الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قولهم: (ولا نخرج صليبًا ولا كتابًا في أسواق المسلمين)
.
فيه زيادةٌ على عدم إظهارهم ذلك على كنائسهم وفي صلواتهم، فهم ممنوعون من إظهاره في أسواق المسلمين وإن لم يرفعوا أصواتهم به. ولا يُمنَعون من إخراجه في كنائسهم وفي منازلهم، بل الممنوع منه فيها رفع أصواتهم ووضع الصليب على أبواب الكنائس.
فصل
قولهم: (وأن لا نخرج باعوثًا ولا شعانينًا
، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نُظهر النِّيران معهم في أسواق المسلمين).
فأمَّا الباعوث فقد فسَّره الإمام أحمد في رواية ابنه صالح
(1)
فقال: يخرجون كما نخرج في الفطر والأضحى. ومن هنا قال أحمد في رواية ابن هانئ
(2)
: ولا يتركوا أن يجتمعوا في كلِّ أَحَدٍ، ولا يظهروا لهم خمرًا، ولا ناقوسًا.
فإنَّ اجتماعهم المذكور هو غاية الباعوث ونهايته، فإنَّهم ينبعثون إليه من كلِّ ناحية.
وليس مراد أبي عبد الله منعَ اجتماعهم في الكنيسة إذا تسلَّلوا إليها لِوَاذًا،
(1)
كذا، وهو وهم، فإن الرواية في «الجامع» (2/ 424) هي عن «عمر بن صالح» ، له ترجمة في «طبقات الحنابلة» (2/ 107).
(2)
«الجامع» (2/ 425).
وإنَّما مراده إظهار اجتماعهم كما يُظهِر المسلمون ذلك يومَ عيدهم. ولهذا قال في رواية يعقوب بن بختان
(1)
وقد سُئِل: هل يضربون الخيام في الطريق يوم الأحد؟ قال: «لا، إلا أن تكون مدينة صولحوا عليها فلهم ما صولحوا عليه» . فإنَّ ضرب الخيام على الطريق يوم عيدهم هو من إخراج الباعوث وإظهار شعائر الكفر، فإذا اختفَوا في كنائسهم باجتماعهم لم يُعرَض لهم فيها ما لم يرفعوا أصواتهم بقراءتهم وصلواتهم.
وأمَّا الشعانين فهي أعيادٌ لهم أيضًا، والفرق بينها وبين الباعوث أنَّه اليوم والوقت الذي ينبعثون فيه على الاجتماع والاحتشاد
(2)
.
وقولهم: (ولا نرفع أصواتنا مع موتانا) لما فيه من إظهار شعار الكفر، فهذا يعُمُّ رفعَ أصواتهم بقراءتهم وبالنوح وغيره.
وكذلك (إظهار النيران معهم) إمَّا بالشَّمع أو السُّرُج أو المشاعل ونحوها. فأمَّا إذا أوقدوا النار في منازلهم وكنائسهم ولم يُظهروها لم يُتعرَّض لهم فيها.
وقد سمَّى الله سبحانه أعيادهم زُورًا، والزور لا يجوز إظهاره، فقال تعالى:{وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ اَلزُّورَ} [الفرقان: 72].
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في «تفسيره»
(3)
: حدثنا أبو سعيد الأشج،
(1)
«الجامع» (2/ 425)، وقد سبق قريبًا.
(2)
انظر ما سبق من التعليق (ص 273).
(3)
(8/ 2737)، وعزاه في «الدر المنثور» (11/ 225) إلى عبد بن حميد وابن المنذر أيضًا.
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن سعيد الخرَّاز
(1)
، حدثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك:{وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ اَلزُّورَ} [الفرقان: 72] عيد المشركين.
وقال سعيد بن جبيرٍ: الشعانين
(2)
. وكذلك قال ابن عباس: الزور عيد المشركين
(3)
.
فصل
وكما أنَّهم لا يجوز لهم إظهاره فلا يجوز للمسلمين مُمَالأتُهم عليه، ولا مُساعَدتهم، ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله.
وقد صرَّح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم، فقال أبو القاسم هبة الله بن الحسن
(4)
بن منصور الطبري الفقيه الشافعي: ولا يجوز للمسلمين أن يحضروا أعيادهم، لأنَّهم على منكرٍ وزُورٍ، وإذا خالط أهل المعروف أهلَ المنكر بغير الإنكار عليهم كانوا كالراضين به المُؤثِرين له، فيُخشى من نزول سخط الله على جماعتهم فيعُمُّ الجميع، نعوذ بالله من سخطه.
(1)
في مطبوعة «التفسير» : «عبد الرحمن بن سعيد» ، ليس فيه «أحمد» . و «الخرَّاز» كذا في المطبوعة، ويحتمل أن يكون «الخزَّاز» . ولم أتبيَّن من هو.
(2)
لم أجده، وأسند ابن أبي حاتم في «التفسير» (8/ 2737) والخلال في «الجامع» (1/ 123) مثله عن ابن سيرين.
(3)
أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (13/ 458)، وإسناده غريب. وروي ذلك عن مجاهد أيضًا كما في «الكشف والبيان» للثعلبي (19/ 503).
(4)
في الأصل: «الحسين» ، خطأ. وهو اللالكائي (ت 418)، صاحب «شرح السنة» . والمؤلف ناقل عن كتاب له مفقودٍ في شرح الشروط العمرية.
ثم ساق من طريق ابن أبي حاتم
(1)
: حدثنا الأشجُّ، ثنا عبد الله بن أبي بكرٍ
(2)
، عن العلاء بن المسيب، عن عمرو بن مُرَّة:{وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ اَلزُّورَ} [الفرقان: 72] قال: لا يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم. ونحوه عن الضحاك.
ثم ذكر حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا على هؤلاء الملعونين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يُصيبَكم مثلُ ما أصابهم» . والحديث في «الصحيح»
(3)
.
وذكر البيهقي
(4)
بإسناد صحيح في «باب كراهية الدخول على أهل الذمة في كنائسهم، والتشبُّه بهم يوم نوروزهم ومهرجانهم» عن سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد، عن عطاء بن دينارٍ قال: قال عمر رضي الله عنه: لا
(1)
وهو في «تفسيره» (8/ 2737).
(2)
كذا في الأصل، وهو تصحيف في الكنية ووهم في صاحبها، صوابه:«عبد الله بن سعيد أبو بُكير» ، فأبو بكير كنية عبد الله، لا أبيه سعيد. والتصحيف ــ دون الوهم ــ في مطبوعة «التفسير» أيضًا.
(3)
للبخاري (433) ومسلم (2980/ 38) من طريق عبد الله بن دينار به، ولفظه:«المعذبين» بدل «الملعونين» .
(4)
«السنن الكبير» (9/ 234)، وقد أخرجه أيضًا عبد الرزاق (1609) وابن أبي شيبة (26806) والبيهقي في «الشعب» (8941)، كلهم من طريق عطاء بن دينار به. وفي إسناده انقطاع ظاهر، عطاء بن دينار ــ وهو الهذلي المصري ــ كل روايته عن التابعين، لم يثبت له سماع عن أحد من الصحابة، وإن كان أدرك بعضهم من حيث المعاصرة.
تَعلَّموا رَطانَةَ الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإنَّ السُّخْطة تنزل عليهم.
وبالإسناد
(1)
عن الثوري، عن عوف، عن الوليد ــ أو أبي الوليد ــ عن عبد الله بن عمرو قال: من مرَّ
(2)
ببلاد الأعاجم فصنَعَ نيروزهم ومهرجانهم وتشبَّه بهم، حتى يموت وهو كذلك= حُشِر معهم يوم القيامة.
وقال البخاري في غير «الصحيح»
(3)
: قال لي ابن أبي مريم: حدثنا نافع بن يزيد، سمع سليمان بن أبي زينب وعمرو
(4)
بن الحارث، سمع
(5)
سعيد بن سلمة، سمع أباه، سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم. ذكره البيهقي.
وذكر
(6)
بإسناد صحيح عن أبي أسامة: حدثنا عوف، عن أبي المغيرة،
(1)
أي: وبنفس الإسناد إلى الثوري، الذي روى به الأثر السابق. والراوي فيه عن الثوري: محمد بن يوسف الفريابي، وليس بأضبط أصحابه، ولعل الشكَّ في شيخ عوف الأعرابي منه، ثم قد خولف فيه، كما سيأتي.
(2)
كذا في الأصل، ولفظ «السنن»:«من بنى» .
(3)
في «التاريخ الكبير» (4/ 14)، ومن طريقه البيهقي في «السنن» (9/ 234) ــ والمؤلف صادر عنه ــ و «شعب الإيمان» (8940). وسعيد بن سلمة المصري مجهول، كما قال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (4/ 29).
(4)
في الأصل: «سلمان
…
وعمر»، والتصحيح من مصدر النقل.
(5)
كذا في الأصل وفاقًا لمصادر التخريج، والسياق يقتضي:«سمعا» .
(6)
البيهقي في «السنن الكبير» (9/ 234). وأخرجه أيضًا الدولابي في «الكنى» (1843) من طريق أبي أسامة به، وأخرجه الحكيم الترمذي في «النوادر» (156) من طريق النضر بن شُميل، عن عوف الأعرابي به. وإسناده لا بأس به، أبو المغيرة هو القوَّاس، متكلم فيه وقد وُثِّق.
عن عبد الله بن عمرو قال: مَن مرَّ
(1)
ببلاد الأعاجم فصنَعَ نيروزهم ومهرجانهم وتشبَّه بهم، حتى يموت وهو كذلك= حُشِر معهم يوم القيامة.
وقال أبو الحسن الآمدي
(2)
: لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود، نصَّ عليه أحمد في رواية مُهَنَّا، واحتجَّ
(3)
بقوله تعالى: {وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ اَلزُّورَ} [الفرقان: 72] قال: الشعانين وأعيادهم.
وقال الخلال في «الجامع»
(4)
: «بابٌ في كراهية خروج المسلمين في أعياد المشركين» . وذكر عن مُهَنَّا قال: سألت أحمد عن شهود هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام مثل دير أيوب وأشباهه، يشهده المسلمون؛ يشهدون الأسواق ويجلبون فيه الضحية والبقر والبر والدقيق وغير ذلك، يكونون في الأسواق ولا يدخلون عليهم بِيَعَهم. قال: إذا لم يدخلوا عليهم بِيَعهم وإنما
(1)
كذا في الأصل، ولفظ «السنن»:«من بنى» .
(2)
في كتابه: «عمدة الحاضر وكفاية المسافر» ، كما في «الاقتضاء» لشيخ الإسلام (1/ 516). وهو في أربعة مجلدات، ويشتمل على فوائد كثيرة نفيسة، كما قال ابن رجب في «ذيل الطبقات» (1/ 14).
(3)
ظاهر كلام أبي الحسن الآمدي أن أحمد احتج بالآية وفسَّرها في رواية مهنَّا. ورواية مهنَّا أسندها الخلال ويأتي لفظها بتمامها، وليس فيها احتجاج أحمد بالآية، وإنما أسند الخلال بعد رواية مهنَّا أن ابن سيرين فسَّر الآية بذلك.
(4)
(1/ 121).