الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(1)
قالوا: (وأن نضيف كلَّ مسلم عابر سبيل ثلاثةَ أيام
، ونُطعِمه من أوسط ما نجد).
هكذا في كتاب الشروط: (ثلاثة أيام). وقال يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن أسلم: كتب [عمر] إلى أمراء الجزيرة أن لا تضربوا جزيةً على النساء والصبيان، وجزية أهل الشام وأهل الجزيرة أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهمًا على أهل الورق، وأن يضيفوا من نزل بهم من المسلمين ثلاثًا
(2)
.
والأصل في ذلك من السُّنَّة ما رواه أبو عبيد في «كتاب الأموال»
(3)
:
(1)
هذا الفصل والذي يليه يندرجان تحت
«الفصل الثاني: في أحكام ضيافتهم للمارَّة بهم وما يتعلَّق بها»
، حسب تقسيم المؤلف المذكور (ص 278).
(2)
أخرجه ابن زنجويه في «الأموال» (154) والبيهقي (9/ 195) من طريقين آخرين عن عبيد الله عن نافع به. وأخرجه مالك (757)؛ وعبد الرزاق (10090) عن عبد الله العمري؛ كلاهما عن نافع به بنحوه.
(3)
برقم (517)، وأخرجه ابن زنجويه (732) وابن شبة في «تاريخ المدينة» (2/ 584). وهو مرسل، وعبيد الله بن أبي حميد: ضعيف، متروك الحديث.
وله شاهد عند البيهقي في «دلائل النبوة» (5/ 385 - 389) من حديث يونس بن بكير، عن سلمة بن عبد يَشُوع ــ وكان نصرانيًّا فأسلم ــ عن أبيه، عن جدّه، وفيه:«وعلى نجران مؤنة رسلي ومُتْعتهم ما بين عشرين يومًا فدونه» .
وشاهد آخر من مرسل الزهري عند البلاذري في «فتوح البلدان» (ص 85)، ولفظه:«على أن يضيفوا رُسُل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا فما دونه» .
حدثني أبو أيوب الدمشقي قال: حدثني سعدان بن يحيى
(1)
، عن عبيد الله بن أبي حميد
(2)
، عن أبي المَلِيح الهُذَلي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صَالَح أهل نجران فكتب لهم كتابًا نسختُه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتب محمد رسول الله لأهل
(3)
نجران؛ أن
(4)
كان له حكمُه عليهم: أنَّ في كل سوداء وبيضاء وصفراء وحمراء وثمرة
(5)
ورقيقٍ، وأفضَلَ عليهم وترك ذلك لهم: ألفَي حُلَّةٍ: في كل صفرٍ ألف حلةٍ، وفي كل رجبٍ ألف حلة؛ كلُّ حلة أوقيةٌ، ما زاد الخراجُ أو نقص فعلى الأواقي فلتُحسَبْ
(6)
، وعلى أهل نجران مَقْرى
(7)
رُسُلي عشرين ليلةً».
قال أبو عبيد
(8)
: قوله: «كلُّ حلَّة أوقيةٌ» يقول: ثمنها أوقيةٌ. «فما زاد الخراج أو نقص فعلى الأواقي» ، يقول: إن نقص من الألفين أو زادت في
(1)
في مطبوعة «الأموال» : «حدثني أيوب الدمشقي قال: حدثني سعدان بن أبي يحيى» ، بسقطِ «أبو» وإقحامِ «أبي» ، فليصحَّح. أبو أيوب هو: سليمان ابن بنت شُرحبيل (ت 233)، وسعدان بن يحيى: هو سعيد بن يحيى اللخمي الكوفي.
(2)
في الأصل: «خيثمة» ، تصحيف.
(3)
في الأصل: «رسول الله صالح أهل» . والظاهر أنه خطأ نشأ عن انتقال النظر إلى السطر السابق.
(4)
في «الأمول» وغيره: «إذ» .
(5)
في الأصل: «بره» ، تصحيف.
(6)
بعده في «الأموال» : «وما قضوا من ركابٍ أو خيلٍ أو دروعٍ أُخِذ منهم بحسابٍ» ، وأخشى أن يكون سقط لانتقال النظر.
(7)
في الأصل: «تقري» ، تصحيف.
(8)
«الأموال» (1/ 298).
العدد أُخِذ بقيمة الألفي أوقيةٍ، فكأن الخراج وقع على الأواقي، وجعَلَها حُلَلًا لأنَّه أسهل عليهم.
فهذا هو الأصل في وجوب الضِّيافة على أهل الذمة: سنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنَّة الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه. وفي ذلك مصلحةٌ لأغنياء المسلمين وفقرائهم. أمَّا الأغنياء، فإنَّه إذا لم يكن على أهل الذمة ضيافتهم فربَّما إذا دخلوا بلادهم لا يبيعونهم الطعام، ويقصدون الإضرار
(1)
بهم، فإذا كانت عليهم ضيافتهم تسارعوا إلى منافعهم خوفًا من أن ينزلوا عليهم للضيافة فيأكلون بلا عوض. وأمَّا مصلحة الفقراء فهو ما يحصل لهم من الارتفاق. فلمَّا كان في ذلك مصلحةٌ لعموم المسلمين جاز اشتراطه على أهل الذمة.
قال الخلال في «الجامع»
(2)
: بابٌ في الضيافة التي شرطت عليهم. أخبرني محمد بن علي، حدثنا مهنَّا أنه سأل أبا عبد الله عن حديث ابن أبي ليلى: جعل عمر رضي الله عنه على أهل السواد وعلى أهل الجزية يومًا وليلةً
(3)
، قال: قلت لأحمد: ما يومٌ وليلةٌ؟ قال: يضيفونهم.
وقال حمدان
(4)
بن علي: قلت لأحمد: عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(1)
في الأصل: «الإضار» ، تصحيف.
(2)
(2/ 435).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (34154) وابن زنجويه (595)، كلاهما من طريق شعبة، عن قيس بن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به. وابن أبي ليلى لم يدرك عمر، ولكن سيأتي من طريقين آخرين متصلين.
(4)
في «الجامع» : «محمد» ، وهو اسمه، و «حمدان» لقب. هو أبو جعفر الورَّاق البغدادي الحافظ، من فضلاء أصحاب الإمام أحمد (ت 272).
جعل على أهل السواد وأهل الجزية يومًا وليلةً، فكنَّا إذا نزلنا
(1)
عليهم قالوا: شَبا شَبا. قلت لأحمد: ما يومٌ وليلةٌ؟ قال: يضيفونهم، قلت: ما قولهم: شَبا شَبا؟ قال: هو بالفارسية: ليلةً ليلةً.
وقال عبد الله بن أحمد
(2)
: حدثني أبي قال: حدثني وكيعٌ، حدثنا هشامٌ، عن قتادة، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس أنَّ عمر رضي الله عنه شرط على أهل الذمة ضيافة يومٍ وليلةٍ، وأن يصلحوا القناطر
(3)
، وإن قُتِل رجلٌ من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته.
قال
(4)
: وحدثنا أبي، حدثنا وكيعٌ، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضرِّب أنَّ عمر رضي الله عنه اشترط على أهل الذمة ضيافة يومٍ وليلةٍ، فإن حبسهم مطرٌ أو مرضٌ فيومين، فإن مكثوا أكثر من ذلك أنفقوا من أموالهم، ويكلَّفون ما يطيقون.
قال القاضي في «الأحكام السلطانية»
(5)
: وإذا صولحوا على ضيافة
(1)
في الأصل: «تولينا» ، تصحيف.
(2)
وعنه الخلال في «الجامع» (1/ 436). وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (34155) عن وكيع به. وأخرجه مسدد (المطالب العالية: 2060) وأبو عبيد في «الأموال» (418) وابن زنجويه (594) والبيهقي (9/ 196) من طُرُق عن هشام به.
(3)
في الأصل: «القواطن» ، وفي مطبوعة «الجامع»:«قناط» ، كلاهما تصحيف.
(4)
وأخرجه ابن أبي شيبة (34156) وأبو عبيد في «الأموال» (416، 417) وابن زنجويه (596) والبيهقي (9/ 196) من طرق عن أبي إسحاق به.
(5)
(ص 156 - 158).
ثلاثةٍ
(1)
مَن يمُرُّ بهم من المسلمين، قدِّرت عليهم وأخذوا بها، ثلاثة أيام لا يُزادون عليها، كما صالح عمر نصارى الشام على ضيافة مَن يمُرُّ بهم من المسلمين ثلاثة أيام
(2)
ممَّا يأكلون ــ لا يكلّفونهم ذبحَ شاةٍ ولا دجاجة ــ وتبن دوابِّهم من غير شعير، وجعل ذلك على أهل السَّوَاد دون المُدُن.
قال: وقد روي عن أحمد كلامٌ يدلُّ على أنَّ الذي شرط عليهم يومٌ وليلةٌ.
ثم ذكر قول حمدان بن علي لأحمد، وقد تقدَّم آنفًا، ثم ذكر حديث الأحنف بن قيس عن عمر، وقد ذكرناه.
قال القاضي: وكذلك الضيافة في حقِّ المسلمين، الواجب يومٌ وليلةٌ. قال في رواية حنبل: قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو دَينٌ له. قلت له: كم مقدار ما يُقدَّر له؟ قال: ما يمونه في الثلاثة أيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، واليوم والليلة هو حقٌّ واجبٌ.
فقد بيَّن
(3)
أنَّ المستحب ثلاثة أيام، والواجب يومٌ وليلةٌ.
وقال في رواية حنبلٍ وصالحٍ: الضيافة ثلاثة أيام، وجائزته
(4)
يومٌ وليلةٌ
(5)
فكانت جائزته أوكد من الثلاثة.
(1)
«ثلاثة» كذا في الأصل، وليست في «الأحكام السلطانية» .
(2)
سبق تخريجه قريبًا.
(3)
أي: الإمام أحمد. والكلام ما زال للقاضي.
(4)
في الأصل: «وجائز» ، تصحيف.
(5)
وهذا نصُّ حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه وسيأتي.
قال: وقد روى الخلال ما دلَّ على الاستحباب والإيجاب، فروى بإسناده عن المِقدام أبي كريمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليلة الضيف حقٌّ واجبٌ، فإذا أصبح في [فنائه فهو] دَينٌ عليه، إن شاء اقتضى الدَّين وإن شاء ترك»
(1)
. يعني: إذا لم يضف.
وبإسناده عن أبي شريح الخُزَاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الضيافة ثلاثة أيامٍ، وجائزته يومٌ وليلةٌ، ولا يَحِلُّ لمسلم أن [يُقِيم] عند أخيه حتى يؤثمه» . قال: يا رسول الله، كيف يؤثمه؟ قال:«يُقيم عنده وليس عنده ما يَقرِيه»
(2)
.
فحديث أبي كريمة يدل على وجوب اليوم والليلة، وحديث أبي شريح يدل على استحباب الثلاث.
فالضيافة في حقِّ الكفار والمسلمين؛ [يتفقان]
(3)
في قدر الوجوب والاستحباب، ويختلفان في حكمين آخرين:
أحدهما: أنَّها في حق المسلمين تجب ابتداءً بالشرع، وفي حقَّ الكفار تجب بالشرط.
(1)
أخرجه أيضًا أحمد (17172) وأبو داود (3750) وابن ماجه (3677) والبخاري في «الأدب المفرد» (744) وغيرهم من حديث أبي كريمة المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه بإسناد صحيح.
(2)
وأخرجه أيضًا البخاري (6135) ومسلم (48/ 15 ــ ج 3 ص 1353) واللفظ به أشبه.
(3)
في الأصل بياض قدر نصف السطر، وما بين الحاصرتين من «الأحكام السلطانية» .
والثاني: في حقَّ المسلمين تعُمُّ أهل القرى والأمصار، وفي حقَّ الكفار تختصُّ بأهل القرى.
قال في رواية أبي الحارث: الضيافة تجب على كل مسلم، من كان من أهل الأمصار وغيرهم من المسلمين.
وقال في موضع آخر: تجب الضيافة على المسلمين كلهم، من نزل به ضيفٌ عليه أن يضيفه.
والفرق بينهما أنَّ عمر رضي الله عنه شرط ذلك على أهل القرى، والأخبار الواردة في حقِّ المسلمين عامَّةٌ لقوله:«ليلة الضيف حقٌ واجبٌ» ، وفي لفظ آخر:«الضيافة ثلاثة أيام»
(1)
.
وتجب الضيافة على المسلم للمسلمين والكفار لعموم الخبر، وقد نصَّ عليه أحمد في رواية حنبل وقد سأل: إن أضاف الرجل ضيفٌ من أهل الكفر يضيفه؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليلة الضيف حقٌ واجبٌ على كل مسلم» ، دلَّ على أنَّ المسلم والمشرك يُضاف، والضيافة معناها معنى الصدقة: التطوُّع على المسلم والكافر. وهذا لفظ أحمد، فقد احتجَّ بعموم الخبر، وأنَّه يعُمُّ المسلم والكافر.
وإذا نزل به الضيف ولم يضفه كان دينًا على المضاف، نصَّ عليه في رواية حنبلٍ فقال: إذا نزل القوم فلم يضافوا، فإن شاء طلبه وإن شاء ترك. قال له: فكم مقدار ما يُقدَّر له؟ قال: ما يمونه في الثلاثة الأيام، واليوم والليلة حقٌّ واجبٌ. قال له: فإن لم يضيفوه ترى له أن يأخذ من أموالهم بمقدار ما
(1)
سبق تخريجهما آنفًا.
يضيفه؟ قال: لا يأخذ إلا بعلم أهله، وله أن يطالبهم بحقه.
فقد نصَّ على أنَّ له المطالبة بذلك. وهذا يدلُّ على ثبوته في ذمَّته لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي كريمة: «فإن أصبح بفنائه فهو دَينٌ عليه إن شاء اقتضى وإن شاء يترك»
(1)
. ومَنَع من أن يأخذ من مال مَن تجب عليه الضيافة بغير إذنه بناء على أصله
(2)
، لأن مَن كان له على رجل حقٌّ وامتنع من أدائه، وقَدَر له على حقٍّ= لم يجُزْ له أن يأخذ بغير إذنه. انتهى
(3)
.
فأمَّا قوله: «إن اليوم والليلة حقٌ واجبٌ، والثلاثة مستحبةٌ» ، فهذا صحيح في حقِّ المسلمين. وأمَّا في حقِّ أهل الذمَّة فلا يمكن أن يقال ذلك، فإنَّ الثلاثة إن كانت مشروطةً عليهم فهي حقٌّ لازمٌ عليهم القيامُ به للمسلمين، وإن لم تكن مشروطةً عليهم لم يجُزْ للمسلمين تناوُلُ ما زاد على اليوم والليلة إلا برضاهم. وحينئذ لا فرقَ بين الثلاثة وما زاد عليها.
وعمر رضي الله عنه لم يشرط على طائفة معيَّنة
(4)
، بل شرط على نصارى الشام والجزيرة وغيرها. ففي شرطه على نصارى الشام والجزيرة: ضيافةُ ثلاثة أيام ليسارهم وإطاقتهم ذلك. وأمَّا نصارى السَّوَاد فشرط عليهم يومًا وليلةً،
(1)
سبق.
(2)
في الأصل والمطبوع: «أهله» ! فرام صبحي الصالح إصلاح العبارة فجعلها: «إلا بعلم أهله» .
(3)
أي: كلام القاضي من «الأحكام السلطانية» .
(4)
أي لم يشرطه على أهل القرى دون الأمصار، أو أهل السواد دون المدن، كما ادَّعاه القاضي.
لأنَّ حالهم كان دون حال نصارى الشام والجزيرة. فكان عمر رضي الله عنه يراعي في ذلك حال أهل الكتاب، كما كان يراعي حالهم في الجزية وفي الخراج، فبعضهم شرطها عليهم يومًا وليلةً وبعضهم شرطها عليهم ثلاثًا.
وأمَّا قوله: «إنهم إذا لم يقوموا بما عليهم وقَدَر لهم على مال لم يأخذه بناءً على مسألة الظفر» ، فليس كذلك. والسُّنَّة قد فرَّقت بين هذا وبين مسألة الظفر التي
(1)
لا يجوز الأخذ بها، لأنَّ
(2)
سبب الحقِّ هاهنا ظاهرٌ فلا ينسب الآخذ إلى خيانةٍ
(3)
لظهور حقِّه بخلاف ما إذا لم يكن ظاهرًا
(4)
.
ولهذا أفتى النبي صلى الله عليه وسلم هِندًا بأن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف
(5)
، كما جوَّز للضيف أن يأخذ مثل قِرَاه إذا لم يُضيَّف
(6)
. فجاءت السنة بالأخذ في هذين الموضعين، وجاءت بالمنع لمَن سأله: أنَّ لنا جيرانًا لا يدعون لنا شاذَّةً ولا فاذَّةً
(7)
إلا أخذوها، أفنأخذ من أموالهم؟ الحديث
(8)
.
(1)
في الأصل: «الذي» .
(2)
في الأصل: «ان» ، وقد سبق مثله غير مرَّة.
(3)
في الأصل والمطبوع: «جناية» ، والمثبت هو الصواب.
(4)
وقد بحث المؤلف هذه المسألة أيضًا في «إغاثة اللهفان» (2/ 769 - 778).
(5)
أخرجه البخاري (2211) ومسلم (1714) من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
(6)
كما في حديث عقبة بن عامر عند البخاري (2461) ومسلم (1727) بلفظ: «إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حقَّ الضيف الذي ينبغي لهم» .
(7)
في الأصل والمطبوع: «سادة ولا قادة» ، تحريف.
(8)
أخرجه عبد الرزاق (6818) من حديث دَيسَم السَّدُوسي عن بشير ابن الخصاصية أنهم سألوا نبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لنا جيرة من بني تميم لا تَشِذُّ لنا شاةٌ إلا ذهبوا بها، وإنها تخفى لنا من أموالهم أشياء، أفنأخذها؟ قال: لا» . في إسناده لين لجهالة دَيسم، ثم قد اختلف في رفعه ووقفه، فقد أخرجه أحمد (20785) وأبو داود (1586 مختصرًا دون موضع الشاهد) عن دَيسم أنهم سألوا بشيرًا ذلك فأجابهم.
وقال
(1)
: «أدِّ الأمانة إلى مَن ائْتَمَنك ولا تخُنْ مَن خَانَك»
(2)
.
فمنع هاهنا وأطلق هناك، وكان الفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: ما ذكرناه من ظهور سبب الحق فيُعذَر الآخِذ
(3)
، وخفائه فيُنسَب إلى الخيانة
(4)
.
الثاني: أنَّ سبب الحقِّ يتجدَّد في مسألة النفقة والضيافة، فيشقُّ
(5)
أو
(1)
في الأصل والمطبوع: «فقال» ، والمثبت الصواب لأن هذا حديث آخر غير السابق.
(2)
أخرجه أحمد (15424) وأبو داود (3534) وغيرهما من حديث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده لين لإبهام ابن الصحابي الراوي عنه. وأخرجه أبو داود (3535) والترمذي (1264) والحاكم (2/ 46) وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد استنكر أبو حاتم في «العلل» (1114) روايته من هذا الطريق من حديث أبي هريرة. وروي من أوجهٍ أُخر لا تخلو من مقال. وقد أفاض المؤلف في ذكرها في «إغاثة اللهفان» (2/ 772 - 775)، وقوَّى الحديث بمجموعها.
وانظر: «سنن البيهقي» (10/ 271) و «العلل المتناهية» (973 - 975) و «التلخيص الحبير» (1381) و «المقاصد الحسنة» (48) و «الصحيحة» (423).
(3)
في المطبوع: «لتعذُّر الأخذ» ، تحريف أفسد السياق.
(4)
في الأصل والمطبوع: «الجناية» ، تصحيف.
(5)
غير محرَّر في الأصل، يشبه:«» مُعلمًا عليه بالحمرة استشكالًا. وأثبت صبحي الصالح: «قياسًا» ، ولعله بناءً على تصحيف «يتجدَّد» إلى «يتحدَّد» عنده. والمثبت يستقيم به السياق.
يمتنع الدعوى فيه كلَّ وقتٍ، والرفعُ إلى الحاكم، وإقامةُ البينة؛ بخلاف ما لا يتكرَّر
(1)
سببه.
إذا عُرف هذا، فعمر رضي الله عنه لم يشترط قدر الطعام والإدام والعلف، فلا يُشتَرط ذلك، وإنَّما يُرجَع فيه إلى عادة كلِّ قوم وعرفهم وما لا يشقُّ عليهم، فلا يجوز للضيف أن يكلِّفهم اللحم والدجاج وليس ذلك غالبَ قوتهم، بل يجب عليه أن يقبل ما يبذلونه من طعامهم المعتاد كما أوجب الله سبحانه الإطعام في الكفارة من أوسط ما يُطعِم المكفِّر أهلَه من غير تقدير، وكما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم النفقة على الزوجة والمملوك بالعرف من غير تقدير. فهذه سنته وسنة خلفائه في هذا الباب، وبالله التوفيق.
وهذه الضيافة قدرٌ زائدٌ على الجزية، ولا تلزمهم إلا بالشرط، ويكفي شرط عمر رضي الله عنه على مَمَرِّ الأزمان سواءٌ شرطه عليهم مَن بعده من الأئمة أو لم يشرطه، لأنَّ شرطه سنَّةٌ مستمِرَّةٌ. ولهذا عمل به الأئمة بعده، واحتج الفقهاء بالشروط العمرية وأوجبوا اتباعها. هذا هو الصحيح، كما أنَّ شرطه عليهم في الجزية مستَمِرٌّ وإن لم يجدِّده عليهم إمامُ الوقت، وكذلك عقد الذمة لمَن
(2)
بلغ من أولادهم وإن لم يعقد لهم الإمام الذمة.
قال الشافعي
(3)
: ويقسم الضيافةَ على عدد أهل الذمة، وعلى حسب
(1)
في الأصل والمطبوع: «ينكر» ، تحريف.
(2)
في الأصل: «أن» ، تصحيف.
(3)
انظر: «الأم» (5/ 475، 695) و «مختصر المزني» (ص 384 - 385).
الجزية التي شرطها، فيقسم ذلك بينهم على السواء. وإن كان فيهم المُوسِر والمتوسط والمُقِلُّ قسط الضيافة على ذلك.
قال الشافعي: ويَذكر ما يعلف به الدواب من التِّبن والشعير وغير ذلك.
قال: ويشترط عليهم أن ينزلوا في فضول منازلهم وكنائسهم ما يكنون فيه من الحَرِّ والبرد
(1)
منها، لأن الضيف محتاجٌ إلى موضع يسكن فيه ويأوي إليه كما يحتاج إلى طعام يأكله.
فصل
ومن نزل بهم لم يخلُ من ثلاثة أحوال: إما أن ينزل بهم وهو مريضٌ، أو ينزل بهم وهو صحيح، أو ينزل بهم وهو صحيح فيمرض.
فإن نزل بهم وهو مريضٌ فبرئ فيما دون الثلاث، فهذا يجري مجرى الضيف. وكما يجب عليهم إطعام الضيف وخدمتُه، يجب عليهم القيام على المريض ومصالحه، فإنَّه أحوج إلى الخدمة والتعاهد من الصحيح.
فإن زاد مرضه على ثلاثة أيام، وله ما ينفق على نفسه، لم يلزمهم القيام بنفقته، ولكن تلزمهم معونته وخدمته وشِرى ما يحتاج إليه من ماله. وإن لم يكن له ما ينفق على نفسه لزمهم القيامُ عليه إلى أن يبرأ أو يموت. فإن أهملوه وضيَّعوه حتى مات ضمنوه. هذا مذهب عمر وإليه ذهب الإمام أحمد، فإنه رُوي عن عمر أنَّ رجلًا مرَّ بقومٍ فاستسقاهم فلم يسقوه حتى
(1)
في الأصل: «والبر» ، تصحيف.
مات، فغرَّمهم عمر دِيَتَه
(1)
. قال إسحاق بن منصور
(2)
: قلت لأحمد: أتذهب إليه؟ فقال: إي والله!
وإن نزل بهم صحيحًا ورحل كذلك فضيافته يومٌ، حقٌّ واجبٌ، وما زاد على الثلاث لا يلزمهم القيام به. وما بين اليوم والليلة والثلاثة فهو الذي اختلفت فيه الشروط العمرية، كما تقدَّم. والصحيح أنَّه بحسب حال القوم في اليسار وعدمه وكثرة المارَّة وقلَّتهم، والله أعلم.
وحكم المحظور والمقطوعِ عليه الطريقُ حكم المريض فيما ذكرناه.
* * *
(1)
أخرجه عبد الرزاق (18318) ويحيى بن آدم في «الخراج» (352) ــ ومن طريقه البيهقي (6/ 153) ــ وابن أبي شيبة (28478) من طرق عن الحسن عن عمر.
(2)
في «مسائله» (2/ 286).