الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليها فتح الصحابةُ الفتوح ونصروا الإسلام، فما لأعداء الله الذين ضُرِبَت عليهم الذِّلَّةُ ولِركوبها؟! وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تُعِزُّوهم وقد أَذلَّهم الله، ولا تُقرِّبوهم وقد أقصاهم
(1)
.
فصل
قالوا: (ولا نتقلد السيوف)
.
يمنع أهل الذمة من تقلُّد السيوف لما بين كونهم أهلَ ذمةٍ وكونهم يتقلَّدون السيوف من التضادِّ، فإنَّ السُّيوف عِزٌّ لأهلها وسلطان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بُعِثْتُ بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبَد اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وجُعِل رِزقِي تحت ظِلِّ رُمحي، وجُعِل الذلُّ والصَّغارُ على مَن خَالَف أمري، ومَن تشبَّه بقوم فهو منهم»
(2)
، فبالسيف الناصر والكتاب الهادي عَزُّ الإسلامُ وظهر في مشارق الأرض ومغاربها.
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسْلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ اُلْكِتَابَ وَاَلْمِيزَانَ لِيَقُومَ اَلنَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا اَلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيد} [الحديد: 24].
وهو قضيب الأدب، وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة:«بيده قضيب الأدب»
(3)
، فبعث الله رسوله ليَقهَرَ به أعداءه ومَن خالف أمره، فالسيف من أعظم ما يُعتمَد في الحرب عليه ويُرهَّب به العدو، وبه ينصر
(1)
أخرجه البيهقي (10/ 127) بإسناد صحيح. انظر: «إرواء الغليل» (2630).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
لم أقف عليه.
الدين ويُذِلُّ الله الكافرين، والذِّمِّي ليس من أهل حمله والعِزِّ به.
وكذلك يمنع من اتخاذ أنواع السلاح وحملها على اختلاف أجناسها كالقوس والنشَّاب والرُّمح، وما يُتقَّى
(1)
بأسُه. ولو مُكِّنوا من هذا لأفضى إلى اجتماعهم على قتال المسلمين وحِرابهم.
قال أبو القاسم الطبري: ومن جرَت عادته بالركوب منهم مِن دَهاقينهم
(2)
ونحوهم، فإنَّه يجوز له الركوب إذا أَذِن له الإمام فيركب البغلة والحمار على إكافٍ من غير لجامٍ ولا حَكَمةٍ ولا سُفْرٍ
(3)
ولا مركبٍ محلًّى بذهب [أو] فضةً
(4)
، كما سنَّ أمير المؤمنين رضي الله عنه لهم حيث قالوا:(ولا نتشبه بالمسلمين في مراكبهم).
فصل
قال [علي بن] عبد العزيز
(5)
: حدثنا القاسم، حدثنا النَّضْر بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن خليفة بن قيس قال: قال عمر:
(1)
في المطبوع: «يبقى» ، خطأ. أخشى أن يكون الصواب:«ما يَقي بأسَه» ، أي: يُمنع من اتخاذ السلاح ومِن اتخاذ ما يقي بأسَه، كالدرع، والمِجن، والمِغفَر، ونحوه.
(2)
جمع: دُِهقان (بالكسر والضم)، يُطلق على رئيس القرية، وزعيم الفلَّاحين، والتاجر.
(3)
في الأصل: «تفر» ، تصحيف. و «السُّفْر» جمع سِفار: ما يكون من الحديدة في أنف البعير، بمنزلة الحكمة من الفرس.
(4)
في الأصل: «ذهب فضة» ، وكُتب عليه «كذا» بالحمرة.
(5)
أبو القاسم البغوي، راوي كتاب «الأموال» للقاسم بن سلَّام، والأثر فيه برقم (145)، وعن علي البغوي رواه ابن المنذر في «الأوسط» (6/ 13). ولعل المؤلف صادر عن كتاب هبة الله الطبري، فقد سبق (ص 353) أن نقل منه أثرًا رواه من طريق أبي عُبيد.
اكتب يا يَرْفأُ
(1)
إلى أهل الأمصار في أهل الكتاب أن تُجَزَّ نواصيهم، وأن يربطوا الكُسْتِيجات
(2)
في أوساطهم ليُعرفَ زيُّهم من زيِّ أهل الإسلام.
وذكر يحيى بن سعيد، عن عُبيد الله، عن نافع، عن أسلم أنَّ عمر كتب إلى أمراء الأمصار أن يأمروا أهل الذمة أن يُختَم على أعناقهم
(3)
.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الشام أن يشُدَّ النصارى مناطقهم ويجُزُّوا نواصيهم
(4)
.
قال أبو القاسم: ويجب على الإمام أن يأمر أهل الذمة بالغيار في دار الإسلام، ويلزمهم أن يُغيِّروا في الملبس والمركب. فأمَّا في الملبس فهو أنَّهم لا يلبسون الفاخر من اللباس الذي يلبسه أشراف الناس وكبارهم من الشُّروب المرتفعة
(5)
ولا الخزِّ.
(1)
في المطبوع: «بأمرنا» ، خطأ. ويرفأ اسم حاجب عمر ومولاه، أدرك الجاهلية وحجَّ مع عمر في خلافة أبي بكر. انظر:«الإصابة» (11/ 462).
(2)
في الأصل: «المستحات» ، تصحيف. والتصحيح من نشرة صبحي الصالح. والكُستيج: خيط غليظ يشدُّه الذميُّ فوقَ ثيابه دون الزنَّار. فارسي معرَّب.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (33304، 33308) والبيهقي (9/ 202) من طُرق عن عبيد الله بن عمر العمري به. وإسناده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق (10090) عن عبد الله بن عمر ــ أخي عبيد الله ــ عن نافع به.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (10004)، وقد سبق (ص 373) بأطول منه.
(5)
الشروب: جمع الشَّرْب، وهو نوع من الثياب الفاخرة تدخله خيوط حريرية أو مذهَّبة. انظر:«المعجم العربي لأسماء الملابس» (ص 260).
المرتفعة: أي مرتفعة القيمة، النفسية. جاء في «أحسن التقاسيم» (ص 442):«ومِن دَرابْجِرد: كلُّ شيء نفيس من الثياب المرتفعة والوَسَط والدُّون» .
إنَّ
(1)
عمر بن عبد العزيز كتب إلى النصارى من أهل الشام أن لا يلبسوا عَصْبًا ولا خزًّا، فمن قدر على أحدٍ منهم فعل من ذلك شيئًا بعد التقدُّم إليه فإنَّ سلبه لمَن وجده
(2)
.
قال: العصب هو البُرد الذي يُصبَغ غَزلُه، وهو اليماني.
وقد كان على النبي صلى الله عليه وسلم بردٌ نجراني
(3)
. وقد كان خلع على كعب بن زهير بُردَه عند إسلامه، فباعه من معاوية
(4)
، وهو الذي لم يزل الخلفاء يتوارثونه ويُتبرَّك
(5)
به.
وأمَّا الخزُّ، فإنَّه لباس الأشراف ومَن له عِزٌّ، فمَن لا عِزَّ له في الإسلام يُمنَع
(6)
من الثياب المرتفعة اقتداءً بالخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز.
فصل
وأمَّا لون ما يلبسون من الغيار، فإنَّهم يلبسون الرَّمادي الأَدْكن
(7)
. وهذا
(1)
كذا في الأصل، وأخشى أن يكون صوابه «لأن» متصلًا بما قبله.
(2)
جزء من الأثر السابق.
(3)
أخرجه البخاري (3149) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(4)
انظر: «معجم الصحابة» لابن قانع (2/ 381) و «أنساب الأشراف» للبلاذري (11/ 328). وقصة إسلام كعب مروية في «مستدرك الحاكم» (3/ 579 - 584) من طرق عامَّتها مراسيل وروايات أصحاب المغازي، ولكن ليس فيها ذكر البُرد.
(5)
كذا في الأصل، واستظهر صبحي الصالح أن صوابه:«ويتبركون» .
(6)
في الأصل: «يمتنع» ، والمثبت أشبه.
(7)
في الأصل والمطبوع: «أذكر» ، خطأ. والأدكن من الدُّكنة: لون يضرب إلى الغبرة بين الحمرة والسواد.
غيار الطوائف كلِّها.
والنصارى يختصُّون بالزنانير
(1)
لقولهم في الكتاب: (ونَشُدُّ الزنانير على أوساطنا)، وهو المِنطقة المذكورة في اللفظ الآخر، فإنَّ الزنانير مناطق النصارى. ولا يكفي شدُّها تحت ثيابهم بل لا تكون إلا ظاهرةً باديةً فوق الثياب.
قال الشافعي
(2)
: ويكفيهم أن يغيروا ثوبًا واحدًا من جملة ما يلبسون.
وقال الشيخ أبو إسحاق المروزي
(3)
: إذا دخلوا الحمَّام علَّقوا في رقابهم الأجراس ليُعرَف أنَّهم من أهل الذمة.
قال أبو القاسم: فأمَّا الأصفر من اللون فإنَّهم يُمنَعون من لباسه، لأن
(4)
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسه
(5)
وكذلك الخلفاء بعدَه عثمانُ وغيره
(6)
. وكان زيَّ الأنصار، وبه كانوا يشهدون المجالس والمحافل، وهو زيُّهم إلى اليوم إذا دخلوا على الخلفاء. فلا يتشبَّهوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه وصحابته،
(1)
في الأصل والمطبوع: «الرمادي» ، وهو تصحيفٌ يدل عليه السِّياق والسِّباق.
(2)
لم أجده، وانظر:«الحاوي الكبير» (14/ 326).
(3)
في «التنبيه» (ص 238).
(4)
في الأصل هنا وفي مواضع آتية كثيرة: «ان» ، وقد تقدَّم التنبيه عليه.
(5)
كما في حديث ابن عمر عند أبي داود (4064) وأبي يعلى (5645) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصُّفرة «ولم يكن شيء أحبَّ إليه منها، وقد كان يصبغ ثيابه كلها حتى عمامته» . إسناده حسن، وأصله في البخاري (166) ومسلم (5851) من وجهٍ آخر. وانظر:«الفتح» (10/ 305).
(6)
لم أجده، وكذا ما ذكره عن الأنصار.
فيُمنعون من لبسه ولا يمكَّنون.
قلت: هذا موضع يحتاج إلى بيان وتفصيل، وهو أنَّ لباس أهل الذمة الذي يتميَّزون به عن المسلمين نوعان:
نوع مُنعوا منه لشرفه وعلوه، فهذا لا يختلف باختلاف العوائد.
ونوع منعوا منه ليتميزوا به عن المسلمين، فإذا هجره المسلمون وصار من شعار الكفار لم يُمنَعوا منه. فمن ذلك لباس الأصفر والأزرق لمَّا صار من شعارهم فوق الرؤوس والمسلمون لا يلبسونه= لم يمنع منه أهل الذمة. فإنَّ المقصود بالغيار ما يميِّزهم به عن المسلمين بحيث يُعرَفون أنَّهم من أهل الذِّمَّة والذِّلَّة.
وقد تقدَّم
(1)
حديث خالد بن عُرفُطة قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الأمصار أن تُجَزَّ نواصيهم ــ يعني النصارى ــ ولا يَلبَسوا لبسة المسلمين حتى يُعرَفوا.
فصل
قال أبو القاسم الطبري: وأمَّا المرأة إذا خرجت فيكون أحد خُفَّيْها أحمر حتى يُعرَف بأنَّها ذِمِّيَّةٌ.
وقد روى هشام بن الغاز عن مكحول وسليمان بن موسى أنَّ عمر كتب إلى أهل الشام: امنعوا نساءهم أن يدخلن مع نسائكم الحمَّامات
(2)
.
(1)
(ص 373).
(2)
لم أجده من هذا الوجه. وقد أخرج عبد الرزاق (1134) وسعيد بن منصور (1580 - تفسير) والطبري في «تفسيره» (17/ 265) عن هشام بن الغاز عن عُبادة بن نُسيٍّ قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح: أما بعد، فقد بلغني أن نساء المسلمين يدخلن الحمامات ومعهن نساء أهل الكتاب، فامنع ذلك، وحُلْ دُونَه.
وقال أحمد بن حنبل: أكره أن يطَّلع أهلُ الذمة على عورات المسلمين
(1)
.
قال أبو القاسم: وهذا صحيح، إنَّ نساء أهل الذمة لَسْنَ بثقاتٍ على شيء من أمور المسلمين، فلا يُؤمَن الفساد. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباشر [المرأة] المرأة فتَنعَتَها لزوجها حتى كأنه ينظر إليها
(2)
. يعني: فيفضي ذلك إلى وصف الذمِّيَّة المسلمةَ لزوجها الذميِّ حتى كأنَّه يشاهدها، فكره أحمد لهذا المعنى.
قال: وقد رُوِي كراهتُه عن عبد الله بن بُسْر
(3)
، وهو من أعلى
(4)
(1)
انظر: «الجامع» (2/ 458).
(2)
أخرجه البخاري (5240) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(3)
في الأصل: «بشر» ، وليس في التابعين من أهل الشام أحد بهذا الاسم، وقد جاء بالسين المهملة في الموضع الآتي. والكراهة إنما رويت بالإسناد الآتي عن عُبادة بن نُسيٍّ الكندي الأردني، أحد سادات التابعين في الشام. أما «عبد الله بن بُسر» فهناك اثنان في الشام بهذا الاسم في عصر التابعين، أحدهما تابعي صغير، وهو ضعيف ولا يصدق عليه وصف أبي القاسم بأنه من «أعلى [لعله: أعلم] التابعين من أهل الشام». والثاني هو عبد الله بن بُسر المازني الحِمْصي، وهو يصدق عليه ذلك لولا أن له صحبةً يسيرةً وهو صغير. وأيًّا كان، فثَمَّ خلط أو تصحيف ــ أو هما معًا ــ في الاسم الواقع في كلام أبي القاسم وفي إسناده الآتي.
(4)
كذا، ولعله تصحيف عن «أعلم» .