الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
برحمته، وأن يدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار. ولا سبيل لنا إلى إثبات شيء من هذه الأقسام إلَّا بخبر يَجِب المصير إليه، وكلُّها جائزةٌ بالنسبة إلى الله، وإنَّما يترجَّح بعضُها على بعض بمجرَّد المشيئة.
وهذا قول الجَبْريَّة نُفاةِ الحكمة والتعليل. وقد ظنَّ كثيرٌ من هؤلاء أنَّ هذا جواب النبي صلى الله عليه وسلم حيث سُئِل عنهم فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» . وهذا الفهم غلطٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجوابُه لا يدُلُّ على ذلك أصلًا، بل هو حجةٌ عليهم، فإنَّه لم يقُلْ: هم في مشيئة الله يفعل فيهم ما يشاء بلا سبب ولا عمل، بل أخبر أنَّ الله يعلم أعمالهم التي يستحقُّون بها الثواب أو العقاب لو عاشوا.
وقد دلَّت الآثار التي سنذكرها على ظهور معلومه فيهم في الدار الآخرة، الذي يقع عليه الثواب والعقاب.
وهذا المذهب مَبنِيٌّ على أصول الجبريَّة المنكرين للأسباب والحِكَم والتعليل. وهو مذهب مخالف للعقل والفطرة، والقرآن والسنة، وجميع ما جاءت به الرسل.
فصل
المذهب السادس: أنَّهم خدَمُ أهل الجنة ومماليكُهم
. وهم معهم بمنزلة أرقائهم ومماليكهم في الدنيا. وهذا مذهب سلمان.
واحتج هؤلاء بما رواه يعقوب بن عبد الرحمن القاريّ عن أبي حازم المديني، عن يزيد الرقاشي، عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سألتُ ربي اللَّاهين من ذريَّة البشر أن لا يعذِّبَهم، فأعطانيهم، فهم خَدَمُ أهل
الجنة»
(1)
يعني الصبيان.
قال الدارقطني
(2)
: ورواه عبد العزيز الماجشون، عن ابن المنكدر، عن يزيد الرقاشي، عن أنس.
فهذه طريقان، وله طريقٌ ثالث عن فضيل بن سليمان، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن أنس
(3)
.
قال ابن قتيبة
(4)
: اللَّاهون مِن: (لَهِيتُ عن الشيء)، إذا غَفَلتَ عنه، وليس هو مِن (لَهَوتُ).
(1)
أخرجه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1544) بإسناده عن يعقوب بن عبد الرحمن به، وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبان الرقاشي.
(2)
في «العلل» (2656). ومن هذا الطريق أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (4101، 4102) وأبو القاسم البغوي في «مسند ابن الجعد» (2906) والبيهقي في «القضاء والقدر» (629) وابن عبد البر في «التمهيد» (18/ 117). وهو كسابقه، فيه يزيد الرقاشي. وقد روي من طرق عن محمد بن المنكدر عن أنس مباشرة ــ وسيأتي بعضها ــ، ولكنها كلها ضعيفة ومعلولة، والصواب أن بينهما يزيد الرقاشي. انظر:«السلسلة الصحيحة» (1881) و «أنيس الساري» (2203).
(3)
أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (3570) وابن عدي في «الكامل» (7/ 184، 8/ 584) والطبراني في «الأوسط» (5957)، كلهم من طريق عبد الرحمن بن المتوكل عن فضيل بن سليمان به. وهذا الطريق ليس بثابت كما قال الدارقطني في «العلل» (2656)، وذلك أن عبد الرحمن بن المتوكل قد خُولف فيه، خالفه عمرو بن مالك البصري فرواه عن فضيل بن سليمان، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن ابن المنكدر، عن أنس. وهو الصواب، على ما فيه من إسقاط يزيد الرقاشي.
(4)
كما في «العلل المتناهية» (2/ 444)، ولم أجده في «غريبه» .
وهذا الحديث ضعيف، فإنَّ يزيد الرقاشي واهٍ، وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف. وفضيل بن سليمان فيُنظَر فيه
(1)
.
وقال محمد بن نصر المروزي
(2)
: حدثنا سعد بن مسعود، ثنا الحجَّاج بن نصير
(3)
، حدثنا مبارك بن فَضَالة، عن علي بن زيد، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في أولاد المشركين، قال:«خدم أهل الجنة» .
حدثنا عيسى بن مُساوِر، ثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن حسَّان الكِنَاني
(4)
، أخبرنا محمد بن المُنكَدِر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«سألتُ ربِّي اللَّاهين من ذرية البشر أن لا يعذِّبَهم، فأعطانيهم»
(5)
. وهذه طريقٌ رابع لحديث أنسٍ، فيُنظَر في عبد الرحمن بن حسان هذا
(6)
.
(1)
قال المؤلف في «حادي الأرواح» (1/ 467) في الكلام على هذه الطرق: «وفضيل بن سليمان متكلم فيه» ، والآخران كما هنا. وفُضيل قد تكلم فيه ابن معين والرازيان والنسائي وغيرهم. انظر:«تهذيب الكمال» (6/ 47) و «تهذيب التهذيب» (8/ 291).
(2)
لعله في كتاب «الرد على ابن قتيبة» . وأخرجه أيضًا البزار (7466) وابن أبي الدنيا في «النفقة على العيال» (204) عن الفضل بن سهل، عن الحجاج بن نصير به. وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (5355) من طريق آخر عن مبارك بن فَضالة به. وإسناده ضعيف، مبارك بن فَضالة فيه لين، وعلي بن زيد هو ابن جُدعان: ضعيف.
(3)
في الأصل: «نصر» ، تصحيف.
(4)
في الأصل: «الكندي» ، تصحيف.
(5)
وأخرجه أيضًا الضياء المقدسي في «المختارة» (7/ 201) من طريق آخر عن الوليد بن مسلم به.
(6)
عبد الرحمن بن حسَّان صدوق، ولكن الشأن في الوليد بن مسلم، فإنه يدلِّس تدليس التسوية، ولعله سوَّى الإسناد بإسقاط يزيد الرقاشي بين ابن المنكدر وأنس، فإن عبد العزيز الماجشون ــ وهو ثقة من رجال الشيخين ــ قد رواه عن ابن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن أنس كما سبق. فمدار الحديث على يزيد، وغير ابن المنكدر من الثقات، كأبي حازم المديني (وقد سبق) والأعمش (أبو يعلى: 4090) والرَّبيع بن صَبيح (الطيالسي: 2225)، أيضًا يروونه عن يزيد الرقاشي عن أنس.
وقال محمد بن نصر: حدثنا أبو كامل، حدثنا أبو عَوَانة، عن قتادة
(1)
، عن أبي مُراية، عن سلمان قال: أطفال المشركين خدم أهل الجنة
(2)
.
حدثنا عمرو بن زُرارة، ثنا إسماعيل، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي مُراية العِجْلي قال: قال سلمان: ذراري المشركين خدم أهل الجنة
(3)
.
(1)
في الأصل: «أبي قتادة» ، خطأ. وسيأتي على الصواب في الإسناد التالي.
(2)
أخرجه أيضًا لوين في «حديثه» (32) والبيهقي في «القضاء والقدر» (630)، كلاهما من طريق أبي عوانة به. قال البيهقي: الخبر موقوف، وأبو مُراية فيه نظر. وقال أبو داود كما في «سؤالات الآجري» (2/ 141):«أبو مُراية لم يَرَ سلمان قط» ، وعليه ففي إسناده انقطاع.
(3)
تابع أبا عوانة وسعيدًا في روايتهما على هذا الوجه: همامُ بن يحيى والخليل بن مرَّة، كما في «تفسير يحيى بن سلَّام» (2/ 657). وخالف هؤلاء الأربعة معمرٌ ــ كما في «جامعه» (20079) ــ فرواه عن قتادة عن الحسن عن سلمان، وتمامه:«ثم قال الحسن: ما تعجبون؟ أكرمهم الله وأكرم بهم» . والأشبه أن في الرواية اختصارًا موهمًا، وأن الحسن لم يروِ ذلك عن سلمان، وإنما ذكر له قتادةُ ما رواه أبو مُراية عن سلمان، فقال الحسن:«وما تُنكرون؟ قوم أكرمهم الله وأكرم بهم» . هكذا في رواية الخليل بن مرَّة عن قتادة عند يحيى بن سلام. على أنه لو صحَّت رواية معمر، لكان فيها انقطاع أيضًا، فإن الحسن لم يُدرك سلمان.