المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي ذكر أحاديث هذا الباب وعللها - أحكام أهل الذمة - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر أحكام مواريثهم بعضهم من بعضوهل يجري التوارث بين المسلمين وبينهم

- ‌اتفق المسلمون على أن أهل الدين الواحد يتوارثون

- ‌فصلفي ذكر أحاديث هذا الباب وعللها

- ‌المحاربون قطَّاع الطريق العالمون بأن ما فعلوه محرمٌ يضمنون

- ‌ يرث المسلمُ الكافر بالموالاة

- ‌ذكر حكم أطفالهم

- ‌الباب الأول: في ذكر أحكامهم في الدنيا

- ‌الجهة الثانية(3): إسلام الأبوين أو أحدهما

- ‌الجهة الثالثة: تبعيَّة السَّابي

- ‌فصلفي ذكر نصوص أحمد في هذا الباب

- ‌الجهة الرابعة: تبعيَّة الدار

- ‌فصلفي أدلة من ذهب إلى أن أطفال المسلمين في الجنة

- ‌المذهب الأول: الوقف في أمرهم

- ‌المذهب الثاني: أنَّهم في النار

- ‌المذهب الثالث: أنَّهم في الجنة

- ‌المذهب الرابع: أنَّهم في منزلة بين الجنة والنار

- ‌المذهب الخامس: أنَّهم مردودون إلى محض مشيئة الله فيهم بلا سبب ولا عمل

- ‌المذهب السادس: أنَّهم خدَمُ أهل الجنة ومماليكُهم

- ‌المذهب السابع: أنَّ حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والآخرة

- ‌المذهب الثامن: أنَّهم يكونون يوم القيامة ترابًا

- ‌المذهب العاشر: أنَّهم يُمتحَنون في الآخرة

- ‌ذكر الشروط العمرية وأحكامها وموجَباتها

- ‌الفصل الأولفي أحكام البيع والكنائس

- ‌ذكر حكم الأمصار التي وُجدت فيها هذه الأماكن

- ‌الضرب الثالث: ما فُتِح صلحًا

- ‌ذكر نصوص أحمد وغيره من الأئمة في هذا الباب

- ‌فصلفي ذكر بناء ما استَهْدَم(3)منها، ورمِّ شَعَثِه، وذكر الخلاف فيه

- ‌فروعٌ تتعلَّق بالمسألة

- ‌فصلفي تملُّك الذمي بالإحياء في دار الإسلام

- ‌فصلقولهم: (ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها

- ‌فصلقولهم: (ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوسًا)

- ‌فصلقولهم: (ولا نكتم غشًّا للمسلمين)

- ‌فصل(1)قولهم: (ولا نضرب نواقيسنا إلا ضربًا خفيًّا في جوف كنائسنا)

- ‌فصلقولهم: (ولا نُظهِر عليها صليبًا)

- ‌فصلقولهم: (ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا

- ‌فصلقولهم: (ولا نخرج صليبًا ولا كتابًا في أسواق المسلمين)

- ‌فصلقولهم: (وأن لا نخرج باعوثًا ولا شعانينًا

- ‌فصلقولهم: (ولا نجاورهم بالخنازير ولا ببيع الخمور)

- ‌فصلوكذلك قولهم: (ولا نجاوز المسلمين بموتانا)

- ‌فصلقولهم: (ولا ببيع الخمور)

- ‌فصلقولهم: (ولا نُرغِّب في ديننا، ولا ندعو إليه أحدًا)

- ‌فصلقولهم: (ولا نتخذ شيئًا من الرقيق الذي جرت عليه أحكام(1)المسلمين)

- ‌ذكر نصوص أحمد في هذا الباب

- ‌فصلقولهم: (وأن لا نمنع أحدًا من أقربائنا أراد الدخول في الإسلام)

- ‌فصل(1)وقولهم: (وأن نَلْزم زِيَّنا حيثما كنا، وأن لا نتشبَّه بالمسلمين

- ‌فصلقولهم: (ولا عمامة)

- ‌فصلقولهم: (ولا في نعلين، ولا فَرْق شعر)

- ‌فصلوكذلك قولهم: (ولا بفرق شعر)

- ‌فصلفي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلق الرأس وتركه وكيفية جعل شعره

- ‌فصلقالوا: (ولا نتشبَّه بالمسلمين في مراكبهم

- ‌فصلقالوا: (ولا نتقلد السيوف)

- ‌فصلقالوا: (ولا نتكلم بكلامهم)

- ‌فصلقالوا: (ولا ننقش خواتيمنا بالعربية)

- ‌فصلقالوا: (ولا نتكنَّى بكناهم)

- ‌فصل: كيف يُكتَب إليهم

- ‌فصلقالوا: (ونُوقِّر المسلمين في مجالسهم

- ‌فصلقالوا: (ولا نعلم أولادنا القرآن)

- ‌فصل(1)قالوا: (وأن نضيف كلَّ مسلم عابر سبيل ثلاثةَ أيام

- ‌«الفصل الثاني: في أحكام ضيافتهم للمارَّة بهم وما يتعلَّق بها»

- ‌فصل(1)قولهم: (وأن من ضرب مسلمًا فقد خلع عهدَه)

- ‌فصلقالوا: (ضمنَّا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا

- ‌المسألة الأولى فيما ينقض العهد وما لا ينقضه

- ‌ذكر قول الإمام أحمد وأصحابه:

- ‌ ذكرُ قوله فيمن يتكلم في الرب تعالى من أهل الذمة:

- ‌الدليل الرابع عشر: قوله: {بَرَاءَةٌ مِّنَ اَللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى اَلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ اَلْمُشْرِكِينَ} إلى قوله: {إِلَّا اَلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ اَلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا

- ‌ذكر الأدلة من السنة على وجوب قتل السابِّ وانتقاض عهده

الفصل: ‌فصلفي ذكر أحاديث هذا الباب وعللها

‌فصل

في ذكر أحاديث هذا الباب وعللها

قال الإمام أحمد

(1)

: حدثنا سفيان، عن يعقوب بن عطاء، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يتوارث أهل ملتين شتى» . يعقوب هذا ليس بالقوي.

وقال الترمذي

(2)

: حدثنا حُميد بن مَسْعَدة، حدثنا حُصَين بن نُمَير، عن ابن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يتوارث أهل ملتين» . قال الترمذي: «لا يعرف إلا من حديث ابن أبي ليلى» ، وفيه ضعفٌ.

وقال الدارقطني

(3)

: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن حربٍ، حدثنا

(1)

في «مسنده» (6664)، وقد توبع يعقوب هذا، تابعه غير واحدٍ عند أحمد وأبي داود والنسائي وغيرهم، وقد تقدَّم (ص 3)

(2)

في «جامعه» (2108)، وأخرجه أيضًا الطبراني في «الأوسط» (8466) من طريق حصين بن نمير به. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث جابر إلا من حديث ابن أبي ليلى.

(3)

في «سننه» (4064). وكذلك أخرجه عبد الرزاق (15525) والبزار (15/ 217) والطبراني في «الأوسط» (5434) والعقيلي في «الضعفاء» (4/ 139) والبيهقي (10/ 163)، من طرق عن عمر بن راشد به. قال الدارقطني عقب الحديث:«عمر بن راشد ليس بالقوي» . وقال أحمد: حديثه ضعيف، يحدث عن يحيى بن أبي كثير مناكير، ليس حديثه حديثًا مستقيمًا. «العلل ومعرفة الرجال» (4432). وانظر:«علل ابن أبي حاتم» (1420).

ص: 11

الحسن بن موسى

(1)

، ثنا عمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يرث أهل ملةٍ ملةً» .

وحدثنا

(2)

أبو بكر النيسابوري، حدثنا بحر بن نصرٍ، حدثنا ابن وهبٍ، أخبرني يونس، قال أخبرني ابن شهابٍ، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يرث الكافرُ المسلمَ، ولا يرث المسلمُ الكافرَ» .

وذكر القاضي في «التعليق» حديثين لا أعرف حالهما.

أحدهما: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرث أهل ملة ملةً، ولا تجوز شهادة ملة على ملة إلا أمتي تجوز شهادتهم على من سواهم»

(3)

، قال: رواه أبو بكر في «أدب القضاء» بإسناده.

الثاني: قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر، ولا يتوارث أهل ملتين»

(4)

. وهذا السياق إن صح فهو ظاهرٌ جدًّا أو

(1)

في الأصل: «محمد» ، وأخشى أن يكون ثَمَّ سقط لانتقال النظر، فإن الدارقطني بعد أن ساق الإسناد إلى عمر بن راشد وضع علامة تحويل فقال:«ح وحدثنا الحسين بن يحيى بن عياش، نا الحسن بن محمد الزعفراني، نا علي بن الجعد، أنا عمر بن راشد» ، فيكون حصل انتقال نظر من «الحسن بن موسى» في الإسناد الأول إلى «الحسن بن محمد» في الإسناد الثاني. والله أعلم.

(2)

في «سننه» (4065). وقد سبق تخريجه من «الصحيحين» .

(3)

هذا تمام لفظ حديث أبي هريرة الذي سبق تخريجه آنفًا.

(4)

أخرج هذا اللفظ الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 266) والطبراني في «الكبير» (1/ 163) من حديث أسامة بن زيد. وفي إسناده هُشيم بن بَشير، قال عبد الله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (2202): سمعت أبي يقول: «لم يسمع هُشيم من الزهري حديث علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتوارث أهل ملتين شتى» . إذًا ففي إسناده انقطاع.

وأخرجه أيضًا ابنُ عدي في «الكامل» (4/ 365) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وفي إسناده الخليل بن مرة وهو ضعيف.

ص: 12

صريحٌ

(1)

في المسألة، وأظنه جمع الحديثين في سياقٍ واحدٍ، والله أعلم.

قال الذين جعلوا الكفر ملةً واحدةً: قال الله عز وجل: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ اَلْيَهُودُ وَلَا اَلنَّصَارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 119]، وقال تعالى:{قُلْ يَاأَيُّهَا اَلْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِي دِينِ (6)} [سورة الكافرون]، فجعل لهم دينًا واحدًا، كما جعل لليهود والنصارى ملةً واحدةً.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الناس حَيِّزٌ، وأنا وأصحابي حَيِّزٌ»

(2)

، والله تعالى قسم خلْقه إلى كفارٍ ومؤمنين، فهؤلاء سعداء وهؤلاء أشقياء، والكفر وإن اختلفت شُعَبُه فيجمعه خصلتان: تكذيب الرسول في خبره، وعدم الانقياد لأمره. كما أن الإيمان يرجع إلى أصلين: طاعة الرسول فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر.

(1)

في المطبوع: «وصريح» ، خلاف الأصل.

(2)

أخرجه الطيالسي (602، 1010، 2319) وأحمد (11167، 21629) والطبراني في «الكبير» (4/ 286، 5/ 115) والحاكم (2/ 257) وغيرهم من حديث أبي البختري الطائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وهومرسل، فأبو البختري لم يدرك أبا سعيد، كما نصَّ عليه أبو حاتم في «المراسيل» (271). و «حيِّز» أي: في ناحية.

ص: 13

قال الآخرون: اشتراكهم في الكفر العام لا يوجب تساويهم في ملله، فإنهم كلهم يشتركون في الجحيم على اختلاف مراتبهم في الكفر. وقوله تعالى:{حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 119] لا يدل على أن ملة اليهود هي ملة النصارى، بل إضافة الملة إلى جميعهم لا يقتضي اشتراكهم في عين الملة. وكذلك قوله:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِي دِينِ} [الكافرون: 6] لا يقتضي اشتراكهم في دين واحد بحيث يدين هؤلاء بعين

(1)

ما يدين به هؤلاء، بل المعنى: لكلٍّ منكم دينُه وملَّته.

والله سبحانه يذكر الحق والهدى والإسلام ويجعله واحدًا، ويذكر الباطل والضلال والكفر ويجعله متعدِّدًا، قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاَتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا اُلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 154].

وقال تعالى: {اِللَّهُ وَلِيُّ اُلَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ اَلظُّلُمَاتِ إِلَى اَلنُّورِ (255) وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ اُلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ اَلنُّورِ إِلَى اَلظُّلُمَاتِ} [البقرة: 255 - 256].

وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاَتَّقُونِ (53) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53 - 54].

وقال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: خطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا، وقال:«هذا سبيل الله» ، ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله، وقال: «هذه سبلٌ،

(1)

في الأصل: «بغير» ، والمثبت مقتضى السياق.

ص: 14

على كل سبيلٍ شيطانٌ يدعو إليه»، ثم قرأ قوله:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاَتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا اُلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]

(1)

.

فصل

وأما توريث الكافر من المسلم فلم يختلف فيه أحدٌ من الفقهاء أنه لا يرثه

(2)

، ولكن تنازعوا في مسألة، وهي أن يُسلم الكافر بعد موت قريبه المسلم وقبل قَسْم تركته، فيُسلِم بين الموت وقَسْم التركة.

وفي ذلك روايتان عن الإمام أحمد. إحداهما: أنه يرثه، نقلها عنه الأثرم وابن منصورٍ، وبكر بن محمد

(3)

، وهي اختيار الخرقي

(4)

، وبها قال الحسن وجابر بن زيدٍ

(5)

. ونقل أبو طالب عنه: لا يرث، وهي قول أبي حنيفة ومالك والشافعي

(6)

.

(1)

كتب بعده لحقًا في الهامش: «وقال تعالى: {اِللَّهُ وَلِيُّ اُلَّذِينَ آمَنُوا

} إلى آخر هذا الحديث، تكرار.

والحديث أخرجه أحمد (4142) والدارمي (208) والنسائي في «الكبرى» (11109، 11110) وابن حبان (6، 7) والحاكم (2/ 239، 318) بإسناد حسن.

(2)

انظر: «مراتب الإجماع» لابن حزم (ص 98).

(3)

بكر بن محمد بن الحكم، من أصحاب الإمام أحمد، ولكن هذه الرواية نقلها عن أبيه عن أحمد كما سيأتي. وانظر:«المغني» (9/ 160).

(4)

في «المختصر» (9/ 160 - المغني).

(5)

سيأتي تخريج قولهما.

(6)

كما في «المغني» (9/ 160). وانظر: «الروايتين والوجهين» (2/ 65).

ص: 15

قال الخلال في «الجامع»

(1)

: باب من أسلم على ميراثٍ قبل أن يقسم. أخبرني حربٌ قال: سألت أحمد عمن أسلم على ميراثٍ قبل أن يقسم؟ قال: دعْ هذه المسألة، لا أقول فيها شيئًا.

أخبرني محمد بن علي، حدثنا حنبلٌ قال: قال أبو عبد الله: من أسلم على ميراثٍ قبل أن يقسم يورَّث من ذلك الميراث.

أخبرني محمد بن علي، حدثنا الأثرم، قال: مذهب أبي عبد الله: مَن أسلم على ميراثٍ قبل أن يقسم [أنه يورَّث مِن ذلك الميراث.

أخبرنا ابن حازم، حدثنا إسحاق

(2)

أنه قال لأبي عبد الله بأنَّ

(3)

مَن أسلم على ميراثٍ قبل أن يقسم؟]

(4)

قال: يُقسَم له ما لم يُقسَم الميراث.

أخبرني محمد بن علي، حدثنا صالح

(5)

أنه قال لأبيه: الرجل يُسلِم على ميراث، هل يرِث؟ قال: يروى عن عمر وعثمان أنهما كانا يورِّثان

(6)

، وقال سعيد بن المسيب: بُدِّدت

(7)

المواريث

(8)

.

(1)

في «كتاب أهل الملل» منه (2/ 410).

(2)

ابن منصور الكوسج، وهو في «مسائله» (2/ 502).

(3)

«بأن» كذا في مطبوعة «الجامع» ، وليس في «المسائل» .

(4)

ما بين الحاصرتين من «الجامع» ، والظاهر أنه سقط من المؤلف أو الناسخ سهوًا لانتقال النظر، فتداخل قول الأثرم مع رواية إسحاق بن منصور.

(5)

وهو في «مسائله» (3/ 30).

(6)

أخرجه عنهما عبد الرزاق (9894) والطبراني في «الكبير» (22/ 243). وأخرجه سعيد بن منصور (185) وابن أبي شيبة (32290) عن عثمان.

(7)

في الأصل: «بردت» ، وفي مطبوعة «الجامع»:«يردد» ، والظاهر أنه تصحيف عن المثبت من «مسائل صالح». ومعنى «بُدِّدت»: أي: قد تفرَّقت وصارت من نصيب أهله الذين يرثونه عند موته، فلم يبق منها شيء للذي أسلم بعد ذلك. وقد استعملها أحمد في مسألة أخرى من «مسائل صالح» (3/ 31) حين سئل عن نفقة الحامل المتوفَّى عنها زوجُها، أي: هل تكون النفقة من الميراث؟ فقال: «تُنفِق مِن نصيبها، قد بُدِّدَت المواريث» .

(8)

أخرجه ابن أبي شيبة (32285) بلفظ: «إذا مات الميت يُرَد الميراثُ لأهله» .

ص: 16

أخبرني الميموني أنه سأل أبا عبد الله: مَن أسلم على ميراثٍ؟ قال: مسألة مشتبهةٌ، من يحتج فيها يقول: الكفن من جميع المال، ثم الوصية، ثم الميراث، ومن قال

(1)

: الحامل المتوفَّى عنها زوجها نفقتُها من جميع المال؛ هذه حجةٌ لمن ورَّثه، يحتج بعد الموت بهذه الأشياء، يقول: أليس إنما وجبت الوصية والكفن بعد الموت؟ فإسلام هذا أكبرُ إذا أسلم قبل أن يقسم.

قال الخلال: ومذهب أبي عبد الله في مسألة عبد الملك أيضًا: أنه يرث إذا أسلم على ميراثٍ قبل أن يقسم؛ لأنه يذهب إلى هذه الأشياء التي احتجَّ بها من الكفن والوصية وغير ذلك.

أخبرني عبد الله بن محمد، حدثنا بكر بن محمد، عن أبيه، عن أبي عبد الله، وسأله عمَّن أسلم على ميراثٍ قبل أن يقسم، [قال: إذا أسلم على ميراث قبل أن يُقسَم]

(2)

فله الميراث، قال: فإذا أُعتِق العبدُ على ميراث لم

(1)

في المطبوع: «و [يحتج فيه بقول] من قال» ، ما زاده بين الحاصرتين ليس في الأصل ولا في «الجامع» .

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من الأصل لانتقال النظر، واستُدرك من «الجامع» .

ص: 17

يقسم له.

ثم ذكر من مسائل إسحاق بن إبراهيم قال: سئل أبو عبد الله عن أقوام نصارى أوقفوا على البِيعة ضياعًا كثيرةً، فمات النصارى، ولهم أبناءٌ نصارى، ثم أسلم بعد ذلك الأبناء، والضياع بيد النصارى، ألهم أن يأخذوها من أيدي النصارى؟ قال أبو عبد الله: نعم، يأخذونها من أيديهم، وللمسلمين أن يُعينوهم حتى يستخرجوها من أيديهم.

فهذا مجموع ما ذكره الخلال من نصوص أحمد، ولم أجد عنه نصًّا أنه لا يرث

(1)

غيرَ توقُّفه في رواية حربٍ، فكأنَّهم جعلوا توقُّفه على روايتين، وعموم أجوبته يقتضي التسوية بين الزوجة وغيرها.

وقد فصَّل أبو بكر

(2)

فقال: الزوجة لا ترث قولًا واحدًا، والخلاف في غيرها، ونازعه في ذلك القاضي وأصحابه.

قال المورثون: قال أبو داود

(3)

:

حدثنا حجَّاج بن أبي يعقوب، ثنا

(1)

مع أنه سبق أن أبا طالب روى عنه ذلك.

(2)

«أبو بكر» سقط من المطبوع.

(3)

في «سننه» (2914)، وأخرجه أيضًا ابن ماجه (2485) والبزار (11/ 414) وأبو يعلى (2359) والبيهقي (9/ 122) كلهم من طريق موسى بن داود به.

إسناده حسن من أجل محمد بن مسلم وهو الطائفي، صدوق يخطئ. قال ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (4/ 264):«إسناده جيد» ، واختاره الضياء (9/ 521). وله طريق آخر عن ابن عباس عند البيهقي (9/ 122). والحديث صححه الألباني في «إرواء الغليل» (1717) بمتابعاته وشواهده، وسيأتي بعضها.

ص: 18

موسى بن داود، ثنا محمد بن مسلم

(1)

، عن عمرو بن دينارٍ، عن أبي الشَّعْثاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ قَسْم قُسِم في الجاهلية فهو على ما قُسِم، وكل قَسْم أدركه الإسلام فهو على قَسْم الإسلام» ، فهذا الحديث رواه أبو الشعثاء وتأوَّله على عمومه وذهب إليه. وهذا قَسْمٌ أدركه الإسلام فيُقسَم على حكمه.

وقال أبو عبد الله بن ماجه في «سننه»

(2)

: حدثنا محمد بن رُمْح، حدثنا عبد الله بن لَهِيعة، عن عُقَيل أنَّه سمِع نافعًا يُخبِر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما كان مِن ميراث قُسِم في الجاهلية فهو على قِسمة الجاهلية، وما كان من ميراث أدركه الإسلام فهو على قِسمة الإسلام» .

وقال الإمام أحمد

(3)

: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شُعبة، عن عمرو بن

(1)

في الأصل: «سلمة» ، تصحيف.

(2)

برقم (2749)، وأخرجه أيضًا الطبراني في «الأوسط» (230، 6499) من طريق محمد بن رمح به. وإسناده ضعيف من أجل ابن لَهِيعة، ويشهد له الحديث السابق.

(3)

في «مسنده» (22005، 22006)، وأخرجه أيضًا أحمد (22057) والطبراني (20/ 162) والحاكم (4/ 345) والبيهقي (6/ 205، 254)، من طرق عن شعبة به. في إسناده انقطاع، أبو الأسود لم يدرك معاذًا، وتؤيده رواية أبو داود (2912) ــ ومن طريقه البيهقي (6/ 254) ــ بإسناده عن يحيى بن يعمر قال: حدثني أبو الأسود أنَّ رجلًا حدَّثه أن معاذًا

إلخ. قال البيهقي: «وهذا رجل مجهول فهو منقطع. وإن صح الخبر فتأويله غير ما ذهب إليه، إنَّما أراد أنَّ الإسلام في زيادة ولا ينقص بالردة» . وانظر: «الضعيفة» (1123) و «ضعيف أبي داود - الأم» (505).

ص: 19

أبي حَكيم

(1)

، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر، عن أبي الأسود الدِّيلي قال: كان مُعاذٌ باليمن، فارتفعوا إليه في يهودي مات، وترك أخاه مسلمًا، فقال معاذٌ: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الإسلام يزيد ولا ينقص» ، فورَّثه.

وقال سعيد بن منصور

(2)

: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن حَيْوَة بن شُرَيح، عن محمد بن عبد الرحمن بن نَوفَل، عن عُروة بن الزُّبَير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أسلَم على شيء فهو له» . وهذا قد أسلم على ميراث قبل أن يُقسَم فيكون له.

قالوا: وهذا اتفاقٌ من الصحابة، فذكر النجَّاد أنَّ يزيد

(3)

بن قتادة ماتت أمُّه، فأسلم بعض أولادها، فرفع ذلك إلى عثمان، فسأل عن ذلك أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يرثون ما لم يقسم

(4)

.

وذكر ابن اللَّبَّان

(5)

، عن أبي قِلابة، عن حسَّان بن بلال المُزَني: أنَّ

(1)

في الأصل: «الحكم» ، تصحيف.

(2)

في «سننه» (189)، وهو مرسل صحيح الإسناد كما قال ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (4/ 265). وأخرجه أيضًا (190) عن ابن أبي مليكة مرسلًا، وإسناده صحيح كذلك. وقد روي موصولًا من وجوه ضيعفة، ينظر:«الإرواء» (1716).

(3)

في الأصل: «زيد» هنا وفي الأثر الآتي، والتصحيح من مصادر التخريج.

(4)

ينظر تخريج الأثر الآتي، والذي سأله عثمان هو عبد الله بن الأرقم.

(5)

هو المحدِّث الفرضي محمد بن عبد الله بن الحسن البصري الشافعي، صنَّف كتبًا في الفرائض (ت 402)، ولعل بعضها كان مسندًا فنقل منه المؤلف هذه الآثار.

ص: 20

يزيد بن قتادة العَنبري

(1)

حدَّث أنَّ إنسانًا من أهله مات وهو على غير دين الإسلام، فورِثَتْه أختي وكانت على دينه، قال: ثم إنَّ جدِّي أسلم وشهِد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُنَينَ

(2)

، فتُوُفِّي فلبثتْ سنةً، وكان ترك نخلًا، ثم إنَّ أختي أسلمت فخاصمتني في الميراث إلى عثمان، فحدَّثه عبد الله بن أرقم أنَّ عمر قضى أنَّه مَن أسلم على ميراث قبلَ أن يُقسَم فله نصيبه، فقضى به عثمان، فذهبت بذلك الأول، وشاركتني في هذا

(3)

.

وروى ابن اللَّبَّان أيضًا عن ابن سِيرين عن ابن مسعودٍ أنه سئل عن رجل مات وترك أباه عبدًا، فأُعتق قبل أن يُقسَم ميراثه، فقال ابن مسعودٍ

(4)

: له ميراثه

(5)

.

(1)

كذا في الأصل. وفي «التاريخ الكبير» (8/ 353) و «الجرح والتعديل» (9/ 284) و «التمهيد» (2/ 58): «العنزي» ، فليُنظر.

(2)

في الأصل والمطبوع: «خيبر» ، ولعله تصحيف من الناسخ أو غيره، والتصحيح من مصادر التخريج، و «حنين» منصرف وقد يأتي غير منصرف كما أُثبت، فإن تصحيفه يدل على أنه كان مكتوبًا بغير ألف، وإلا فبعيد أن يتصحَّف «حنينًا» إلى «خيبر» .

(3)

أخرجه أيضًا عبد الرزاق (19320) وابن المنذر في «الأوسط» (7/ 473) والطبراني في «الكبير» (22/ 243) وأبو بكر بن أبي داود ــ كما في «مسند الفاروق» لابن كثير (2/ 112) ــ وابن عبد البر في «التمهيد» (2/ 56) كلهم من طريق أبي قلابة به بنحوه. ورجال إسناده ثقات. وقد وقع عند عبد الرزاق: عن أبي قلابة عن رجل، والظاهر أن المبهم هو حسان بن بلال كما عند المؤلف وفي سائر المصادر.

(4)

«أنه سئل

» إلى هنا سقط من المطبوع لانتقال النظر.

(5)

وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (31804) ــ ومن طريقه ابن المنذر في «الأوسط» (7/ 470) ــ بلفظ: «يشترى من ماله فيُعتَق ثم يورَّث» . قال ابن المنذر: «لا يثبت» ، وذلك ــ والله أعلم ــ لأنه مرسل، فابن سيرين لم يدرك ابن مسعود. ولكن تابعه إبراهيم النخعي عنه كما عند ابن أبي شيبة (31803، 31805)، وهو وإن كان مرسلًا أيضًا إلا أن المشهور أنه إذا أرسل عنه فإنه قد سمعه من ثقات أصحابه كالأسود وعلقمة.

ص: 21

فإن قيل: فقد روي عن علي أنه لم يورِّث من أسلم وأُعتِق على ميراث

(1)

.

قلنا: فقد روى ابن اللبان عن الحسن عن علي رضي الله عنه قال: إذا أسلم النصراني قبل أن يقسم الميراث، فإنه يرث

(2)

.

وإذا اختلفت الرواية عنه فإمَّا أن يتعارضا ويتساقطا، وإما أن يكون الأخذ برواية التوريث أولى لأنَّه يوافق قول غيره من الصحابة.

فإن قيل: يحتمل أن يكون قوله: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسم» معناه: مَن أسلم عند حضرة الموت لمَورُوثه قبل أن يموت، ويقسمَ ميراثه.

قيل: هذا فاسدٌ من وجوه:

أحدها: أنَّ سياق الآثار التي ذكرناها صريحٌ في أنَّ إسلامه كان بعد

(1)

فقد أخرج سعيد بن منصور (183) وابن أبي شيبة (32284) ــ ومن طريقه ابنُ المنذر (7/ 472) ــ من طريق أدهم السدوسي عن أناس من قومه أن امرأة ماتت وهي مسلمة وتركت أمًّا لها نصرانية، فأسلمت أمُّها قبل أن يقسم ميراث ابنتها، فأتوا عليًّا فذكروا ذلك له، فقال: لا ميراث لها، ثم قال: كم تركت؟ فأخبروه، فقال: أَنيلوها منه بشيء.

(2)

لم أجده.

ص: 22

الموت لا قبله.

الثاني: أنَّه علق الاستحقاق بالقسمة، فقال:«من أسلم على ميراث قبل أن يقسم» ، ولم يقل: قبل أن يموت الموروث. ولا يصلح أن يكون معنى (قبل أن يقسم) هو معنى (قبل أن يموت موروثه). والتأويل إذا خرج إلى هذا الحد فَحُش جدًّا.

الثالث: أنَّه ليس في هذا كبير فائدة أن يقال: من أسلم قبل موت موروثه وَرِثه، فهذا أمرٌ لا يخفى على أحد حتى يحتاج إلى بيان.

ولا يمتنع أن يوجد الاستحقاق بعد الموت، ويكون في حكمه قبله

(1)

، كما قلتم فيمن حفر بئرًا ومات ثم وقع فيها إنسانٌ: فإن الضمان متعلقٌ بتركته كما لو وُجِد الوقوع في حال حياته؛ فالحفر ــ سبب الضمان ــ وُجِد في حال الحياة، والوقوع شرطٌ في الضمان وُجِد بعد الموت. والنسب ــ سبب الإرث ــ وُجِد قبل الموت، والإسلام شرطٌ في استحقاقه وُجِد بعد الموت، فلا فرقَ بينهما.

ولأنَّ لِعدم القسمة تأثيرًا في الاستحقاق، بدليل أنَّ الكفار إذا ظهروا على أموال المسلمين، ثم ظهر عليها المسلمون قبل القسمة كان صاحبه أحقَّ به، وبعد القسمة لا حقَّ له فيه.

يبيِّن هذا أنَّ المال قبل القسمة لا تتعين حقوق الورثة فيه حتى تستقر الوصية إن كانت، إما بقبولٍ أو ردٍّ، فتتعين بالقسمة.

(1)

كذا، ولعل صوابه:«في حكم ما قبله» .

ص: 23

وأيضًا، فقد قال المنازعون لنا: إنَّ ما ينتقل إلى بيت المال عن ميت لا وارثَ له ينتقل إرثًا، فلو أسلم رجل بعد انتقال المال عن ميت إلى بيت المال استحق جزءًا منه كما لو كان مسلمًا قبل الانتقال، كذلك هاهنا.

وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهم الذي عَجَز عنه كثيرٌ ممن بعدهم، فإنَّهم أجرَوا حالة الموت قبل القسمة مجرى ما قبل الموت، فإنَّ التركة لم يقع عليها استيلاءُ الورثة وحوزُهم وتصرُّفُهم، فكأَنَّها في يد الميت حكمًا. فهي ما بين الموت والقسمة لها

(1)

حالةٌ وسطٌ، فأُلحِقت بما قبل الموت، وكان أولى استصحابًا لحال بقائها.

وأيضًا، فإنَّ التركة قبل القِسمة على ملك الميت، فلو زادت ونمَت وُفيَتْ ديونه من الزيادة. ولو نصب مناجل

(2)

وشبكةً قبل الموت، فوقع فيها صيدٌ بعده وقبل القسمة كان على ملكه، فتُوفَى منه ديونه وتُنفذ منه وصاياه.

وأيضًا، فإنَّ توريث المسلم قبل القسمة مما يرغِّب في الإسلام ويزيد فيه ويدعو إليه، فلو لم يكن فيه إلا مجرد الاستحسان لكان ذلك من محاسن الشريعة وكمالها: أن لا يُحرَم ولدُ رجلٍ ميراثَه بمانعٍ قد زال [و] فَعَل

(3)

المقتضي عمَلَه، فإنَّ النسب هو مقتضٍ للميراث، ولكن عاقبه الشارعُ بالحرمان على كفره، فإذا أسلم لم يبقَ محلًّا للعقوبة، بل صار بالثواب أولى

(1)

في الأصل: «له» .

(2)

في الأصل: «مناجلًا»

(3)

زيادة الواو مني. ولا يصحُّ رفع «فِعلُ» على أنه فاعل «زال» كما في المطبوع، لأن فاعل زال ضمير عائد إلى «مانع» .

ص: 24

منه بالعقاب.

يوضِّحه أنَّ زوال المانع قبل القِسمة يجعله في حكم ما لم يكن أصلًا، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والنازع عن الكفر كمن لم يكفر، فلا معنى لحرمانه، وقد أكرمه الله بالإسلام، ومالُ موروثه لم يتعيَّن بعدُ لغيره، بل هو في حكم الباقي على ملكه من وجهٍ، وفي حكم الزائل من وجهٍ.

يوضحِّه أنه إذا أسلم قبل القسمة، وقبل حيازة بيت المال التركة= ساوى المسلمين في الإسلام، وامتاز عنهم بقرابة الميت، فكان أحقَّ بماله.

وهذه المسألة مما برَز بها الإمام أحمد ومن قال بقوله، وهي من محاسن الشريعة، وعند أحمد فيها من الآثار عن الصحابة ما لم يبلغ غيره.

قال المانعون من التوريث: التركة تنتقل بالموت إلى ملك الورثة، ويستقر ملكهم عليها، فيجب أن لا يزول ملكهم عنها بالإسلام، كما لا يزول بحدوث وارثٍ آخر، وهو أن يموت ويُخلِف أمًّا وأختًا، فتَعْلَق

(1)

الأم بولدٍ آخر، فإنَّه لا يرث لحدوثه بعد الحكم بالميراث للموجود.

قالوا: ولأنَّ مَن لم يكن وارثًا عند الموت لم يَصِر وارثًا بعده، لأنَّ فيه صيرورتَه وارثًا بعد موت مورِّثه، وهذا لا يعقل.

قالوا: ولأنَّه لا يصير وارثًا بعد القسمة، فكذلك قبلها.

قالوا: ولأنَّه لو عَتَق بعد الموت وقبل القسمة لم يرث، كذلك هاهنا،

(1)

أي: تَحْبَل، وزنًا ومعنى. وظنَّ صبحي الصالح أن ما في الأصل خطأ فأثبت:«فتتعلَّق» !

ص: 25

ولا فرق بين الصورتين.

قال المورِّثون: إنَّما حكمنا بالملك للموجودينَ من الورثة في الظاهر ملكًا مراعًى، كما حكمنا بالملك لهم إذا كان الوارث

(1)

قد حفر بئرًا ونصب سكِّينًا، فإنا نحكم به في الظاهر، فلو وقع في البئر إنسانٌ بعد ذلك فإنه يرجع عليهم بالأرش، وتبيَّنَّا أنَّ ذلك الحكم لم يكن صحيحًا؛ كذلك هاهنا.

ويفارق هذا إذا حدث له وارثٌ بعد ذلك، لأنَّ سبب الإرث لم يكن موجودًا حال الموت، والسبب هاهنا موجودٌ وهو النسب، فجاز أن يرث بعد الموت والإسلام.

يبيِّن صحة هذا أنَّه لو حفر العبد بئرًا في حياة السيد ومات السيد، فوقع فيها إنسانٌ بعد موته، تعلَّق الضمان بتركته. ولو حفرها العبد بعد موت السيد ووقع فيها إنسانٌ لم يتعلق بتركته، وإن كان العبد مضافًا إليه في الحالين. وكان الفرق بينهما ما ذكرنا.

ولأنَّهم قد قالوا: لو أعتق المسلم عبدًا نصرانيًّا كان ميراثه مراعًى، فإن أسلم قبل موته ورثه بالولاء، وإن مات قبل أن يسلم لم يرثه. وهذا إلزامٌ جيدٌ، لأنهم جعلوا الميراث مراعًى على ما يحدث بعد العتق.

وأمَّا إلزامهم مسألةَ العبدِ إذا عتَقَ بعد الموت وقبل القسمة، فإلزامٌ قويٌّ جدًّا. وقد نصَّ أحمد على أنَّه لا يرث مفرِّقًا بينها وبين مسألة إسلام الكافر في جوابٍ واحدٍ. ولكن قد سوَّى بينهما في الميراث: الحسنُ وأبو الشعثاء،

(1)

كذا، والسياق يقتضي:«المورِّث» أو «الموروث» .

ص: 26

حكاه ابن المنذر عنهما

(1)

.

فالمسألتان من مسائل النزاع، وفيهما ثلاثة أقوال:

أحدها: عدم الميراث في المسألتين، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك.

والثاني: ثبوت التوارث في المسألتين، وهو قول الحسن وجابر بن زيد.

والثالث: ثبوت التوارث في مسألة الكافر إذا أسلم دون العبد إذا عَتَق، وهو مذهب الإمام أحمد ومَن وافقه. وفرَّق أصحاب هذا القول بين المسألتين بأنَّ الكافر أقوى سببًا من العبد، لأنَّ الكافر في حال كفره على صفة من يرث كافرًا مثله، ويَعقِل

(2)

وينصُر، والعبد ليس على صفة من يرث، ولا يعقل ولا ينصر، فضَعُف في بابه. [بـ] ـهذا فرَّق القاضي وجمهور أصحابه.

وفرَّق غيره بأنَّ الكافر حرٌّ فمعه مقتضي الميراث والكفر مانعٌ، بخلاف العبد فإنَّه ليس معه مقتضي الميراث وليس بأهلٍ، فبالعتق تجدَّد المقتضي، وبالإسلام زال المانع.

وفرَّق آخرون بأنَّ الصحابة حكموا بتوريث الكافر يُسلم دون العبد يَعْتِق، ويكفي تفريقهم عن تكلُّف طلب الفرق!

(1)

في «الأوسط» (7/ 472 - 473) و «الإشراف» (4/ 357). وأخرج عبد الرزاق (19318، 19329) قول أبي الشعثاء في الإسلام والعتق تباعًا. وأخرج سعيد (186) وابن أبي شيبة (32292) قول الحسن في المسألتين جميعًا.

(2)

أي: يَدِي (من الدية).

ص: 27

وفرَّق آخرون بأنَّ الإسلام وُجِد من جهته، فهو ممدوحٌ عليه ومثابٌ عليه، والعِتق وُجِد من غير جهته، فلا منَّةَ له فيه ولا ثواب، وإنما هو لسيده، فجاز أن يستحق بما يُمدَح عليه عوضًا يكون ترغيبًا له في الإسلام.

فإن قيل: فما تقولون في الزوجة تسلم قبل قسمة الميراث؟

قيل: قد ذكر أبو بكر في كتاب الطلاق هذه المسألة فقال: إذا أسلم على ميراث قبل أن يقسم كان داخلًا في الميراث في أحد القولين. والقول الآخر: لا يرث. وأما الزوجة فخارجة عن الميراث في القولين جميعًا.

قال القاضي: وظاهر كلام أحمد والخرقي أنها ترث، وهو الصحيح عندي؛ لأن المانع من الميراث إذا كان لاختلاف الدين، فإذا زال قبل القسمة لم يمنع الإرث كالنسب.

ووجه قول أبي بكر: أن إرث الزوجة بعقد النكاح على صفةٍ: وهو الاتفاق في الدين، وبالموت قد زال العقد، فإذا وُجد الاتفاق بعد ذلك لم يؤثر كعدم العقد. وليس كذلك النسب، لأنه يورَث به على صفة، وبالموت لم يَزُل النسب، فإذا وجد الاتفاق في الدين صادف نسبًا ثابتًا، فلهذا وَرِث.

يبيِّن صحة هذا ما قلناه في المولى المناسب

(1)

: إذا فسق سقطت ولايته، فإذا صار عدلًا عادت ولايته، لأن النسب باقٍ لم يزُل. ولو استفاد الولاية بالحكم، وفسق الحاكم سقطت ولايته، فإن صار عدلًا في الثاني لم تعد ولايته، لأنها إنما استفادها بالعقد، والعقد قد بطل، فلم يؤثر وجود العدالة في

(1)

أي: الذي يجمعه به نسب.

ص: 28

الثاني.

وأجاب آخرون بالجواب المركَّب وهو: إن لم يكن بين الصورتين فرقٌ في مسألة العبد والزوجة والكافر، فالصواب التسوية، وإن كان بينهما فرقٌ بطل الإلزام، والله أعلم.

فصل

وأمَّا توريث المسلم من الكافر فاختلف فيه السلف، فذهب كثيرٌ منهم إلى أنه لا يرث كما لا يرث الكافر المسلم، وهذا هو المعروف عند الأئمة الأربعة وأتباعهم.

وقالت طائفةٌ منهم: بل يرث المسلم الكافر، دون العكس. وهذا قول معاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، ومحمد ابن الحنفية، ومحمد بن علي بن الحسين، وسعيد بن المسيب، ومسروق بن الأجدع، وعبد الله بن مغفل، ويحيى بن يَعمَر

(1)

، وإسحاق بن راهويه

(2)

. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية

(3)

. قالوا: نرثهم ولا يرثونا

(4)

، كما ننكح نساءهم، ولا

(1)

في الأصل: «معمر» ، والتصحيح من نسخة أخرى أشير إليها بهامشه. وينظر لآثار هؤلاء: سنن سعيد بن منصور (145 - 147) ومصنف ابن أبي شيبة (32101، 32102) والأوسط لابن المنذر (7/ 464) والتمهيد (9/ 163) والاستذكار (15/ 491).

(2)

انظر: «مسائل أحمد وإسحاق» للكوسج (2/ 436).

(3)

انظر: «الاختيارات» للبعلي (ص 283) و «الفروع» لابن مفلح (8/ 63).

(4)

كذا في الأصل، بحذف إحدى النونين تخفيفًا.

ص: 29

ينكحون نساءنا.

والذين منعوا الميراث عمدتهم الحديث المتفق عليه: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم»

(1)

، وهو عمدةُ مَن منع ميراث المنافق الزنديق، وميراث المرتد.

قال شيخنا

(2)

: وقد ثبت بالسنة المتواترة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُجري الزنادقة المنافقين في الأحكام الظاهرة مجرى المسلمين فيرثون ويُورَثون. وقد مات عبد الله بن أُبَيٍّ وغيره ممن شهد القرآن بنفاقه، ونُهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه والاستغفار له، ووَرِثَهم ورثتُهم المؤمنون؛ كما ورث عبدَ الله بن أبيٍّ ابنُه. ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من تركة أحدٍ من المنافقين شيئًا، ولا جعل شيئًا من ذلك فيئًا، بل أعطاه لورثتهم. وهذا أمرٌ معلومٌ بيقينٍ، فعلم أنَّ الميراث مداره على النصرة الظاهرة لا على إيمان القلوب والموالاة الباطنة، والمنافقون في الظاهر ينصرون المسلمين على أعدائهم، وإن كانوا من وجهٍ آخر يفعلون خلاف ذلك، فالميراث مبناه على الأمور الظاهرة لا على ما في القلوب.

وأما المرتد فالمعروف عن الصحابة مثل عليٍّ وابن مسعودٍ: أن ماله لورثته من المسلمين أيضًا، ولم يدخلوه في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم

(1)

قد تقدم (ص 3).

(2)

قال ابن عبد الهادي في «العقود الدرية» (ص 339): «وكان يميل أخيرًا لتوريث المسلم من الكافر الذمي، وله في ذلك مصنف وبحث طويل» . فلعل هذا النص منه، وانظر:«مجموع الفتاوى» (7/ 210).

ص: 30

الكافر». وهذا هو الصحيح.

وأما أهل الذمة فمن قال بقول معاذ ومعاوية ومن وافقهما يقول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم الكافر» ، المراد به الحربي لا المنافق، ولا المرتد، ولا الذمي، فإنَّ لفظ «الكافر» ، وإن كان قد يعُمُّ كل كافر، فقد يأتي لفظه والمراد به بعض أنواع الكفار، كقوله:{إِنَّ اَللَّهَ جَامِعُ اُلْمُنَافِقِينَ وَاَلْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 139]، فهنا لم يدخل المنافقون في لفظ الكافرين. وكذلك المرتد، فالفقهاء لا يدخلونه في لفظ الكافر عند الإطلاق، ولهذا يقولون: إذا أسلم الكافر لم يقضِ ما فاته من الصلاة، وإذا أسلم المرتد ففيه قولان.

وقد حمل طائفةٌ من العلماء قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ»

(1)

على الحربي دون الذمي

(2)

، ولا ريب أن حمل قوله:«لا يرث المسلم الكافر» على الحربي أولى وأقرب محملًا، فإنَّ في توريث المسلمين منهم ترغيبًا في الإسلام لمن أراد الدخول فيه من أهل الذمة، فإنَّ كثيرًا منهم يمنعهم من الدخول [في] الإسلام خوفُ أن يموت أقاربهم، ولهم أموالٌ فلا

(1)

أخرجه البخاري (111) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(2)

وذلك أنه ورد في بعض طرق هذا الحديث عند أحمد (959) وأبي داود (4530) وغيرهما زيادة: «ولا ذو عهدٍ في عهده» ، ولها شاهد عند أحمد (6690) وأبي داود (2751) وغيرهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه. فدلَّت المقابلة بين «ذي عهدٍ» و «كافر» أن المراد بالكافر: الحربي. انظر: «شرح مختصر الطحاوي» للجصاص (5/ 355).

ص: 31

يرثون منهم شيئًا. وقد سمعنا ذلك

(1)

من غير واحدٍ منهم شِفاهًا. فإذا علم أنَّ إسلامه لا يُسقط ميراثه ضَعُف المانع من الإسلام و [صارت]

(2)

رغبتُه فيه قويةً.

وهذا وحده كافٍ في التخصيص، وهم يخصُّون العموم بما هو دون ذلك بكثيرٍ، فإنَّ هذه مصلحةٌ ظاهرةٌ يشهد لها الشرع بالاعتبار في كثيرٍ من تصرفاته، وقد تكون مصلحتها أعظم من مصلحة نكاح نسائهم. وليس في هذا ما يخالف الأصول، فإنَّ أهل الذمة إنَّما ينصرهم ويقاتل عنهم المسلمون، ويفتكُّون

(3)

أسراهم، والميراثُ يستحق بالنصرة فيرثهم المسلمون، وهم لا ينصرون المسلمين فلا يرثونهم؛ فإن أصل الميراث ليس هو بموالاة القلوب، ولو كان هذا معتبرًا فيه كان المنافقون لا يرثون ولا يورثون، وقد مضت السنة بأنهم يرثون ويورثون.

وأمَّا المرتد فيرثه المسلمون، وأمَّا هو فإن مات له ميتٌ مسلم في زمن الرِّدَّة ومات مرتدًّا لم يرثه لأنَّه لم يكن ناصرًا له، وإن عاد إلى الإسلام قبل قِسمة الميراث فهذا فيه نزاعٌ بين الناس. وظاهر مذهب أحمد: أنَّ الكافر الأصلي والمرتد إذا أسلما قبل قسمة الميراث ورثا، كما هو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين. وهذا يؤيِّد هذا الأصل، فإنَّ هذا فيه ترغيبٌ في

(1)

زيد في المطبوع هنا: «منهم» ، خلافًا للأصل.

(2)

زيادة يقتضيها السياق، ولعل المؤلف لم يذكره على توهُّم أنه تقدَّم، أي: صار المانعُ من الإسلام ضعيفًا ورغبتُه فيه قويةً.

(3)

كذا في الأصل، وهو صواب محض، فـ (فكَّ الأسيرَ) و (افتكَّه) بمعنى. وغيَّره في المطبوع إلى:«يفتدون» مع التنبيه على ما في الأصل.

ص: 32

الإسلام، وقد نُقِل عن عليٍّ في الرقيق إذا كان ابنًا للميت: أنه يُشترى من التركة ويرث

(1)

.

قال شيخنا: ومما يؤيد القول بأنَّ المسلم يرث الذمي ولا يرثه الذمي: أنَّ الاعتبار في الإرث بالمناصرة، والمانع

(2)

هو المحاربة. ولهذا قال أكثر الفقهاء: إن الذمي لا يرث الحربي، وقد قال تعالى في الدية:{فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهْوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء: 91]، فالمقتول ــ إن كان مسلمًا ــ فدِيَتُه لأهله، وإن كان من أهل الميثاق فدِيَتُه لأهله، وإن كان من قوم عدوٍّ للمسلمين فلا ديةَ له؛ لأنَّ أهله عدو للمسلمين وليسوا بمعاهدين، فلا يُعطَون ديته، ولو كانوا معاهدين لأُعطُوا الدية.

ولهذا لا يرث هؤلاء المسلمين، فإنَّهم ليس بينهم وبينهم أيمانٌ ولا أمانٌ. ولهذا لما مات أبو طالب ورثه عقيل دون علي وجعفرٍ، مع أن هذا كان في أول الإسلام. وقد ثبت في «الصحيح»

(3)

أنه قيل له صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ألا تنزل في دارك؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من رباعٍ؟» ، وذلك لاستيلاء عقيل على رباع بني هاشم لمَّا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليس هو لأجل ميراثه، فإنه أخذ دار النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت له التي ورثها من أبيه، وداره التي كانت

(1)

روي عنه نحو ذلك في مقتولٍ له أم وأخت مملوكتان، فقال: تُشتريان من الدية فتُعتَقان فتَرِثان ما بقي منها. أخرجه إسحاق الكوسج في «مسائل أحمد» (2/ 420) ــ ومن طريقه ابن المنذر (7/ 470) ــ من رواية جابر بن زيد أبي الشعثاء عنه. قال ابن المنذر: «لا يثبت» ، وذلك ــ والله أعلم ـ لأن أبا الشعثاء لم يدرك عليًّا.

(2)

في الأصل: «المنانع» !

(3)

للبخاري (1588) ومسلم (1351)، وقد تقدَّم.

ص: 33

لخديجة، وغير ذلك مما لم يكن لأبي طالب، فاستولى على رباع بني هاشم بغير طريق الإرث، بل كما استولى سائر المشركين على ديار المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، كما استولى أبو سفيان بن حرب على دار أبي أحمد بن جحش

(1)

وكانت دارًا عظيمةً. فكان المشركون ــ لمَّا هاجر المسلمون ــ مَن كان له قريبٌ أو حليفٌ استولى على ماله، ثم لمَّا أسلموا عامَ الفتح أقرَّهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما أسلموا عليه

(2)

، وقال:«مَن أسلم على شيء فهو له»

(3)

، ولم يرُدَّ إلى المهاجرين دُورَهم التي أُخِذت منهم، بل قال:«هذه أخذت في الله، أجورهم فيها على الله»

(4)

. وقال لابن جحشٍ: «ألا ترضى أن يكون لك

(5)

مثلها في الجنة؟»

(6)

.

وكان المسلمون ينتظرون ما يأمر به في دار ابن جحش، فإن ردَّها عليه طلبوا هم أن يرُدَّ عليهم، فأرسل إليه مع عثمان

(7)

هذه الرسالة، فسكت

(1)

انظر: «طبقات ابن سعد» (4/ 96) و «سيرة ابن هشام» (1/ 499) و «الآحاد والمثاني» (610) و «أخبار مكة» للأزرقي (2/ 244) والفاكهي (2120).

(2)

«عامَ الفتح أقرَّهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما أسلموا عليه» سقط من المطبوع.

(3)

صحَّ ذلك مرسلًا، وقد سبق تخريجه (ص 20).

(4)

لم أجده.

(5)

في الأصل: «لها» ، ولعله تصحيف عما أثبت.

(6)

ذكره ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 499) ــ مرسلًا بنحوه .. وذكر ابن سعد في «الطبقات» (4/ 96) نحوَه بإسناد شيخه الواقدي عن بعض آل أبي أحمد بن جحش.

(7)

في هامش الأصل: «عمار» من نسخة أخرى، والمثبت من المتن موافق لما عند ابن سعد.

ص: 34

وسكت المسلمون. وهذا كان عام الفتح، فلما دخل مكة في حجة الوداع قيل له: ألا تنزل في دارك؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من دارٍ؟!» .

قال الشيخ

(1)

: وهذا الحديث قد استدل به طوائف على مسائل:

فالشافعي احتج به على جواز بيع رباع مكة، وليس في الحديث أنه باعها. قلت: الشافعي إنما احتج بإضافة الدار إليه بقوله «في دارك» وأردفه بقوله تعالى: {وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ} [آل عمران: 195]. والمنازعون له يقولون: الإضافة قد تصح بأدنى ملابسةٍ، فهي إضافة اختصاصٍ لا إضافة ملكٍ، لأن الله سبحانه جعل الناس في الحرم سواءً العاكفُ فيه والباد.

المسألة الثانية: المنع من توريث المسلم من الكافر، فإنه قد روي أنه قاله عقيب هذا القول

(2)

، وكان قد استولى على بعضها بطريق الإرث من أبي طالب، وعلى بعضها بطريق القهر والغلبة. والظاهر أنه استولى على نفس ملك النبي صلى الله عليه وسلم وداره التي هي له، فإنه قيل له: ألا تنزل في دارك؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من دارٍ؟» يقول: هو أخذ داري ودار غيري من بني هاشم. وكان عقيل لم يُسلم بعد، بل كان على دين قومه، وكان حمزة وعبيدة بن الحارث وعلي وغيرهم قد هاجروا إلى المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وجعفر هاجر إلى الحبشة، فاستولى عقيل على رباع النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رباع آل أبي طالب.

(1)

أي شيخ الإسلام.

(2)

كما عند أحمد (21752) والبخاري (4282، 4883).

ص: 35

وأمَّا رباع العباس فالعباس كان مستوليًا عليها، وكذلك الحارث بن عبد المطلب كان بمكة ابنه أبو سفيان وابنه ربيعة.

وأمَّا أبو طالب فلم يبقَ له بمكة إلا عقيل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له أخٌ فاستولى عقيل على هذا وهذا. فلهذا قال:«وهل ترك لنا عقيل من رِباع؟» ، وإلا فبأيِّ طريقٍ يأخذ ملك النبي صلى الله عليه وسلم وهو حيٌّ، ولم يكن هو وارثَه لو كان يُورَث؟

فتبيَّن بهذا أنَّ الكفار المحاربين إذا استولَوا على أموال المسلمين ثم أسلموا كانت لهم، ولم تُرَدَّ إلى المسلمين، لأنها أخذت في الله وأجورهم فيها على الله، كما أتلفه الكفار من دمائهم وأموالهم، فالشهداء لا يُضمَنون، ولو أسلم قاتِلُ الشهيد لم يجب عليه دية ولا كفارةٌ بالسنة المتواترة واتفاق المسلمين. وقد أسلم جماعةٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد عرف مَن قتلوه، مثل وحشي بن حربٍ قاتل حمزة، ومثل قاتل النعمان بن قَوقَل

(1)

وغيرهما، فلم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا بشيء عملًا بقوله:{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَر لَّهُم مَّا قَد سَّلَفَ} [الأنفال: 38].

وكذلك المرتدون: قد أسلم طُليحة الأسدي بعد رِدَّته وقد قتل عُكَاشَة بن مِحصَن، فلم يُضَمِّنه أبو بكر وعمر وسائر الصحابة لا ديةً ولا كفارةً. وكذلك سائر من قتله المرتدون والمحاربون لمَّا عادوا إلى الإسلام لم يُضمِّنهم المسلمون شيئًا من ذلك.

(1)

قتله صفوان بن أميَّة بن خلف الجمحي، أسلم بعد الفتح فحسُن إسلامه. انظر:«طبقات ابن سعد» (3/ 507) و «صحيح مسلم» (2313).

ص: 36

وهذا فيه نزاعٌ في مذهب الشافعي وأحمد، وطائفةٌ من أصحابهما ينصرون الضمان. وكثيرٌ من متأخري أصحاب أحمد يظن أن هذا هو ظاهر مذهبه، وأن عدم الضمان هو قول أبي بكر عبد العزيز

(1)

، ولم يعلم أن أحمد نصَّ على قول أبي بكر

(2)

، وأن أهل الردة والمحاربين لا يضمنون ما أتلفوه من النفوس والأموال كأهل الحرب الكفار الأصليين، فإنَّ هؤلاء ليس فيهم خلاف، وإنما النزاع في المرتدين والبُغاة المتأولين فإن فيهم نزاعًا في مذهب الشافعي وأحمد. والصواب فيهم الذي عليه الجمهور، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وغيرهما.

وكذلك البُغاة المتأوِّلون من أهل القبلة كالمقتتلين بالجَمَل وصِفِّين لا يضمنون ما أتلفه بعضهم على بعض في القتال، وهذا هو المنصور عند أصحاب أحمد.

قال الزهري: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فأجمعوا أنَّ كلَّ دمٍ أو فرج

(3)

أصيب بتأويل القرآن فإنَّه هدرٌ، أنزَلُوهم منزلة الجاهلية

(4)

.

(1)

غلام الخلال. انظر: «الفروع» (10/ 204) و «الإنصاف» (27/ 158).

(2)

في رواية مهنَّا. انظر: «جامع الخلال» (2/ 514) و «المغني» (12/ 297).

(3)

في المطبوع: «جرح» ، خلاف الأصل ومصادر التخريج.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (18584) وابن أبي شيبة (28542) والخلال في «السنة» (125) ــ ولفظه أتمُّ ــ والبيهقي (8/ 174) بنحوه. وإسناده صحيح إلى الزهري.

هذا، وذِكرُ قول الزهري عقب ذكر الجمل وصفين يوحي أن المراد بالفتنة في قول الزهري تانك الوقعتان. وكذا قال الألباني في «الإرواء» (2465): هي وقعة صفين. ولكن ظاهر ما نقله الخلال (122، 123) عن أحمد يدل على أن المراد بها فتنة الخوارج والحرورية. وهو الصواب، فإن المقتتلين بالجمل وصفين لم يستحلُّوا الفروج بخلاف الخوارج. والله أعلم.

ص: 37