الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(1)
قولهم: (ولا نضرب نواقيسنا إلا ضربًا خفيًّا في جوف كنائسنا)
.
لمَّا كان الضرب بالناقوس هو شعارَ الكفر وعَلَمَه الظاهر اشتُرِط عليهم تركُه. وقد تقدَّم
(2)
قول ابن عباس رضي الله عنهما: أيُّما مصرٍ مصَّرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعةً، ولا يضربوا فيه ناقوسًا، ولا يشربوا فيه خمرًا. ذكره أحمد. وتقدَّم
(3)
نصُّه في رواية ابنه عبد الله: ليس لليهود والنصارى أن يُحدِثوا في مصرٍ مصَّره المسلمون بيعةً ولا كنيسةً، ولا يضربوا فيه بناقوسٍ إلا فيما كان لهم صلحًا، وليس لهم أن يظهروا الخمر في أمصار المسلمين.
وقال في رواية أبي طالب
(4)
: السواد فتح بالسيف، فلا تكون فيه بيعةٌ، ولا يضرب فيه بناقوسٍ، ولا تتخذ فيه الخنازير، ولا يشرب فيه الخمر، ولا يرفعوا أصواتهم في دورهم.
وقال في رواية حنبل
(5)
: وليس لهم أن يحدثوا بيعةً ولا كنيسةً لم تكن، ولا يضربوا ناقوسًا، ولا يرفعوا صليبًا، ولا يظهروا خنزيرًا، ولا يرفعوا نارًا،
(1)
هذا الفصل وما بعده من الفصول إلى (ص 362) عامَّتها تندرج تحت الفصل الخامس من الفصول التي تدور عليها الشروط العمرية على ما ذكره المؤلف في (ص 278)، وهو «فيما يتعلَّق بإظهار المُنكَر من أفعالهم وأقوالهم ممَّا نُهُوا عنه» .
(2)
(ص 288 - 289).
(3)
(ص 289).
(4)
«الجامع» (2/ 423).
(5)
«الجامع» (2/ 424).
ولا شيئًا مما يجوز لهم. وعلى الإمام أن يمنعهم من ذلك، السلطان يمنعهم من الإحداث إذا كانت بلادهم فتحت عنوةً. وأمَّا الصلح فلهم ما صُولِحوا عليه يُوفى لهم به. وقال: الإسلام يعلو ولا يعلى، ولا يظهرون خمرًا.
وقال الخلال في «الجامع»
(1)
: أخبرني محمد بن جعفر بن سفيان، حدثنا عبيد بن جَنَّادٍ، حدثنا إسماعيل بن عياشٍ، عن صفوان بن عمرٍو قال: كتب عمر رضي الله عنه: أنَّ أحقَّ الأصوات أن تُخفَض أصوات اليهود والنصارى في كنائسهم.
وقال الفريابي
(2)
: حدثنا أبو الأسود قال: كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: أن لا يضرب بالناقوس خارجًا من الكنيسة.
وقال أبو الشيخ في «كتاب شروط عمر»
(3)
: حدثنا طاهر بن عبد الله بن محمد، حدثنا أبو زرعة قال: سمعت علي بن أبي طالب
(4)
الرازي يقول:
(1)
(2/ 424)، وتصحَّف فيه «جناد» إلى «حمَّاد» .
(2)
رسمه غير محرر في الأصل، والمثبت هو الصواب، فأبو الأسود هو مجاهد بن فرقد الشامي (لا النضر بن عبد الجبار)، والفريابي ممن يروي عنه. ولم أجد من أخرج الأثر.
(3)
في عداد المفقود. وأخرجه أيضًا أبو محمد الحسن الخلال (ت 439) في «فضائل سورة الإخلاص» (49) من طريق أبي بكر البرديجي: ثنا أبو زرعة وأبو حاتم، قالا: ثنا عيسى بن أبي فاطمة ــ رازي ثقة ــ قال: سمعت مالك بن أنس. ونقله القرطبي في «تفسيره» (20/ 249) عن بعض كتب الخطيب البغدادي، وعزاه في «الدر المنثور» (15/ 757) إلى الطبراني.
(4)
كذا في الأصل. وفي مصادر التخريج: «عيسى بن أبي فاطمة» ، وهو الصواب، يروي عن مالك، وروى عنه أبو زرعة. انظر:«الجرح والتعديل» (6/ 279).
سمعت مالك بن أنس يقول: إذا نُقِس بالناقوس اشتدَّ غضب الرحمن عز وجل فتنزل الملائكة فتأخذ بأقطار الأرض، فلا تزال تقول:{قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ} حتى يسكن غضب الرب عز وجل.
وقال إسحاق بن منصور
(1)
: قلت لأبي عبد الله: للنصارى أن يظهروا الصليب أو يضربوا بالناقوس؟ قال: ليس لهم أن يظهروا شيئًا لم يكن في صلحهم.
وقال في رواية إبراهيم بن هانئ
(2)
: ولا يُترَكوا أن يجتمعوا في كل أحدٍ، ولا يظهروا خمرًا ولا ناقوسًا.
وقال في رواية يعقوب بن بختان: ولا يتركوا أن يجتمعوا في كل أحدٍ، ولا يظهروا لهم
(3)
خمرًا ولا ناقوسًا في كل مدينة بناها المسلمون. قيل له: يضربون الخيام في الطريق يوم الأحد؟ قال: لا، إلا أن تكون مدينة صولحوا عليها فلهم ما صولحوا عليه.
وقال في «النهاية»
(4)
: وإذا أبقيناهم على كنيستهم فالمذهب أنَّا نمنعهم من صوت النواقيس، فإن هذا بمثابة إظهار الخمور والخنازير. وأبعدَ بعضُ الأصحاب في تجويز تمكينهم من صوت النواقيس، فإنَّها من أحكام الكنيسة. قال: وهذا غلطٌ لا يُعتَدُّ به. انتهى.
(1)
«جامع الخلال» (2/ 424)، وهو في «مسائله» (2/ 548).
(2)
«الجامع» (2/ 425)، وكذا رواية يعقوب بن بختان الآتية.
(3)
«لهم» سقط من المطبوع.
(4)
«نهاية المطلب» للجويني (18/ 51)، وقد سبق النقل بأطول منه.
وأمَّا قولهم في كتاب الشروط: (ولا نضرب بالناقوس إلا ضربًا خفيًّا في جوف كنائسنا)، فهذا وجوده كعدمه، لأن الناقوس يعلَّق في أعلى الكنيسة كالمنارة ويُضرَب به فيُسمَع صوته من بُعدٍ، فإذا اشترط عليهم أن يكون الضرب به خفيًّا في جوف الكنيسة لم يُسمَع له صوتٌ فلا يُعتَدُّ به. فلذلك عطَّلوه بالكليَّة إذ لم يحصل به مقصودهم، وكان هذا الاشتراط داعيًا لهم إلى تركه.
وقد أبطل الله سبحانه بالأذان ناقوسَ النصارى وبُوقَ اليهود، فإنَّه دعوةٌ إلى الله سبحانه وتوحيده وعبوديته، ورفع الصوت به إعلاءً لكلمة الإسلام وإظهارًا لدعوة الحق وإخمادًا لدعوة الكفر.
فعوَّض عِبادَه المؤمنين بالأذان عن الناقوس والطُّنبور، كما عوَّضهم دعاء الاستخارة عن الاستقسام بالأزلام.
وعوَّضهم بالقرآن وسماعِه عن قرآن الشيطان وسماعه، وهو الغناء والمعازف.
وعوَّضهم بالمغالبة بالخيل والإبل والبهائم عن الغِلابات الباطلة كالنرد والشطرنج وأنواع القمار.
وعوَّضهم بيوم الجمعة عن السبت والأحد، وعوَّضهم الجهاد عن السِّياحة والرَّهبانية.
وعوَّضهم بالنكاح عن السِّفاح، وعوَّضهم بأنواع المكاسب الحلال عن الربا.
وعوَّضهم بإباحة الطيبات من المطاعم والمشارب عن الخبيث منها.
وعوَّضهم بعيد الفطر والنحر عن أعياد المشركين.
وعوَّضهم بالمساجد عن الكنائس والبِيَع والمشاهد.