الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعزاه لإبن السكن وإسحاق ابن راهواه، وقد ساق الحديث مطولا الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد: تحت باب تعليم من لا يعلم. ثم قال عن علقمة بن سعد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن جده قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيرا ثم قال: ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم، ولا يتفقهون، ولا يتعظون، والله ليعلمن قوما جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم، ويتفقهون ويتعظون أو أعاجلنهم العقوبة، ثم تولى. فقال قوم: من ترونه عنى بهؤلاء؟ قال: الأشعريين. هم قوم فقهاء، ولهم جيران جفاة من أهل المياه من الأعراب، فبلغ ذلك الأشعريين فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذكرت قوما بخير وذكرتنا بشر، ما بالنا. قال: ليعلمن قوم جيرانهم وليفقهنهم وليعظنهم وليأمرنهم ولينهونهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتعظون ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة في الدنيا فقالوا: يا رسول الله أنفطن غيرنا؟ فأعاد قولهم عليه وأعادوا أقوالهم أنفطن غيرنا؟ فقال ذلك أيضا فقالوا: أمهلنا سنة، فأمهلهم سنة ليفقهوهم ويعلموهم ويعظوهم. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ [المائدة: 78] الآية ورواه الطبراني في الكبير، وفيه بكر بن معزوف قال خ إرم به ووثقه أحمد في رواية وضعفه في أخرى وقال عدي أرجو أنه لا بأس به.
الفصل الثالث:
ذكر من بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجهات يعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين.
قلت: إستفتح الخزاعي فصل الفقه في الدين بفصول، أولها: في الحض على التفقه في الدين، صدّره بحديث معاوية: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين «1» ، مقتصرا على عزوه لمسلم مع أنه في البخاري. وهذا معيب منه رحمه الله، لما تقرر أن الحديث إذا كان في البخاري لا يعزى إلى غيره، وثانيها: كيف كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدين، وثالثها: سؤال النساء. وهذه الفصول في نظري إستطرادية. ثم ترجم لمن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مفقها في الدين فمنهم عنده: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف. في سيرة ابن إسحاق؛ لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من القوم الذين بايعوه في العقبة الأولى، قال: وهم إثنا عشر بعث معهم مصعبا، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، وكان يسمى المقريء بالمدينة.
قلت: في الإستبصار لإبن قدامة المقدسي: لما قدم مصعب بن عمير المدينة نزل على أسعد بن زرارة فكان يطوف به على دور الأنصار، يقرئهم القرآن ويدعوهم إلى الله عز وجل، فأسلم على يديهما جماعة؛ منهم: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وغيرهما. اهـ
(1) الحديث المذكور رواه البخاري في موضعين في كتاب فرض الخمس ج 4 ص 49 وفي ج 8 ص 149 كتاب الاعتصام بالسنة.
وفي التهذيب للنووي لدى ترجمة مصعب هذا: هاجر إلى المدينة بعد العقبة الأولى، ليعلّم الناس القرآن ويصلي بهم، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الإثنى عشر أهل العقبة الثانية، ليفقه أهل المدينة ويقرئهم القرآن، فنزل على أسعد بن زرارة اهـ «ومنهم معاذ بن جبل في الإكتفاء لأبي الربيع الكلاعي: إستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة، وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن» .
خرّجه ابن سعد في الطبقات عن مجاهد انظر ص 108 ج 2 من القسم 2.
قلت: يصح أن يستدرك هنا من المعلمين جماعة فمنهم: أبو عبيدة بن الجراح، أخرج أحمد في مسنده عن أنس قال: لما وفد أهل اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إبعث معنا رجلا يعلّمنا السنة والإسلام، فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال:«هذا أمين هذه الأمة» ، وسيّره «1» إلى الشام أميرا فكان فتح أكثر الشام على يده، ومنهم رافع بن مالك الأنصاري، ترجمه في الإصابة فذكر عن ابن إسحاق أنه: أول من قدم المدينة بسورة يوسف، وأن الزبير بن بكار روى في أخبار المدينة أن رافعا لما لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالعقبة، أعطاه ما أنزل إليه في العشر سنين التي خلت، فقدم به رافع إلى المدينة، ثم جمع قومه فقرأ عليه في موضعه قال: وعجب المصطفى صلى الله عليه وسلم من إعتدال قلبه، ومنهم أسيد بن حضير ترجم في الإصابة لإبراهيم بن جابر فقال فيه: كان من جملة العبيد الذين نزلوا على النبي صلى الله عليه وسلم أيام حصاره الطائف، فأعتقه وبعثه إلى أسيد بن حضير، وأمره أن يمونه ويعلمه. ذكره الواقدي واستدركه ابن فتحون.
وترجم في الإصابة أيضا للأزرق بن عقبة الثقفي، من عبيد الحارث بن كلدة الثقفي فذكر: أنه ممن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في حصار الطائف، وأنه أسلم وأعتقه وسلمه لخالد بن سعيد بن العاصي ليمونه ويعلمه، ومنهم عمرو بن حزم بن زيد الأنصاري قال في الإستبصار في أنساب الأنصار: إستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على نجران، وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن ويأخذ صدقاتهم وذلك سنة عشر اهـ.
أقول: يجب أن يذكر هنا من كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ستة من
(1) الضمير في سيّره هو لعمر بن الخطاب والحديث في ج 3 ص 286 وفي طبعة المكتب الإسلامي ج 3 ص 362.
الأنصار عدّهم البيهقي هكذا: أبي بن كعب، زيد بن ثابت وأبو زيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعد بن عبادة، رواه الطبراني والبيهقي مقيدا بالأنصار فلا ينافي أنه حفظه كثيرون، وفي الصحيحين عن أنس أنه جمع القرآن أي حفظ جميعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي ومعاذ وأبو زيد بن ثابت. قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومته.
أبو زيد المذكور هو قيس بن السكن يكنى أبا زيد كنيته غالبة عليه ولا عقب له، نبّه على ذلك الموفق بن قدامة في الإستبصار في أنساب الأنصار. وفي ترجمة ثابت بن زيد بن مالك الأنصاري من الإستبصار أيضا يروي عن يحيى بن معين أنه أبو زيد الذي جمع القرآن وغير ذلك أولى اهـ منه، وفي ترجمة حنظلة بن أبي عامر من الإستبصار أيضا. روى قتادة عن أنس قال: إفتخرت الأوس فقالوا: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب. ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا من كانت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، ومنا من إهتز عرش الرحمن لموته سعد بن معاذ فقال الخزرجيون: منا أربعة قرؤا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرأه غيرهم، أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد وأبو حنظلة اهـ.
قلت: ومراد من حصرهم في أربعة من حضر في ذهنه، فلا ينافي وجود غيرهم من حفظته، كأبي بكر، وفي الفجر الساطع لدى باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول أنس: لم يجمع القرآن غير أربعة أستشكل هذا فإنه قد جمعه سواهم، ذكر أبو عبيد منهم الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدا وابن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة الأربعة وغيرهم، وأجيب باحتمال: أن المراد لم يجمعه على جميع وجوهه من القراآت التي أنزل بها إلّا أولئك، وأن أنسا قاله بحسب ما وصل إليه علمه، وإن كان الواقع خلافه اهـ وفي فتح الباري: الذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياته عليه السلام، وقد صح حديث «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» «1» ، وقد قدمه النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما للمهاجرين والأنصار، فدل على أنه كان أقرأهم، وكسيدنا علي فإنه جمع القرآن على ترتيب النزول، عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي داود «وانظر فتح الباري» .
وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي: أخرج الخطيب في التاريخ بسنده عن محمد بن عباد قال: لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان بن عفان والمأمون اهـ. وهذا الحصر ممنوع؛ بل حفظه أيضا الصديق على الصحيح، وصرّح به جماعة منهم النووي في تهذيبه، وعليّ وورد من طريق أنه حفظه كله بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الرياض المستطابة: جمع القرآن حفظا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة: علي،
(1) أخرجه أحمد عن أبي مسعود الأنصاري وأنس وعمرو بن سلمة انظر ج 4 ص 118 والمكتب الإسلامي ج 4 ص 164.