممن قام على الحجاج كابن الأشعث، ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار في وقت ما، فتسمى بالخلافة وليس بقرشي كبني عباد وغيرهم بالأندلس، كعبد المؤمن وذريته ببلاد المغرب كلها اهـ منه.
ولكن لما جاءت الدولة المرينية محت ذلك واقتصر ملوكها على التلقيب بأمير المسلمين، وبذلك كان يدعى ملوكهم، ولذلك نجد على بناآتهم وآثارهم الوصف بأمير المسلمين لا المؤمنين تمييزا لهم عن لقب الخلفاء بالمشرق، وفي مكتبتنا مد لإخراج زكاة الفطر من آثارهم نقش في صدره ما نصه.
الحمد لله- أمر بتعديل هذا المد المبارك مولانا أمير المسلمين أبو الحسن بن مولانا أمير المسلمين أبي سعيد بن مولانا أمير المؤمنين أبي يوسف بن عبد الحق أيده الله ونصره الخ.
وفي مكتبتنا أيضا أوراق من ربعة مصحف كريم في الرق في آخره بالذهب: كمل الجزء السادس عشر، مما نسخ لمولانا الملك العادل التقى الأطهر، أمير المسلمين وخليفة رب العالمين، أبو سعيد بن مولانا المقدس يوسف بن عبد الحق الخ واقتدى بهم في ذلك ملوك بني زيان بتلمسان، ففي مكتبتنا ربعة مصحف انتسخها بيده السلطان أبو زيان محمد بن أبي حم سنة 801 ووقع في آخرها وصفه بأمير المسلمين.
ولكن لما كانت انقطعت الخلافة ببغداد وكثر الأمراء في الجهات واستقل كل في جهته الحال الذي وصفه ابن الخطيب بقوله:
حتى إذا سلك الخلافة انتثر
…
وذهب العين جميعا والأثر
قام بكل بقعة مليك
…
وصاح فوق كل غصن ديك
توسع ملوك الأطراف في التلقيب بأمير المؤمنين، وتهافتوا عليه فيما بعد وخصوصا ملوك الدولة السعدية، ففي عقود تحبيساتهم في مكتبة القرويين وصفهم بأمير المؤمنين