الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهِم في الحديث وقال: نهى أن ينقش عربيًّا
(1)
.
وقد يقال: إنَّ ذلك من باب سدِّ الذَّرِيعة، حتى يُصَان ذلك النقش عن المُحاكاة، فنهى عن النقش بالعربية مطلقًا، ولهذا نظائر في الشريعة لمَن تأمَّلها.
فصل
قالوا: (ولا نتكنَّى بكناهم)
.
وهذا لأنَّ الكُنْيَة وُضِعت تعظيمًا وتكريمًا للمَكْنِيِّ بها كما قال
(2)
:
أَكْنيه حين أُناديه لأكرمه
…
ولا ألقِّبُه والسَّوأةَ اللَّقَبا
وأيضًا ففي تكنِّيهم بكُنى المسلمين اشتباهٌ بالكنية، والمقصود التمييز حتى في الهيئة والمركب واللباس.
فإن قيل: فما تقولون في جواز تسمِّيهم بأسماء المسلمين كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الله وعبد الرحمن وما أشبهها؟
قيل: هذا موضع فيه تفصيلٌ، فنقول: الأسماء ثلاثة أقسام: قسمٌ يختص المسلمين، قسمٌ يختص الكفار، قسمٌ مشتركٌ.
فالأول: كمحمد وأحمد وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة
(1)
ولعل الراوي التبس عليه ما رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بما رواه أنس عن عمر.
(2)
قاله بعض الفزاريين مع بيت آخر بعده، كما في «حماسة أبي تمام» (3/ 1146 - شرح المرزوقي).
والزبير، فهذا النوع لا يمكَّنون من التسمِّي به، والمنع منه أولى من المنع من التكنِّي بكُنى
(1)
المسلمين، فصيانة هذه الأسماء عن أخابث خلق الله أمرٌ جسيمٌ.
والثاني: كجِرجِس وبُطرُس ويُوحَنَّا ومَتَّى ونحوها، فلا يُمنَعون منه ولا يجوز للمسلمين أن يتسمَّوا بذلك، لِما فيه من المشابهة فيما يختصون به.
والنوع الثالث: كيحيى وعيسى وأيوب وداود وسليمان وزيد وعمرو
(2)
وعبد الله وعطية وموهوب وسلام ونحوها، فهذا لا يمنع منه أهل الذمة ولا المسلمون.
فإن قيل: فكيف تمنعونهم من التسمِّي بأسماء المسلمين وتمكِّنونهم من التسمية بأسماء الأنبياء كيحيى وعيسى وداود وسليمان وإبراهيم ويوسف ويعقوب؟
قيل: لأنَّ هذه الأسماء قد كثر اشتراكها بين المسلمين والكفار بخلاف أسماء الصحابة واسم نبيِّنا صلى الله عليه وسلم فإنَّها مختصَّة، فلا يمكَّن أهل الذمة من التسمِّي بها.
وقد قال الخلال في «الجامع»
(3)
: بابٌ في أهل الذمة يكنون. أخبرني حربٌ قال: قلت لأحمد: أهل الذمة يكنون؟ قال: نعم لا بأس، وذكر أنَّ عمر بن الخطاب قد كنى.
(1)
في الأصل: «بكناية» ، ولعل:«ية» مقحم فيه خطأً.
(2)
في الأصل والمطبوع: «وعمر» ، خطأ. وقد سبق «عمر» في قسم يختص المسلمين.
(3)
(2/ 464 - 465).
أخبرني محمد بن أبي هارون أن إسحاق بن إبراهيم حدَّثهم قال: رأيت أبا عبد الله كنى نصرانيًّا طبيبًا، قال: يا أبا إسحاق. ثم أخرج إليَّ فيه بابًا.
أخبرنا أحمد بن محمد بن حازم، حدثنا إسحاق
(1)
بن منصور
(2)
أنَّه قال لأبي عبد الله: يُكرَه أن يُكْنى المشرك
(3)
؟ فقال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل على
(4)
سعد بن عبادة قال: «ما ترى ما يقول أبو الحُبَاب
(5)
؟»
(6)
.
أخبرني محمد بن أبي هارون أنَّ أبا الحارث حدَّثهم قال: سألت أبا عبد الله: أيكنى الذمي؟ قال: نعم، قد روي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأُسقُف نجران:«أَسلِم يا أبا الحارث»
(7)
.
أخبرني أحمد بن محمد بن مطر، وزكريا بن يحيى، قالا: حدثنا أبو طالب أنَّه سأل أبا عبد الله: يَكْني الرجلُ أهل الذمة؟ قال: قد كَنَى النبي صلى الله عليه وسلم أسقف نجران، وعمر رضي الله عنه قال: يا أبا حسان؛ إن كنى أرجو أنه لا بأس به.
(1)
بعده في الأصل: «ثم أخرج» ، أُقحم سهوًا لانتقال النظر إلى السطر السابق.
(2)
وهو في «مسائله» (2/ 597).
(3)
في الأصل: «المسلم» ، خطأ.
(4)
في الأصل: «عليه» ، تصحيف.
(5)
كذا، وفي «الجامع» ومصادر التخريج:«أبو حُباب» . وهو عبد الله بن أبيٍّ ابنُ سلول، وكان مشركًا آنذاك، لم يُسلم بعدُ.
(6)
أخرجه أيضًا في «مسنده» (21767) والبخاري (4566) ومسلم (1798) من حديث أسامة بن زيد.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (19220) وابن أبي شيبة (38175) من حديث قتادة مرسلًا.
أخبرني محمد
(1)
بن علي، حدثنا مُهَنَّا قال: سألت أحمد: هل يصلح تكنِّي
(2)
اليهودي والنصراني؟ فحدثني أحمد، عن ابن عيينة، عن أيوب، عن يحيى بن أبي كثير أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لنصراني: أسلم يا أبا حسان، أَسلِم تَسْلَم
(3)
.
قلت: ومدار هذا الباب وغيره ممَّا تقدَّم على المصلحة الراجحة، فإن كان في كنيته، [و] تمكينه من اللباس وترك الغيار، والسلام عليه أيضًا، ونحوِ ذلك تأليفًا
(4)
له، ورجاءَ إسلامه وإسلام غيره= كان فعله أولى، كما يُعطِيه من مال الله لتألُّفه على الإسلام، فتألُّفه بذلك أولى. وقد ذكر وكيعٌ عن ابن عباس أنَّه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: سلامٌ عليك
(5)
.
ومَن تأمَّل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تأليفهم الناسَ على الإسلام بكلِّ
(1)
في الأصل: «علي» ، تصحيف.
(2)
هذا مقتضى النقط في الأصل، ويصح:«نكني» كما في مطبوعة «الجامع» .
(3)
لم أجده عند غيره. وهو مرسل، يحيى بن أبي كثير لم يُدرك عمر.
(4)
كذا في الأصل على توهُّم كونه خبر «كان» .
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (26262) والخلال في «الجامع» (2/ 467) عن ابن عباس بإسنادٍ فيه رجل مبهم. وأخرجه ابن حبَّان (6556) من طريق آخر ــ رواته كلُّهم ثقات ــ عن ابن عباس مرفوعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى حبر تَيماء فسلَّم عليه. وهذا الرفع وهم من بعض الرواة، فإن الذي كتب إلى الحَبْرِ ابنُ عباس، كتب إليه يسأله عن بعض الآيات كيف تفسيرها في أسفارهم، كما جاء مطوَّلًا عند سعيد بن منصور (898 - تفسير) والطبري (9/ 438) وابن أبي حاتم (3/ 761).
طريقٍ تبيَّن له حقيقة الأمر، وعلم أنَّ كثيرًا من هذه الأحكام التي ذكرناها من الغيار وغيره تختلف باختلاف الزمان والمكان والعجز والقدرة والمصلحة والمفسدة.
ولهذا لم يغيِّرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه، وغيَّرهم عمر رضي الله عنه. والنبي صلى الله عليه وسلم قال لأسقف نجران:«أَسلِم يا أبا الحارث» تأليفًا له واستدعاءً لإسلامه، لا تعظيمًا له وتوقيرًا.
فصل
وأمَّا أن يخاطب بسيدنا ومولانا ونحوِ ذلك فحرامٌ قطعًا. وفي الحديث المرفوع: «لا تقولوا للمنافق سيِّدنا، فإن يكنْ سيِّدَكم فقد أَغضَبتُم ربَّكم»
(1)
.
وأمَّا تلقيبهم بمُعِزِّ الدَّولة وعَضُد الدَّولة ونحو ذلك فلا يجوز، [كما أنَّه لا يجوز]
(2)
أن يُسمَّى سديدًا ولا رشيدًا ولا مؤيَّدًا ولا صالحًا ونحو ذلك.
ومن تَسمَّى بشيء من هذه الأسماء لم يَجُز للمسلم أن يدعوه به، بل إن
(1)
أخرجه أحمد (22939) والبخاري في «الأدب المفرد» (760) وأبو داود (4977) والنسائي في «الكبرى» (10002) وغيرهم من حديث قتادة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه. رواته ثقات إلا أن قتادة لا يُعرَف له سماعًا من عبد الله بن بريدة، كما قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 12) وغيرُه. وتابع قتادةَ عقبةُ بن عبد الله الأصم عند الحاكم (4/ 311)، ولكن عقبة هذا ليس بثقة، ولعله أخذه عن قتادة فدلَّسه، فهو ممن يروي عن قتادة.
(2)
ما بين الحاصرتين زاده صبحي الصالح لإقامة السياق، والظاهر أنه سقط من الأصل نحوُها لانتقال النظر.