الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آياته الجسام، حتى أقسم به في كتابه فقال: ن وَالْقَلَمِ فأقسم بالقلم وما يخط بالقلم» .
وقد روي عن ابن عباس في قوله: ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف: 4]، قال يعني الخط. وروي عن مجاهد في قوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ [البقرة: 269]، يعني الخط وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:
269] ، يعني الخط اهـ بتقديم وتأخير. قال بعضهم: وهذا يبطل ما قاله ابن خالدون عن جهلهم بالخط، فإن عكرمة كان يتكلم عن مشاهدة وابن خالدون قال ما قال عن تخمين.
ذكر المعلمة من النساء
«قال في الإستيعاب والإصابة: الشفاء أم سليمان بن أبي حتمة قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
علّمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة، خرّج ذلك عنها أبو داود عن الشفا. قالت:
دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال: ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة قال الخطابي في معالم السنن. في هذا الحديث دليل على أن تعلم النساء الكتابة غير مكروه اهـ» .
نقل كلام الخطابي المذكور وأقره جماعة منهم ابن طرخان في الأحكام النبوية، ونحوه للأردبيلي في الأزهار شرح المصابيح، وابن القيم في الهدى وغيرهما، وفي نور النبراس أنه وقع في عهده بدمشق أن فقيها سئل: هل يجوز أن يتعلم النساء الكتابة؟ فأجابه:
لا يجوز تعليمهن الكتابة. قال الحافظ برهان الدين الحلبي: وغفل هذا المفتي عن الحديث الذي في سنن أبي داود في الطب، وقد سكت عليه أبو داود. فهو صالح عنده ثم ذكر حديث الشفا هذا اهـ.
وقال الإمام مجد الدين بن تيمية في المنتقى عقب حديث الشفا المذكور في هذه الترجمة: وهو دليل على جواز تعلم النساء للكتابة. قال شارحه القاضي الشوكاني في نيل الأوطار: وأما حديث لا تعلّموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف وعلموهن سورة النور فالنهي عن تعلميهن الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمهن الفتنة اهـ منه.
وفي الفتاوي الحديثية للشهاب بن حجر الهيثمي الشافعي المصري أنه سئل ما حكم تعلم النساء الكتابة؟ وفي وسيط الواحدي أول سورة النور ما يدل على عدم الإستحباب هل هو صحيح أو ضعيف؟ فأجاب بقوله: هو صحيح فقد روى الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رفعته لا تنزلوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، يعني النساء وعلموهن الغزل وسورة النور، لما فيهن من الأحكام الكثيرة المتعلقة بهن المؤدي حفظها وعلمها، إلى غاية حفظهن عن كل فتنة وريبة كما هو ظاهر.
وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن مسعود رفعه: مرّ لقمان على جارية في الكتّاب،
فقال لمن يصقل هذا السيف؟ أي حتى يذبح به. وحينئذ فيكون فيه إشارة إلى علة النهي عن الكتابة، وهي أن المرأة إذا تعلمتها توصلت بها إلى أغراضها الفاسدة.
واعلم: إن النهي عن تعليم النساء للكتابة لا ينافي طلب تعليمهن القرآن والعلوم والآداب، لأن هذه مصالح عامة من غير خشية مفاسد تتولد عليها بخلاف الكتابة. فإن قلت أخرج أبو داود عن الشفا وذكر حديث الترجمة وفيه علميها الرقية كما علمتها الكتابة وهذا يدل تعليم النساء الكتابة قلت ليس فيه دلالة على طلب تعليمن الكتابة وإنما فيه دليل على جواز تعليمهن الكتابة ونحن تقول به، وإنما غاية الأمر فيه أن النهي عنه تنزيه لما تقرر من المفاسد المترتبة عليه اهـ وحديث الشفا هذا أورده الحافظ السيوطي في الجامع الصغير بلفظ: علمي حفصة رقية النملة، وعزاه إلى أبي عبيد في الغريب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حتمة قال المناوي في شرحه الكبير فتح القدير: ورقيتها كما في الفائق قروح تخرج بالجنب فترقى فتذهب. ورده بعض أذكياء المغاربة بأنه من الخرافات التي كان ينهى عنها، فكيف يأمر بها؟ وإنما أراد الأول وأراد تأديب حفصة حيث أشاعت السر الذي استودعها إياه على ما نطق به التنزيل بقوله: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً [التحريم: 3] .
وقال في التيسير: ورقيتها؛ (العروس تحتفل، وتختضب وتكتحل، وكل شيء تفتعل، غير أن لا تعصى الرجل) اهـ وفي النهاية قيل: إن هذا من لغز الكلام ومزاحه، كقوله للعجوز:
لا تدخل الجنة عجوز إذ رقية النملة شيء كانت تستعمله النساء، يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع اهـ. «1»
وفي حواشي البدر الدماميني على البخاري على حديث: ثلاث لهم أجران، رجل كانت عنده أمة يطأها فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها «2» ، الحديث في باب تعليم الرجل امته وأهله شرائع الدين، لأن هذا الحديث ينسحب على تعليم الإماء، فكيف بالحرائر والأقارب؟ قاله ابن المنير اهـ.
وترجم البخاري عقب الترجمة السابقة باب عظة الإمام النساء وتعليمهن فذكر فيها قول ابن عباس أن المصطفي عليه السلام خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع فوعظهن. قال الدماميني: هذا أصل في حضور النساء المواعيد ومجالس الخير بشرط السلامة من الفتنة اهـ.
وفي الفجر الساطع على هذه الترجمة أي مطلوبية ذلك ونبه على أنه كما يطلب من الرجل أن يعلم أهله يطلب من الإمام أو نائبه أن يعلم النساء اهـ.
ثم بوّب البخاري أيضا بعد ترجمتين بقوله باب هل يجعل للنساء يوما على حدة في
(1) حذفت هنا كلاما مفاده منع تعليم النساء وفيه بيتان من الشعر لا يناسب مضمونهما قيمة هذا الكتاب. مصححه.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ج 4 ص 20 من حديث أبي موسى وأوله: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين.
العلم؟ قال في الفجر الساطع: أي تعليمه وجواب هل محذوف تقديره: نعم يجعل لهن ذلك اهـ وفي شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي: وليس من التشبه المذموم دخول المرأة في شيء من طلب العلم وتعليمه وتربية المريدين، فقد كانت عائشة تعبر العلوم وتورد الإشكالات على الفحول، وقد استدركت على جماعة من الصحابة في كثير من الأحاديث، فاستدركت على عمر وابنه وأبي هريرة وابن عباس وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن الزبير وزيد وأبي الدرداء وأبي سعيد والبراء وفاطمة بنت قيس وغيرهم، وألّف في ذلك جمع من العلماء آخرهم الحافظ السيوطي كتابه «الإصابة فيما استدركته عائشة على الصحابة» وقال عروة بن الزبير: ما رأيت أحدا أعلم بالحلال والحرام، والعلم والشعر والطب من عائشة. وقال مسروق: لقد رأيت الصحابة يسألون عائشة عن الفرائض.
رواهما الحاكم، وكذلك بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والنساء الصحابيات كأم سليم وأم الدرداء وفاطمة بنت قيس، وسائر النساء الصالحات والعارفات، كرابعة العدوية ورابعة الشامية وشقوانة فإنهم كانوا يأخذون العلم والأدب والزهد عنهن، كما كانوا يحملونه عن الرجال، كما يؤخذ ذلك من سيرهن المذكورة في كتب الحديث والتاريخ. وقد رئي من اجتهادهن في العبادة وتدقيقهن في الورع، ما عجزت عنه الرجال اهـ منه.
وقد ثبت عن كثير من نساء أهل الصحراء الأفريقية خصوصا شنقيط موريتانيا وتنبكتو وكنت العجب، حتى جاء أن الشيخ المختار الكنتي الشهير صاحب الطريقة الشهيرة به ختم المختصر الخليلي يوما للرجال وختمته زوجته في جهة أخرى للنساء، وفيهما ألف ولدهما الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن الشيخ المختار كتابه «الطريفة والتالدة في مناقب الشيخ الوالد والشيخة الوالدة» وهو في مجلد ضخم، وانظر الكلام على حكم تعليم النساء في شرح المجاجي على مختصر بن أبي جمرة للصحيح، والآداب الكبرى لابن مفلح الحنبلي، ورسالة عصرينا محدث الهند الشيخ محمد شمس الحق الألهابادي المسماة: عقود الجمان في جواز الكتابة للنسوان، وهي مطبوعة وشرح الوغليسية لزرّوق، وشرح أبي علي بن رحال على المختصر، ثم كتاب الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، لإحدى الكاتبات المصريات المتأخرات زينب بنت فواز وهو في مجلد ضخم، ويعجبني أن أثبت هنا قول عصرينا الشاعر المصري المشهور وهو الشيخ مصطفى صادق الرافعي «1» :
يا قوم لم تخلق بنات الورى
…
للدرس والطرس وقال وقيل
لنا علوم ولها غيرها
…
فعلموها كيف نشر الغسيل
والثوب والإبرة في كفها
…
طرس عليه كل خط جميل
(1) إعجاب المؤلف بأبيات الرافعي فيها عجب، فقد ذكر النقيضين، فهو من جهة يؤيد تعليم النساء ومرة أخرى يعجب بمن يعارض ذلك؟. مصححه.