الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحضرتهم، ولا تكون الخنازير مجاورةً لهم. ويجوز أن يكون بالزاي المعجمة، أي: لا نتعدَّى بها عليهم جهرةً، بل إذا أتينا بها إلى بيوتنا أتينا بها خفيةً بحيث لا يَطَّلعون على ذلك. والمعنيان صحيحان، وذلك يتضمَّن إخفاء الخمر والخنزير فيما بينهم، وأن لا يُظهروا بهما بين المسلمين كما لا يظهرون بسائر المنكرات.
فصل
وكذلك قولهم: (ولا نجاوز المسلمين بموتانا)
.
يجوز أن يكون بالزاي والراء، من المجاوزة والمجاورة، فإن كان بالمهملة فالمعنى اشتراط دفنهم في ناحية من الأرض، لا تجاور قبورُهم بيوتَ المسلمين ولا قبورَهم، بل تنفرد عنهم، لأنَّها محل العذاب والغضب، فلا تكون هي ومحل الرحمة في موضع واحد لِما يلحق المسلمين بذلك من الضرر.
وإن كان بالمعجمة من المجاوزة، فعادة
(1)
النصارى في أمواتهم يُوقِدون الشموع ويَزُفُّون بها الميت، ويرفعون أصواتهم بقراءة كتبهم، وقد منع جماعةٌ من الصحابة أن تتبع جنائزهم بنارٍ خوفًا من التشبُّه بهم. وعلى رواية الزاي المعجمة فليس لهم أن يحملوا أمواتهم في أسواق المسلمين ولا في الطرق الواسعة التي يمُرُّ بها المسلمون. وإنَّما يقصدون المواضع الخالية التي لا يراهم فيها أحدٌ من المسلمين.
(1)
في الأصل: «وعادة» ، ولعل المثبت أشبه.
قال أبو القاسم الطبري: إن كانت الرواية بالزاي فهو صريحٌ في المنع من جواز جنائزهم على المسلمين.
قال: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يُشبِه معنى هذا فيما أخبرنا محمد بن عبد الرحمن: حدثنا أبو بكر بن أبي داود
(1)
، ثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن أبي فُدَيك، حدثنا ابن أبي ذِئْب، عن نافع بن مالك، عن سعيد بن المسيّب أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«رُبَّ جنازةٍ ملعونةٌ، ملعونٌ مَن شهدها»
(2)
.
قال: فهذه جنائز أهل الذمة
(3)
.
قال: وإن كان بالراء المهملة فهو أنَّهم يُمنَعون من الدفن في مقابر المسلمين. قال: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا بريءٌ مِّن كلِّ مسلم مع مشرك» ، قيل: لِمَ يا رسول الله؟ قال: «لا تراءى ناراهما» . قلت: الحديث رواه أبو داود في «السنن»
(4)
.
(1)
في الأصل: «بن أبي بكر داود» ، خطأ. وهو أبو بكر عبد الله بن الإمام أبي داود صاحبِ السنن، روى عن أحمد بن صالح المصري، وروى عنه محمد بن عبد الرحمن بن العبَّاس «المخلِّص»: شيخُ أبي القاسم الطبري اللالكائي.
(2)
رواته ثقات، وهو مرسل. ولم أجده عند غيره.
(3)
يدلُّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير» . رواه أبو داود (4176) وأبو يعلى (1635) وغيرهما بإسنادٍ لا بأس به.
(4)
برقم (2645)، وأخرجه أيضًا الترمذي (1604) والبيهقي (8/ 131) وغيرهما، وقد سبق تخريجه مفصلًا (1/ 301 - 302).