الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قولهم: (ولا نتخذ شيئًا من الرقيق الذي جرت عليه أحكام
(1)
المسلمين)
يتضمن أنَّهم لا يتملكون رقيقًا من سبي المسلمين.
وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء، فمذهب الإمام أحمد أنَّه إذا استرق الإمام السبي لم يجُزْ بيعهم من كافر، ذميًّا كان أو حربيًّا، صِغارًا كانوا أو كِبارًا
(2)
.
وقال أبو حنيفة: يجوز بَيعُهم من أهل الذِّمة دون أهل الحرب
(3)
.
وقال الشافعي
(4)
: يجوز بَيْعُهم من الفريقين.
فأمَّا مذهب مالك فقال في «الجواهر»
(5)
: إن اشترى الكافر بالغًا على دينه لم يمنع من شرائه إذا كان يسكن به في بلد المسلمين، ولا يباع لمَن يخرج به عن بلاد الإسلام، لِما يُخشَى من إطلاعه أهلَ الحرب على عَورة المسلمين.
وإن كان العبد صغيرًا على دينه ففي
(6)
الكتاب وغيره: مَنْعُه من شرائه،
(1)
كذا في الأصل، وقد سبق (ص 273) وسيأتي قريبًا بلفظ:«سهام المسلمين» ، وهو أشبه.
(2)
سيأتي نصوص الإمام أحمد في ذلك قريبًا.
(3)
انظر: «السير» لمحمد بن الحسن (ص 133) و «الأصل» له (7/ 453).
(4)
في «الأم» (5/ 703).
(5)
(2/ 331). وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
(6)
في الأصل والمطبوع: «يعي» ، تصحيف. والمراد بالكتاب في كلام ابن شاس المالكي:«المدونة الكبرى» (10/ 271).
لِما يُرجى من إسلامه [و] سرعة إجابته إذا دعي إلى الإسلام لكونه لم يرسخ في نفسه الكفر بخلاف الكبير.
فإنْ بِيع
(1)
منه فُسِخ البيع، ويتخرَّج
(2)
فيه: أن يباع عليه من مسلم.
وقال محمد
(3)
: لا يُمنَع من شرائه، لأنَّا لسنا على يقين من إسلامه إذا اشتراه مسلم.
وإن كان العبد بالغًا على [غير] دين مشتريه، فلها صورتان:
إحداهما: يهودي يباع من نصراني وعكسه، فقال ابن وهب وسحنون بالمنع، لِما بينهما من العداوة والبغضاء، فيكون إضرارًا بالمملوك واتخاذًا
(4)
للسبيل إلى أذيَّته
(5)
.
وقال محمد: لا يمنع، لأن المنع ليس لحق الله بل لحق
(6)
العبد، فلو رضي بذلك لجاز
(7)
، ويتدارك بعدُ
(8)
بالمنع من أذيَّته دون فسخ البيع.
الثانية: أن يكون العبد من الصقالبة أو المجوس أو السودان، فهل له
(1)
في الأصل: «منع» ، تصحيف
(2)
في الأصل: «تخرَّج» ، والمثبت من «الجواهر» .
(3)
الظاهر أن المراد به: ابن المَوَّاز (ت 269)، فقيه المالكية في الديار المصرية.
(4)
كذا في الأصل. وفي مطبوعة «الجواهر» : «وإيجادًا» .
(5)
في الأصل: «دينه» ، تصحيف. وسيأتي على الصواب قريبًا.
(6)
في الأصل: «بحق
…
بحق»، تصحيف.
(7)
في الأصل: «تجار» ، تحريف.
(8)
في «الجواهر» : «ويمكن تدارك حقِّه» .
شراؤه؟ حكى المازري فيه ثلاثة أقوال في المذهب: الجواز مطلقًا، وهو ظاهر الكتاب، وأطلق الجواز في الصغير منهم والكبير
(1)
. والثاني: المنع مطلقًا في الصغير والكبير، قاله ابن عبد الحكم. والثالث: المنع في الصغير والجواز في الكبير، وهو مذهب العُتْبية
(2)
.
واحتجَّ المانعون
(3)
مطلقًا بأنَّ ذلك في الشروط المشروطة عليهم، وهو قولهم: (ولا نتخذ شيئًا من الرقيق الذي جَرَت عليه سهام [المسلمين]
(4)
)، قالوا: وهذا فعلٌ ظاهرٌ منتشرٌ عن عمر أقرَّه جميع الصحابة.
ولأنَّه رقيقٌ جرى عليه ملك المسلمين، فلا يجوز بيعه من كافر، كالحربي. قال أبو الحسين: ولا يلزم على ذلك إذا اشترى مسلم عبدًا كافرًا أو ذميًّا
(5)
،
(1)
أي: «المدونة» (10/ 271)، وقيَّد فيه الجواز بالكبير دون الصغير إذا كان الرقيق من أهل الكتاب.
(2)
في المطبوع: «العينية» ، خطأ. وهنا انتهى النقل من «الجواهر» .
(3)
كأبي المواهب العُكبري الحنبلي في «رؤوس المسائل الخلافية» (3/ 1632)، وكأن المؤلف صادر عنه بواسطة القاضي أبي الحسين بن أبي يعلى، أو غيره.
(4)
ما بين الحاصريتن سقط من الأصل.
(5)
كذا، وفيه قلق إذ كيف يكون الذميُّ قسيمًا للكافر؟ وفي مطبوعة «رؤوس المسائل»:«أو ذمي» ، والذي يظهر ــ والله أعلم ــ أن كلَّ ذلك تصحيف أو تصرُّف من النسَّاخ، والصواب:«ولا يلزم على ذلك [أي: على منع أهل الذمة من شراء سبي المسلمين الذي جرت فيه سهامهم] إذا اشترى مسلم عبدًا كافرًا من ذميٍّ، فإنَّه يجوز بيعه من ذمِّيٍّ، على ظاهر كلام إمامنا أحمد رحمه الله تعالى» . وسيأتي قول الإمام أحمد عن أهل الذمة: «لا يبتاعون من سَبْينا. قيل له: فيكون عبدًا لنصرانيٍّ فيُشترى منه فيُباع للنصراني؟ قال: نعم» .
فإنَّه لا
(1)
يجوز بيعه من ذمِّيٍّ على ظاهر كلام إمامنا أحمد رحمه الله تعالى.
ولأنَّه إذا كان في أيدي المسلمين رُجِي إسلامه، وإذا بِيع
(2)
منهم منعوه من الإسلام
(3)
إن رغب فيه، ولهذا منعنا الكافر من حضانة اللقيط.
فصل
فإن قيل: فكيف تجمعون بين المنع من بيعهم لكافر وبين جواز المفاداة بهم من الكفار بالمال والمسلم؟
قيل: أمَّا المفاداة بهم بمسلم فيجوز، لأنَّ مصلحة تخليص المسلم من أَسْرِ الكفار أرجح من بقاء العبد الكافر بين المسلمين ينتظرون إسلامه؛ بخلاف بيعه لهم فإنَّه لا مصلحة فيه للعبد، وهو يفوِّت عليه ما يرجى له بإقامته بين المسلمين من أعظم المصالح.
وأمَّا مُفادَاته بمال، فهذا فيه روايتان عن الإمام أحمد، فإن منعنا ذلك فلأنَّ مفاداته بمالٍ بَيعٌ منه لهم
(4)
.
(1)
كذا في الأصل وفي «رؤوس المسائل» ، وهي مقحمة على ما استظهرناه في التعليق السابق.
(2)
في الأصل: «منع» ، تصحيف.
(3)
في الأصل دون لام التعريف، والتصحيح من «رؤوس المسائل» .
(4)
كذا في الأصل، ولعل الصواب:«بيع له منهم» ، أي: بيع للعبد من الكفار، إلا إذا كان الضمير في «منه» للإمام ــ ولم يسبق له ذكر ــ أي: أن المفاداة بمثابة بيعٍ من الإمام للكفار.