الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(1)
وقولهم: (وأن نَلْزم زِيَّنا حيثما كنا، وأن لا نتشبَّه بالمسلمين
في لبس قَلَنْسُوة ولا عمامة ولا فَرْق شعرٍ ولا في مراكبهم).
هذا أصل الغيار، وهو سُنَّةٌ سَنَّها مَن أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم باتَّباع سُنَّته، وجرى عليها الأئمةُ بعده في كلِّ عصرٍ ومِصرٍ، وقد تقدَّمت بها سُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو القاسم الطبري: سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ممَّا يدلُّ على وجوب استعمال الغِيار لأهل الملل الذين خالفوا شريعته صَغارًا وذُلًّا وشُهرةً وعَلَمًا عليهم، ليُعرَفوا من المسلمين في زيِّهم ولباسهم ولا يتشبَّهوا بهم. وكتب عمر إلى الأمصار أن تُجَزَّ نواصيهم، وأن لا يلبسوا لبسة المسلمين حتى يعرفوا. وعن عمر بن عبد العزيز مثله
(2)
.
قال: وهذا مذهب التابعين وأصحاب المقالات من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين. ثم ساق من طريق الفريابي
(3)
: حدثنا عبد الرحمن بن ثابت، عن حسَّان بن عطية، عن أبي مُنيب الجُرَشي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
(1)
هذا الفصل وما بعده من الفصول إلى (ص 416) تندرج تحت «الفصل الرابع: فيما يتعلَّق بتغيير لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس وغيره» حسب تقسيم المؤلف المذكور (ص 278).
(2)
سيأتي ذكر فِعل العُمَرين بإسناده، وثَمَّ تخريجه.
(3)
في الأصل والمطبوع: «العرياني» ، تصحيف قد سبق مثلُه. ومن طريق الفريابي أخرجه ابن الأعرابي في «معجمه» (1137) ــ ثم من طريقه البيهقي في «شعب الإيمان» (1154) ــ وتمَّام في «فوائده» (770).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُعِثت بالسَّيف بين يدَيِ الساعة حتى يُعبَد الله لا يشرك به،
(1)
وجُعِل الذلُّ والصَّغار على مَن خالف أمري، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم». رواه الإمام أحمد في «مسنده»
(2)
.
قال أبو القاسم: هذا أحسن حديث روي في الغيار، وأشبه بمعناه، وأوجه في استعماله، لِما ينطق لفظُه بمعناه ومفهومه، بما يقتضي فحواه
(3)
من قوله: «وجُعِل الذلُّ والصَّغار على مَن خالف أمري» ، فأهل الذمة أعظم خلافًا لأمره وأعصاهم لقوله، فهم أهل أن يُذَلُّوا بالتغيير عن زيِّ المسلمين الذين أعزَّهم الله بطاعته وطاعة رسوله من
(4)
الذين عصوا الله ورسوله، فأذلَّهم وصغَّرهم وحقَّرهم حتى تكون سمة الهوان عليهم، فيُعرَفون بزيهم.
ودلالةٌ ظاهرةٌ
(5)
في وجوب استعمال الغيار على أهل الذمة من قوله
(1)
بعده في مصادر الحديث: «وجُعل رِزْقي تحت ظِلِّ رُمحي» ، فلا أدري أسقط من الناسخ لانتقال النظر، أو هكذا رواه اللالكائي.
(2)
رقم (5114، 5115) من طريقين آخرين عن عبد الرحمن بن ثابت به. وأخرجه أبو داود مختصرًا (4031)، وعلَّق البخاري بعضه في الجهاد (باب ما قيل في الرماح) بصيعة التمريض. ورجاله ثقات، عدا عبد الرحمن بن ثابت ــ هو ابن ثوبان ــ فإنه مختلف فيه. وقد حسَّنه شيخ الإسلام في «الاقتضاء» (1/ 269) وذكر أن أحمد احتجَّ به، والذهبيُّ في «السير» (15/ 509)، والحافظ في «الفتح» (10/ 222). وله شواهد، ولكنها ما بين ضعيف ومرسل. انظر:«أنيس الساري» (3561).
(3)
في الأصل: «نحواه» ، خطأ.
(4)
كذا، ولم يتبيَّن متعلَّق الجار والمجور.
(5)
معطوف على: «هذا أحسن حديث روي في الغيار
…
». وغيَّره في المطبوع إلى: «ودلالته ظاهرة» .
- صلى الله عليه وسلم: «مَن تشبَّه بقوم فهو منهم» ، ومعناه إن شاء الله: أنَّ المسلم يتشبَّه بالمسلم في زيِّه فيعرف أنَّه مسلم، والكافر يتشبَّه بزيِّ الكافر فيعلم أنه كافرٌ، فيجب أن يُجبَر الكافر على التشبُّه بقومه ليعرفه المسلمون به.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُسلِّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير»
(1)
. وسأله رجلٌ: أي الإسلام خيرٌ؟ قال: «تُطعِم الطعام، وتَقرأ السلامَ على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف»
(2)
. وقد نهى أن يُبدَأ اليهود والنصارى بالسلام
(3)
، وإذا سلَّم أحدهم علينا أن نقول له: وعليكم
(4)
. وإذا كان هذا من سُنَّة الإسلام فلا بدَّ أن يكون لأهل الذمة زيٌّ يُعرَفون به حتى يُمْكِن استعمالُ السُّنَّة في السلام في حقِّهم، ويَعرِف منهم المسلمُ مَن سلَّم عليه: هل
(5)
هو مسلم يستحقُّ السلام أو ذمي لا يستحقُّه، وكيف يرد عليهم؟
وقد كتب عمر إلى الأمصار أن تُجَزَّ نواصيهم ــ يعني: أهل الكتاب ــ وأن لا يلبسوا لبسة المسلمين، حتى يُعرَفوا.
قلت: ما ذكره من أمر السلام فائدةٌ من فوائد الغيار. وفوائده أكثر من ذلك، فمنها: أنَّه لا يقوم له، ولا يُصدَّر في المجلس، ولا يُقبِّل يدَه، ولا يقوم لدى
(6)
(1)
أخرجه البخاري (6232) ومسلم (2160) من حديث أبي هريرة.
(2)
أخرجه البخاري (12) ومسلم (39) من حديث عبد الله بن عمرو.
(3)
كما في حديث أبي هريرة عند مسلم (2167).
(4)
كما في حديث أنس عند البخاري (6258) ومسلم (2163)
(5)
في الأصل: «فلل» من غير نقط، مُعلمًا عليه بالحمرة، وفي الهامش:«ظ» ، أي: فيه نظر. والظاهر أنه مصحَّف عن المثبت.
(6)
في الأصل: «لا» ، تصحيف.
رأسه، ولا يخاطبه بأخي وسيدي ووليي ونحو ذلك، ولا يُدعَى له بما يُدعَى به للمسلم من النصر والعِزِّ ونحو ذلك، ولا يصرف إليه من أوقاف المسلمين ولا مِن زكواتهم، ولا يستشهده تحمُّلًا ولا أداءً، ولا يبيعه عبدًا مسلمًا، ولا يمكِّنه من المُصحَف، وغيرُ ذلك من الأحكام المختصة بالمسلمين؛ فلولا النهي لعامَلَه ببعض ما هو مختصٌّ بالمسلم.
فهذا من حيث الإجمال، وأمَّا من حيث التفصيل ففي شروط عمر رضي الله عنه: (وأن لا نتشبَّه بالمسلمين في شيء من لباسهم في قلنسوة
…
)، فيمنعون من لباسها لما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصحابته يلبسونها، ولم يزل لُبسها عادة الأكابر من العلماء والفقهاء والقضاة والأشراف والخطباء على الناس، واستمر الأمر على ذلك إلى أواخر الدولة الصلاحية فرغب الناس عنها.
وقد روى العوَّام بن حَوشب، عن إبراهيم التَّيمي، عن ابن عمر: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قَلَنْسُوةٌ بيضاء لاطئةٌ يلبسها
(1)
.
وكان لعلي رضي الله عنه قلنسوةٌ بيضاء يلبسها
(2)
.
(1)
أخرجه أبو يعلى كما في «المطالب العالية» (2246) ــ وعنه أبو الشيخ في «أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم» (312) ــ والعقيلي في «الضعفاء» (3/ 201) وابن عدي في «الكامل» (6/ 567) والطبراني (13/ 204) والبيهقي في «شعب الإيمان» (312)، كلهم من طريق عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب به.
وقال البيهقي: «تفرد به ابن خراش، وهو ضعيف» . بل هو منكر الحديث جدًّا، وقد اتُّهم بالكذب. وله شاهد من حديث عائشة وعبد الله بن بسر رضي الله عنهما، ولكن إسناد كليهما واه. انظر:«السلسلة الضعيفة» (2538).
(2)
أخرج ابن سعد في «الطبقات» (3/ 28) والدولابي في «الكنى» (1328، 1329) أنه رئي على علي رضي الله عنه قلنسوة بيضاء مُضرَّبة (أي: مخيطة). وفي إسناده لين.
وذكر سفيان عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنَّه كان لا يمسح على العمامة ولا على القلنسوة
(1)
.
وقالت أُمُّ نَهار: كان أنسٌ يمُرُّ بنا في كلِّ جمعة على بِرذَون عليه قلنسوةٌ لاطئةٌ
(2)
.
فإنَّما نهى عمر رضي الله عنه أهل الذِّمة عن لبسها لأنهَّا زيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده وغيرِهم من الخلفاء بعده، وللمسلمين برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أسوةٌ وقدوةٌ، فالخلفاء يلبسونها اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وتشبُّهًا به وهُم أولى الناس باتِّباعه واقتفاء أثره.
والعلماء يلبسونها إذا انتهوا في علمهم وعِزِّهم
(3)
وعَظُمت منزلتهم واقتدى الناس بهم، فيتميَّزون
(4)
بها للشرف على مَن دونهم لِما رفعهم الله بعلمهم على جَهَلة خلقه. والقضاة تلبسها هيبةً ورِفعةً، والخطباء تلبسها على
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (234) وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 124) من طريق سفيان ــ هو الثوري ــ به، دون قوله:«ولا على قلنسوة» . وفي «سنن الدارقطني» (376) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا مسح رأسَه رفع القلنسوة ومسح مقدَّمَ رأسه.
(2)
أخرجه ابن أبي الدنيا في «العيال» (283) وأبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة» (119) والحافظ ابن حجر في «الأحاديث العشرة العشارية الاختيارية» (5) وقال: هذا إسناد حسن موقوف.
(3)
في الأصل: «وغيرهم» ، والمثبت من نشرة صبحي الصالح.
(4)
في الأصل: «فيمهرون» مهملًا مع استشكاله بـ «ظ» في الهامش. ولعله تصحيف عن المثبت.