الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
المذهب السابع: أنَّ حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والآخرة
. فلا يُفرَدون عنهم بحكم في الدارين؛ فكما أنَّهم منهم في الدنيا، فهم منهم في الآخرة.
والفرق بين هذا المذهب وبين مذهب من يقول: هم في النار= أنَّ صاحب هذا المذهب يجعلهم معهم تبعًا لهم، حتى لو أسلم الأبوان بعد موت أطفالهما لم يحكم لأفراطهما بالنار. وصاحب القول الآخر يقول: هم في النار، لكونهم ليسوا بمسلمين، ولم يدخلوا النار تبعًا.
وهؤلاء يحتجون بحديث عائشة رضي الله عنها الذي تقدم ذكره أنهم في النار
(1)
.
وبما في «الصحيحين»
(2)
من حديث الصَّعب بن جَثَّامة: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يُبيَّتون فيُصِيبون من نسائهم وذراريهم، فقال:«هم منهم» .
ومثله حديث الأسود بن سريع، وقد تقدم
(3)
.
واحتجُّوا بحديث ابن مسعود: «الوائدة والموءودة في النار» ، فدخلت الوائدة النار بكفرها، والمَوءُودة تبعًا لها.
قالوا: وكما أنَّ إتباع ذرية المؤمنين بآبائهم كان إكرامًا لهم وزيادةً في
(1)
انظر: (ص 223 - 224).
(2)
البخاري (3012) ومسلم (1745)، وقد تقدَّم.
(3)
(ص 114)، ولم يتبيَّن وجهُ كونِه مثل حديث الصعب بن جثَّامة، فليُنظر.
ثوابهم، وأنَّ الإتباع إنَّما استُحِقَّ بإيمان الآباء، فإذا انتفى إيمان الآباء انتفى الإتباع الذي تحصل به النجاة.
ولا حجةَ لهم في شيء من ذلك.
أمَّا حديث عائشة فالصحيح فيه ما تقدَّم ذكره وجوابُ النبي صلى الله عليه وسلم لها بقوله: «الله أعلم بما كانوا عاملين» . وأما حديثها الآخر وهو قوله: «هم في النار» فلا يصح، وقد تقدم الكلام عليه
(1)
.
وأما قوله: «هم من آبائهم» فليس فيه تعرُّضٌ للعذاب، وإنَّما فيه أنَّهم منهم في الحكم، وأنَّهم إذا أصيبوا في البَيَات لم يضمنوا، وهذا مصرَّحٌ به في حديث الصعب والأسود بن سريع أنه في الجهاد.
وأيضًا فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: «هم من آبائهم» ، ولم يقل: هم مع آبائهم، وفرقٌ بين اللفظين. وكونهم «منهم» لا يقتضي أن يكونوا معهم في الآخرة، بخلاف كونهم «منهم» ، فإنَّه يقتضي أن تثبت لهم أحكامُ الآباء في الدنيا من التوارث والحضانة والولاية وغير ذلك من أحكام الإيلاد، والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث، والمؤمن من الكافر. والحديث إنَّما دلَّ على أنَّهم «من آبائهم» . وهذا لا شكَّ فيه أنَّهم يُولَدوا
(2)
منهم، ولم يُرِد النبي صلى الله عليه وسلم الإخبار بمجرَّد ذلك، وإنَّما أراد أنَّهم منهم في الحكم. وهو لم يقُلْ: على دين آبائهم.
فإن قيل: لو لم يكونوا على دينهم، وكانوا على الحنيفيَّة كما ذكرتم
(1)
(ص 224).
(2)
كذا في الأصل.
لوجب أن يُصلَّى عليهم إذا ماتوا، وأن يُدفَنوا في مقابر المسلمين، وأن يرثهم أقاربُهم المسلمون، وأن لا يمكَّن أبواهم من تهويدهم وتنصيرهم، إذ لا يجوز تمكين الكافر من تهويد المسلم وتنصيره. فدلَّ انتفاء هذا كلِّه على أنَّهم منهم في الدين وأنَّهم تبعٌ لهم فيه، كما أنَّ أطفال المسلمين منهم في الدين وأنَّهم تبعٌ لهم فيه.
قيل: هكذا نقول سواءً إذا لم يكن الطفل مع أبويه أو كافله مِن أقاربه، عملًا بمقتضى الفطرة والحنيفية التي خُلِقوا عليها.
وأمَّا إذا كان الطفل بين أبويه، فإنَّ الذي خلقه على الفطرة والحنيفية أقرَّ أبويه على تربيته وتهويده وتنصيره. وذلك لضرورة بقاء نوع الكفار في الأرض، إذ لو مُنِع من ذلك ــ فالآباء يموتون والأطفال يحكم لهم بحكم الإسلام ــ لانْقَطَع الكفرُ من الأرض، وكان الدين كلُّه دينَ الإسلام وبطل الجهاد. والحكمة الإلهية اقتضت أن يكون في الأرض الكفار والمسلمون، والأبرار والفجار، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
وليس ترك الصلاة عليهم ما يوجب أن يكونوا كفارًا مخلَّدين، فالشهداء ــ وهم من أفاضل المسلمين ــ لا يصلى عليهم.
وأمَّا انقطاع التَّوَارُث بينهم وبين أقاربهم المسلمين فلا يقتضي أيضًا أن يكونوا كفارًا في أحكام الآخرة، فالعبد المسلم لا يرث ولا يورث. وكثيرٌ من العلماء يُورِّث المسلمَ مالَ المرتد إذا مات على رِدَّته، وهذا القول هو الصحيح، وهو اختيار شيخنا
(1)
. وهذا معاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي
(1)
انظر: «الاختيارات» للبعلي (ص 283) و «الفروع» (8/ 65).