الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قولهم: (ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها
في الليل والنهار، وأن نوسِّع أبوابها للمارَّة وابن السبيل).
هذا صريحٌ في أنَّهم لم يملكوا رِقابها كما يملكون دُورهم، إذ لو ملكوا رقابها لم يكن للمسلمين أن ينزلوها إلا برضاهم كدورهم، وإنَّما مُتِّعوها إمتاعًا، وإذا شاء المسلمون نزعوها
(1)
منهم فإنَّها ملك المسلمين، فإنَّ المسلمين لمَّا ملكوا الأرض لم يستبقوا الكنائس والبِيَع على ملك الكفار، بل دخلت في ملكهم كسائر أجزاء الأرض، فإذا نزلها المارَّة بالليل أو النهار فقد نزلوا في نفس ملكهم.
فإن قيل: فما فائدة الشرط إذا كان الأمر كذلك؟
قيل: فائدته أنَّهم لا يتوهَّمون بإقرارهم فيها أنَّها كسائر دُورِهم ومنازلهم التي لا يجوز دخولها إلَّا بإذنهم.
وممَّا يدلُّ على ذلك أنَّها لو كانت ملكًا لهم لم يجُزْ للمسلمين الصلاة فيها إلا بإذنهم، فإنَّ الصلاة في ملك الغير بغير إذنه ورضاه صلاةٌ في المكان المغصوب وهي حرام، وفي صحَّتها نزاعٌ معروفٌ، وقد صلَّى الصحابة في كنائسهم وبِيَعهم
(2)
.
(1)
في الأصل والمطبوع: «نزلوها» ، تصحيف.
(2)
انظر: «مصنف ابن أبي شيبة» (4896 - 4906) و «الأوسط» لابن المنذر (2/ 318 - 319).
واختلفت الرواية عن أحمد في كراهة الصلاة في البِيَع والكنائس، فعنه ثلاث روايات: الكراهة، وعدمها، والتفريق بين المصوَّرة فتُكرَه الصلاةُ فيها وغير المصوَّرة فلا تُكرَه، وهي ظاهر المذهب. وهذا منقول عن عمر وأبي موسى
(1)
.
ومن كره الصلاةَ فيها احتجَّ بأنَّها من مواطن الكفر والشرك، فهي أولى بالكراهة من الحمام والمَقبرة والمزبلة.
وبأنَّها من أماكن الغضب.
وبأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أرض بابل، وقال:«إنها ملعونةٌ»
(2)
، فعلَّل منعَ الصَّلاة فيها باللعنة. وهكذا كنائسهم هي مواضع اللعنة والسُّخْطَة والغضب ينزل عليهم فيها، كما قال بعض الصحابة: اجتَنِبُوا اليهودَ والنصارى في أعيادهم، فإنَّ السُّخْطة تنزل عليهم
(3)
.
وبأنَّها من بيوت أعداء الله، ولا يُتعبَّد الله في بيوت أعدائه.
ومَن لم يكرهها قال: قد صلَّى فيها الصحابة، وهي طاهرةٌ، وهي ملكٌ من أملاك المسلمين. ولا يضُرُّ المصلِّيَ شركُ المشرك فيها، فذلك يُشرك
(4)
(1)
وابن عباس. انظر: «صحيح البخاري» (باب الصلاة في البيعة) والمصادر السابقة.
(2)
أخرجه أبو داود (490، 491) ــ ومن طريقه البيهقي (2/ 451) ــ من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وإسناده ضعيف، فيه جهالة وإرسال. قال ابن عبد البر في «التمهيد» (5/ 223): إسناده ضعيف مجمع على ضعفه، وهو منقطع غير متصل بعليٍّ. وانظر:«أنيس الساري» (3912).
(3)
قاله عمر رضي الله عنه، وسيأتي تخريجه (ص 347).
(4)
في الأصل: «شرك» ، ولعل المثبت أشبه.