الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي باب المفعول فيه من حاشية ابن غازي على الألفية «لطيفة» ذكر أبو حيان عن السهيلي عن قاسم بن ثابت قال: سمي الميل ميلا لأنهم كانوا ينصبون على الطرق أميالا كانوا يعرفون بها الخطى التي مشوها، فيجعلون على رأس كل ثلاث آلاف ذراع بناء كهيئة الميل، يكتبون فيه العدد الذي مشوه. وقال هشام لأعرابي كان يسير معه: أنظر في الميل كم مشينا، وكان الأعرابي أميا لا يقرأ فنظر ثم جاء فقال: فيه مخطف وحلقة وثلاثة كأطباء الكلبة، وهامة كهامة القطا، فضحك هشام. وعلم أن في الميل خمسة اهـ وهذا يدل على عبرهم للطرق وضبطهم المسافات للذاهب والجائي ومعقول أنهم ما عرفوا وعبروا بالفرسخ والميل، حتى كتبوا الأعداد ورسموها خشية الغلط. وانظر المصباح المنير للفيومي.
وفي الخطط للمقريزي ص 339 الجزء الأول أن عبد العزيز بن مروان، كانت له وهو على مصر ألف جفنة كل يوم تنصب حول داره، وكانت له مائة جفنة يطاف بها على القبائل على العجل اهـ وهذا يدل على نجر الطرق وترصيفها، لتجري فيها العجل.
باب في القسام
باب في المحتسب
في المحكم: أحتسب فلان؛ أنكر عليه قبيح عمله، وأنه يحسن الأمر (أي جيد التدبير والنظر) وفيه فصول:
فصل فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسبة
«خرج الترمذي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على صبرة من طعام؛ (الصبرة واحدة صبر الطعام، يقال: اشتريت صبرة أي بلا وزن ولا كيل) فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال: يا صاحب الطعام ما هذا؟ قال أصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ ثم قال: من غش فليس منا قال الترمذي حسن صحيح [ج 3/ 606 من كتاب البيوع باب 74] .
فصل فيمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر السوق وكيف كان يضرب من يعمل بالرّبا في الأسواق على عهده صلى الله عليه وسلم
«في الصحيح عن ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع
الطعام «1» ، وفيه أيضا عن سالم عن أبيه: رأينا الذين يبيعون الطعام مجازفة (والمجازفة بيع الشيء بغير كيل ولا وزن ولا عدد) يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه، حتى يذهبوا به إلى رحالهم. قال ابن عبد البر في الإستيعاب: إستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن سعيد بن العاص بعد الفتح على سوق مكة» .
قلت: ترجمه في الإصابة وذكر أن ابن شاهين ذكر عن بعض شيوخه: أن إسلامه كان قبل الفتح بيسير، فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على سوق مكة، وفي الإستيعاب: سمراء بنت نهيك الأسدية أدركت النبي صلى الله عليه وسلم، وعمرت، وكانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتنهى الناس عن ذلك بسوط معها.
وفي التيسير في أحكام التسعير للقاضي أبي العباس أحمد بن سعيد: من شرط المحتسب أن يكون ذكرا إذ الداعي للذكورة أسباب لا تحصى وأمور لا تستقصى، ولا يرد ما ذكر ابن هارون: أن عمر ولى الحسبة في سوق من الأسواق امرأة تسمى الشفاء، وهي أم سليمان بن أبي حثمة الأنصارية، لأن الحكم للغالب والنادر لا حكم له. وتلك القضية من الندور بمكان، ولعله في أمر خاص يتعلق بأمور النسوة اهـ.
عبارة ابن عبد البر: وكانت تمر في الأسواق، وتنهى عن المنكر، وتنهى الناس.
صريحة في خلاف تأويله؛ نعم: عبارته كالصريحة في أنها لم تولّ ذلك في زمنه عليه السلام، ويؤيده ما في جمهرة ابن حزم: كان عمر إستعملها على السوق.
وفي أحكام القرآن لابن العربي على قوله تعالى: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ [النمل: 23] وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، قلا تلتفتوا إليه.
وإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث اهـ منها.
ومما سبق عن ابن عبد البر من الجزم بما ذكر في ترجمة سمراء. وعن القاضي ابن سعيد من توجيه أن ولايتها كانت في أمر خاص يتعلق بأمر النساء ما ينحلّ به إيراد ابن العربي، وإلا فهو وجيه؛ لأن المرأة كما قال هو أيضا في الأحكام لا يتأتى لها أن تبرز إلى المجالس، وتخالط الرجال وتفاوضهم مفاوضة النظير للنظير، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجألة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم ولم يعلم قط من تصور هذا ولا أعتقده اهـ منها.
وفي التيسير لابن سعيد أيضا: إعلم أن الحسبة من أعظم الخطط الدينية، فلعموم مصلحتها وعظيم منفعتها، تولى أمرها الخلفاء الراشدون. لم يكلوا أمرها إلى غيرهم، مع ما كانوا فيه من شغل الجهاد، وتجهيز الجيوش للمكافحة والجلاد اهـ منه.
(1) انظر كتاب البيوع باب 49 ص 20/ 3.
وفي السيرة الحلبية ص 354 من الجزء الثالث في ذكر من ولي السوق في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ أن هذه الولاية تعرف بالحسبة ومولّاها بالمحتسب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إستعمل سعيد بن العاص بعد الفتح على سوق مكة، واستعمل عمر على سوق المدينة اهـ وبذلك تعلم ما في قول القلقشندي في صبح الأعشي: أول من قام بهذا الأمر يعني الحسبة وصنع الدرة عمر بن الخطاب في خلافته اهـ من ص 452 من الجزء الخامس فإن كان مراده الأولية في كل منهما مع التقييد بمدة خلافة عمر فلا إشكال أنه تقصير، لأن عمر كان يحمل الدرة في العهد النبوي، كما أن تكليفه بالسوق كان في زمنه عليه السلام. كما كلف غيره بذلك إذ ذاك.
وفي كشف الظنون: علم الإحتساب علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم، اللاتي لا يتم التمدن بدونها، من حيث إجراؤها على القانون المعدل، بحيث يتم التراضي بين المتعاملين، وعن سياسة العباد بنهي المنكر وأمر المعروف، بحيث لا يؤدي إلى مشاجرات وتفاخر بين العباد بحسب ما رآه الخليفة من الزجر والمنع، ومباديه بعضها فقهي، وبعضها أمور استحسانية، ناشئة من رأي الخليفة. والغرض منه تحصيل الملكة في تلك الأمور، وفائدته: إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتم وهذا أدق العلوم، ولا يدركه إلا من له فهم ثاقب، وحدس صائب، إذ الأشخاص والأزمان والأحوال ليست على وتيرة واحدة، بل لا بد لكل واحد من الأزمان والأحوال سياسة خاصة، وذلك من أصعب الأمور. فلذلك لا يليق بمنصبها إلا من له قوة قدسية مجردة عن الهوى، كعمر بن الخطاب. كان عالما في هذا الشأن. كذا في موضوع لطف الله اهـ وفيه عدة تاليف، ذكرت في حروفها من كشف الظنون فانظره.
«مهمة» يعوز كثيرا من العلماء تحرير القول في الدرة، التي كان سيدنا عمر يحملها ويضرب المستحق بها في مدة حسبته وخلافته.
ولم أر من حرر القول فيها كشيخنا الأستاذ الوالد في كتابه المسمى «التوفيق من الرب القريب. في عدد شيب وخضاب النبي الحبيب» وهذا ملخص ما له فيها:
ما اشتهر من أن سيدنا عمر كانت له درة صحيح وقع ذلك في كتاب العتق، وكتاب الديات من صحيح البخاري، وفي الأخير. وأقاد عمر من ضربه بالدرة، ولم يبين حقيقة هذه الدرة عياض في المشارق، وابن الأثير في النهاية، ولا شروح البخاري كالحافظ، والزركشي، والسيوطي وغيرهم. واقتصر في القاموس والصحاح والمصباح ولسان العرب والمخصص لابن سيدة على ما لا يفيد، وعبارة الصحاح: الدرة التي يضرب بها اهـ وفي القاموس: قوله ممزوجا بشرحه درة السلطان التي يضرب بها. وقال الخفاجي في شرح الشفا: الدرة بكسر الدال وتشديد الراء المهملتين: وهي سوط عريض يضرب به اهـ وقال أبو عبد الله جسوس على تصوف ابن عاشر: ذكر بعض شرّاح الرسالة أن عمر كان إذا جنّ
عليه الليل حاسب نفسه، وربما ضرب نفسه بالدرة قال: ولعلها عود في رأسه سوط اهـ؛ وكلام الفقهاء في باب الشرب صريح في المغايرة بينها وبين السوط: ففي المواق لدى قول خليل: والحدود بسوط من المدونة. ولا يجزي الضرب في الحدود بقضيب وشراك ولا درة، ولكن السوط، وإنما كانت درة عمر للأدب اهـ ونحوه للحطاب وغيره.
وأغرب صاحب الفتح الرباني في عنق المعترض على القطب الجيلاني حيث قال:
كان عمر كثيرا ما يؤدب الناس بالسوط المشهور بالدرة، وهو بكسر الدال: جلد مركب بعضه على بعض اهـ ومثله في الغرابة ما وجدته بخط الشيخ مصطفى بن محمد البناني المصري على هامش تأليفه: روضة الطالبين لأسماء الصحابة البدريين، ونصه: الدرة بكسر الدال وتشديد الراء؛ كانت من نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل أنه ما ضرب بها أحد على ذنب وعاد له فاعله اهـ.
وقال الدسوقي في حواشيه على شرح الدردير على المختصر: الدرة سوط رفيع مجدول أي معتدل من الجلد اهـ ونحوه للصاوي في حواشيه على أقرب المسالك، وفيه أيضا أنها كانت من جلد مركب بعضه فوق بعض اهـ وهو بعيد عندي؛ لأنها تدخل إذ ذاك فيما في صحيح مسلم، ومسند أحمد عن أبي هريرة، رفعه:«صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس» . «1» وفي حديث آخر لمسلم:
«إن طالت بك مدة يوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنة الله، في أيديهم مثل أذناب البقر» . «2» قال المناوي قوله: كأذناب البقر تسمى في ديار العرب بالمقاريع، جمع مقرعة وهو جلدة طرفها مشدودة وعرضها كالأصبع يضربون بها الناس اهـ ونحوه في روح البيان.
أقول: اتخاذ عمر لها للإذن له في حملها، والضرب على حسب ما حدّ له، فلم يكن يصل في الضرب بها إلى حد ما أنذر به الشارع، وكما كانت الدرة لعمر كانت لعثمان أيضا، إلا أنها أشد من الدرة العمرية كما في أوائل السيوطي وغيره. وفي سراج الملوك للطرطوشي قال الحسن: رأيت عثمان بن عفان وقد جمع الحصباء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأسه، وقد وضع أحد جانبي ردائه عليه، وهو يومئذ أمير المؤمنين، ما عنده أحد من الناس ودرته بين يديه اهـ وكان لسيدنا علي أيضا درة فقد أخرج عبد بن حميد في مسنده عن مطرف قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي:
إرفع إزارك فإنه أنقى لثوبك، وأبقى له فمشيت خلفه، وهو بين يدي مؤتزر بإزار مرتد برداء، ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي فقلت من هذا؟ فقال لي رجل: هذا علي بن أبي
(1) انظر مسلم: كتاب اللباس باب 34 ص 1680/ 2.
(2)
انظر كتاب الجنة ونعيمها باب 13 ج 3/ 2193.