الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
في أحكام البيع والكنائس
قال تعالى: {وَأَنَّ اَلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اَللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، وقال:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اَللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اَسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَاَلْأصَالِ} [النور: 36]، وقال تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اُللَّهِ اِلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَت صَّوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اَسْمُ اُللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40].
قال الزجاج
(1)
: تأويل هذا: لولا دفعُ الله الناسَ بعضَهم ببعضٍ لهُدِّم في كل شريعة نبيٍّ المكانُ الذي يُصلَّى فيه، فلولا الدفع لهُدِّم في زمن موسى الكنائسُ التي كان يُصلَّى فيها في شريعته، وفي زمن عيسى الصَّوامعُ والبِيَع، وفي زمن محمدٍ المساجد.
وقال الأزهري
(2)
: أخبر الله سبحانه أنَّه لولا دفعه بعضَ الناس عن الفساد ببعضهم لهُدِّمت متعبَّداتُ كلِّ فريق من أهل دينه وطاعته في كل زمان. فبدأ بذكر الصَّوامع والبيع لأنَّ صلوات مَن تقدَّم من أنبياء بني إسرائيل وأصحابهم كانت فيها قبل نزول القرآن، وأُخِّرت المساجد لأنَّها حدثَت بعدهم.
(1)
في «معاني القرآن» (3/ 431)، والمؤلف صادر عن «البسيط» (15/ 432) هنا وفي الأقوال الآتية.
(2)
في «تهذيب اللغة» (3/ 239).
وقال ابن زيد: الصَّلَوات صلوات أهل الإسلام تنقطع إذا دخل عليهم العدو
(1)
.
قال الأخفش
(2)
: وعلى هذا القول الصلوات لا تُهدَّم، ولكن يحلُّ
(3)
محلَّ فعلٍ آخر، كأنَّه قال: تركت صلواتٌ.
وقال أبو عبيدة
(4)
: إنما يعني مواضع الصلوات.
وقال الحسن: يدفع عن مصلَّيات أهل الذمة بالمؤمنين
(5)
.
وعلى هذا القول لا يحتاج إلى التقدير الذي قدَّره أصحاب القول الأول. وهذا ظاهر اللفظ ولا إشكال فيه بوجه، فإنَّ الآية دلَّت على الواقع، لم تدلَّ على كون هذه الأمكنة ــ غير المساجد ــ محبوبةً مرضيَّةً له، لكنَّه أخبر أنه لولا دفعه الناس بعضهم ببعضٍ لهُدِّمَت هذه الأمكنة التي كانت محبوبةً له قبل الإسلام وأقرَّ منها ما أقرَّ بعده وإن كانت مسخوطةً له، كما أقرَّ أهلَ الذِّمة، وإن كان يُبغِضهم ويَمقُتهم ويدفع عنهم بالمسلمين مع بُغضِه لهم. وهكذا يدفع عن مواضع متعبَّداتهم بالمسلمين وإن كان يُبغِضها، وهو
(1)
أخرجه الطبري (16/ 585).
(2)
في «معاني القرآن» (2/ 451).
(3)
كذا في الأصل، أي: يحلُّ فِعْلُ «هدمت» محلَّ «تُركت» . وفي مطبوعة «البسيط» : «ولكن يُحمَل على فعلٍ آخر» . وفي مطبوعة «المعاني» : «ولكن حمله
…
».
(4)
في «مجاز القرآن» (2/ 52) ولفظه: «مجازها مصلَّيات»
(5)
ذكره عن الحسن أيضًا الجصَّاص في «أحكام القرآن» (5/ 83) والثعلبي في «الكشف والبيان» (18/ 376).
سبحانه يدفع عن متعبداتهم التي أُقِرُّوا عليها شرعًا وقدرًا، فهو يُحِب الدَّفع عنها وإن كان يُبغِضها، كما يحب الدفع عن أربابها وإن كان يُبغِضهم.
وهذا القول هو الراجح إن شاء الله تعالى. وهو مذهب ابن عباس في الآية. قال ابن أبي حاتمٍ في «تفسيره»
(1)
: حدثنا أبو سعيد الأشجُّ: حدثنا عبيد الله هو ابن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عمَّن حدَّثه عن ابن عباس رضي الله عنهما:{لَّهُدِّمَت صَّوَامِعُ وَبِيَع} ، قال: الصوامع: التي يكون [فيها]
(2)
الرهبان، والبيع: مساجد اليهود، وصلوات: كنائس النصارى، والمساجد: مساجد المسلمين.
قال ابن أبي حاتم
(3)
: وأخبرنا الأشج، ثنا حفص بن غياث، عن داود، عن أبي العالية قال:{لَّهُدِّمَت صَّوَامِعُ} ، قال: صوامع وإن كان يُشرَك به! وفي لفظ: إنَّ الله يُحِب أن يُذكَر ولو من كافر.
وفي تفسير شيبان عن قتادة: الصوامع للصابئين، والبِيَع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين
(4)
.
وقد تضمَّن الشرط ذِكر الدَّير والقَلَّاية والكنيسة والصومعة.
(1)
ليس في القدر المطبوع على المخطوط. وهو في «الدر المنثور» (10/ 500)، وعزاه إلى عبد بن حميد أيضًا.
(2)
مستدرك من «الدر المنثور» .
(3)
لم أجده مخرَّجًا عند غيره، ولا ذكره في «الدر المنثور» .
(4)
أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (2/ 39) والطبري (16/ 581 - 585) من طريق معمر عن قتادة. وعزاه في «الدر المنثور» (10/ 501 - 502) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
فأمَّا الدَّير فللنصارى خاصَّةً يبنونه للرهبان خارج البلد، يجتمعون فيه للرهبانية والتفرَّد عن الناس.
وأمَّا القَلَّاية فيَبْنيها رهبانُهم مرتفعةً كالمنارة. والفرق بينها وبين الدير أنَّ الدير يجتمعون فيه، والقلاية لا تكون إلا لواحد ينفرد بنفسه، ولا يكون لها بابٌ بل فيه
(1)
طاقةٌ يتناول منها طعامه وشرابه وما يحتاج إليه
(2)
.
وأمَّا الصومعة فهي كالقلَّاية تكون للراهب وحدَه. قال الأزهري
(3)
: الصومعة من البناء سُمِّيت صومعةً لتلطُّف أعلاها. يقال: (صمَّع الثريدةَ) إذا رفع رأسها وحدَّده، وتُسمَّى الثريدة إذا كانت كذلك صومعةً. ومن هذا يقال:(رجل أصمع القلب) إذا كان حادَّ الفِطنة.
ومنهم من فرَّق بين الصومعة والقلاية بأنَّ القلاية تكون منقطعةً في فلاةٍ من الأرض، والصومعة تكون على الطُّرق.
وأمَّا البِيَع فجمع بِيعة، وأهل اللغة والتفسير على أنَّها مُتعبَّد النصارى، إلَّا ما حكيناه عن ابن عباس أنَّه قال: البيع مساجد اليهود.
وأمَّا الكنائس فجمع كنيسة، وهي لأهل الكتابين، ولليهود خاصَّةً الفُهُر بضم الفاء والهاء
(4)
، واحدها فُهْر، وهو بيت المِدْرَاس الذي يتدارسون فيه
(1)
كذا في الأصل.
(2)
وفي «تكملة المعاجم العربية» (8/ 374) ما يفيد أن القلاية إحدى الحجرات التي تبنى حول الدير لتكون مساكن للرهبان. والجمع: القلالي.
(3)
في «تهذيب اللغة» (2/ 60 - 61)، والمؤلف صادر عن «البسيط» (15/ 430).
(4)
كذا، والمعروف في جمعه:«الفُهُور» . انظر: «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 2/75).