الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإرخاء الذؤابة من زيِّ أهل العلم والفضل والشرف، فلا يجوز أن يمكَّن الكفار من التشبُّه بهم فيه.
فصل
قولهم: (ولا في نعلين، ولا فَرْق شعر)
.
أي: لا نتشبَّه بهم في نعالهم، بل تكون نعالهم مخالفةً لنعال المسلمين ليحصل كمال التمييز وعدم المشابهة في الزيِّ الظاهر، ليكون ذلك أبعد من المشابهة في الزي الباطن، فإنَّ المشابهة في أحدهما تدعو إلى المشابهة في الآخر بحسبها. وهذا أمرٌ معلومٌ بالمشاهدة، فليس المقصود من الغيار والتمييز في اللباس وغيره مجرَّدَ تمييز الكافر عن المسلم، بل هو من جملة المقاصد، والمقصود الأعظم ترك الأسباب التي تدعو إلى موافقتهم ومشابهتهم باطنًا.
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم سَنَّ لأمته ترك التشبُّه بهم بكلِّ طريقٍ وقال: «خَالَف هديُنا هديَ المشركين»
(1)
.
(1)
أخرجه الطبراني (20/ 24) والحاكم (2/ 277) ــ ومن طريقه البيهقي (5/ 125) ــ من طريق عبد الوارث بن سعيد، عن ابن جريج، عن محمد بن قيس، عن المسور بن مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في خطبته بعرفة في شأن الدفع من عرفة بعد الغروب ومن مزدلفة قبل طلوع الشمس خلافًا لما كان عليه المشركون. رجاله ثقات إلا أنه اختُلف على ابن جريجٍ فيه، فأخرجه الشافعي ــ كما في «معرفة السنن» (7/ 301) ــ وأبو داود في «المراسيل» (151) وابن أبي شيبة (15416) من طرق عن ابن جريج عن محمد بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وهو أشبه. ثم إن فيه انقطاعًا آخر، ففي رواية ابن أبي شيبة قال ابن جُريج:«أُخبِرت عن محمد بن قيس» .
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم خالف هدي المشركين في ذلك فقد ثبت من غير وجه، منها حديث عمر في «صحيح البخاري» (1684).
وعلى هذا الأصل أكثر من مائة دليل حتى شَرَع لها
(1)
في العبادات التي يحبها الله ورسوله تجنُّبَ مشابهتهم في مجرَّد الصورة، كالصلاة والتطوُّع عند طلوع الشمس وغروبها، فعوَّضَنا بالتنفُّل في وقتٍ لا تقع الشُّبهة بهم فيه. ولمَّا كان صوم يوم عاشوراء لا يمكن التعويضُ عنه بغيره لفوات غير ذلك اليوم أَمَرنا أن نضُمَّ إليه يومًا قبله ويومًا بعده لتزول صورة المشابهة.
ثم لمَّا قهر المسلمون أهل الذمة وصاروا تحت قهرهم وحكمهم ألزمهم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بترك التشبُّه
(2)
بالمسلمين، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بترك التشبُّه بهم، فتضمَّن هذان الأصلان العظيمان مجانبتهم في الهدي الظاهر والباطن حتى في النعال، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بالصلاة في نعالهم مخالفةً لأهل الكتاب
(3)
، ونهاهم عمر رضي الله عنه أن يلبسوا نعال المسلمين.
(1)
أي: للأمة.
(2)
في الأصل زيادة: «بهم» ، والسياق يستقيم بدونها.
(3)
كما في حديث شدَّاد بن أوس، وسيأتي تخريجه (ص 389).